الغزو العراقي للكويت.. اعادة تقسيم للفلك الاقتصادي

الكويت استخدمت 50 مليار دولار لمواجهته
23 مليار دولار أضرار الغزو العراقي للكويت


الغزو العراقي شعرة قصمت ظهر الاقتصاديات العربية

في الذكرى التاسعة عشرة لغزو العراق للكويت
عراقيون يحذرون من تكرار مأساة غزو الكويت

عامر الحنتولي من الكويت: قبل 19 عامًا لا تزيد ولا تنقص، أقدم الرئيس العراقي السابق صدام حسين على توقيع قرار مفاجئ ومخالف لكل التوقعات العالمية بأن تتقدم قواته العسكرية جنوبًا وتتوغل في المدن الشمالية الكويتية، ردًا على خلافات مالية ونفطية وحدودية قيل وقتهاإنّ الكويت وبغداد لا تلويان على شيء بشأنهما. إلا أن أشد الجهات العالمية تشاؤمًا كانت تسقط من سلة فرضياتها أن يقدم صدام حسين على خطوة سياسية وعسكرية من هذا النوع، أفزعت جيرانه الى حد الذهول، وبعثرت قواعد اللعبة السياسية في المنطقة الخليجية والعالم برمته، إذ لا يزال إقليم الشرق الأوسط يفرغ الهزات الإرتدادية الناجمة عن زلزال إحتلال دولة الكويت من قبل العراق عام 1990 وتحديدًا في هذا اليوم قبل 19 عامًا... رحل خلالها صدام حسين صاغرًا مرارًا الى مصير مفجع. فمن إجباره على الإنسحاب بالقوة العسكرية من الكويت في السادس والعشرين من فبراير/شباط 1991 الى إسقاط نظامه السياسي والعسكري بالقوة الدولية أيضًا، قبل أن يقف الرجل الذي روع العالم على منصة المشنقة ليجابه حكمًا بالإعدام أصدرته محكمة عراقية للمرة الأولى في رحاب ديمقراطية يقول خصوم العراق إنها مشهوة ومبتسرة وتحت العين الأميركية، فيما يعتبرها أهل العراق أنها ديمقراطية لم تتح للحظة من قبل في عهد حكم حزب البعث.

والحق يقال إن السنوات الـ19 الماضية لم تكن شديدة التحول داخل العراق فحسب، بل شهدت في الجوار داخل الإقليم، وهناك خارجه في القارات الخمس تغييرات كبيرة ومثيرة وصادمة أحيانًا، إذ يصح القول بإستمرار إن إحتلال العراق للكويت في مثل هذا اليوم قبل 19 عامًا كان مثابة فتح بوابات المنطقة أمام السياسي والأمني والعسكري والإقتصادي والإجتماعي المجهول، فشطب الكويت من خريطة العالم وضمها بالقوة العسكرية الى باقي محافظات العراق لأشهر قليلة كلف المنطقة والعالم برمتهتكاليف باهظة جدًا، إذ لا يزال العراق مكبلاً بديون وتعويضات ضخمة للكويت ودول أخرى جراء إحتلاله الكويت، كما أن دخول القوات الأميركية وتحريرها للكويت عام 1991 قد أخل بالمنظومة الإجتماعية والأخلاقية المحافظة داخل البيئة العربية، قبل أن يستبيح أبناء العم سام ثقافة المنطقة ويغزون عقل جيل بأكمله لم يجد العناء في قص أثر الإنبهار بثقافة الغرب.

ولايمكن عزل التوتر الأمني الحاصل في بؤر عدة داخل إقليم الشرق الأوسط، والإرهاب الذي اجتاجت مخاطره العالم على مستويات غير مسبوقة ومثيرة، عما حصل قبل 19 عامًا حين نجح صدام حسين في أسلمة معركة إم المعارك التي خاضها ضد قوات التحالف الدولية عام 1990 من أجل التمسك بالكويت، إذ إن مخطط صدام حسين دفع قوى التشدد والتطرف في المنطقة العربية الى اعتبار الحرب تلك بأنها تمثل حربًا ضد الإسلام، إذ شعرت بهزيمة ثقيلة جدًا لاحقًا لتلك الحرب، قبل أن تعمد إلى توسعة نشاطها الفكري والديني الذي اجتذب موالين بالملايين حول العالم، ومع بقاء القوات الأميركية في المنطقة الخليجية بعد تحرير الكويت، وجدت تلك القوى المتشددة والمتطرفة سببًا معقولاً للتشدد، حيث شهدت السنوات الـ19 الماضية محاولات ناجحة حينًا وفاشلة في أحيان كثيرة لضرب تلك القوات.

يصعب حصر التحولات والتبديلات والإنقلابات التي وقعت طيلة السنوات الماضية التي أعقبت إحتلال الكويت في مثل هذا اليوم قبل 19 عامًا، إذ تحاول quot;إيلافquot; الإحاطة بتلك الأحداث في مسعى لإبقاء القارئ على تماس مع التاريخ لأستلهام العبر، وإسقاطها على الواقع السياسي المتشنج في بؤر كثيرة الآن، إذ كان لا بد من تسليط الضوء على آراء ووقائع عدة.

العلاقات الكويتية- العراقية:

رشحت جهات عالمية عدة حدث إسقاط النظام العراقي السابق في عام 2003 ليكون حجز الزاوية في علاقات سياسية صريحة وواضحة ومباشرة بعد عقود طويلة من السمفونية البعثية التي تعاملت مع الكويت دائمًا على أنها الجزء المقتطع من العراق، إذ تخيلت جهات عالمية أن يكون رحيل البعث عن السلطة في العراق بابًا للتلاقي والتكامل السياسي والإقتصادي مع العراق، إلا أنه سرعان ما اتضح أن عقد التاريخ ستظل آثارها قائمة. فالخلاف السياسي عاد ليستفحل الآن بين العراق والكويت من بوابة التعويضات التي ترتبت على العراق جراء غزوه الكويت، وكذلك الديون السابقة التي أمل قادة العراق الجدد أن تسقطها الحكومة الكويتية لتوفير مناخ ملائم لنمو العلاقات الكويتية العراقية، إلا أن الموقف الكويتي انطوى على إتحاد لافت في المواقف والتصريحات الرافضة للمقترحات العراقية، بل ذهبت الى رفض إخراج العراق من فصل البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة المرافق لقرارات دولية صدرت بحق العراق.

ما هو الفصل السابع؟

يعد ميثاق هيئة الأمم المتحدة في الأساس معاهدة دولية صاغت أحكامها وصادقت عليها إحدى وخمسون دولة عام 1945، ويتكون الميثاق من 111 مادة تنتظم في 19 فصلاً أهمها الفصول الخامس والسادس والسابع، هذا الأخير يضم 13 مادة تبدأ من 39 إلى 51 لكن الركيزة الأساسية للفصل السابع هي المواد الثلاث التالية: المادة 39 يقرر مجلس الأمن إذا وقع تهديد للسلم الدولي أو إخلال به أو إذا وقع عمل من أعمال العدوان، ويقدم في ذلك توصياته. المادة 41 لمجلس الأمنتقرير ما يجب اتخاذه من تدابير لا تتطلب استخدام قوات المسلحة منها وقف العلاقات الاقتصادية ووسائل المواصلات المختلفة وقطع العلاقات الدبلوماسية. المادة 42 إذا لم تفِ التدابير السابقة بالغرض جاز للمجلس اتخاذ الأعمال العسكرية بطريق القوات البحرية والجوية والبرية.

ويجب أن يحوز قرار استخدام البند السابع على أصوات تسعة أ عضاء في المجلس على الأقل بما فيهم أصوات الأعضاء الدائمين، ولا يعد الامتناع عن التصويت أو الغياب عن الجلسة اعتراضاً. وليس من المفترض أن يتم الانتقال من التدابير غير العسكرية إلى العسكرية إلا باتخاذ قرار جديد، إذ إن تطبيق الفصل السابع ليس قاعدة بل استثناء غير أن الأمور لا تسير غالبًا على هذا المنوال. يذكر أن مجلس الأمن لم يعدل أيًا من قراراته التي استندت إلى البند السابع منذ إنشائه.

مناخ عدم الثقة

يقول الكاتب والمحلل السياسي الكويتي الدكتور سامي النصف -الذي عمل من قبل مستشارا خاصا لأمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح حين كان رئيسا للوزراء- لـquot;إيلافquot;: إن اللحظة التاريخية المتاحة الآن لتصنيع علاقة سياسية مثلى بين الكويت والعراق لن تتكرر مرة أخرى خلال العقود المقبلة، وعلى القادة في الكويت والعراق اغتنام هذه الفرصة وتحييدها عن الأصوات المتسرعة والعاطفية في بغداد والكويت، لإعادة علاقات البلدين الى اللحظة التي توقفت عندها عام 1990 وتحديدا قبل 19 عاما.... المطلوب من الكويت الإنخراط بلا إبطاء في معارك إعادة إعمار العراق، وعدم التردد في الإقتراب من الشعب العراقي، وعدم الإكتفاء بمجاملة القادة العراقيين، لأن بوابة إعادة إعمار العراق وتنميته والإستثمار فيه لإفادة الشعب العراقي هي أقصر الطرق الى قلب هذا الشعب للقفز فوق عقد التاريخ...

كما على قادة العراق عدم التعامل مع الكويت بوصفها الجار الضعيف والصغير الذي يسهل فروض الشروط عليه، لأن تسليم بغداد بهذا النوع من التفكير السلبي سيعني مستقبلاً أن دولاً مجاورة للعراق أكبر وأقوى منه ستفرض شروطها على العراق... المطلوب التلاقي في منتصف الطريق ومحاصرة ذيول الأزمة الكبرى التي وقعت قبل 19 عامًا لأن الأصل والثابت في العلاقات الكويتية العراقية خلال العقود الثماني الماضية هو وشائج القربى ورابطة الدم وعلاقات المحبة، لكن ما حصل في عهد الملك غازي وعبدالكريم قاسم وصدام حسين هو الإستثناء الذي ينبغي محاصرته والعمل لإلغائه... إذا ضاعت هذه الفرصة لن تكون هنالك فرصا أخرى لترميم أساسات العلاقات الكويتية والعراقية والبناء فوقها مستقبلا.

ويقول الكاتب الكويتي النصف حول مستقبل العلاقة بين العراق والكويت وما يستشعره جراء ذلك: quot;العلاقات الكويتية العراقية أكثر ما تحتاج إليه الان البناء فوق أسس وقواعد صحيحة ومستقرة... ما تمر به العلقات الآن من تشنج سياسي من السهل جدًا الإحاطة به وفك عقده، وتبريد الأزمة السياسية... فالعلاقة بين الكويت والعراق محكومة بالواقع الموضوعي لعموم العلاقات العربية العربية فتجد كثيرًا من العلاقات العربية تتنقل بسرعة وبشكل مفاجئ من الود الشديد الى العداء الشديد لأن تلك الدول تعتمد على خيط واحد من العلاقة هي علاقة الزعامات، إذ لا علاقة أبدًا بين الشعوب ويمكن الإبقاء على خيطها في كل الأزمات العربية تحديدًا... في الحالة العراقية الكويتية العراقية فإننا أمام لحظة فاصلة للبدء فورًا في تصنيع قواعد وأسس علاقات صالحة لكل أنواع الأزمات...

علاقات سياسية مباشرة وصريحة ترافقها علاقات متينة بين الشعبين، خصوصًا أن الوشائج الموجودة بين العراق والكويت على المستوى الشعبي لا يمكن القفز فوقها أو إنكارها وهي ستكون مثابة حجر الزاوية لكن يبقى المطلوب أن توضع أمانة إنشاء هذه العلاقات في أيدي جهات أمينة وواقعية ومختصة في الكويت وبغداد، وإبعاد هذه المساعي عن تأثير انتقادات نواب هنا وهناك، أو مقال استعدائي في الكويت والعراق... عندها فقط يمكن إمتلاك نموذج فريد من علاقات الجوار سياسيا واقتصاديا وشعبيا، يكون هذا النموذج صالح للتعميم فلى العلاقات العربية برمتها.

نسيان الماضي

من جهته يقول وزير الإعلام الكويتي الأسبق الدكتور محمد السنعوسي أنه متفائل بطبعه بشأن العلاقات الكويتية العراقية أقله على المدى البعيد حين يستيعد العراق الإستقرار في العملية السياسية، وكذلك الإستقرار في الوضع الأمني، وعندها ستكون الكويت بالطبع الجار الأكثر قربا والتصاقا بالعراق، والكويت مؤهلة بسبب ما قدمته للعراق على مدى العقود الماضية من أن تلعب الدور ذاته سياسيًا واقتصاديًا بما يسهم في إنعاش العراق واستعادته لمكانته العربية والدولية، وإبطال الأوهام التي حاول حزب البعث المنحل زرعها في عقول جيل عراقي بأكمله من أن الكويت مقتطعة تاريخيا من الوطن العراقي الأم... لكن ينبغي أن توكل ndash;كما يقول الوزير السابق السنعوسي- عملية بناء وصيانة العلاقات الكويتية العراقية الى عقول نيرة في الكويت والعراق بعيدا عن التراشق الإعلامي والبرلماني... تنطلق الإستفزازات من البرلمان العراقي فيرد عليها البرلمان الكويتي بإستفزاز أسوأ... رغم أن العقدة الكويتية العراقية التي استفحلت وتورمت قبل 19 عامًا كانت في كل المراحل تحتاج الى الحكمة والتأني والصبر لا أكثر ولا أقل.

ويضيف الوزير الكويتي السابق أنه ليس بلاده وحدها من عانت من الإحتلال العراقي للكويت... الشعب العراقي نفسه أبتلي بهذه الجريمة البغيضة والمخزية التي جرت الويلات الى العراق جرًا وصولاً الى الحال التي هي عليه الآن من إنعدام كامل للأمن والإستقرار، وضعف العملية السياسية منذ ست سنوات وأكثر تلت سقوط النظام العراقي السابق... علينا جميعًا ndash;يقول السنعوسي- الإنتباه الى أن بقاء العلاقات الكويتية العراقية رهن بالتصعيد والإستفزاز البرلماني والصحافي من شأنه أن يجلب الأسوأ لهذه العلاقة المحكومة حتى الآن بالشك والإستعداء.