الموقف الشجاع والمعلن الذي إتخذه الأخ مثال الآلوسي العضو القيادي السابق في المؤتمر الوطني العراقي من خلال زيارته لإسرائيل وإعلانه لتلك الزيارة ودفاعه المستميت عنها يؤهله لأن يكون بلاشك أحد الرواد من أهل العمل السياسي الجديد الشفاف والصريح والمعلن في العراق الجديد والذي يفكر بوضوح وبصوت عالي ويتصرف بشفافية وصراحة ويتحرك علانية دون خوف ولا وجل من سكاكين الجزارين من القتلة الأصوليين ، ولامن الأصوات المبحوحة للقومجيين المهزومين تاريخيا والمتورطين بأكثر من ملف سري على صعيد التعاملات السياسية المشبوهة مع من يشتمونهم في النهار ويتقلبون على فراشهم الوثير ليلا ؟ ، السيد مثال الآلوسي لاأعرفه شخصيا ولم أسمع عنه قبل تحرير العراق من البعث البائد وبرز من خلال ترؤسه وقيادته للجنة الوطنية العراقية لإجتثاث البعث بكل مخلفاته الفكرية والنفسية والسلوكية وهي المهمة المقدسة التي لم تكتمل للأسف بسبب المناورات والمساومات في الساحة العراقية وبسبب الموقف السلبي لحاكم العراق الأميركي السابق السفير بول بريمر الذي أجهض فرصة عقد مؤتمر دولي حول إجتثاث البعث كان الآلوسي ورفاقه بصدد وضع اللمسات الأخيرة له ليكون آخر قرار يوقعه بريمر قبل رحيله نهاية حزيران / يونيو المنصرم هو إلغاء لجنة إجتثاث البعث رسميا! وهو قرار مشبوه ساهم ويساهم دون شك في تصعيد حالة التردي الأمني الرهيب الذي يعانيه العراق ! ثم عاد الآلوسي لصفوف المؤتمر الوطني الذي توضحت علنا خلافاته مع الأميركيين بسبب تصرفات وأساليب وتحركات رئيسه السيد أحمد الجلبي الذي حاول ركوب الموجة الطائفية وإستغلال ظاهرة وفورة مقتدى الصدر البائسة إستغلالا سياسيا لتنقلب صورة التحالفات السياسية ، وتنفجر دمامل الخلافات القديمة , وليتم تحجيم الجلبي تحجيما كبيرا لايتناسب بالمرة مع دوره السياسي السابق وعلاقاته الواسعة النظاق بالأميركان والتحالف الغربي عموما وهي إشكالية لست بصدد مناقشتها في هذه العجالة، المهم أن السيد مثال الآلوسي قد برز عراقيا كأحد القياديين الفاعلين في المؤتمر الوطني العراقي ، لتأتي زيارته العلنية لتل أبيب ومشاركته فيمؤتمر دولي حول الإرهاب الدولي هناك لتفجر الأسئلة وتفتح أفواه التنين العدائية اللاهبة ضد السياسيين والمثقفين العراقيين من قبل أطراف عرفت تاريخيا بعدائها الشديد والمؤدلج للتغيير في العراق وبإرتباطاتها بعجلة وتنظيمات وأجهزة النظام البعثي البائد ؟ وهي تقولات ودعايات وأراجيف مردودة على أصحابها وتنقصها المصداقية والشفافية ، فيرغم الضجيج الإعلامي المطنطن ، والزعيق الآيديولوجي المتعفن ، ثمة حقيقة مركزية متجسدة تتمثل في كون حزب البعث والبعثيين عموما يسارهم ويمينهم ، عراقيهم أم سوريهم أم سودانيهم أم لبنانيهم أم فلسطينيهم ! قد أدوا أفضل الخدمات التاريخية الجليلة للدولة العبرية عبر التاريخ والسياسة العربية المعاصرة؟ وكانوا كعب أخيل الذي إستطاع الإسرائيليون بواسطته التمدد والإحتلال الجغرافي لأصقاع كثيرة في عالمنا العربي ، وكان المشروع التكسيحي البعثي لقوة الأمة العربية وإستنزاف مواردها في المعارك الجانبية وتمويل المؤامرات الإنقلابية والتخريبية في العالم العربي أبعد الأثر في تقوية القبضة الإسرائيلية في المنطقة ، فالفشل المريع في إدارة الصراع قد أفرز حالة رهيبة من الضعف العربي تمثل في حالة الإنهيار القائمة ، فنظامي البعث البائد في العراق والمحتضر في سوريا لم يكونا أبدا مشاريع تصدي حقيقية للمشروع الإسرائيلي بقدر مانجحا في إستثمار ذلك الملف في الإمعان في الهيمنة والتسلط وخداع الجماهير بوجبات الشعارات وعلف التحديات الوهمية الفارغة ، والنظام البائد في العراق لم يخض أبدا معركة حقيقية مع الإسرائيليين بل على العكس فقد شهد العقد الأخير من حياة النظام إتصالات سياسية ودبلوماسية أجهضتها الإدارات الأميركية وكانت تصريحات برزان التكريتي السابقة واضحة في كون العراق قد أدى ماعليه وهو لايطلب أكثر مما يطلبه أصحاب القضية أي الفلسطينيون!! والفلسطينيين كما نعلم قد عدلوا ميثاق منظمة التحرير ليعترفوا بحق إسرائيل في الوجود وليتفاوضوا معها وليوقعوا الإتفاقيات الأمنية وليتبادلوا كل أشكال وصيغ العلاقات الكاملة بين طرفين متقابلين كانا في حالة حرب بصرف النظر عن الإتجاهات التي إنعطفت نحوها الأحداث حاليا ، لذلك فإن السيد مثال الآلوسي لم يقم بأكثر مما قام به أهل القضية من المعنيين ، وحتى على مستوى العالم العربي ونخبه السياسية والثقافية والإعلامية فإن مسألة وجود دولة إسرائيل لم تعد موضع خلاف ولانقاش ! بل أن الخلاف يشمل حدود تلك الدولة وبعض الإجراءات الشكلية الأخرى وهي قضية تحلها المفاوضات المباشرة لاسيما وإن الجانب السوري وبسبب أزمة نظامه لايخفي إعلانه ولارغبته من التفاوض مع الإسرائيليين لإنهاء الجمود والتخلص من حالة اللاحرب واللا سلم ! ولكن المشكلة لاتكمن في النظام السوري حاليا بل في حكومة شارون المتطرفة التي ترفض التفاوض!! وهنا إنقلبت الصورة الإستراتيجية للأسف إنقلابا مريعا يؤشر على حجم التردي العربي ومعرفة الإسرائيليين الوثيقة بخفايا وأسرار البيت العربي المخلع الأبواب والمتكسر النوافذ إلا من بقية شعارات يفرزها أهل المؤتمر القومي وأهل الصحف المنقاشية المعروفة!!.

تاريخيا كان الشهيد المرحوم الرئيس أنور السادات هو أول من نجح في إختراق حالة اللا حرب واللاسلم التي هيمنت على ملف الصراع العربي / الإسرائيلي طويلا قبل أن تتكفل حرب أكتوبر 1973 ونتائجها المعروفة ثم المبادرة السياسية الشهيرة للسادات في 19/ نوفمبر 1977 بزيارة إسرائيل وكسر الجمود السياسي والحاجز النفسي الرهيب بتغيير الصورة الإستراتيجية نهائيا وإلى الأبد ! صحيح إن تلك المبادرة لم تحسم ملف الصراع قوميا لكنها أدخلته ضمن حالة الشفافية والعلن وإختصرت السياسة المصرية بفضلها مراحل صراعات طويلة وغير منتهية وإستعادت خلالها شبه جزيرة سيناء بطريقة سلمية وهي المهمة والقضية التي كان من الممكن أن تكون في الجولان وبقية الأراضي العربية المحتلة لو أن العرب صمتوا على الأقل على الراحل السادات ولم يحاربوه أو يقاطعوه ويشهروا به في مؤتمر بغداد السخيف أواخر 1978 والذي لم تكن نتائجه سوى وبالا على العالم العربي بعد تمدد الفاشية والغوغائية البعثية وتوسع الصراعات العربية / العربية وإرتفاع أزمة المقاومة الفلسطينية في لبنان وإندلاع الحرب العراقية / الإيرانية التي أنهت القضية الفلسطينية نهائيا والإحتلال الإسرائيلي لبيروت! ومن ثم الغزو والإحتلال العراقي لدولة الكويت!!! فبعد ذلك عن أي صمود وأي تصدي يتحدث العرب ؟ صحيح أن السيد مثال الآلوسي لايمكن أن تقارن مبادرته بمبادرة الراحل السادات لإختلاف المعطيات والخلفيات والدوافع والأهمية الإستراتيجية ، لكنها كانت مبادرة إنقلابية في الفكر والسلوك السياسي في العراق لواقعيتها وظرفها التاريخي وحيث يخوض العراقيون اليوم أشرس المعارك ضد الإرهاب الأصولي والفاشي وحيث وضع السيد الآلوسي روحه على كفه وهو يكتشف الطريق لمعالم سياسة عراقية مستقبلية حرة وواقعية ، خصوصا وإن الوجود الإسرائيلي في عالمنا العربي وحضوره العلني لم يعد سرا من الرباط وحتى عدن ومابينهما من الدساكر والأمصار والسفارات والمراكز التجارية وغيرها!!... فعلام الخلاف والتشهير في ملف لم يعد للعرب لديهم فيه مايخفونه من أوراق؟.

[email protected]

انقر على ما يهمك:
عالم الأدب
الفن السابع
المسرح
شعر
قص

ملف قصيدة النثر
مكتبة إيلاف