804

مائة عدو لا يستطيعون إفسادك.. فلم واحد يستطيع..!

بعد إعلانات تلفزيونية مثيرة بثتها قناة " العربية " يوميا خلال الأسبوع الماضي كـ"إعلان " رئيسي وجدته يلخص قولا مفاده ( يكون سعيداً من يشاهد فلما جديدا عنوانه سيرة رجل ووطن )..! كنت ُ متوقعا أن يتحدث الدكتور أياد علاوي في فلم من ثلاثة أجزاء أنتجته قناة " العربية " باسمهِ ولذاته،بصفته رئيسا للوزراء.. رئيسا مؤقتا كما هي حقيقته وليس كما وجد نفسه من عنوان الحلقات الثلاث: سيرة رجل ووطن..!
لا أدري من هو منتج الفلم..؟ أي من تحمل التكاليف: هل هو الدكتور علاوي نفسه..أم القناة نفسها..؟ إذا كان المنتج هو الرئيس نفسه فهو لا يصلح للدعاية الانتخابية ولا يصلح أن يمهد الطريق لمجيئه مرة أخرى للحكومة القادمة فالفلم من الناحية الدعائية كان كما لو أنه أعد لموظف ٍ " أنهيت خدمات ه "..! " وقد ذهبت آلاف الدولارات أدراج الرياح كما سأوضح ذلك لاحقاً..!
أما إذا تحملت القناة العربية كلفة انتاج الفلم – وهو أمر مستبعد – فأن الرئيس، في هذه الحالة قد وقع ضحية اللعبة الإعلامية – الفضائية التي حولّت أياد علاوي إلى مقلـّد لصدام حسين..! وإذا كان صدام حسين قد أنتج فلم الأيام الطويلة بعد عشر سنوات من ظهوره وراء وأمام الكواليس السياسية والحزبية، فأن الدكتور علاوي "تعجـّل" وأنتج فلم "سيرة رجل ووطن" بعد ستة شهور فقط من الجلوس والإنصات على كرسي المسئولية الوزارية..!
من يعرف بعض أصول التكنيك السينمائي يدرك كم أنشغل السيد رئيس الوزراء بهذا الأمر.. بالسيناريو والتصوير والمكياح والحوار مع المخرج والمعد وكذلك انشغاله بالسفر والتنقل إلى أماكن التصوير مع تأمين الحماية الأمنية..! ولا ننسى في هذه الحالة كلفة تأمين مطعم لبناني محجوز بالكامل لساعات طويلة كي يتم اللقاء والتصوير بأبهى ديكور..!
في الحقيقة أن الجهود الكبيرة المبذولة لإنتاج الفلم لم يكن هدفها تحقيق أي هدف من أهداف إعادة أعمار العراق المحطم، ولم يكن هدفه تنشيط الاقتصاد العراقي ولم يتضمن أي خطوة لتحقيق الانفتاح الحضاري والاقتصادي والسياسي والاجتماعي أمام المشاهدين، لا المشاهدين العراقيين ولا العرب ولا الأجانب من " الحلفاء " الإنكليز والأمريكان..! كما لم يكن الفلم يتوافق مطلقا مع " الإستراتيجية الجديدة " داخل شبكة الإعلام الديمقراطي لحزب الوفاق الوطني و لا مع شبكة الأعلام المؤقت للحكومة المؤقتة..! بل يتزامن مع الأصوات الأفقية غير المهذبة في الصحافة العربية وفي الصحافة البعثية في عدد من دول " القومية العربية " و مع جميع محاولات تدوير رؤوس المواطنين في فترة الانتخابات البرلمانية..!
لقد شاهد الناس من خلال مجرى حديث رئيس الوزراء " الحالي " أياد علاوي عن وقائع يعرفها هو عن الرئيس العراقي " السابق " صدام حسين وقد ظهرت الأحاديث المتشابكة أنها غير نافعة لا في تعريف المشاهدين بالشخصية المعقدة لدكتاتور حزب البعث ولا هي نافعة في محاكمته وأدانته..!الأحاديث كلها كانت تموج بـ" الذاتية " وبنفس موج ومياه الذاتية التي دفعت صدام حسين متصورا نفسه أنه الشخص الوحيد القادر على صناعة مستلزمات تطوير العراق وإيجاد الحلول لمشاكله..! ليعذرني الدكتور أياد علاوي على صراحتي معه فهي أولا وأخيرا لصالحه رغم أنني أسعى لصالح وطننا..! الشيء المهم الذي أريد تذكيره به هو أن " سوق العمل الإعلامي لتضخيم الذات " قد تغير بعد سقوط صدام حسين ولم تعد مؤسسات هذه السوق قادرة على كسب رضا المشاهدين..! خاصة بمستوى هذا الفلم الفاشل من حيث التكنيك والمضمون..! فتكنيك انتاج الفلم لا يحمل غير مؤهلات طالب عادي في قسم السينما بمعهد الفنون الجميلة..! أما مضمونه فلا يتناسب حتى مع مستوى مشاهدي أفلام الدرجة العاشرة..!
في السنوات القليلة الماضية وقع الاقتصاد الياباني‏,‏ وهو ثاني اكبر اقتصاد في العالم‏ ضحية لما سمي بـ"القروض السيئة " التي هددت اكبر المؤسسات المالية‏، وأدت إلى إفلاس بعض البنوك‏‏ وأجبرت غيرها علي الاندماج لتكوين كيانات مصرفيه قويه‏ وقد كرّس رئيس وزراء اليابان نشاطه اليومي كله وكذا فعل جميع الوزراء في سفراتهم إلى دول العالم ونواديها المالية والاقتصادية في سبيل حل المشاكل المالية والاقتصادية الناتجة عن " القروض السيئة " ولم يقم الرئيس الياباني لا ببطولة فلم سينمائي ولا بلقاءات دعائية رغم نجاحه الكبير في إنقاذ بلاده من كارثة اقتصادية.. وكم كان مناسبا أن تتكرس جهود جميع الوزراء العراقيين لإيجاد الحلول للدوامة الأمنية التي تدوّخ شعب العراق بالأحداث الدموية التي تختلط فيها الآمال بالآلام والانفجاريات والاغتيالات وحرب الشوارع..! ولأن الدكتور أياد علاوي طبيب بالأصل والشهادة فأود تذكيره: إذا كان مرض الجدري المائي يأتي من الإبل، والطاعون من الفئران، والايدز من الشمبانزي، والملا ريا من البعوض، فأن أمراض انحراف العين السياسية، ونسيان مطالب الشعب، وغض الطرف عن حقوق الإنسان يأتي من قطط القنوات الفضائية، ويأتي من جنون أبقار الأفلام السينمائية الشخصية التي تربط بين أنفلونزا السيرة الذاتية وسيرة وطن معذب بـ " السارس " البشري خلال 35 عاما من سيطرة القائد البعثي على مقدرات بلاد الرافدين..!

سيدي رئيس الوزراء:
تقول احدث علوم الحيوان وعلوم النبات أيضا انه في الطبقة العليا من الغابات غصون كثيفة تحجب أشعة الشمس وترطب الهواء‏‏ فتعيش كميات هائلة من الحشرات والفيروسات بعيدا عن حياه الإنسان‏ وحينما تزال بعض هذه الغابات‏ فان الطيور والحشرات تتحرك من أماكنها حاملة معها فيروسات كثيرة مختلفة تهاجم الإنسان، كما يحصل في بلادنا حالياً، لتنشر الأمراض بين الناس خاصة من أولئك الذين يجدون أنفسهم فوق أغصان الغابة " يتبعون " أشارات الفيروسات التي تبدو أليفة وراء " تجارة الأفلام الفضائية " الرابحة لمنتجيها..! ‏
كيف ترضى سيدي رئيس الوزراء أن يشاهدكم أبناء شعبكم جالسا، وبيدكم مسبحة، في مطعم لبناني فخم، يصورونكم بطلاً لفلم جديد، والناس في بلادكم وبلادنا يفتحون عيونهم علي مشاهد رهيبة‏:‏ قتل وذبح ودماء‏..‏ تفجيرات بين جموع الأطفال والنساء ‏..‏ ودخان أسود يغطي آبار النفط المحترقة ‏..‏ ودمار يومي في الشوارع ‏..‏.‏ وعذابات بشر‏ في الأهوار والأرياف..‏ جوعي ومرضي ومشردين‏..‏ مشاهد تثير الغضب والحزن‏..‏ تثير أيضا الإحساس بالعجز والسلبية واليأس ولكنكم سيدي منشغلون بإنتاج فلم عن شخصكم الكريم بينما قرأت خبرا في نفس لحظة مشاهدة فلمكم يقول أن الرياضي الألماني شوماخر ألغى احتفاله برأس السنة الجديدة متبرعا بعشرة ملايين دولار للضحايا الأسيويين.. أنكم، يا سيدي، كغيركم من أبناء الشعب العراقي له حكاية طويلة موجعة مع صدام حسين ونظامه، لكن يكفي لكل واحد منا أن يكتفي بصرخة واحدة: آه يا وطني، ويعمل، ليلا ونهاراً، من أجل علياء الوطن ومن دون بطولة فلم سينمائي... مثلما صرخ شوماخر: آه يا ضحايا تسونامي..! ‏ أدعوكم يا سيدي أن تتيقظوا إزاء خطر يشغلكم عن مهماتكم الجسيمة الموكولة إليكم لما تبقى من وقت رئاستكم للوزراء من أعضاء حكومتكم " المؤقتة "..!
مشكلتنا الرئيسية هي حاجتنا إلى الوعي الضروري الكافي بما تحمله البيئة السياسية العراقية من أمراض تتأثر بها حتما حياة الأجيال القادمة إذا ظل كل "رئيس" عراقي يجد سيرته سيرة ً للوطن..! أدعوك يا سيدي أن تتقبل طلبي بالتخلص الفوري والجريء من هذا الفلم لأنه والله من نوع "الأيام الطويلة" تحاول الفضائيات إعادة ترويجه..!
صحيح أن هناك معجزات في الفن السينمائي ‏..‏ لكن لا تعتمد عليها‏.. فمائة عدو لا يستطيعون إفسادك..
فلم واحد يستطيع..!

ولنا عودة..!

بصرة لاهاي