[تكتسب كتابات الأستاذ الكبير سيد يس أهميتها من دوره التنويرى الكبير وآرائه وتحليلاته السياسية الثاقبة التى تعلمنا منها الكثير، ولهذا إندهشت بل وصدمت عندما شن الأستاذ يس هجوماً على د.زويل فى جريدة القاهرة لأنه قام بتكريم مطربة إسمها مى فاروق ووصف هذا التكريم بأنه عبث! ومن الممكن أن يكون لى بعض التحفظات على آراء د.زويل السياسية التى تكتسب قداسة هنا فى مصر لأنها صادرة عن صاحب نوبل، وتصحيح هذه الآراء ضرورة بل واجب من خلال الحوار، ولكن أن نحاسب د. زويل على أنه كرم مطربة ناشئة واعدة ونهاجمه على أنه مارس عبثاً وأحدث تلويثاً فى ثوب العلم المقدس الناصع فهذا يصب مباشرة فى خانة الأصوليين ويضاف إلى رصيدهم، والكارثة والخطورة أن هذا الإنغلاق والتعصب يمر من خلال كتابة أحد قادة الإستنارة فى مصر!، فهذا الفصل التعسفى بين العلم والفن، والخجل من أن يطرب عالم الذرة لموال شعبى أو يتراقص أستاذ الكيمياء على أنغام أغنية جميلة مثلما يفعل الزعيم مانديلا، كل هذا قد تخطاه الزمن وأصبح فى ذمة التاريخ والمتاحف، إن د.زويل لم يكرم بوسى سمير ولم يقم بتسليم الجائزة فى كباريه، ولكنه كرم صوتاً جميلاً فى دار محترمة، ولاأعرف ماهو وجه الجريمة والعبث وتدنيس كرامة العلم فى مثل هذا التكريم؟!، وقد فتح هذا التفكير باباً وفضح سلوكاً مرضياً وطرح سؤالاً فى منتهى الخطورة والأهمية، وهو لماذا فى مصر لايجتمع المثقف المستنير سياسياً وإجتماعياً فى شخص واحد؟ ولماذا نجد كثيراً فى حياتنا المثقف المستنير سياسياً الرجعى إجتماعياً ؟، والأمثلة كثيرة فى تاريخنا فالزعيم العظيم سعد زغلول كان من أشد المهاجمين لطه حسين أثناء مشكلة كتابه فى الشعر الجاهلى وقال عنه أمام المتظاهرين "هبوا أن رجلاً مجنونا يهذى فى الطريق فهل يغير العقلاء منه شيئا وماذا علينا إن لم يفهم البقر؟"، وكان سعد زغلول قد مارس نفس التصرف من قبل مع الشيخ على عبد الرازق أثناء مشكلة كتابه الإسلام وأصول الحكم وهاجمه قائلاً إن "الشيخ على عبد الرزاق جاهل بقواعد دينه"، وكذلك فعل الإقتصادى العظيم طلعت حرب مع قاسم أمين عندما ألف الأخير كتابه عن تحرير المرأة فهاجمه طلعت حرب بشدة وبعنف وطالب المرأة بالجلوس فى البيت وعدم الخروج إلى العمل إلى آخر هذه النغمة الرجعية المتخلفة التى تتعامل مع المرأة على أنها جارية لا إنسانة، وتظل هذه الشيزوفرينيا والإزدواجية تتضخم عند المثقف الذى يتعاطى السياسة، فنجده يطالب بحرية الوطن فى نفس الوقت الذى يقهر فيه المرأة، ويتحمس للتمرد على الرقابة والقمع السياسى والإقتصادى بنفس درجة الحماس التى يطالب بها فرضها على الإبداع والتفكير، إن الحرية السياسية لن تتحقق والبيت مقهور والكتاب ممنوع والمدرسة مكممة الأفواه، إن الحرية ليست منحة وليست أيضاً قابلة للتجزئة وتحليق الطيور لاينفع بجناح واحد.

[email protected]