الملامح العامّة
الكتاب مجموعة عبارة عن (13) مقالة لمتخصصين كبار في الفن، سواء في التمثيل أو الموسيقى أو الرسم أو الرقص، إضافة إلى مقدمة مختصرة تتحدث عن هدف الإنجاز.
الكتاب محاولة جادة ومضنية في نفس الوقت لتقديم قراءة سوسيولوجية للفنون، أو للفن بتعبير أدق، اي قراءة للفن من منظور علم إجتماع، حيث ينصب الهدف المركزي على قراءة الإنتاج الفني في سياق حركة المجتمع، أي قراءة إلهامات المجتمع صانعي الفن، ومن ثم إمكانية إكتشاف الفواعل الإجتماعية في هذ ا

الكتاب: سوسيولجيا الفن، طرق للرؤية.
تحرير: ديفيد إنغليز، جون هغسون .
ترجمة: ليلى الموسوية.
مراجعة: الدكتور محمّد الجوهري .
الكتاب من سلسلة (عالم المعرفة)، وهي سلسلة شهرية تصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، في دولة الكويت، رقم الكتاب (341).
تاريخ الاصدار: يوليو سنة 2007 .
عدد الصفحات: 353 من القطع المتوسط
المُنتَج الإنساني الخالد . ويذكر المراجع الدكتور الجوهري وهو عالم إ جماع مصري معروف، أن الفكر العربي ما زال متاخرا من قراءة بهذا المستوى للفن، رغم إن إلهامات المجتمع العربي لما يسوده من إنجاز فني واضحة للغاية! ص 11.
القراءة أو التحليل السوسيلوجي للفن كان من الواجب أن يكون لها تاريخ، أسبق من هذه المحاولة في تصوري، وذلك إن التحليل السوسيولجي للمنتَج البشري دخل مرحلة متقدمة من الحضور والتجذر في متن الفكر البشري، فهناك علم إجتماع المعرفة الذي حاول بكل نشاط إرجاع المعرفة مصدرا وسيرورة إلى بنية المجتمع، حتى البنيات المنطقية الاولى يحاول بعضهم إيجاد أرضية إجتماعية لها، تكمن في باطن الوعي! بل حتى ا لرياضيات، فكيف بعلوم الجغرافية والتاريخ وعلم النفس والاقتصاد والانثروبولجيا وغييرها (إن صح كونها علوما، فهناك حوار حول مدى إنطباق كلمة علم على هذه المجالات).
يتالف الكتاب من جزئين، الاول يتناول النظرية عبر بعض قواعدها المتصوّرة، حاضرا ومستقبلا، ويضم سبعة فصول، والثاني يتناول تطبيق هذه النظرية على بعض المنجًز الفني، وقد جاءت بعنوان (من النظرية إلى التطبيق، دراسات حالة في سوسولجية الفن)، وكان من أ برز المجالات في تطبيق النظرية هي فن البالية والموسيقى وفن العمارة متجسدا في تجربة إعادة بناء برلين.

الإسئلة الحيوية
تتناول سوسوليجية الفن مهمّة عسيرة، إنها الجواب أ و محاولة الجواب على إسئلة حيوية تتصل مباشرة بالفن، ترى ما هو الفن إجتماعيا، وما هي صور أشكال إرتباط (الفن) بـ (المجتمع) والعكس با لعكس وكيف تؤثر طبيعة المجتمع في طبيعة الفن، والعكس بالعكس، وكيف يتم التعامل مع الفنون باختلاف المجتمعات (فهذه هي أهم المسائل الجوهرية التي يجيب عليها الكتاب، فهو محاولة إجتماعية للدخول إلى حلبة الفن أو الفنون درساُ وفهماً وتحليلا ً) ص 21.
وقد استعان كثير من علماء االاجتماع في هذا المجال بنظرية العالم الإجتماعي الفرنسي الراحل (بورديو) مستندا إلى مصطلحه الخاص به (الحقل)، الذي تحول إلى نظرية أو رؤية خاصة به في دراسة وتحليل المجتمع والانجاز الإجتماعي، وجوهر نظرية الحقل تقوم على إعتبار كل منتَج بشري عبارة عن مخاض تاريخي، نتيجة تاريخية لما يتعاقب على المجتمع من تطورات وأحداث وتغيرات، وليس هناك علوما بمثابة جواهر خالدة، بما في ذلك الرياضيات! ولم يستخدم بعض الكتاب نظرية (الحقل) هنا كآلية فهم للبنية الأجتماعية للفن، بل كآلية تطوير وتثوير النظرية. وبالتالي، فإننا نقرا كثيرا عن علاقات الفن بقواعد الصراع والتشابك الاجتماعي من أجل الحفاظ على وضع ا جتماعي ما أو تغييره.
يتسائل أحد الكتّاب (هل يمكن إجتراح رؤى جديدة لاستلهام أو بالاحرى تحليل العمل الفني في سياقات التشكل الاجتماعي الغنية، بالرموز والدلالات والمعاني والمواقف،وما إلى ذلك من تحليلات للصيرورة الإجتماعية؟ هل يمكن التقاط أو تنظير التلقي الاجتماعي الفني بعد إقرار إن العمل ا لفني ربما لا يخرج من ممكلة الإنبثاقات والنتائج الا جتماعية)...
كل ذلك نسميه (سوسوليجية الفن)...

طروحات وأفكار
في المقدمة المعنونة [ التفكير في (الفن) سوسولجيا ] للكاتب ديفيد أنجليز، يمهر بقوة على مقولة إجتماعية قاطعة، بل قانون اجتماعي صارم، مؤداه (إن طرق تصنيف الاشياء هي من وضع المجتممع، وهي عاكسة أو معبرّة عن الظروف الاجتماعية لمجتمع بعينه، أو مجموعة إجتماعية معينة فيه فأي تصنيف لما هو (فن)، (ثقافة شعبية)، أو (جيد) أو (سيء)، أو (مصقول) أو (فج) لا يمكن أن يكون (محايدا)، أو (موضوعيا)... ] ص 37 .
وفي هذا السياق يستعرض لنا الكاتب أراءه ليصيغها في عبارة صارمة (إن منظور علم الاجتماع يؤكد: إن الفن هو دوما جز ء من الدائرة الاوسع للحياة الا جتماعية، ولا يمكن أن يُعالج كما لو كان منعزلا تماما عن كل أنواع التأثيرات الاجتماعية، سواء الظاهرة أو الكامنة) ص 37.
الكاتب نفسه يتحدث عن الشروط الاجتماعية لاستقبال الفن، فيرى أن هذه الشرو ط تختلف من مجتمع لأخر، كما تتباين داخل المجتمع الواحد تبعا لاختلاف الانتماء الطبقي، وظروف النشأة الإجتماعية، بل وتبعا لاختلاف المؤسسات الاجتماعية، وعلى هذا يستشهد بما يقوله (بوردوا) من أن (القيمة الفنية لن يمكن العثور عليها في الاعمال الفنية نفسها، بل في المؤسسات الإجتماعية، أي الحقول الفنية التي تتم عمليات الإنتاج والتلقي في إطارها) ص 75 . ولكن الكاتب يعترض على نظرية بوردو من حيث أنها عاجزة عن حل بعض المشكلات الفلسفية، أي التي تدور حول طبيعة الجمال ص 80، لان ا لكاتب يجهد أن يعطي للجمال قيمة مفارِقة لحد ما.
يدخل العنصر النسائي في هذا الجهد كاتبا وموضوعا، فإن (الكسندرا هوسون)، وهي مفكرة أمريكية حاضرت في جامعات غربية عديدة، تكتب عن (جسد الأنثى في الممارسة الجمالية النسائية) محاولة أن تطرح معالجة سوسولجية مستندة إلى أفكار الحركة النسوية، مركزّة على سياسات جسد الانثى في فن النساء، وهي تعترف أن هناك نمو في تأصيل جسد الأنثى في الفن النسائي في سبعينيات القرن العشرين، ولكنها تستدرك بان هذه الأعمال قد تساهم في تعزيز (الأساس البيولوجي للأنوثة وللفروق بين الجنسين) ص 88 . كما أنها مازالت مأسورة بالسياق الأبوي الذي (تتكون فيه الرغبة والتجربة الا نثوية)، وتستعير بعض الار اء التي رصدت هذه التجربة بدقة، حيث (إنه في رسمة أو صورة أو تمثال أو فن تركيبي بالذات، تستخدم إشارات مجازية للمس، ويسترجع الأمومي، ويعاد التركيز على الجوانب الجسدية المخفية والمهمّشة في الثقافة الغربية..) ص 96، وليس سرا قد تكون بعض المحاولات في فن الرسم من قبل العنصر الانثوي تهدف إلى طرح إسئلة عن القيم الذكورية التي تتشكل في كثير من المجتمعات معالمها النظرية في سياق القيم الذكورية.
يشغل موضوع الجمال مساحة واسعة من محاولة الكتاب، وليس المقصود هنا جمال الجسد بطبيعة الحال، بل الجمال من حيث هو، مجسّدا بعينات فنية، وفي سبيل ذلك عالج الكاتب أنظمة الإدراك والشعور الانساني مع الجمال، فكتب عن (نظم العلاقات السيمائية) و (النظام اللمسي) و(النظام البصري)، وغيرها من الانظمة التي تتشكل عبر تعاقب الحضارات والثقافات، وفي سياق صراع بين قوى خفية وظاهرة، فإن إنتقال الإهتمام من الدال إلى المدلول، وغياب المدلول في غياهب خلفيات التشكل الفكري والروحي والثقافي للإنسان يعبر عن فاعلية المجتمع في تقدير نتائج التعامل مع جماليات الفن، وما النظام الرمزي التجريدي الذي نشا في عصر النهضة سوى وسيلة مجردة لإتمام المعاملات! ص 108، وذلك على ضوء ما يقول (بودارير)!وبصريح العبارة (أن الرأسمالية على مستوى العلاقات الاقتصادية تعكس النظام الرمزي التجريدي الذي نشا في عصر النهضة)!
لقد مرّ النظام اللمسي بتطورات مذهلة فإن فناني مصر القدماء تبنّوا نمطا من ا لتصوير الذي يتبنّى (إحتمالات نمط لمسي من الإدراك الحسِّي قاءم على القيم اللمسية) فيما فنانو عصر النهضة انتحلوا (احتمالات نمط بصري من الإدراك الحسي قائم على القيم الطرفيّة) في حين أسّس الفنانون المعاصرون العملية الجمالية في (نمط جسدي من الإدراك الحسّي قائم على القيم المحورية).
ولكن ما معنى ذلك؟
معنى ذلك إن المتطلبّات السيمائية للقيم الفكرية في مجتمع ما لهي حاسمة في تحديد إنتحال الانظمة الحسيّة، نكشف ذلك من الحفر العميق في الانظمة الاجتماعية السائدة في كل فترة، كما هو قصد الكاتب!

نموذج من التطبيقات / الأوبرا / الموسيقى
الجزء الثاني من الكتاب عبارة عن تطبيقات لوجهات أو نظريات المحاولة، وقد كان موضوع (الأوبرا) نموذجا حيا لذلك، رغم أن الباليه أو فن (الأوبرا)، متهم باصوله الا ستقراطية، ولكن جاهدت البرجوازية أن يكون لها (أوبرا) خاص بها، وفي الاثناء يتعرض الكاتب إلى (الموسيقى) ليقرر كما فيرى أن (أحد المسلّمات الرئيسية في التطورات الاخيرة في سوسولجيا الموسيقى هي: إن المجتمع ليس شيئا خارجيا بالنسبة إلى ا لموسيقى نفسها، بل يقع ضمن تنظيم وبنية الموسيقى نفسها... ويذهب علماء الموسيقى اليوم إلى القول أنه كي نفهم الموسيقى بتمكُّن يصبح من الضروري وضعها في سياقها التا ريخي والثقافي، وفي السنوات الاخيرة تنامى الإهتمام بتحليل الأوبرا من خلال السياقات التاريخية و الا جتماعية والثقافية،فيذهب العلماء أن الأوبرا هي نتاج عوامل متنوعة، ومجموعة متباينة من التشكيلات الاجتماعية والثاقافية، بما في ذلك الرعاية الاجتماعية للدولة والتركيب الطبقي... إن الاوبرا دوما مشتبكة في علاقات قوى،ولكن يجب أن نتعامل مع العنصر الاجتماعي في تأسيس أو توجيه الاوبرا بحذر...).
وبعد...
يعتبر محاولة جادة، عميقة، تعتمد اسلوب البحث المنطقي الإجتماعي في إثبات جدواها وأحقيتها، وقد تكون حافزا للعلماء الاجتماع العرب على الغوص في بحر هذه المخاطرة الجميلة، خاصة وإن الفنون الشعبية العربية متنوعة، ومتجذرة، ومعبّرة، فهي يمكن أن تكون خير نموذج تطبيقي لمثل هذه المحاولة.

اية اعادة نشر من دون ذكر المصدرايلافتسبب ملاحقه قانونيه