كل يوم، لا بل كل دقيقة تتناقل وسائل الإعلام العربية والعالمية أخبار اختطاف الرهائن الأبرياء في الوطن المسلوب الإرادةً.. العراق. وقد كان آخرها خبر اختطاف اثنين من الأستراليين (الكفرة)، على حد تعبير مؤمني (كتائب الأهوال) الذين كتبوا البيان، وعلقوه كالخفافيش على جدران مدينة سامراء.
هذه المرّة لن أتكلّم عن المخطوفين الأستراليين كما تكلّمت عن الرهينتين الإيطاليتين، بل سأتوقف عند كلمة (الكفرة)، التي يصمون بها كل من ليس بمسلم، لا بل راحوا يصمون بها كل مسلم حر أبي يختلف معهم بالرأي، تماماً كما كانت تفعل، وما زالت تفعل، بعض الأنظمة العربية مع معارضيها، يوم كانت تودعهم المقابر أو السجون بتهمة العمالة.. لمن؟.. لست أدري!.
اسمعي يا (كتائب الأهوال): لقد عشت في أستراليا حتى الآن 35 سنة، أي أنني أصبحت أعرفها وأعرف شعبها العظيم المسالم المضياف أكثر مما أعرف وطني الأم لبنان الذي تركته وأنا أجر ورائي 20 عاماً لا غير. ولو طلبت مني أستراليا دم قلبي لقدمته لها على طبق من ضلوعي. إنها دولة نموذجية أتمنى أن يتحول العراق الذي تدعين تحريره عن طريق الخطف والذبح، وكل العالم العربي، إلى أوطان مماثلة، تحترم العرق والدين واللغة والتعدد الثقافي وحرية التعبير كما تحترمها أستراليا.
أنت تحترفين قطع رؤوس ضيوف العراق، والأستراليون يحترفون الحنان والعطف وتضميد جراح ضيوفهم، وزرع الطمأنينة في نفوسهم القلقة المعذبة.
أنت تتهمين كل من ليس على شاكلتك بالكفر، والأستراليون يبنون المعابد والجوامع، ويسمحون للمسلمين، أيام الأعياد، بالصلاة في شوارعهم، وسط حراسة مشددة كي لا تؤذيهم برغشة، أو يعكّر صفو صلاتهم زمور سيارة مارة في شارع مقابل. تصوّري أن أحد رجال الدين المسيحيين طالب بمنع الحجاب في أستراليا فإذا بالشعب الأسترالي المسامح يفقأ بعينه حصرمة ويقول: لا.. لأن الحرية بنظره لا تتجزأ. فكيف لا ننتمي لهذا الشعب الحر العادل؟ وكيف لا ندافع عنه؟
أنت تخطفين الرجال والنساء والأطفال، والأستراليون يؤمّنون لهم المنازل الحكومية بدفعات رمزية، الحكومة تدفعها لهم أصلاً، كي لا تبقى عائلة مشتتة، ولا طفل دامع أو جائع.
أنت تبيحين الموت الحرام، والأستراليون يطبّبوننا، مسيحيين ومسلمين، مجاناً، كي تطول أعمارنا وننعم بضيافتهم الإنسانية الرائعة التي حرمنا منها في أوطاننا العربية.
أنت يا (كتائب الأهوال) تزرعين الهول أينما حللتِ، والأستراليون يزرعون المؤسسات الخيرية والإنسانية أنى وطأت أرجلهم، بغية مساعدة أبنائنا وأبنائك المحتاجين، أجل أبنائك أنت بالذات، وإن كنت تنكرين.
أنتِ تحرّمين على من تعتقليهم النطق بالشهادة قبل الموت، كما فعلت مع الكثيرين من المسلمين الذين يبحثون عن لقمة عيشهم ليس إلاّ، والأستراليون يعلمون أبناءنا لغة الضاد، وتجويد القرآن، ويدعمون وسائلنا الإعلامية كي نتابع أخباركِ المقرفة من خلالها، وكي لا نشعر، ولو للحظة واحدة، أننا غرباء. ناهيك عن حريّة التعبير التي يقدّسونها، عكسك تماماً. أجل، لقد علّمتنا أستراليا أن ننصر قضايانا العربية بالتظاهر السلمي، وأن نشتم حكّامها، وأن نرميهم بالبندورة والبيض، وأن نعود إلى منازلنا آمنين من غدرات الزمن، ومن زيارة (كتائب الهول) لنا.
الإنتخابات الأسترالية على الأبواب، ومن يدري، فقد تطيح الحرب العراقية برئيس وزرائنا جون هوارد (الكافر) على حد تعبيرك، لأن معظم الأستراليين ضد قراره الحربي، وأنا واحد منهم، فإذا، اسمعي جيّداً، طارت شعرة من رأسيْ هذين الأستراليين البريئين، فلسوف تنقلب الأمور رأساً على عقب، ولسوف تكونين أنت يا (كتائب الأهوال) السبب في جلوس جون هاورد (الكافر) على كرسي الرئاسة مرّة رابعة، لأننا جميعاً، مسلمين ومسيحيين، سننقلب عليك وليس عليه، وسنصوت له وليس لغريمه العمالي المطالب بسحب قواتنا من العراق بأقرب فرصة ممكنة، لأنك بجريمتك هذه تكونين قد أثبت لنا بأن جون هاورد كان على حق حين أرسل جيشنا لمحاربة الإرهاب.. وهل من إرهاب أشنع من هذا؟!
الأستراليون ليسوا كفرة.. بل الكافر من يخطف الناس ويقطع الرؤوس ويزهق الأرواح باسم الله تعالى، والله أبعد ما يكون عنه وعن جرائمه.


[email protected]