يعمل نشطاء أجانب عدة ضمن تيليكومكس، وهي شبكة دولية من التقنيين، تعمل على تقديم الدعم للثوار العرب، من خلال مساعدتهم في بثّ رسائلهم وإمدادهم بالنصائح التي تسمح لهم بالتهرّب من أجهزة الرقابة الأمنية.


عباقرة الانترنت يواجهون صعوبات في سوريا

تتناول تقارير غربية محاولات الأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قمع الشعوب العربية الثائرة عبر الإنترنت، مشيرة إلى أن quot;تيليكوميكسquot;، وهي شبكة دولية من التقنيين، ومركزها أوروبا، تساعد العرب في العثور على طرق للالتفاف حول الرقابة الحكومية.

وبحسب صحيفة quot;دير شبيغلquot; الألمانية فإن ستيفان أورباخ (31 عاماً) يعمل أمام شاشة الكمبيوتر، وبالكاد يتمكن من فتح عينيه بسبب الإرهاق، وعدم الحصول على قسط كاف من النوم. وحتى أواخر العام الماضي، كان أورباخ يعمل بدوام كامل في شركة (AOL)، مزود خدمة الإنترنت، وكانت وظيفته تقديم الدعم التقني للعملاء في مختلف أنحاء العالم.

أما اليوم، لا يزال أورباخ يقدم الخدمات نفسها بطريقة ما، على الرغم من أنه بات يتعامل مع أسماء عربية مثل quot;أحمدquot; وquot;محمدquot;.

على خلاف وظيفته السابقة، يشعر بالفرح في كل مرة تظهر فيها رسائلهم على الشاشة، لأن ذلك يعني أن رفاقة من العرب الثوار لا يزالون على تواصل عبر الانترنت، وليس في السجن أو تحت التعذيب، كما كان مصير العديد من المدونين والمعارضين في البلدان التي تشهد ثورات ضد الأنظمة الديكتاتورية، وحتى مصر، التي تعتبر في مرحلة ما بعد الثورة.

ولادة حركة دعم عبر الانترنت

يرتدي أورباخ قميصاً قطنياً يحمل شعار quot;تيليكوميكسquot;، وهي شبكة من عباقرة الانترنت، التي ظهرت للمرة الأولى في السويد بهدف جعل الانترنت مجانيًا، وغير خاضع لأي نوع من أنواع الرقابة.

خلال حركة الاحتجاج في ايران عام 2009، وثورة الياسمين في تونس، عملت quot;تيليكوميكسquot; على جمع ونشر المعلومات، التي استقتها من الصفحات المعارضة والمدونات، التي لجأ إليها عدد من الناقدين، الذين تجرأوا على تحدي النظام الاستبدادي في بلدانهم.

لكن يوم 27 يناير، قام نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك بقطع الانترنت عن مصر كلياً، فقررت quot;تيليكوميكيquot; أن تفعل أكثر من مجرد العمل كأداة لتعزيز وصول الأصوات المنتقدة.

عباقرة الكمبيوتر يهبون للنجدة

استمر التعتيم وقطع الانترنت عن مصر لأيام عدة. وأظهر هذا التصرف مدى العجز واليأس الذي يمرّ به الحكام المستبدون في مصر، بعدما أدركوا الخطر الذي يشكله مستخدمو الانترنت عليهم، وتبين أن النظام كان يخشى من الطريقة التي يمكن أن تساعد فيها وسائل الإعلام الاجتماعية في بثّ دعوات إلى التعبئة وانتقاد الحكام.

صدمت التقنية التي اتبعها مبارك نشطاء الإنترنت والمتسللين في أنحاء العالم كافة، وكانت بالنسبة إلى الكثيرين بمثابة دعوة إلى الاستيقاظ وإلى تقديم مساعدات ملموسة لهذه الحريات على الانترنت، من ضمن هؤلاء كانت quot;تيليكوميكسquot;، التي عملت على إعادة وصل النشطاء بالانترنت، ليتمكنوا من إيصال أصواتهم إلى العالم.

يقوم الناشطون في خدمة إخفاء الهوية بعقد ورشات عمل للمدونين العرب، وعبر السنوات الماضية، تمكنوا من تقديم النصح للناس حول كيفية تصفح الانترنت بشكل آمن، وإرسال الصور وأشرطة الفيديو من دون أن يتم كشفهم.

التواصل مع المصريين المحاصرين

حولت quot;تيليكوميكسquot; ما بدأ كعمل تضامن مع المصريين، الذين منعوا من الأنشطة عبر الإنترنت، إلى استراتيجية مفصلة. ومنذ الأسبوع الماضي، جذبت جهودها نيابة عن السوريين اهتماماَ دولياَ واسع النطاق.

ففي يوم 5 اكتوبر/تشرين الأول، نشرت المجموعة كمّية ضخمة من البيانات التي تظهر كيف أن نظام الرئيس بشار الأسد يرصد أنشطة المواطنين السوريين عبر الإنترنت، كما أشارت إلى أن الحكومة السورية تستخدم تكنولوجيا غربية الصنع للقيام بذلك.

ويقول أورباخ إن العمل كان سهلاً نسبياَ مع مصر، لكن هناك العديد من الصعوبات في القيام بهذه المهام في سوريا.

لماذا سوريا هي الأكثر صعوبة؟

تقوم السلطات السورية بتضييق الخناق على المعارضة بشكل رهيب، فوفقاً لأحدث الارقام الصادرة من الأمم المتحدة، قتل نظام الأسد ما يقرب من 2900سوري منذ بداية حركة الاحتجاج في منتصف آذار/مارس. ويشير باحثون في منظمة العفو الدولية إلى أن ما لا يقلّ عن 88 ناشطاً اعتقلوا، ثم قتلوا، بعدما تعرّضوا للتعذيب.

دعم quot;تيليكوميكسquot; للسوريين أكثر تعقيداً مما كان عليه مع المصريين أو التونسيين. والأسباب الرئيسة لذلك تقنية بمجملها: استخدام الإنترنت على نطاق واسع في سوريا أقل مما هو عليه في البلدان الأخرى، التي شهدت ثورات ضد الأنظمة، وليس هناك استخدام على نطاق واسع للهاتف الخلوي من الجيل الثالث 3G، وهناك عدد أقل من الهواتف الذكية، التي يمكن استخدامها بصورة غير واضحة لتوثيق حالات الاعتداء الرسمية.

كما إن طريقة التواصل هي إحدى المشاكل لأن الأكثرية من المتظاهرين السوريين يتحدثون العربية فقط.

إعطاء صوت للسوريين

كان نشطاء quot;تيليكوميكسquot; قادرين على تأمين نحو 54 غيغابايت من البيانات أثناء هجوم القراصنة التابعين لهم على أجهزة الرقابة للحكومة السورية. ويأملون أن تساعدهم هذه البيانات في اكتشاف الطريقة التي تستخدمها الحكومة السورية للتجسس على الناس، ومنعهم من الوصول إلى خدمات الاتصالات، مثل سكايب.

منذ الصيف الماضي، يحاول النشطاء إيجاد بدائل آمنة للسوريين، من أجل الوصول إلى الإنترنت. وفي منتصف آب، بعثوا برسالة قصيرة إلى 6000 عنوان من البريد الإلكتروني، وتضمنت الرسالة: quot;إلى الشعب السوري العزيز، والمناضلين من أجل الديموقراطية. تحوي هذه الرسالة المبادئ التوجيهية للاتصالات المنقذة للحياةquot;.

وعلى الرغم من أن البريد الإلكتروني هو مجرد بضعة أسطر غير طويلة، باللغتين الانكليزية والعربية، إلا أنه يتضمن إرشادات مفصلة حول كيفية تجنب الرقابة واستخدام الانترنت بأمان، فضلاً عن وجود صلة لتنظيم وتأمين الكمبيوتر في منتديات الدردشة.

منذ ذلك الحين، تكاثرت الأصوات العربية والأسماء المستعارة على قنوات الدردشة، وبات بإمكان النشطاء في سوريا تبادل المعلومات وإرسال تقارير عن وحشية النظام، وتحركات الجيش السوري، وممارسات المخابرات السورية الفظيعة.