لم أفاجأ ولم اندهش من اغتيال رفيق الحريري. لقد كنت اخبر أصدقائي منذ صدر القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي بأن الحريري سيقتل غداً خاصة بعد أن أوفد الوزيرين باسم الجسر وباسل فليحان من أعضاء كتلته إلى اجتماعات البريستول المعارضة الصاخبة.
وكان أصدقائي يسألونني عمن سيقتل الحريري، فكنت أقول لهم، وهل خلا لبنان ممن لا يقتل زعيماً كالحريري ؟
لقد سبق لبنان أن قتل زعماءه من كمال جنبلاط إلى رشيد كرامي إلى بشير الجميّل إلى رينيه معوّض إلى الشيخ حسن خالد إلى إيلي حبيقة .. الخ. وما دام أن هناك حكومات خفية في العالم العربي، وما دام أن الجريمة تُعلّق في آخر النهار في رقبة "عبد الله بن سبأ" قاتل كل الزعماء العرب من عثمان بن عفان إلى رفيق بن بهاء الدين الحريري، فليس أهون من قتل زعيم سياسي عربي.
فقتل دجاجة أو عصفور أصعب بكثير من قتل زعيم عربي خاصة في لبنان بلد الفلتان.
ألم تتصيد وتقتل كل الأنظمة العربية الديكتاتورية والمحافظة والرجعية معارضيها في لبنان؟
ألم يكن لبنان منذ الاستقلال حتى الآن هو المسلخ الذي تسلخ فيه الأنظمة العربية معارضيها؟
ألم يكن لبنان منذ الاستقلال إلى الآن هو المذبح الذي سالت فيه أكبر كمية من دماء المعارضة العربية؟

***

بارك الله بالموساد وبارك الله بابن سبأ الذي أصبح الشمّاعة التي يعلق عليها القتلة المجرمون كل جرائهم. ألم يخرج علينا هذا الصباح عزمي بشارة عضو الكنيست الاسرائيلي وحليف سوريا ببيانه الذي اذاعته قناة الجزيرة ورحبت به وقال فيه بأن عميل الموساد عبد الله بن سبأ هو القاتل. ولو لو يكن هناك موساد أو عبد الله بن سبأ لخلقناه بأنفسنا حتى نرمي على ظهره كل جرائمنا.

***

لماذا (انبخع) العالم العربي والعالم بمقتل الحريري؟
ماذا كان منتظراً من الذين قال لهم الحريري "لا " لقرار التمديد للحود أن يفعلوا به.
هل كان منتظراً من العقيد رستم الغزالي رئيس المخابرات العسكرية السورية في لبنان أن يقول للحريري عندما استدعاه لمكتبه في عنجر (يسلم بوقك) بدلاً من أن يقول له كما قال له: إذا لم توافق على التمديد سأخرج (مصارينك)؟
كان موت الحريري طبيعياً واغتياله متوقعاً في أي يوم من الأيام بعد أن خرج عن بيت الطاعة.
ألم يقل له عبد الرحمن الراشد في برشلونه عندما ذهب الى هناك لتسلم "جائزة الامم المتحدة للتنمية" التي منحتها إياه: لا تعد إلى بيروت؟
لقد كان الحريري يعلم وأنصاره يعلمون والمعارضة اللبنانية تعلم بأن كبش فداء المعارضة هو الحريري ولا كبش غيره.
فلماذا كان الحريري كبش الفداء السمين لمن اغتالوه؟

1- السُنّة في لبنان الآن – والحريري منهم وأنا منهم – هم أضعف طائفة موجودة في لبنان. و(حيطهم واطي)، ومالهم سائب وبيتهم منهوب وجناحهم مكسور بفضل عدة عوامل وأسباب. لذا فإن اغتيال زعيمهم وهو الحريري لن يترك أثراً طائفياً كبيراً بين طائفته التي لا قبل لها بالانتقام أو الثأر.

2- الحريري ليس ابن عائلة كبيرة تستطيع الانتقام أو الثأر له لو أصيب بأذى أو قتُل. علماً بأن أجهزة الاستخبارات العربية الشقيقة لا تخشى ديناً ولا طائفة ولا مذهباً. فهي قد اغتالت الحريري ابن أسرة فقيرة وما حصل عليه من مجد المال والسياسة كان بعرق جبينه ولم يرثه عن آبائه وأجداده. ولكن تبين بعد موته أن كل لبنان عائلته.

3- الحريري لا يسنده حزب سياسي اقطاعي كباقي الأحزاب اللبنانية الأخرى لن يثأر له أحد أن ينتقم له أحد. ولكنه تبين بعد موته أن لبنان كله هو حزب الحريري، وأن العالم الحر كله سينتقم له.

***

أما المناظر العجيبة الغرائبية بعد مقتل الحريري فمنها:

- أن قناة الجزيرة كانت أول من تبنّت اذاعة شريط من ادعوا القتل، فلماذا "الجزيرة" هي السباقة دائماً وهي المفضلة دائماً للقتلة لاذاعة بيانات جرائمهم في فلسطين والعراق والسعودية ولبنان؟

- أن قتلة الحريري هم الذين يشتركون الآن في عزائه وتشييع جنازته غداً. نعم إنهم يقتلون القتيل ويمشون في جنازته.

- وأخيراً فإن الحريري بموته قد كسب مغنماً جديداً وهو أنه مات شهيداً وبطلاً خالداً في تاريخ لبنان. وكان يجب على الحريري كبطل درامي أن يموت موت الأبطال الدراميين، لا أن يموت على فراشه كما يموت البعير. فكما كانت حياته حياة بطولية فإن موته أيضاً كان موتاً بطولياً.

[email protected]