الآن وبعد تجاوز إشكالية الإنتخابات العامة وتعبيد الطريق نحو بدايات خجولة للديمقراطية في العراق ، ثمة تساؤل ملح يدور في خاطري بشأن القضية المؤجلة وهي محاكمة أقطاب النظام البعثي البائد والتي أضحت قضية مؤجلة وغير خاضعة لجدول زمني معين بل لربما تحولت لقضية مجمدة موضوعة على الرف !! ، والتساؤل هو: هل تنطبق على مجرمي النظام البعثي البائد من المسؤولين السابقين الذين إرتكبوا أبشع أنواع وأصناف الجرائم بحق شعبهم والشعوب المجاورة في إيران والكويت مواصفات ومقاييس وحقوق المعتقلين السياسيين ؟... إنني أتساءل حقيقة عن مصير أولئك النفر لو أخطأهم الحظ الجميل قليلا وساقتهم الأقدار ووقعوا بأيدي العراقيين وليس بأيدي { الأميركان الرحيمة }!! ، فماذا ياترى سيكون شعورهم ؟ وماهو شعور الجلاد عندما يقع بأيدي ضحيته ؟ هل سيتركهم الشعب ويعتبرهم ( طلقاء ) !،أم أنهم لن يجدوا قبورا تجمع عظامهم كحال العديد من حكام العراق السابقين ، كنوري السعيد أو الوصي عبد الإله أو اللواء عبد الكريم قاسم وحتى المشير عبد السلام عارف الذي { طار لحم ونزل فحم }!!.

إننا لاندعو للإنتقام الأهوج المدمر ، ولا للتشفي بالذين إنتهت دولتهم ، وإضمحل مجدهم ، وغابت شمسهم ، بل ندعو للعدالة ولتطبيق القوانين التي سنها أولئك القتلة عليهم !فليس مقبولا ولامعقولا كل هذا الدلع والترف والمداراة لشلة من القتلة و ( السرسرية ) والأوغاد ؟ وليس معقولا كل هذا الصمت الإعلامي والمعلوماتي القاتل ؟ فهؤلاء لم يكونوا لصوصا للمنازل !، بل كانوا يتحكمون بمصير المنطقة برمتها ( يالسخرية الأقدار )! ، وقد أشعلوا حروبا إقليمية تدميرية شاملة ، وأبادوا شعوبا وقبائلا من العرب والأكراد الذين يتفاخر المجرم علي حسن المجيد ( كيمياوي ) علنا بأنه قتل منهم أكثر من 100 ألف إنسان في عمليات الأنفال في ربيع 1988؟؟ ، هذا غير إستعمال الأسلحة الكيمياوية
ضد الإيرانيين والجرائم الشنيعة ضد الأشقاء في الكويت من خلال جريمة الغزو وتدمير الدولة وإختطاف ثم إعدام مئات الشباب الكويتي العربي في أبشع عمليات تصفية في المقابر الجماعية أو حقول الموت البعثية !

إذ أن مجرمين من هذا النوع الإرهابي السافر لايستحقون كل هذه المبالغة في الترف الذي به يرفلون ! ولاتنطبق عليهم أبدا المعايير الدقيقة المتعلقة بحقوق الإنسان التي بات البعثيون والظلاميون يعلكون بها اليوم ؟ ففي أيام سطوتهم كيف كانت أوضاع السجون العراقية ؟ وسجون المخابرات بشكل خاص ؟ وكيف كانت عمليات الإعدام الجماعية تمارس بالجملة عبر عمليات ( تنظيف السجون ) والمشانق الميكانيكية التي تتكفل بحصد الأرواح بالجملة ! في سجن أبو غريب الشهير ، ثم كيف تم سحق وإبادة أبناء الجنوب والشمال المنتفضين في آذار 1991 بعد الهزيمة في الكويت وبدون محاكمات ؟ ألم يكن المجرم و( قط المطابخ ) طه ياسين رمضان الجزراوي نائب صدام البائد قائدا لعمليات التصفية البشرية والقتل بالجملة في الفرات الأوسط يشاركه في تلك المهمة المجرم والقيادي البعثي محمد حمزة الزبيدي وبقيادة المقبور حسين كامل المجيد؟ ألم يكن عليوي كيمياوي في البصرة بعد أن هرب كالفأر من الكويت يمارس القتل بالجملة وأمام التلفاز والكاميرات وهو يردد علنا عبارته الشهيرة والموثقة وبلهجة العوجة العوجاء : "ياحقوق الإنسان ... ياأمم متحدة ... ألعن أبو كل دول الله"!!!.

ألم تكن عشيرة صدام والأجلاف المتحالفين معها من قوات النخبة المجرمة من أبناء الفلوجة وكبيسة وراوة وهيت وبيجي وبهرز وبقية قرى التخلف والجريمة في غرب العراق يمعنون في القتل والتخريب والتشريد تحت راية الشعارات الإستئصالية الطائفية الحقيرة ؟ فهل يتذكر العالم اليوم تلكم الجرائم ! أم أنه في الجو غيم قد حجب الرؤية ؟ ، إنه الدلع والدلال و { البغددة } التي يعامل بها قردة البعث النافق والذي تجاوز كل الأطر المنطقية لمعاملة نازيو التخلف العربي! وبعيدا عن هذا وذاك ، أين توارت السجلات المتضمنة لسيل من المعلومات وأكداس من ملفات الجرائم الوثائقية إمتدت منذ عام 1968 وحتى 2003 ؟ .

أين ملفات الحرب العراقية / الإيرانية ومافعله النظام البائد من مجازر بحق الأسرى الإيرانيين ؟ أين ملفات غزو دولة الكويت ومافعله جلادو البعث البائد من أفراد العصابة المعتقلة حاليا من سرقة للأموال وإستباحة للأعراض وخطف وقتل بالجملة لشعب عربي مستأمن !، وأين ملفات الإنتفاضة الشعبية لعام 1991 ؟ لقد قيل وقتها أنه بعد هزيمة صدام في الكويت وإنتفاضة الجنوب والشمال العراقي تم شحن أطنان من الوثائق الأمنية والإستخبارية العراقية للولايات المتحدة ... فأين هذه الوثائق اليوم ؟ وهل صنفت وبوبت وأفرزت... أم أنه كالعادة في الجو غيم ؟!

كل ماأخشاه حقيقة أن تقرر المحكمة المنتظرة حكمها ببراءة علي كيمياوي ورفاقه ( الأشاوس ) بل وتقرر صرف تعويض مادي له عن العطل والضرر و( الإزعاج ) بحق سيادته... وجل ماأخشاه أيضا أن تبرأ ساحة ( قط المطابخ ) طه ياسين الجزراوي وينال تعويضا ماديا سخيا عن سنوات خدمته كنائب لصدام وكجلاد في محاكم ( الثورة) الصورية القراقوشية وتقوم قناة ( الجزيرة ) القطرية بتعيينه بوظيفة مستشار إعلامي ..؟ بل أنني أتوقع في ضوء المهزلة القانونية والسياسية الدائرة حاليا في العراق أن يقوم ( برزان التكريتي ) بإعتباره ( ضمير ) العراق سابقا في لجنة حقوق الإنسان الدولية برفع دعوى قضائية ضدنا وآخرون لأننا نقوم بتشويه سمعته العطرة وتاريخه الناصع البياض..؟ ، أما الغوغائيين العرب من الأحزاب الديناصورية أو المحامين التعبانين في المشرق والمغرب فهم لايعدمون الوسيلة ولا المناسبة للتعاطف مع الجرذان من القتلة البعثيين والدفاع عنهم؟ لقد تحولت قضية محاكمة بقايا ورموز النظام العراقي البائد لمهزلة حقيقية في عصر الشعوذة الإليكترونية! وباتت قضية حسم الموقف والإسراع في إجراءات المحاكمة الموعودة مسألة جوهرية في ظل حالة الإحتراب السياسي الداخلي في العراق !، فالعراقيون لن يتفقوا حتى يرث الله الأرض ومن عليها!! ، أما المحاكمة المنتظرة فنرجو أن لاتكون في ... المشمش؟

[email protected]