الهدف الرئيسي للإنسان السويّ هو العمل لتوفير المال اللازم ليعيش حرا بكرامته الإنسانية.. أي أن النشاط الإنساني بكل أشكاله - الخيّرة أوالشريرة - يتمحور حول المال والثروة والتمتع بهما، فمن أجلهما يتم الصراع على السلطة، لأن قمة السلطة تعني التحكم والتصرف في مال وثروة المجتمع، ومن ثم توجيهه الوجهة التي تريدها قمة السلطة، لذا فالصراع البشري استعمل القوة والعائلة والقبيلة والقومية والدين والعقيدة، أحدها أو بعضها أوكلها ومنذ فجر التاريخ وحتى اليوم وفي كل أجزاء هذا العالم، كمبرر للإستيلاء على المال العام والسيطرة على ثروة المجتمع. التحكم في هذين العصبين يعطي قمة السلطة كامل السيطرة على حياة أفراد المجتمع، ويجعل منها قوة قاهرة من دون الله، تغني وتفقر.. تحيي وتميت وتظن أنها على كل شيء قديرة.
غريزة البقاء تجبر أغلب أفراد المجتمع للخضوع والمذلة لفرد مثلهم لا يتميز عنهم في شيء إلا بالمكر والخداع والقسوة، وليس أمامه من سبيل غير أن يستمر في كل ذلك للإستمرار في البقاء والحياة.. لقد نسي الله فأنساه نفسه كما يفعل كل الطغاة في كل مكان وأي زمان.
الديمقراطية أو سلطة الجماعة (كما بشرت بها الأنبياء وما أتى وما سيأتي به الرسل) معناها أن أفراد الجماعة متساوون.. أية جماعة، تصغر لتكون ثلاثة وتكبر لتشمل الإنسانية كلها. بعض المجتمعات الإنسانية في غرب أوربا وشمال أمريكا وأقصى الشرق في اليابان وأستراليا والهند وجنوب أفريقيا، وضعت أقدامها على أول الطريق الذي بشر به الأنبياء، أي المساواة والحرية. ترجمة المساواة والحرية على أرض الواقع هي أنه حق مقدس لغالبية أفراد المجتمع اختيار السلطة التشريعية والتنفيذية والرقابية التي تتكفل بسن التشريعات ووضع البرامج والسياسات والخطط التي بموجبها يتم إنفاق المال العام، وتنمية الثروة الوطنية لصالح أفراد المجتمع كلهم دون تمييز، وحق مقدس للأغلبية أيضا إقالتهم واختيار غيرهم. أعود وأكرر أن النشاط الإنساني هدفه المال والثروة، وحقيقة الديمقراطية هي أن تتحكم الأغلبية في المال العام وثروة المجتمع لصالح أفراد المجتمع جميعهم دون تمييز.
لأي هدف نحن نعمل ؟ نسرق أو نرتشي ؟ ولأي هدف تقوم الحروب والغزوات وتسيل الدماء ويعم الخراب؟.. المال.. المال العام.. الثروة.. ثروة المجتمعات. وبأي وسيلة يمكن أن يعيش الإنسان حرا وبكرامته الإنسانية إذا لم يكن المال هذه الوسيلة ؟ ذروة الديمقراطية أو سلطة الجماعة - بتعبير الأنبياء والرسل - هي فرص متساوية للعمل للجميع ونصيب متساوٍ في المال العام وثروة المجتمع.
ذكرت أن المجتمعات الديمقراطية وضعت أقدامها على أول الطريق، وهي متقدمة عليه بدرجات متفاوته. الميزة الكبرى لسٌلطة الجماعة أو الديمقراطية أنها تُصلح نفسها لأن السلطة في يد الجماعة. الجماعة وبالتجربة ستعرف ما يفيد غالبيةالمجتمع وما يضره، أما حكم أوسلطة الفرد أو العائلة أو القبيلة أو أصحاب التوجهات القومية أو الدينية أوالمذهبية فستكون نتائجه في غير مصلحة الجماعة لأنها لاتمثل غالبية الجماعة، وبحكم وسلطة الجماعة فإن الزبد يذهب جُفاءا و ما ينفع الناس يمكث في الأرض (..... كذلك يضرب الله الحق والباطل، فأما الزبد فيذهب جفآءً وأما ماينفع الناس فيمكث في الأرض، كذلك يضرب الله الأمثال ) الرعد 17.
ستصل كل المجتمعات الإنسانية مهما طال الزمن واشتد العذاب إلى ذروة الديمقراطية، فهذا علم الله الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وليس علم الملائكة الناقص الذي نعيشه وتعيشه المجتمعات البشرية بدرجات متفاوتة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة، قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك، قال إني أعلم ما لا تعلمون ) البقرة 30.
تواجه الديمقراطيات في المجتمعات الغنية والمتطورة معضلات تبطئ تقدمها نحو الذروة وأخطرها - في نظري - أن الأدوات والوسائل التي تشكل الرأي العام وهي وسائل الإعلام أو ما يطلق عليه السلطة الرابعة لاتمتلكها المجتمعات.
المجتمع الديمقراطي يملك كل السلطات من تشريعية وتنفيذية وقضائية ويمكنه تغييرها بواسطة صناديق الإقتراع التي تتأثر نتائجها بالسلطة الرابعة التي لايمتلكها. الذين يسيطرون عليها ويمتلكونها هم الأغنياء أصحاب المصالح يوجهونها لتكوين رأي عام يذهب لصناديق الإنتخابات لإختيار من يخدم مصالحهم في الدرجة الأولى، كما يستعملونها كوسيلة ضغط على الساسة الذين يتمردون عليهم، وتأتي مصلحة المجتمع في الدرجة الثانية أو الثالثة.
معضلة أخرى في الدول الديمقراطية تتمثل في عصبيتها لدولها، فهي لا تؤمن بالمساواة بينها وبين الشعوب الأخرى المتخلفة والمحكومة بالاستبداد والفساد في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، لا بل إنها تتعاون مع الطغاة في تلك الدول ضد شعوبها المستعبدة، وهذا يعني أن الإنسان الديمقراطي بوجهين: وجه حسن وجميل ورحيم في مجتمعه والمجتمعات المماثلة، ووجه قبيح وانتهازي وأناني وقاس في المجتمعات الضعيفة والمتخلفة، وكأن هذا الإنسان، يتحول إلى إنسان أو شيطان حسب المكان والغاية.
ساسة الدول الديمقراطية يتبعون سياسات إجرامية بحق الشعوب المتخلفة، فهم في مقابل سكوتهم عن الممارسات غير الإنسانية التي تمارسها عصابات الفساد والاستبداد الديني والسياسي بحق تلك الشعوب، يحصلون من تلك العصابات على امتيازات لاستغلال ثروات الشعوب بأثمان زهيدة تذهب معظم عائداتها إلى جيب المتربع على السلطة وعائلته وزبانيته، ثم يكبلونها ويستعبدونها بالديون.
أصل في الختام إلى القول أن الديمقراطية هي سلطة كل الناس أو سلطة الجماعة بتعبير الأنبياء والرسل. الهدف منها هو سيطرة الأغلبية على المال العام وثروة المجتمع ليتوفر لكل فرد من أفراده أن يعيش حرا بكرامته الإنسانية.
قلت في مكان آخر من هذا القول أن المجتمعات الإنسانية ستصل إلى ذروة الديمقراطية مهما طال الوقت واشتد العذاب.. أي علم الله في الإنسان الذي استخلفه في الأرض.. عندما تصل المجتمعات الإنسانية كلها إلى ذروة حكم الجماعة فعندها سيتحقق علم الله في الإنسان.. كل إنسان فوق هذاالكوكب الأرض. عندها فقط – من وجهة نظري --ِ تتحقق العولمة الحقة وتكون نهاية التاريخ. هذا قول يتم شرحه وتوضيحه لاحقا.

ناشر سعودي
[email protected]

انقر على ما يهمك:
عالم الأدب
الفن السابع
المسرح
شعر
قص

ملف قصيدة النثر
مكتبة إيلاف