هاهو شهر سبتمبر، شهر غزوتي نيويورك وواشنطن المباركتين، يعود. وياليته ما عاد.

في يوم "الفاتح" من الشهر ذهب مئات التلاميذ من عمر ستة أعوام إلى سبعة عشر عاما مع أهاليهم للاحتفال بأول أيام الدراسة في مجمع مدارس بمدينة صغيرة تدعى "بسلان" بجمهورية شمال أوسيتيا الروسية. لم يكن يدور برؤوسهم أن مدينتهم ستدخل التاريخ من باب الرعب البشع.
في أول حادث من نوعه سجله التاريخ الإنساني المعروف، قامت مجموعة من "الكائنات" التي يصعب تحديد طبيعتها بأخذ ألف ومائتين من الأبرياء، معظمهم من الأطفال والنساء، كرهائن. انتهت العملية بمذبحة بشعة قتل فيها مايزيد عن الثلاثمائة وجرح أكثر من سبعمائة. نصف الضحايا على الأقل من الأطفال. تابع المليارات من البشر المأساة بأعينهم وقلوبهم على الهواء مباشرة وهم لا يصدقون أن ما يرون يجري حقا على كوكب الأرض.
مع الوقت تزايدت وتناقضت مطالب الخاطفين (وهم حوالي الثلاثين من المجاهدين الشيشان والعرب)، ولكنهم حافظوا على مبادئهم الأخلاقية السامية ثابتة لا تتزعزع: جمعوا "الأسرى" في صالة ألعاب واحدة، كدسوهم فيها أنصاف عرايا وسط الحر القائظ. وضعوا متفجراتهم في أماكن مختلفة بالصالة وبشبكات كرة السلة، وأوصلوا أسلاكها بأيديهم لإطلاقها عند اللزوم. رفضوا السماح بإعطاء الماء والطعام للرهائن لأكثر من يومين. تركوهم يتبولون في مواضعهم. اضطر البعض إلى رشف قطرات من البول لإطفاء العطش. رفضوا استبدال مجموعة من الأطفال بعدد مماثل من البالغين المتطوعين؛ فما أكثر من سعوا لافتداء أبنائهم. عروض الخروج الآمن بدون مؤاخذة من السلطات رفضوها؛ فهم لم يأتوا "للهزار" بل لسفك الدماء في طريقهم إلى لقاء الحوريات. (يقال أن القوة الجنسية اللازمة للمتعة الأزلية معهن تتزايد طرديا مع كم الدماء المسفوكة ودرجة براءة الضحايا). بعد أن وافقوا على إطلاق سراح بضعة رهائن من بين الأمهات، تخلصا من ضجيج أطفالهن الرضع، رفضوا أن تذهب أي أم بأكثر من طفل من أطفالها: خرجت إحدى الأمهات تحمل رضيعها بعد أن نزعت عنها تشبث أيدي طفلتها التي لا تزيد عن السادسة من عمرها، تاركة إياها تصرخ وتنحب. إنهارت المرأة بمجرد أن أوصلت الرضيع للأمان، ثم استسلمت للجنون. بعد أن وافقوا على اقتراب سيارات إسعاف لتنقل أشلاء من قتلوهم في بداية "الغزوة المباركة" أطلقوا النيران عليها، وأطلق القناصة المجاهدون الأشاوس رصاص بنادقهم الآلية على رؤوس الأطفال الذين تحركوا بدافع الهلع. الخ الخ الخ
نحتاج إلى مفردات لغوية جديدة لوصف ما حدث. لم تعد تعبيرات الإرهاب والإجرام والتخريب والفظاعة والفظاظة والبربرية والهمجية والوحشية والبهيمية والجرائم ضد الإنسانية تفي بالغرض. فقدت كلُها معانيها من كثرة الاستعمال. فما العمل ونحن نرتقي كل يوم إلى قمة جديدة شاهقة من قمم الانحطاط والسفالة التي يستحيل تخيلها.
يحطم المتسابقون الأولمبيون الأرقام القياسية إذ يدفعون القدرات البشرية على الأداء إلى ذرى باهرة جديدة، أما هؤلاء فيحطمون كل يوم الأرقام القياسية ... للوحشية. (حقا لم تعد اللغة قادرة على ابتكار التعبيرات المناسبة!). بعد قتل الأبرياء والفقراء في العراق؛ مثل السائق المصري، والصحفي الإيطالي، والنيباليين الإثنى عشر (وهي عمليات مسجلة بالصوت والصورة على مواقع الإنترنت، يتم فيها "النحر الشرعي" وسط التهليلات والتكبيرات..)، وبعد إسقاط طائرتي ركاب روسيتين بمن فيهما؛ هاهم يتقدمون ليخوضوا (بمفردهم) سباق "ديكاثلون" الجرائم ضد الإنسانية.


الأطفال هم الهدف هذه المرة.
هل من شك في أن "مجمع الشياطين" قد شعر بحسد لا حد له من قدرة كائنات "بشرية" على أن تبتكر ماعجزت الأبالسة والشياطين عن التفكير فيه والإتيان بمثله، رغم خبراتها التخريبية العاتية التي تتعدى ألوف السنين!


...
ما هي ياترى تلك "الأيديولوجية" التي تجعل كائنات "بشرية" تتحول إلى "أبناء أبالسة" يتفوقون على آبائهم ؟؟
سيسارع البعض بالصراخ بأن الإسلام برئ من مثل هذه الأفعال التي تفوق الجرائم ضد الإنسانية. ولكن هذا أمر يحتاج إلى بحث وفحص؛ فقد كثر المتحدثون باسم الدين ولم يعد أحد يعرف أيُ صورِه هو الحقيقيُ وأيُها المزيف.
أما المسلمون والعرب فهم بلا شك موضع مساءلة، بسبب صمتهم المشبوه. كم كلمة إدانة خرجت من أفواه المسئولين وأبواق الإعلام؟ كم من أصحاب الفضيلة "المعتدلين" تطوعوا بمخاطبة الخاطفين لإقناعهم بالكف عن فعلتهم والالتزام "بصحيح الدين"؟ كم مظاهرة قام بها من هرعوا في الأسبوع الأسبق إلى الشوارع احتجاجا على اقتراب الكفار من مسجد علي بالنجف (الذي كان "مقتضى" الإرهاب قد كدس أسلحته بداخله)؟ كم من المُطالِبات بحقوقهن "الشرعية والإنسانية" في ارتداء الحجاب في فرنسا اهتزت أحجبتهن احتجاجا، إن لم يجرؤن على عرض أنفسهن كرهائن بديلة (حتى ولو كان هذا من باب التباهي أمام الفرنجة)؟
وإن كان كل أو بعض هؤلاء قد قام بكل أو ببعض ما نقول أنهم لم يفعلوه، فكم عدد من قام حقا بإدانة الإرهاب ضد الأبرياء إدانة واضحة صريحة لا لبس فيها ولا غش؟ للأسف العكس هو الصحيح؛ فما أكثر فتاوى الحض على القتل، حتى لو تَخَفَت تحت غطاء "تقية" شفاف جدا، مثل "خطف وقتل المحتلين وأعوانهم".
بغض النظر عن صمت من يشعرون بالخزي من كل هذا، فالباقون يصمتون صمت التواطؤ. صمت من أصيبوا بالصمم الأخلاقي والعمى الضميري.
القناة الفضائية إياها، صاحبة شعار "الإرهاب... والإرهاب الآخر"، قامت بفاصل الرقص الذي استمتعت فيه بهز أردافها وهي تزف أنباء مساندتها للإفراج عن الصحفيَين الفرنسيَين المخطوفَين بالعراق (ليس لأن خطف الأبرياء مُدان أخلاقيا، بل لأنهما صحفيان "زميلان"، ولأنهما ينتميان إلى فرنسا "صاحبة المواقف السياسية الصديقة"! وكذلك لوعد فرنسا بالتطبيق "الذكي" لقانون الشارات الدينية في المدارس!). أما عن "الإخوة المجاهدين" الذين نفذوا "عملية بيسلان" الباسلة فلا يمكن، بدافع "الموضوعية الإعلامية الإرهابية"، أن تشير إليهم تلك الفضائية بأكثر من كونهم "من يُسمونهم" بالإرهابيين، ثم تروح "تبحث" و "تحلل" قضية المجاهدين الشيشان العادلة، ومشاكل بوتين السياسية!
أما رئيس تحرير تلك الجريدة المصرية الكبرى (...) فمن سوء حظه حقا أن ينشر الآن، في وسط كل هذه الأحداث، كتابا مثيرا للسخرية والرثاء تحت عنوان "جنون الخطر الأخضر وحملة تشويه الإسلام"، يتهم فيه العالم كله "بالافتراء على الإسلام والمسلمين"!!



مالذي يمكن للعالم أن يفعل الآن؟
هل سيُلام أحدٌ لو استُخدِمت القنابل الذرية لمحو الشيشان، أو المنطقة الواقعة بين باكستان وأفغانستان، أو غيرها من مراكز تفريخ الإرهاب.... من على وجه الأرض؟ بالنظر إلى التصعيد المستمر في حروب أبالسة الجهاديين ضد البشرية فليس من المستبعد ان تصل الأمور إلى هذا الحد في المستقبل غير البعيد...
هل سينجح العالم قبل فوات الأوان في محاولاته المحمومة لمتابعة أبالسة الجهاد عبر أجهزة تخابر أكثر كفاءة وعبر، وهو الأهم، تجفيف المنابع الفكرية للإرهاب؟
هل يمكن أن تنجح الفكرة (التي أطلقها العفيف الأخضر وشاكر النابلسي) بإنشاء "محكمة للارهاب" تتبع الأمم المتحدة "يُساق اليها كل من ينادي بالارهاب، ويصدر فتوى تشجّع وتدعو إلى الارهاب، ويمارس الارهاب، بعدما أصبح الارهاب مشكلة عالمية ودولية..." (كما كتب د. النابلسي)؟
إن لم تفلح الوسائل المذكورة أعلاه وغيرها بأسرع وقت ممكن، فليس هناك مفر من أن تتكاتف البشرية الرحيمة في البحث عن طريق آخر للتخلص من أشرار العرب والمسلمين: ماذا عن إرسالهم إلى المريخ؟
لقد شرعت الولايات المتحدة في العام الماضي في برنامج، رصدت له بضعة مليارات من الدولارات، يهدف لإرسال أول إنسان إلى المريخ في بحر 15 سنة. لكن البشرية المتحضرة قاطبة، من الصين إلى البرازيل ومن سيبيريا إلى جنوب أفريقيا، لا شك سيسعدها القبول بأي تضحيات، مهما كانت هائلة، لتغطية التكلفات الفلكية اللازمة لبدء مشروع تكنولوجي جبار، بأقرب فرصة، لبناء آلاف من مركبات الفضاء (التي تذهب ولا تعود!) من أجل "تهجير" هؤلاء ليسكنوا كوكب المريخ. وهناك سيمكنهم الاستمتاع بالعيش كما يحلو لهم، فالكوكب الهائل سيكون بكامله لهم!
قد يكلف المشروع آلاف أو ملايين التريليونات. لكن ما أبخسه ثمنا لتخليص كوكب الأرض من أولاد الأبالسة.

[email protected]