هل سيصدق الناس أن العلماء على الأرض سيتوصلون خلال بضعة عقود، تعد على أصابع اليدين، إلى النظرية الفيزيائية الكوزمولوجية الشاملة، الموحدة والجامعة والوحيدة، التي ستقدم لهم الأجوبة على كافة التساؤلات التي يطرحونها على أنفسهم فيما يتعلق بأصل الكون ومصيره؟ هذا ما يتمناه ويسعى إليه لفيف من العلماء المتخصصين في مختلف العلوم لتحقيق هذه الغاية ومن بينهم العالم الفذ في الرياضيات والفيزياء النظرية والخبير بالثقوب السوداء ستيفن هوكينغ Stephen Hawking والذي أثار الدنيا بكتابه الأخير quot; التصميم العظيمquot; عن الكون والذي أصدره في أيلول 2010 وقال فيه quot;أن الكون بدأ عفوياً تماشياً مع قوانين الطبيعة الفيزيائية ولم يكن بحاجة إلى خالق وبالتالي لم تكن هناك عملية خلقquot; بالرغم من الانتظام والتناسق المذهل الذي يوسم هذا الكون المرئي حسبما نراه ونرصده اليوم بوسائلنا البدائية قياساً لما يحتاجه من أجهزة متطورة تسبر أغواره وتفك أسراره والتي لن نتوصل إلى صنعها قبل مئات القرون.

فالفيزياء هي دراسة الكون الذي نعيش فيه، والفيزيائيون يدرسون آخر ما وصلت إليه البراهين والأدلة العلمية فيما يتعلق بهذا الكون.. لذلك فالفيزيائيون هم من يستطيعون أن يجيبوننا عن الأسئلة التي تتعلق بمنشأ الكون، ولن يأتي الجواب من الموروث الديني الذي تلقيناه من آبائنا وأجدادنا منذ آلاف السنين أومن العصور الساحقة. لذلك فإن كلام ستيفن هوكينغ عن الكون له وزنه لأنه عالم فيزياء قدير ومشهود له بالكفاءة والدقة العلمية ولا يقوده شيء سوى البرهان العلمي، ولا تهمه الاعتبارات الدينية وردود الفعل الشعبوية والموروثات الخرافية. وكان هوكينغ قد صرح بعد اكتشاف كواكب أخرى تشبه كوكب الأرض وتدور حول شموس أخرى تشبه شمسنا، بأنه قد تكون هناك حضارات كونية ذكية ومتطورة تكنولوجياً وتفوقنا بآلاف السنين، إلا أنه نصح بعدم التعاطي معها والاتصال بها لأنها قد تتعامل معنا كما تعاملنا نحن مع الأقوام التي وصفناها بأنها بدائية وغير متحضرة وقمنا بإبادتها. ومن المعروف أن هذا العالم كرس سنوات طويلة من عمره العلمي وهو يبحث عن النظرية الجامعة والموحدة لكافة النظريات الفيزيائية والكوزمولوجية الكونية لاسيما الربط بين نظرية النسبية لاينشتين ونظرية الكم أو الكوانتا حيث تبحث النظريتان باللامتناهي في الكبر واللامتناهي في الصغر. وهي النظرية التي أتفق العلماء على تسميتها بالثقالة الكوانتية La graviteacute; quantique لكنه لم ينجح كلياً بعد، لا هو ولا غيره من العلماء العباقرة الذين يجاهدون للإجابة على هذا السؤال المفتوح، والتحدي المرفوع أمامهم: هل الكون مخلوق أم أزلي؟


تتفق الآراء اليوم على أن كوننا المرئي، نشأ قبل 13،7 ثلاثة عشر مليار وسبعمائة مليون سنة، وربما أكثر من ذلك بكثير، وهو في حالة تطور بطيء عبر عملية تطور مرحلي تراكمي ونمو مركب، واستمر في عملية التطور منذ لحظة النشوء الأولية بفضل الييغ بانغ الانفجار العظيم إلى أن تمكن من خلق الحياة والوعي بداخله والسؤال هو: هل إن هذا الحدث مسجل ومدرج في قلب المادة وجوهرها وشيفرتها النووية كما يعتقد العالمان الفيزيائيان جورج سموت George Smoot و زميله فريمان ديزون Freeman Dyson؟ وإذا كان ما يعتقدانه صحيحاً فإن الكون المرئي لن يكون فقط نظاماً زمكانياً لاحتواء المجرات والنجوم والكواكب والغازات الكونية فحسب، بل هو أيضاً، تنظيم تراتبي دقيق، بل غاية في الدقة، يقود بالضرورة الجسيمات المادية الجامدة نحو الحياة العضوية والخلايا الحية. بعبارة أخرى إن الحياة هي التعبير العفوي عن كون مرئي يكون منحاه الطبيعي هو تكوين وتنظيم الخلايا والذرات والجزيئاتmoleacute;cules من أبسطها إلى أعقدها، والتي تجتمع في أنظمة أكثر تعقيداً وتركيباً إلى أن تنجب الحياة والكائنات الحية engendrer du vivant وتوفر ظروف وشروط تطورها.


ولكن ما سر هذا التوجه العفوي أو الواعي الذي تقوم به المادة نحو الحياة؟ ولماذا تبدو العملية، أكثر فأكثر، كنتيجة حتمية للخصائص الجوهرية للمادة؟ والحال أن كل الموجودات الحية تجد جذرها وأصلها في ذرة الكاربون، وهكذا نعود مرغمين إلى الماضي البعيد للكون المرئي ومكوناته من النجوم التي من دونها ما كان بإمكان مادة الكاربون quot; أصل الحياةquot; أن توجد. وكما نوهنا في مقالات سابقة، فإن أي تغيير أو تعديل modification في السلسلة السببية الكوزمولوجية chaine causale cosmologique، أو في أي ثابت من الثوابت الفيزيائية المعروفة constantes physiques التي ينبني عليها واقعنا الذي يحيط بنا، تجعل من المستحيل نشوء الحياة. وهذا ما يؤدي بنا حتماً إلى حلول ناقصة وغير مضبوطة أو غير دقيقة وغير ملائمة أو غير موائمة لمواصفات وخصائص الكون المرئي الذي نعرفه أو نعتقد أننا نعرفه. ولو عدنا إلى الماضي السحيق للكون المرئي، إلى اللحظة الصفر، أو النقطة الواقعة على حدود مستوى بلانك والتي تمثل الأصل للكون المرئي الحالي لأمكننا ربما العثور على شفرة الوجود السابقة للحظة النشوء والواقعة تحت مستوى بلانك حيث تم فيها تشفير كافة القوانين الفيزيائية التي يستند إليها الواقع المرئي المحيط بنا مثلما هو حال المعلومة الجينية عند البشر information geacute;neacute;tique التي تشفر خصائصهم وموروثهم وسماتهم وطباعهم وصفاتهم الجسدية caractegrave;res physiques. أي أن الكون المرئي يتصرف كالكائن الحي ولديه معلومة جينية كوزمولوجية تشبه ما هو موجود عند الكائن الحي ( إنسان وحيوان ونبات)، وإن هذه المعلومة الرياضية الحسابية الافتراضية هي التي تشفر القوانين الفيزيائية الجوهرية للكون المرئي. وكأي شيفرة code، فإن هذا البرنامج الكوزمولوجي الأولي والجوهري يختزل بمنظومة تعليمات instructions ومعطيات رقمية Donneacute;es numeacute;riques. وفي حالة تواجد هذا اللغز الكوزمولوجي المشفر في ما قبل اللحظة صفر من عمر الكون المرئي، فإنه والحالة هذه سيكون بالضرورة غارقاً في الزمن المتخيل أو الخيالي le temps imaginaire. وبما أن مرور الزمن مرتبط دائماً بالطاقة فإن الكود أو الشفرة الكوزمولوجية لا تنتقل من الزمن المتخيل على هيئة معلومة إلى الزمن الواقعي إلا في حال انبثاق طاقة كبيرة مثلما هو الحال عند مشاهدة فيلم على ديسك أو اسطوانة د ف د DVD حيث لايمكن مشاهدة الفيلم وعرضه إلا في حالة صرف طاقة كهربائية وضوئية وميكانيكية قابلة للقياس والحساب وموزعة في الزمن زمن العرض. وما أن نخرج الديسك من آلة العرض أو قاريء الـ DVD عند ذلك يغادر الفيلم عالم الزمن الواقعي ( أي عالم الطاقة المصروفة عليه في آلة العرض ) ليدخل إلى عالم الزمن المتخيل ( أي عالم المعلومة الحاسوبية information informatique. فقصة الفيلم وأحداثه وشخصياته موجودة أو مخزونة على شكل شفرات وكودات من صفر 0 وواحد 1 ومخفية داخل الاسطوانة بعيداً عن أي فترة زمنية وربما إلى الأبد مالم يتم تشغيل قاريء الديسك وبذل الطاقة لذلك. فلا يوجد ماضي ولا مستقبل للفيلم الموجود على الديسك بل فقط معلومة مشفرة تختزن محتويات وتفاصيل الفيلم على شكل رموز. من هنا بوسعنا القول أن الكون المرئي في حالته ما قبل البيغ بانغ، الانفجار العظيم، لم يستند إلى طاقة بل فقط إلى معلومة رقمية مشفرة. بعبارة أخرى يمكننا أن نتخيل القوانين الفيزيائية الجوهرية المسيرة للكون المرئي وكأنها محفورة على ما يشبه الاسطوانة الكونية الـ cosmique DVD وإذا لم يوضع الديسك الكوني موضع قراءة وتفعيل بواسطة الطاقة فلن يوجد كون مادي مرئي وتبقى المعلومة الكونية المشفرة محفوظة داخل الزمن المتخيل temps imaginaire إلى الأبد وما أن يتم تشغيل الاسطوانة الكونية بما تختزنه من قوانين فيزيائية جوهرية وثوابت فيزيائية أساسية ينتقل الكون من العالم الافتراضي monde virtuelle إلى عالم الطاقة والزمن الواقعي.

وهذا هو ملخص أحدث نظرية في الفيزياء النظرية تقدم بها التوأمان الفرنسيان إيغور وغريشكا بوغدانوف Igor et Grichka Bogdanov وأثارت ضجة وجدال كبيرين في الأوساط العلمية في السنوات العشرة المنصرمة.وهما آخر من تجرأ على الخوض في تلك المرحلة اللغزية السحيقة للكون والتعمق في سره في لحظة ولادته وهي من أصعب المواضيع وأكثرها صعوبة وحساسية في الفيزياء النظرية ورأس الحربة في الصراع الدائر بين المؤسسة الدينية والمؤسسة العلمية بشأن اصل الكون وولادته وإن معرفة حقيقة ماجرى سيكون بمثابة المفتاح الذي سيحل التنافس الدائم والصراع القائم منذ قرون بين مختلف المدارس العلمية لإثبات صحة طروحاتها والإجابة على العديد من الأسئلة العسيرة والمعلقة وتقديم الأجوبة الشافية والناجعة، ومن بين تلك الأسئلة العويصة على سبيل المثال لا الحصر:
1) هل كان الكون المرئي الذي نعرفه في وقت ما حقاً لا متناهي في الصغر infiniment petit؟
2) وهل ما يزال هناك معنى للمفاهيم الهندسية conceptions de la geacute;omeacute;trie مثل المسافات distances في لحظة ولادة أو بدء الكون؟
3) وإذا لم يكن هذا هو واقع الحال فكيف يمكننا تعميم الأدوات الهندسية les outils de la geacute;omeacute;trie على نحو يمنع انهيارنا في ظروف متشددة للغاية؟
4) بعبارة أخرى، ماهي الكميات والمسائل الجديدة التي سنضعها محل المفاهيم المعتادة للهندسة الإقليدية في المكان quot; espacequot; بغية استكشاف اللحظات الأولى للكون بصورة مرضية؟
5) هل كانت قواعد اللعبة أسهل في الأصل أو البداية، وهل كان الكون المرئي، كوليد جديد، قابلاً للمقارنة بحاسوب ordinateur؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب فكيف كان يعمل بالضبط؟
6) ولو حاولنا مضاعفة quot; الكميات بالمفهوم العلمي والفيزيائي للمصطلح les quantiteacute;s، التي تصف الكون، فهل إن نظام المعاملات والوسائط les facteurs مهماً في هذه الحالة؟ وفي أية لحظة كان ذلك النظام مهماً؟
7) هل كان للكون حقاً بداية أم أن ظهوره المفاجئ والمباغت ينتهك ويخرق بعض القوانين؟ وهل كانت هناك عملية خلق للمعلومة الرقمية الرياضية التجريدية creacute;ation drsquo;information عندما ولد الكون؟ وإذا كان هذا هو الحال فما هي القوانين التي كانت فاعلة ومؤثرة آنذاك؟
8) هل للكون ثلاثة أبعاد مكانية فقط أم يمكن أن يكون له أبعاد أخرى أو أن يكون له اقل من ثلاثة أبعاد؟
9) هل يمكن أن توجد حالة لا يقين أو لا حتمية incertitude فيما يخص العدد الحقيقي لأبعاد المكان؟
10) هل بالإمكان خلق ثقوب في الكون أو بالإمكان تعديل أو تغيير شكله بصورة متواصلة؟
11) هل يمكن أن توجد فرصة، ولو ضئيلة جداً جداً فيما يتعلق بإمكانية وجود مراقب داخل ثقب أسود وهي عملية مستحيلة بمعاييرنا وحسب قوانيننا الفيزيائية المعروفة يكون بإمكانه إرسال المعلومات لشخص آخر موجود خارج الثقب السود في حين أن النسبية العامة تمنع كلياً وبصورة مطلقة مثل هذه الإمكانية؟وهل ستضيع المعلومة المرسلة من الشخص داخل الثقب الأسود مرة وإلى الأبد، وهو التساؤل المطروح كأساس لمفارقة فقد المعلومة paradoxe de la perte drsquo;information المتداول في أروقة العلوم الفيزيائية؟
12) أين تختزن الثقوب السوداء المعلومة المتعلقة بالمادة التي أنجبتها engendreacute; أو أوجدتها؟
13) هل يمكن لمراقب ما أن يرصد حالة تخطي لسطح الثقب الأسود المعروف بإسم الأفق horizon أم سيكون ذلك مستحيلاً كما تنبأت نظرية النسبية العامة؟ وماذا لو كانت النسبية العامة قد أخطأت بهذا الصدد؟
14) هل من الممكن أن يتعرض الثقب الأسود باستمرار لعمليات تحول وتبدل transformations إلى حد أن يختزل ويتقلص إلى مجرد جسيم أولي particule eacute;leacute;mentaire والعكس بالعكس وبماذا يمكن تشبيه مثل هذا التحول؟
15) ماذا سيحدث لو تسببنا بتصادم جسمين تكون طاقتهما الكلية وكتلتيهما الكلية كافيتين بحيث تتسببان بتوليد ثقب اسود؟ هل يمكن لهذا الأخير أن يبتلع كل شيء حوله بما فيه كرتنا الأرضية؟
16) هل كان للكون درجة حرارة مقاسة ومحددة بدقة عند لحظة الأصل أو الولادة agrave; lrsquo;origine وما هي قيمتها، وهل هناك حد أعلى كوني لدرجة الحرارة وماذا يحدث بجوار ذلك الحد؟
17) من المعروف أن نظرية النسبية الخاصة توحد المكان بالزمن وتتيح لنا أيضاً التمييز بين كون الحدث eacute;veacute;nement من نوع الزمن أو من نوع المكان، فهل يمكن إلغاء هذا التمييز بين الزمن والمكان من الناحية التقنية البحتة، والمعروف بلغة الفيزياء علمياً بإمضاء أو علامة الزمكان La signature de lrsquo;eacute;space-temps
18) هل يتوجب التعبير عن المسافات والمديات الزمنية بالأعداد الواقعية nombres reacute;els التي نعرفها أم أن هناك اتجاه أو منحى ما يمكن تخيله ويمكن قراءته بأعداد أكثر قدرة وقابلية وكفاءة واتقاناً ودقة تسمى الأعداد المركبة nombres complexes، وإذا كان ذلك ممكنناً فلماذا لا نعرف لحد الآن سوى المسافات والمديات أو الآجال الزمنية les dureacute;es الواقعية فقط؟
19) هل يمكن أن تكون كافة القوى الكونية الفيزيائية والعائلات أو الجماعات الجسيمية الأولية منبثقة من شيء أكثر جوهرية ومن ماذا صنع ذلك الواقع الجوهري الأصلي أو الأولي التأسيسي reacute;aliteacute; primordiale، وأي نوع من الرياضيات والفيزياء يتعين علينا أن نتعلم ونتوسل بغية أن يكون لدينا فهم أفضل؟
20) هل بوسعنا تصور أكوان متميزة بخاصية المكان المنحني أو المحدب، أي بطغيان قوة الثقالة أو الجاذبية في حين تكون فيها بقية القوى الأخرى والجسيمات الأولية مختلفة عما هو موجود في كوننا المرئي وماهي الإمكانيات المتوفرة لمثل هذا التطور؟ بعبارة أخرى هل يوجد نموذج شبيه بكوننا المرئي لكنه خارجاً عنه؟
21) إذا لم يوجد ما يمنع افتراض وجود أكوان أخرى مختلفة أو مشابهة لكوننا المرئي فكيف نفسر حقيقة أننا نعيش في هذا الكون المرئي بالذات وليس في غيره؟ وهل وجود حضارة أو حياة ذكية وعاقلة ومفكرة هو الشرط الوحيد الذي يتماشى مع أطروحة quot; الكون الأنسبquot;؟
22) هل هناك اختلاف جوهري بين الماضي والمستقبل أم أن هذا الاختلاف ليس سوى قضية عرف اصطلاحي متفق عليه أو وجهة نظر ليس إلا؟


هذه عينة لعدد لا متناهي من التساؤلات والأفكار والتحديات التي تطرح أمام العلم والعلماء فيما يخص حقيقة الكون وأصله ومصيره حيث تتغير الأجوبة والأطروحات والنظرية من عقد لآخر بل من سنة لأخرى حسب التقدم العلمي والتكنولوجي وما تقدمه لنا عمليات الرصد والمراقبة والدراسة والتحليل للطيف الكوني والتجارب المختبرية والاكتشافات التي لا تتوقف في هذا المضمار. ففي فترة ما ليست بالبعيدة اتفقت آراء معظم العلماء والباحثين على حقيقة أن الكون لم يكن ابداً في مستوى اللامتناهي في الصغر وإن أصغر مستوى يمكن بلوغه هو مستوى طول بلانك longueur de Planck في لحظة ولادته أي إبان البيغ بانغ أو الانفجار العظيم Big Bang والمعروف أن مستوى بلانك eacute;chelle de Planck هو أصغر مستوى قابلا للإدراك لأي جسيم فيزيائي مادي ويقدر بـ 35-10 أس 35 سلباً من البوصة حيث تتفاعل قوانين ميكانيك الكم أو الكوانتا meacute;canique quantique مع الذرات وليس مع أجسام بحجم التفاحات. ولو كان لدينا ميكروسكوب عملاق لمراقبة الجسيمات على مستوى بلانك لأمكننا كشف سر الكثير من ألغاز الثقالة الكوانتية أو الكمية la graviteacute; quantique ووجدنا لها الحلول اللازمة ولكن وللأسف لايوجد مثل هذا الميكروسكوب العجيب وربما لن يوجد مثيله أبداً على الأرض وبالتالي علينا اللجوء لطرق غير مباشرة للتدقيق والقياس من أجل اكتشاف الحقيقة بواسطة أداة رياضية outil matheacute;matique مثالية قادرة على إعطاء جواب وحيد وعلمي لجميع تلك الأسئلة الجوهرية التي تبحث في عملية الخلق الكوني إن وجدت وثبت حدوثها علمياً، ولفك ألغاز الكون من خلال تحليل الطيف الضوئي القادم من الأعماق السحيقة وسبر أغوار المادة السوداء أو المعتمة الغامضة المجهولة الكنهة والماهية وكذلك الطاقة الداكنة أو السوداء المجهولة الكنهة والماهية هي أيضاً والتي تتسبب في تمدد وتوسع الكون وتسارع هذه العملية. ومن هناك المضي قدماً لمعرفة سر النظام الكوني ودقة تنظيمه وهارمونيته وتناسقه وبالتالي محاولة معرفة شكل الكون ومعماريته أو هندسته المكانية. وتأسيساً على ذلك نجد أنفسنا أمام فرضيتين أو نظريتين متباينتين وليستا بالضرورة متناقضتين عن النشأة الأولى والأصل المفترض للكون المرئي، الأولى تصدت لها الفلسفات القديمة والأديان السماوية والوضعية منذ فجر الإنسانية، منذ أن بدأ الوعي البشري يفكر ويتساءل ويبحث، وتبلورت بسيناريو الخلق الرباني المباشر على يد خالق مبدع يمتلك القدرة المطلقة بخلق الأشياء بالإرادة الربانية والكلمة الإلهية حيث يقول للشيء كن فيكون، وهو كائن لم يلد ولم يولد كما ورد في كتاب الإسلام المقدس، وهو أزلي وأبدي خالد وحي لا يموت بيده الملك وهو على كل شيء قدير، خالق الزمان والمكان. وهذه صفات عمومية لانعرف مداها وحقيقتها فلا أحد يعرف ماهية هذا الخالق ولا الغاية من خلقه للكون وموجوداته وما علينا سوى الطاعة العمياء والعبادة وكل ما يتعلق به هو من اختلاق وتأليف الأديان والمؤسسات الدينية ورجال الدين والكهنة للسيطرة على الشعوب وقيادتها عبر التاريخ وتوعدها بالعقاب والثواب الأبديين. الفرضية الثانية وهي فرضية quot; الخلق التلقائي أو الذاتيquot; جاءت بناءاً على معطيات ونظريات علمية وتقول أن الكون المرئي وجد بذاته ولم يكن بحاجة إلى عملية خلق أو لخالق، بل نشأ بصورة عفوية، وأنه ليست هناك ضرورة لوجود خالق لإطلاق شرارة نشأة الكون المرئي، وبفضل قانون الجاذبية الكونية يمكن للكون أن يخلق نفسه من العدم كما قال ستيفن هوكينغ في كتابه الأخير quot; التصميم العظيمquot; أو quot; المشروع العظيمquot; ويشاطره رأيه عدد كبير من العلماء الماديين والعلمانيين، ولكن دون أن يقدم أي من الفريقين الأدلة القاطعة والبراهين المثبتة والتي لا تقبل الدحض، على صحة ما يقولون ويفترضون. وهناك نظرية هامشية عمرها آلاف السنين وتطرق إليها الفلاسفة الإغريق القدماء وبعض الفلاسفة المحدثين والمعاصرين ولم يتمعن بها العلماء بجدية خوفاً من فقدان المصداقية والتعرض للسخرية لأنها فرضية قد تكون مقبولة لكنها تفتقد للبراهين العملية والمختبرية وملخصها أن الكون الذي نعيش فيه ونعرفه وهو كوننا المرئي ليس سوى جسيم لامتناهي في الصغر رغم كبره وشساعته بالنسبة لنا مثلما هو حال أصغر مكونات الذرة في كوننا المادي المرئي، أي أنه جزء تافه وصغير لاقيمة له بالنسبة لوجود أكبر منه هو الكون quot; المطلقquot; الذي يتكون من عدد لا متناهي من الأكوان المماثلة لكوننا المرئي أو المختلفة عنه وتتكون بدورها إما من نفس المادة والطاقة التي نعرفها أو من مواد ومحتويات وماهيات مجهولة لايمكننا تصورها وليس لها مثيل في كوننا المرئي وبعض تلك الأكوان الموازية أو المتداخلة تتمتع بمزايا وخصائص ومكونات جوهرية لا علاقة لها بمكونات كوننا المرئي بما فيه من مادة ومادة مضادة، وطاقة وطاقة مضادة، بشقيهما المرئي والخفي أو المعتم والداكن والمعروفة بالمادة السوداء والطاقة السوداء، وإن هذا الكون المطلق اللامتناهي الأبعاد مايزال في عملية خلق مستمرة منذ الأزل وإلى الأبد فلا بداية له ولا نهاية كأنه كائن حي وعاقل يقوم بعملية خلق مستمرة لمكوناته وتجديدها وترميمها للبقاء في الوجود ويمكنه أن يحل محل الكائن الديني المسمى الله وقد يكون هو الله أما باقي ما نعرفه عن المصدر الأول فهو ليس سوى شعوذات وطقوس وشعائر فلكلورية وتعاليم ووصايا وأوامر غيبية تهدف إلى تخدير البشر وغسل أدمغتهم وضمان طاعتهم عن طريق الترغيب والترهيب وإقناعهم بمقولات الحلال والحرام والعقاب والثواب في الدنيا والآخرة وبيوم الحساب ويوم القيامة ولا يتجرأ أحد على قبول فكرة أن الكون هو الله والله هو الكون، ولكن ليس المقصود به كوننا المرئي الخاضع للرصد والقياس والمراقبة والدرس والتحليل وإنما هو أكبر بما لا يتصوره عقل إنسان.