موسكو: تمكن quot;السداسيquot; المعني بالملف الإيراني (أعضاء مجلس الأمن الدولي الخمسة وألمانيا) أخيرا من تنسيق مشروع القرار الجديد لمجلس الأمن الدولي بحق إيران. ومما يثير استغرابا أن quot;السداسيquot; وافق على نص المشروع بالإجماع. بل أزيد من ذلك فقد تبنى أعضاؤه، في الحقيقة، الصيغة الروسية التي عمل وزير الخارجية سيرغي لافروف جهيدا خلال الفترة الأخيرة على تمريرها. ويكفينا أن نتذكر لقاءه عشية مشاورات quot;السداسيquot; في برلين مع وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني، حيث رد لافروف على دعوتها إلى quot;التحلي بالصلابةquot; أثناء مناقشة العقوبات ضد إيران، بأسلوبه المميز قائلا إن موسكو تدعو quot;بصلابةquot; بالذات لتوسيع رقعة التعاون بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية وليس لتقليصها.

ولكن من دواعي الاستغراب الشديد أيضا أن إيران لا غير أو بالأدق رئيسها محمود أحمدي نجاد وقف ضد هذا المشروع.

وذلك على الرغم من أن هذه الوثيقة لا تراعي التقدم الجلي في العلاقات بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية على طريق إزالة التساؤلات المتبقية فحسب، بل وتهدف - حسب قول لافروف - إلى توجيه كل خطوات مجلس الأمن المحتملة صوب دعم الوكالة الدولية للطاقة الذرية. بعبارة أخرى، يعطي مشروع القرار الأولوية في تسوية المسألة النووية الإيرانية لوكالة الطاقة الذرية الأمر الذي أصرت عليه موسكو والذي دأبت على إقراره طهران.

كما لا تكتسب الإجراءات المقترحة (بالإضافة إلى القرار رقم 1747) صيغة عقوبات صارمة بل تمت صياغتها على شكل نداءات إلى جميع البلدان بالتحلي باليقظة أثناء تطوير العلاقات مع إيران بغية تجنب التخطى العفوي لحدود معاهدة حظر انتشار الأسلحة الذرية.

وأخيرا يراعي مشروع القرار الجديد إمكانية شروع quot;السداسيquot; بقوامه الكامل بما فيه الولايات المتحدة في إجراء مفاوضات مباشرة مع إيران (كان الثلاثي الأوروبي المتكون من فرنسا وألمانيا وبريطانيا هو الذي خاض المفاوضات مع إيران حتى يومنا هذا). علما أن المفاوضات ستشمل إلى جانب تسوية المسألة النووية الإيرانية والتأمين عمليا لحق إيران المشروع في تطوير الطاقة الذرية للأغراض السلمية، قضايا توسيع التعاون الاقتصادي مع إيران في مجال الطاقة الذرية ومجموعة من المسائل الإقليمية.

ويبدو وكأنه مشروع مثالي لا يمكن أن يكون أحسن مما هو عليه الآن. ومع ذلك فقد وصف أحمدي نجاد إقدام quot;السداسيquot; على تبني مشروع قرار مجلس الأمن الدولي حول المسألة النووية الإيرانية بأنه قرار quot;خاطئquot;. ذلك أن طهران تعتبر الملف النووي الإيراني مغلقا.

ويذهل رد الفعل الإيراني هذا، خاصة إذا نظرنا إلى تلك الخلفية التي تشكلت قبل مناقشة مشروع القرار، حيث كانت موسكو جهة وحيدة تعارض تشديد العقوبات. وحتى موقف بكين كان مبهما إلى حد ما. فليس من قبيل الصدفة أن تحاشى سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني سعيد جليلي الإجابة عن سؤال حول موقف الصين المتوقع من عقوبات مجلس الأمن المحتملة الجديدة ضد إيران على أثر زيارته للصين عشية مشاورات quot;السداسيquot;.

ومن المرجح أن الإجماع على صيغة مشروع القرار كان خطوة لملاقاة موسكو من جانب سائر أعضاء quot;السداسيquot;. ومما يشهد بذلك تلك التعليقات على نتائج المشاورات التي صدرت في واشنطن وكذلك برلين التي استضافت اجتماع quot;السداسيquot;. وعلى حد قول وزير الخارجية الألماني فرنك - فالتر شتاينماير، مد quot;السداسيquot; اليد إلى إيران شريطة موافقتها على التعاون. أما وزارة الخارجية الأميركية فترى أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه في برلين يدل على اشتداد عزلة إيران وفشل محاولات طهران لإحداث شقاق في فريق quot;السداسيquot; وأن هذا الاتفاق quot;يرسل إشارة قوة إلى إيران تُفهمها أنها ملزمة بالامتثال لمتطلبات قرارات مجلس الأمن الدوليquot;.

من البديهي أن المشاورات لم تجر بسهولة. فقد تطلب الأمر من لافروف والوفد الروسي، بلا شك، بذل الجهود المضنية من أجل التوصل إلى هذه النتيجة.

ومن البديهي أيضا أن مشروع القرار هذا ما هو سوى ائتمان ثقة كبير وبالدرجة الأولى لموسكو. لا نعرف الحجج التي طرحها وزير الخارجية الروسي على مائدة المفاوضات، ولكن من الواضح أن المساءلة لن تقتصر على طهران وحدها فيما لو رفضت تنفيذ بنود القرارات السابقة القاضية بإنهاء كل الأعمال المتعلقة بتخصيب اليورانيوم.

هذا وبالرغم من لطفه الظاهري ليس مشروع القرار ضعيفا، كما قد يتصور البعض. بل أنه أشبه بـquot;العقاب المؤجلquot;. فمن يعرف أيهما أسهل: تشديد العقوبات أو هذه الفرصة التي أتيحت لإيران.

بيوتر غونتشاروف