لست بصدد مناقشة نتائج تصويت البرلمان العراقي حول انتخابات مجالس المحافظات وعلى وجه الخصوص انتخابات وتقسيمات مدينة كركوك، لان الدخول في مثل هكذا نقاش عقيم سيقودنا الى دهاليز ودروب السياسة العراقية الجديدة لما بعد سقوط الصنم والتي تداخل فيها كل شيء وتقاطع فيها كل شيء حتى ان افضل المراقبين والمحللين السياسيين ضاعوا بين الاليات الديمقراطية والدستور وبين توافقات الكتل البرلمانية واتفاقات الولائم الشخصية فما بالك بالمواطن العراقي البسيط والذي تحيط به المشاكل اليومية وفقدان أبسط الخدمات الأنسانية وليجد نفسه دون سابق انذار وقد حشر بين فكي التفجيرات الارهابية الجديدة وبين تصريحات ناريه ومتشنجه لبعض المسؤولين العراقيين حول قضية كركوك.

يوجد في العراق الجديد مشكلة كبرى وعظيمة اسمها quot; مدينة كركوك quot; والملاحظ ان الجميع دون أستثناء يتعامل مع هذه المشكلة الحقيقية بطريقة القضم الجزئي او بطريقة النعامة، وفات على الجميع ان مثل هكذا قضية وهكذا مشكلة متشعبة ستكون بمثابة خنجر في خاصرة العراق وبمثابة قنبلة مؤقته معدة للتفجير في أي لحظة لتدمير حصاد سنوات طويلة من نضالات ومكتسبات الشعب العراقي. والتاجيل المتكرر والممل لمشكلة كركوك ليس هو الحل الامثل على الاطلاق وكذلك ترتيب و اطلاق المسيرات و المظاهرات التي تشتم الاخرين في الوطن بشكل علني وفج ايضا ليس هي الحل. ان الحل الحقيقي والحكمة الحقيقية ان يتم مناقشة مشكلة كركوك بشكل مباشر وبكل وضوح حتى لو وصل الامر الى حد التصادم السياسي و quot; الكلامي quot; على حد سواء. ان السياسي الحقيقي والناجح هو من يتعامل مع الوقائع ولايحتمي بالتأجيل الذي لايحمل اي جدوى بل يزيد الخسائر الوطنية العراقية ويسبب الكثير من الجروح quot; الوطنيةquot; بسبب هذا التنافر و بعض الاصوات النشاز التي تحرض من بغداد و من طرف اخر بسبب تغيب العلم العراقي في مظاهرات كردستان العراق. لا هذا ولا ذلك التصرف يحمل اي من الاشارات الوطنية المشجعة بل ان كل هذه الامور هي في حقيقة الامر هدر تام للوقت والجهد الذي يجب استثماره في ايجاد حلول لهذه المشكلة الحقيقية التي اسمها كركوك.

ان مدينة كركوك هي مدينة عراقية قام الصنم الساقط بالكثير من الجرائم بحق أهلها العرب والاكراد والتركمان والمسيحيين، والجريمة الاكثر بروز كانت جريمة التعريب من خلال تهجير الاكراد ومصادرة ممتلكاتهم وبشكل قسري واجرامي وارهابي وعنصري في اقل وصف له. وفي عراق اليوم يجب اولا أعادة هولاء المهجرين وتعويضهم عن خسائرهم المادية والمعنوية كما يجب اعادة ممتلكاتهم اليهم وبشكل قانوني ودستوري لالبس فيه. لكن بنفس الوقت لايجب تهجير او تسفير العراقيين العرب بشكل قسري
من المدينة لان هولاء هم في النهاية مواطنين عراقيين يسكنون في مدينة عراقية وقد سكنوا هذه المدينة تحت ظروف غاية في القسوة حينها ومع مرور عقود من السنوات اصبح لديهم واقع وجذور في مدينة كركوك ولديهم ذكريات ومصالح بل واولاد واحفاد ولدوا هناك وتسفيرهم تحت الضغط والاجبار يولد نوع من مشاعر الكراهية والانتقام والشعور بالغبن من النوع الذي يتحين الفرصة المناسبة
لرد هكذا quot; دين quot; واكراد العراق أدرى من الاخرين بهكذا نوع من المشاعر، لانهم تعرضوا الى مثل هكذا ظلم طويل توج بقصف حلبجة بالكمياوي وجرائم الانفال الشنيعة.

وكم كان الحاكم الامريكي للعراق quot; بريمر quot; محقآ حين أجاب احد قادة الاكراد عام 2003 ( أن كركوك ليس quot; قدس quot; الاكراد يكفي العالم مشاكل قدس واحدة لم تحل لحد الان!!) وايضا كم كان قادة الثورة الكردية محقين في عقد الثمانينات حين أجابوا بالتحدي والاصرار على الحق على تصريحات المجرم طارق عزيز حينما صرح ( ان على الاكراد ان ينسوا كركوك ويمروا عليها من بعيد مرور العرب على الاندلس ).


وحقيقة لااعرف لماذا يصر بعض قادة الاكراد على اقتباس وصف القدس بخصوص كركوك، لان مصائب القدس بدات منذ عقود ولم تنتهي حتى يومنا هذا ومازال العرب أهل الارض وأهل هذه الرموز المقدسة هم ابعد الناس عن حقهم التاريخي والسماوي.!! اما أندلس العرب فهي مثال اخر غير متطابق مع كركوك ومثلها اشبيلية وقرطبة وغرناطة فهناك واقع تاريخي اخر ليس فيه نفط بغزارة نفط كركوك ولافي كركوك ايضا قصر
الحمراء ولا عبد الله الصغير فهذا حاضر فيه الثروات والمصالح الستراتجية والاقليمية والدولية تتكلم. الاختلاف كبير وجوهري.

ومن يتجاهل ذلك انما يورط نفسه في كثير من المتاعب الطويلة. اما تمادي البعض بوصف كركوك بانها quot; كعبة الاكراد quot; فمثل هذا الوصف فيه الكثير من المبالغة لان السياسة لامقدس فيها ولان وهذا هو الاهم ان للبيت الشريف quot; رب يحميه quot;.

لحل مشكلة كركوك وأعادة الحق الى أهله وفي مكانه الطبيعي يجب ان تكون الاجتماعات والمحادثات واقعية وصريحة حتى يتجاوز العراق والعراقيين هذه المعضلة المزمنة التي اسمها كركوك في عراق اليوم والتي تهدد بلا أدنى شك كل مكتسبات العراقيين الدستورية والديمقراطية وحتى الوطنية، اما غير ذلك من تأجيلات واجتماعات اخر الليل وولائم لبعض العاملين في السياسة العراقية الجديدة والحضن وبوس اللحى والاستفزاز والتهديد والوعيد، كل هذه الاساليب الشرقية التعبانه لم ولن تصل الى نتيجة ترضي الجميع وسيكون فعلا عندنا الف قدس والف أندلس ومثلها واكثر منها من الخسائر العراقية.


محمد الوادي
[email protected]