بفضل الشبكة جديدة من التلسكوبات القادرة على تحديد إشارات لاسلكية منخفضة التردد أثناء قدومها من الفضاء الخارجي، سيتمكن علماء الفلك من التمعن مليّا وربما بشكل أعمق في الفضاء، وهو ما سيتيح لهم رؤية نشأة النجوم والمجرات الأولى في الكون.


التلسكوبات الجديدة يمكنها تحديد إشارات لاسلكية منخفضة التردد أثناء قدومها من الفضاء الخارجي

لندن: سيتمكن قريباً علماء الفلك، بفضل شبكة جديدة من التلسكوبات، أن يمعنوا النظر بشكل أعمق في الفضاء أكثر من أي وقت مضى، وهو ما سيتيح لهم رؤية نشأة النجوم والمجرات الأولى في الكون، بحسب ما ذكرت اليوم صحيفة الدايلي تلغراف البريطانية.

وباستخدام جهاز تلسكوب جديد يتسم بالقدرة على تحديد إشارات لاسلكية منخفضة التردد أثناء قدومها من الفضاء الخارجي، قال علماء إنهم سيتمكنون من النظر بشكل أعمق في الفضاء، ومن ثم مشاهدة الأحداث التي وقعت كذلك في ماضي الكون، بسبب ما تحتاجه الموجات اللاسلكية من وقت لكي تصل للأرض، عما كان ممكناً من قبل.

وقالت التلغراف إنه يتم الآن بناء شبكة مكونة من 77 تلسكوب من تلك التلسكوبات الجديدة بجميع أنحاء القارة الأوروبية، وأنهم سيدمجون مع اثنين من التلسكوبات اللاسلكية الأخرى في نصف الكرة الجنوبي لعرض السماوات بصورة غير مسبوقة.

ويأمل العلماء أن يعثروا على خيوط تساعدهم على كشف الطريقة التي تكونت من خلالها النجوم والمجرات الأولى من سحابة الغاز البارد الذي كان يُشكِّل الكون بعد الانفجار العظيم.

كما ستسمح التلسكوبات لعلماء الفلك بأن يمسحوا أقسام كبيرة من السماء في ليلة واحدة، ومن ثم زيادة فرص الكشف عن أشياء لم تكن تُرى من قبل في الفضاء.

وفي هذا الشأن، نقلت الصحيفة عن البروفيسور روب فيندر، عالم الفلك في جامعة ساوثهمبتون ويقود المشروع، قوله :quot; إن الكشف عن موجات لاسلكية منخفضة التردد يعني أن بمقدورنا النظر بشكل أعمق في الفضاء عما كان ممكناً من قبل، ويعني أننا سنتمكن من إجراء أول دراسات لوقتٍ عُرِفَ بعصر إعادة التأين. وكان ذلك وقت أن خرج الكون مما يطلق عليها العصور المظلمة في مليارات السنين الأولى بعد الانفجار العظيم وبعد أن بدأت تتكون النجوم والمجرات الأولى في الكونquot;.

وتابع فيندر في السياق عينه بالقول:quot; وبالنظر إلى ذلك مرة أخرى، يمكننا أن نأمل في اكتشاف المزيد عن الأسباب التي أدت لحدوث ذلك وما الشكل الذي كانت تبدو عليه تلك الأجزاء الأولى من الكون.

وتسمح لنا الموجات اللاسلكية منخفضة التردد برؤية الغاز المتواجد بين النجوم، وهو ما سيمكننا من الكشف عن المجرات الأكثر بعداًquot;.

واستناداً إلى النظريات القائمة بشأن الكون في بداياته، فإن الانفجار العظيم قد تسبب في خلق حساء من المادة البدائية التي بردت بصورة تدريجية على مدار مليون سنة، ما أدى لترك الكون مظلماً وبارداً.

وبعد مرور عدة مئات من ملايين السنين، بدأت تتشكل الذرات الأولى ونتج عنها تكون النجوم والثقوب السوداء الأولى.

وأوضحت الصحيفة أن الموجات اللاسلكية أُنشِئت بفضل أحداث عنيفة وكبيرة في الفضاء، مثل انفجار النجوم والثقوب السوداء، التي تقذف كميات هائلة من الطاقة.
ومن خلال البحث عن تلك الطاقة من أعماق الفضاء، يأمل علماء الفلك أن يتمكنوا من رؤية بعضاً من النجوم والمجرات الأولى أثناء تكونها.

وأشارت الصحيفة أيضاً إلى أن التلسكوبات اللاسلكية تُستخدم بالفعل في الكشف عن الموجات اللاسلكية منخفضة التردد التي تأتي من الفضاء وساعدت على اكتشاف النجوم النابضة وأشباه النجوم.

ومع هذا، فإن بمقدور الموجات اللاسلكية منخفضة التردد أن تبحر أبعد بكثير عبر الفضاء عن تلك الموجات التي يتم الكشف عنها الآن من جانب مجموعة الأطباق اللاسلكية التي يستخدمها علماء الفلك، وهو ما سيجعل الشبكة الجديدة من الأجهزة التي تُستَخدم في الكشف عن الموجات، ويطلق عليها quot;Lofarquot; أو quot;المجموعة منخفضة الترددquot; تتيح لعلماء الفلك أن يرون بعضاً من أكثر الأشياء بعداً في الكون.

وعندما تكتمل التجربة، سيتم إرسال بيانات تم تجميعها من شبكات هوائية منتشرة في جميع أنحاء أوروبا، بما في ذلك المملكة المتحدة وإيطاليا وفرنسا وألمانيا والسويد، إلى محور مركزي في شمال هولندا، قبل أن يقوم بتحليلها فيزيائيون فلكيون.

وسيتيح تلسكوب لاسلكي آخر، يتم تطويره الآن في جنوب إفريقيا ويطلق عليه quot;MeerKatquot;، لعلماء الفلك أن يراقبوا السماء في نصف الكرة الجنوبي جنباً إلى جنب مع تلسكوب لاسلكي آخر يطلق عليه quot; Aakapquot; في غرب استراليا.

وسوف يعمل هذين التلسكوبين بترددات أعلى وسيتيحان لعلماء الفلك خيار البحث بمزيد من التفاصيل عن الأشياء التي عُثِر عليها باستخدام شبكة Lofar الجديدة للكشف عن الموجات.

وقال البروفيسور فيندر، الذي حصل على تمويل بقيمة 3 مليون إسترليني من مجلس البحوث الأوروبية لتنسيق المشروع التعاوني، الذي يطلق عليه 4Pi Sky :quot; تسمح لنا أيضاً المسوحات اللاسلكية منخفضة التردد بأن تغطي أجزاء كبيرة من السماء في وقت واحد. وبدلاً من استغراق أشهر لمسح السماء بأكملها، سنتمكن من فعل ذلك في غضون بضعة أيام. كما سنبحث في ترددات لم يتم الكشف عنها من قبل، وهناك احتمالية أيضاً بأن نتمكن من تحقيق بعض الاكتشافات غير المتوقعةquot;.

بينما قال دكتور روبرت ماسي، العالم بالجمعية الفلكية الملكية :quot; هذا نموذج رائع لمشروع، يتطلب وجود تعاون دولي، لرؤية الأشياء البعيدة في الفضاء بصورة أكثر وضوحاً عما كان ممكناً من قبلquot;.

وختم اللورد مارتن ريز، عالم الفلك الملكي وأستاذ علم الكونيات في جامعة كامبردج بقوله :quot; تأتي شبكة Lofar في طليعة هذا الجيل القادم من التلسكوبات، التي يمكنها المساعدة في إعداد خريطة ثلاثية الأبعاد للهيدروجين المتأين وغير المتأين في الكون، الذي يعتبر مصدراً غنياً بالمعلومات المتعلقة بما حدث خلال تلك المراحل الأولى من الكون، عندما انتهت العصور الكونية المظلمة وبدأت تتكون النجوم الأولى، لكي تضيء الكون مرة أخرىquot;.