ابراهيم:&غياب الوعي بأهمية النقد متأت من عدم إدراك أهمية الرؤية والمنهج&
أجرى الحوار في البحرين : علي أحمد الديري

قبل ثلاث سنوات كنت قد أجريت حوارا مطولا مع الباحث - المفكر العراقي الدكتور عبدالله إبراهيم، وكنت حينها أحاول أن أستدرجه للتعريف بمشروعه النقدي، واليوم ألتقيه ثانية، لأطرح عليه إشكالات تنبثق من صلب هذا المشروع الفتي. في اللقاء الأول كان كتابه "الثقافة العربية والمرجعيات المستعارة " تحت الطبع ، واليوم في هذا اللقاء الثاني أحاوره بعد صدور كتابيه "المركزية الإسلامية" و"عالم القرون الوسطى في أعين المسلمين". في هذه اللحظة من عمر هذه التجربة النقدية يمكن القول إنها قد أخذت خطوطها العريضة بعد هذه السلسة من الإصدارات التي تتقاطع في منطقة وسطى تعنى بنقد ثقافة التطابق التي تنتجها مركزيات أبوية تتلبس أردية مختلفة تتسمى حينا بالتراث وحينا بالغرب وحين بالذكورة.
إن ثقافة التطابق أو لنقل ثقافة التمركز التي استأثرت باهتمام الدكتور عبدالله إبراهيم في كتبه "المركزية الغربية" و"الثقافة العربية والمرجعيات المستعارة" و الآن في كتابه "المركزية الإسلامية" تمثل أهم معيق يحول دون تحررنا الفكري، وفي الوقت نفسه تحول دون إسهامنا الثقافي ، ومن هنا سعت تجربة الدكتور عبدالله إبراهيم لنقدها بإحلال ثقافة الاختلاف بديلا عنها . وقد تطلب الأمر منه الحفر عميقا في السياقات الحضارية والثقافية الكبرى التي تشكلت فيها الأنساق الثقافية والفكرية لكل من الحضارة الغربية والإسلامية وما نتج من بينهما من أشكال اتصال لما نسميه بعصر (النهضة العربية) .
وقد اتخذ المظهر السردي بأنظمته الخيالية وتمثلاته الرمزية للعالم أهمية خاصة في مشروعه النقدي وكان محرضا له لقراءة المحاضن الثقافية وتمركزاتها التي تغذى منها، وقد أسهم هذا التحريض في انخراط الناقد في قلب الإشكاليات التي تعيشها الثقافة العربية في سياقها الحاضر وما يتجاذبها من تطابقات مع الماضي ومرجعياته أو مع الغرب وهيمناته ، وكان لهذا الانخراط أثره في فتح بنيات النصوص وتشكلاتها الداخلية في ممارسته النقدية على السياقات المعرفية والثقافية التي تعيش فيها. في هذا اللقاء نحاول أن نستعرض أهم القضايا التي أفرزها هذا المشروع وما يحيط بها من محذورات معرفية وما تنبئ به من كشوفات نقدية


يبدو أن مشروعك بدأ يخرج من شرنقة النصوص وبنياتها وجمالياتها ليشتبك مع سياقاتها المعرفية وأفق تلقياتها. كيف تقرأ هذا الخروج ؟

يصعب عليّ وصفه بالخروج، بل هو حسب تصوري نشأ في نوع من التجاور مع العناية المباشرة بأبنية النصوص وتركيباتها. وأعتقد أنني لم أقع أبدا في أسر فكرة النسق المغلق . ولكن ينبغي قبل أي شيء تقديم نوع من التحرّز حول ثبات التجارب النقدية.فالحديث عن التجربة النقدية والفكرية بالنسبة لي، حديث مشوب بالحذر المعرفي، فكل حديث ينصرف إلى وصف التجارب الفكرية الذاتية يجد نفسه متورطاً في خضم سلسلة من الادّعاءات التي لا تملك براهينها، وذلك حينما ينطلق من افتراض عام هو استقرار تلك التجارب وثباتها، وهذا أمر لا أستطيع أن أدعيه، كون التجارب الفكرية يجرى تشكيلها بفعل مؤثرات كثيرة، وهي مفتوحة على آفاق لا نهائية، وليس من الصواب حصرها ضمن مقولات ثابتة. لأنها ستضيق بنفسها، وتتعطل فاعليتها المعرفية إذا ما قُيّدت إلى مرجعيات قارّة، وادعت اليقين المطلق فيما تذهب إليه. فكل تجربة تغتني - رؤية ومنهجاً- من خلال الحوار والتفاعل والتواصل، ولا يصح أن نتحدث إلا عن مسار متحوّل، وأطر عامة تريد تجديد ذاتها دائماً لتواكب بنفسها عمليات التحديث المعرفي في الفكر الإنساني. ولهذا لا يصح الحديث عن تجربة نهائية، فالأكثر موضوعية هو الالتفات إلى جملة من الأفكار والرؤى والموضوعات المتغيّرة التي انتظمت في نسق فكري معين، وتمّ من خلالها الكشف عن سلسلة من القضايا المتصلة بالأدب والفكر. وأقول - بكثير من التردّد- إنّ الخيط الناظم للنشاط النقدي والفكري الذي مارسته هو العمل المنهجي بمعناه العام، فقد اهتديت به للتنقل بحرية بين التجارب الإبداعية ممثلة بالسرد العربي القديم والحديث من جهة، والفكر العالمي والعربي الحديث والقديم بجوانبه الفلسفية والنقدية من جهة أخرى. ولا أخفي أنّ هذا& التنقل بين هاتين المنظومتين قد طوّر لديّ تصوراً للنقد من كونه ممارسة أدبية غايتها تحليل النصوص الأدبية واستنطاقها وتأوليها إلى ممارسة فكرية، غايتها كشف الظواهر الثقافية وتفكيكها، وبيان تعارضاتها الداخلية، وآثارها في الفكر والمعرفة. وقد رافق ذلك نوع من الإحساس بضرورة الوقوف على الظواهر المهيمنة في الفكر والتاريخ والحياة،أكثر من الاهتمام المباشر بنصوص منفردة،ينبغي أن نلتفت على الظواهر الثقافية الكبرى المهيمنة في مسار الحياة والتاريخ.

لكن ألا يبدو أن مقارباتك للنصوص السردية مازالت معنية ببنية الأشكال وانتظام الحكي أكثر من عنايتها بدنيوية السرد حسب مفهوم إدوارد سعيد للدنيوية . هل أبدو مخطئاً؟&

أشكّ في أن ينطبق علي هذا الوصف تماما، ولكنني لايمكن أن أرفضه أو أقلل من قيمته، فقد كان تصوّري النقدي للنصوص السردية يصدر عن فكرة تمثيل المرجعيات الثقافية وليس الواقعية والتاريخية المباشرة، وقد تبلورت ملامحه العامة في الثمانينيات، ووظفته في دراستي عن السرد العربي قديمه وحديثه، وضمنه جاء كتاب"المتخيّل السردي" وكتاب "التلقّي والسياقات الثقافية" وكتاب "السرديّة العربيّة" الذي اهتم بمنحي محدد من مناحي الثقافة العربية وهو(السرد) بوصفه مظهراً تعبيرياً، تكوّن في محضن الثقافة العربية- الإسلاميّة، وتكيّف بفعل الموجّهات الخارجيّة التي صاغت أنظمته الداخلية، على أنّ العناية انصرفت إلى (سرديّة) ذلك المظهر، بهدف استنباط الأنساق والأبنية الخاصة به، لأن (السردية) لا تعنى بالمتون السردية في ذاتها، إنما بكيفيات ظهور مكوناتها سردياً&، أي بالممارسة التي اتخذتها مكونات السرد ضمن البنية السردية. وقد لازمني حرص دائم على عدم إخضاع (السرديّة العربية) لمعيار خارجي مستمد من موروث سردي آخر له مرجعياته الثقافية الخاصة به، والمتشكّلة طبقاً لظروف تاريخية مختلفة، لأن الهدف كان تحديد طبيعة السردية العربية، كما تكوّنت واستقامت ضمن المحضن الثقافي العربي الذي تشكلّت فيه.&
لم أنظر إلى السرد العربي، بوصفه ركناً معرفياً من أركان الثقافة العربية، إنما نظرت إليه، بوصفه مظهراً إبداعياً تمثيلياً، استجاب لمكونات تلك الثقافة، فتجلّت فيه على أنها مكونات خطابيّة، انزاحت إليه بسبب هيمنة موجهاتها الخارجية، وبخاصة الشفاهية والإسناد. فالسرد العربي، خلفيّة تتمرأى فيها الموجهات، وهو يقوم بـ(تمثيل) خطابي لها، وليس عكسها بصورة آلية. ولقد استدعت هذه الرؤية للموروث السردي الحاجة إلى عملية منهجيّة تعوّمها، وتعبّر عنها، فاعتمد على نوع من (الاستقراء الفني) الذي يستند إلى الاستنطاق تارة، والوصف والتحليل تارة أخرى. فشخصت الثوابت والمتغيرات، واستنطقت الأصول، ثم استخلصت الهياكل العامة التي تؤطر بنية المرويات السردية، وتوّج التحليل، بكشف مستويات التماثيل بين بنية الموجهات الخارجية وبنية السرد، الأمر الذي يؤكد أنّ الاتصال كان قائماً بينهما، على نحو تمثيلي، في أشد الركائز أهمية، وهو: الإرسال بأركانه من راوٍ ومروي ومروي له. وكان الحرص قائماً على ضرورة استنطاق الأصول المعرفية استنطاقاً يبتعد عن (التقويل) ويترك لها أن تكشف عمًا تغيبه دونما تعسف، سوى توفير الظروف المنهجية التي تسهل، بوساطة القراءة، عملية كشف المقاصد والمرامي التي تنطوي عليها الأصول، ذلك أنّ الهدف لا يتجه إلى كشف تناقضات الأصول بذاتها، إنما استنطاقها، بما يجعلها تسفر عمّا تكنّه، لتتضح طبيعة الموجهات الخارجية التي كانت تمارس سلطتها في الخطاب السردي، إلى ذلك فلم أهدف بمصطلح (السردية العربية) إلى أي مقصد عرقي، إنما الإشارة إلى المرويات السردية التي تكونت أغراضاً وبُني، ضمن الثقافة التي أنتجتها اللغة العربية، والتي كان التفكير والتعبير فيها، يترتب بتوجيـــه من الخصائص الأسلوبية والتركيبية والدلالية لتلك اللغة التي أسهمت فيها أعراق متعددة
وضمن هذا الأفق المنهجي العام الذي ترتب فيه عملي على السرد العربي القديم، ترتب عملي اللاحق على السرد العربي الحديث، مع الافادة الواضحة من الكشوفات المستمرة والخصبة التي تشهدها البحوث السردية، والتوسع في المنظور العام للأدب ووظيفته. والحال أنني وجدت أنّ الرواية العربية إحدى أهم الظواهر الأدبية في ثقافتنا الحديثة، وإنها موضوع قابل للبحث وإعادة البحث مجدداً بصورة مستمرة. لأنها انبثقت من خضمّ التداخلات الثقافية القديمة والحديثة، ومن تفاعل المرجعيات العربية والأجنبية، وأنها دمجت فيها عناصر كثيرة؛ أدبية وتاريخية واجتماعية ونفسية.. إلخ ، وقامت بعملية تمثيل رمزي لأشد القضايا أهمية في تاريخنا الحديث. فضلاً عن ذلك فإنّ الاهتمام اتجه إلى تقنيات السرد وأساليبه وأبنيته ودلالته ، ومن خلال هذه الموضوعات يمكن الإشارة إلى ما يتصل بوظائف السرد ومهامه. وعلى هذا فإن السرد العربي الحديث، يعتبر ظاهرة ملفتة للنظر، وينبغي دراسته أسلوبياً وبنيوياً ودلالياً، ضمن ضوابط منهجية واضحة وكفوءة وقادرة على استنباط أهم الركائز التي يقوم عليها بهدف استكناه طبيعته وانساقه الداخلية من جهة، ووظائفه من جهة ثانية، وعلاقته التمثيليّة بمرجعياته من جهة ثالثة.

أنت مهتم بالمقترب السردي للنصوص الحكائية، أتعتقد بان السرديات خدمت النصوص، كيف أستقر الأمر لديك؟

لقد أشرت في مقدمة الطبعة الجديدة من كتاب "السردية العربية" إلى أن السردية ظهرت بوصفها المبحث النقدي الدقيق الذي يهدف إلى تحليل النصوص السردية في أنواعها وأشكالها المختلفة، ومن السابق لأوانه التأكيد الآن، فيما إذا كانت السردية قد أنجزت وعودها النقدية جميعا ، فذلك يحتاج إلى رصد تاريخي-تحليلي ينصرف الاهتمام فيه إلى فحص ما أنجزته الدراسات السردية. وما ينبغي إثارته، هو:أن السردية هي وليدة الدقة التحليلية للنصوص، فثمارها متصلة بمدى تفهّم أهمية تلك الدقة ، وإدراك ضرورتها في البحث الأدبي، وتقدير الحاجة إليها. وفي البداية تشكّت بعض الأوساط الثقافية من الصرامة المنهجية للسردية، وتوجّست منها، لكن الأمر الآن اختلف إلى حد ما ، وراح يتبدد التصور الأولي بخصوص الغموض والإبهام اللذين يرافقان عادة كل جديد ، ولقد أسهم النقاد أنفسهم خلال السنوات الأخيرة في تيسير عملية تلقي الدراسات السردية ، وذلك حينما أدركوا أن السردية ليست جهازا جامدا ينبغي فرضه على النصوص ، إنما هي وسيلة للاستكشاف الدقيق المرتهن بالقدرات التحليلية للناقد ، ومدى استجابة النصوص لها. فالتحليل الذي يفضي إليه التصنيف والوصف ، متصل برؤية الناقد،وأدواته، وإمكاناته في استخلاص القيم الفنية الكامنة في النصوص.وبما أن الدقة لا تتعارض مع كلية التحليل وشموليته، فأن الحاجة تقتضي من السردية الانفتاح على العلوم الإنسانية والتفاعل معها، لأن كشوفاتها تغذّي السردية في إضاءة مرجعيات النصوص ، بما يكون مفيدا في مجال التأويل وإنتاج الدلالات النصية ، ويمكن استثمارها في تصنيف تلك المرجعيّات، ثم كشف قدرة النصوص على تمثيلها سرديا. إلى ذلك يمكن أن توظف في المقارنات العامة ، ودراسة الخلفيات الثقافية كمحاضن للنصوص ، ومن المؤكد أن ذلك أسهم في إضفاء العمق والشمولية على التحليل النقدي ، بما يفيد السردية التي يظل رهانها متصلا برهان المعرفة الجديدة .


كيف يمكن لهذا التحول من النقد الأدبي إلى النقد الثقافي أو المعرفي أن يحرر الإنسان من هيمنة أنساق المدونات الكبرى الشعرية والسردية والفلسفية ؟

علينا أن نتفق إنه كان توسّعا في فهم الممارسة النقدية بوصفها حواراً مع النصوص الأدبيّة والمعرفية، ويأخذ مصطلح (الحوار) هنا دلالته من كونه نقطة تلتقي فيها مقاصد القارئ- الناقد بالمقاصد المضمرة للنصوص، بما يفضي إلى ضرب من التفاعل والحوار الذي هو نتاج& قطبين، ينطلق كل منهما صوب الآخر. وهذا التفاعل، هو ما يصطلح عليه الآن في الأدبيّات النقدية بـ( القراءة). ونقصد بها: استراتيجية تعويم المقاصد المضمرة والمتناثرة التي تنطوي عليها النصوص، استناداً إلى حيثيات منهجية منظمة يتوفر عليها القارئ- الناقد.
وقد أصبح من المعروف بإنّ هذه (القراءة) سواء أكانت أسلوبية أم بنائية أم دلالية أم استنطاقية، هي جوهرالممارسة النقدية بمفهومها الحديث. ولهذه القراءة اتجاهات متعددة: منها ما يقتصر على النصوص ذاتها محاولاً إستكناه خصائصها الذاتية، ومنها ما يستنطق تلك النصوص بهدف استخلاص قيمة ثقافية وإجتماعية محددة، ومنها ما ينطلق من مرجعيات النصوص الخارجية لتفسيرها وتأويلها، ومنها ما يربط بين المكونات النصيّة والمرجعيات الخارجية التي تحتضنها في محاولة لرد الإيحاءات النصية إلى نُظم ثقافية. وقد اندرجت هذه الاتجاهات في مقتربين كبيرين، أولهما (المقترب الخارجي) وهو يعُنى بتحليل المرجعيات التي تغذّي النصوص بعناصرها، ساعياً إلى كشف الأثر الذي تتركه تلك المرجعيات في النصوص، وينضوي في إطار هذا المقترب عدد من المناهج مثل المنهج التاريخي والإجتماعي والنفسي وثانيهما (المقترب الداخلي) وينصرف اهتمامه إلى إستكشاف المزايا الخاصة للنصوص، وبيان نظمها الداخلية، ودلالاتها النصيّة. ويدخل ضمن هذا المقترب عدد من المناهج، مثل: المنهج الشكلي والبنيوي. ولم يعدم تاريخ النقد الأدبي محاولة الإفادة من كشوفات هذين المقتربين، والتوفيق بينهما، ومقاربة النصوص الأدبية في ضوء ذلك، وهو ما تجلّى في (نظرية القراءة والتلقي) ومنهج (التفكيك).
ولقد عرفت هذه الإتجاهات على نطاق واسع، وشاعت في النقد العربي منذ مطلع القرن العشرين وبخاصة المقترب الخارجي الذي مثلة نخبة من النقاد العرب في النصف الأول من القرن العشرين ، وشاع في الأوساط الأكاديمية، وأصبح معروفا ومقبولا، فيما استأثر الاهتمام بالمقترب الداخلي في فترة متأخرة، ابتدأت تقريباً منذ أوائل الثمانينيات من القرن العشرين، وازدهر على يد مجموعة من النقاد الذين اتجه اهتمامهم، مباشرة إلى النصوص الشعرية والسردية محاولين استنباط خصائصها (الشعرية) و(السردية). وذلك لحصر الخصائص الأدبية، وبيان أنساقها وتراكيبها ونظمها الدلالية. وكل ذلك بغية استخلاص أدبيّة تلك النصوص، وبيان الثوابت والمتغيرات فيها.والحق فالنقد الأخير خلّص الممارسة النقدية من الدوران في حلقة مفرغة،والخضوع لجملة من المسلمات التي أوقفت تطور النقد ، وحالت دون استثمار وظيفته الحقيقية، وقد تأزمت مقولاته ومفاهيمه، الأمر الذي دعا إلى ظهور النقد الجديد،وهذا النقد ظهر مشوشا في البداية، غامضا في طرئقه وغاياته، منبهرا بمرجعياته الغربية، ومرت فترة طويلة قبل أن يعيد النظر في كل ذلك، وهو الآن يحقق نتائج طيبة، وبخاصة فيما له علاقة بتحليل الظواهر الأدبية الكبيرة.
وتنبغي الإشارة هنا إلى أن أية قراءة نقدية- بوصفها فعالية منشطة للنصوص- تقوم على ركيزتين أساسيتين، هما (الرؤية) التي يصدر عنها الناقد، و(المنهج) الذي يتبعه لتحقيق الأهداف التي يتوخّاها من قراءاته. والرؤية هي: خلاصة الفهم الشامل للفعالية الإبداعية، أما المنهج فهو: سلسلة العمليات المنظمة التي يهتدي بها الناقد وهو يباشر وصف النصوص الأدبية وتنشيطها واستنطاقها. شرط أن يكون المنهج مستخلصاً من آفاق تلك الرؤية. ويبدو لي أن أية قراءة لا تأخذ في الاعتبار هاتين الركيزتين، بدرجة أو بأخرى، تصبح قراءة فاقدة لشرطها النقدي الأصيل، لأنها لم تتوفر على الثوابت الأساسية التي تقتضيها الممارسة النقدية والواعية.
إن غياب الوعي بأهمية النقد متأت من عدم إدراك أهمية الرؤية والمنهج، ذلك أن النقد نشاط فعّال يصل بين النص والمتلقي، فكما أنّ النص بحاجة إلى متلق غزير الإحساس، وقادر على تفجير مضمراته ودلالاته الخفيّة، فإنّ المتلقّي بحاجة إلى نص يدفعه لتحويل تصوراته الثقافية إلى نشاط تأملي وعقلي وجمالي، يمكّنه من بلوغ حالة الإحساس المشترك بالمتعة والمعرفة في آن واحد، وهذا التجاذب يكون أكثر أهمية إذا توسطته قراءة تُسهم في استكشاف القطبين المذكورين، ومن المؤكد أنّ من أبرز شروط القراءة الفعاّلة، هو صدورها عن رؤية خصبة وشاملة، وانتظامها في منهج كفء وفعّال.
&
&
_______ ببلوغرافيا تعريفية بالدكتور عبدالله ابراهيم&

1. ناقد ومفكر من العراق، يعمل أستاذا في كلية الإنسانيات جامعة قطر.
2. شارك في عشرات المؤتمرات والندوات والملتقيات النقدية والفكرية المتخصصة
3. حاصل على جائزة شومان للعلوم الإنسانية عام 1997.
4. متخصص في الدراسات الخاصة بالحوار بين الثقافات ،وتأثيرات العولمة ، والفكر
العربي الحديث. والدراسات السردية ، والمناهج النقدية الحديثة ،وله كتب وكثير
من البحوث في هذه المجالات.
6. عضو الهيئة الاستشارية لشبكة ( المرايا الثقافية maraya.net ) المتخصصة بنشر الثقافة العربية عبر شبكة الانترنيت.&

الكتب المطبوعة
1
1. السردية العربية ، بيروت ، الطبعة الأولى، المركز الثقافي العربي،1992. ط2، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ،2000
2. المركزية الغربية: إشكالية التكوّن والتمركز حول الذات ، ط1، بيروت، المركز الثقافي العربي، 1997 وط2 المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2001
3. الثقافة العربية والمرجعيات المستعارة : تداخل الأنساق والمفاهيم ورهانات العولمة، بيروت، المركز الثقافي العربي،1999
4. التلقي والسياقات الثقافية: تأويل الظاهرة الأدبية ، ط1، بيروت ، دار الكتاب الجديد
، 2000 ، &ط2، الرياض، كتاب الرياض، 2001
5. المتخيّل السردي ، بيروت، المركز الثقافي العربي، 1990
6. معرفة الآخر: مدخل إلى المناهج النقدية الحديثة ، الطبعة الأولى ،بيروت، المركز الثقافي العربي، 1990، ط 2، &1996
7. التفكيك: الأصول والمقولات ، الدار البيضاء ،
1990
8. تحليل النصوص الأدبية ، بيروت ، دار الكتاب الجديد& ‏،
1999
8. النثر العربي القديم:ظروف النشأة وأنظمة البناء، طرابلس، جامعة السابع من أبريل،
1996
10. المركزية الإسلامية: صورة الآخر في المخيال الإسلامي خلال القرون الوسطى. بيروت، المركز الثقافي العربي، ‏2001‏‏
11. عالم القرون الوسطى في أعين المسلمين ، أبو ظبي، المجمع الثقافي، 2001
&
&

&