مع مرور موجة الاصلاحات القوية كالتي تشبه موجة تسونامي، مجتاحة الدول العربية ومجتمعاتها البشرية، موعدة بتغيرات عديدة شملت مطالبات سياسية ومطالبات حقوق انسانية، بفضل اصرار ودعم المجتمع الدولي وتبنيه استراتيجية جديدة للتغيير، بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر، ويعد من أدوات هذا الدعم االدولي، الضغط السياسي والاقتصادي والتهديد العسكري المباشر ضد الدول العصية على الديموقراطية والرافضة لاحداث التغيير الشامل في بنيتها النظامية الاساسية وكذلك البنية التعليمية والثقافية ومجموع الاصلاحات السياسية ومنها اشراك المرأة في كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وبسبب استمرار الجمود العام في المفاهيم الفكرية في المؤسسة الدينية، واقفال باب الاجتهاد الفقهي منذ زمن طال امده، وبروز حركة الارهاب الفكري والتكفيري السائدة في المجمتعات العربية وطالت غير العربية.. هاقد تحركت المرأة المسلمة المعاصرة بخطوة لها مدلولاتها باحداث التغيير العملي على صعيد دحر المفاهيم الجامدة التي مضت سائرة عليها الثقافة العربية و الاسلامية منذ قرون عديدة والتي صاغها (رجال) واقرها سلفا العرب (الذكور) قبل الاسلام وبعده، بدون ان يكون للمرأة نصيب حقيقي يذكر في المشاركة المتساوية مع الرجل وابداء وجهة نظرها في اصول التشريعات الفقهية والتي في اغلبها ألفها واعدها بشر وخاصة تلك التي تمس حياة المرأة الخاصة ومسلكها وتعاملاتها. فالتيار المسلم المنطلق من الولايات المتحدة والذي يدعو الى حق اٍمامة المرأة الى جانب مجموع حقوقها السياسية والاقتصادية، قد كسر (التابو) في امكانية اٍقامة صلاة الجمعة المختلطة تحت اٍمامة الانثى، والتي اقيمت في احدى القاعات الكاثيدرائية في كنيسة في نيويورك لعدم قبول بعض المساجد اٍقامة الصلاة خوفا من التهديدات العنيفة. وفعلا اُقيمت صلاة الجمعة باٍمامة استاذة الدراسات الاسلامية في جامعة فرجينيا الدكتورة أمنة ودود (امريكية من اصل افريقي) وقد اُعتبرت هذه الخطوة بمثابة انقلاب فكري ثقافي على مستوى المفاهيم السائدة وحركت بحيرة راكدة من نمطية الفقة الشرعي المتوارث بالقاء فيه صخرة كبيرة لتحدث منعطف تاريخي في طريق انتزاع بقية حقوق المرأة الاقل شانا او الاكثر حسب التسلسل في الهرم البيروقراطي الاسلامي النمطي والمنقول من جيلا الى آخر. قد تشبه هذه الخطوة الانثوية الجريئة منعطف احداث الحادي عشر من سبتمبر والتي غيرت وجه العالم وعلاقاته، وادت الى ضرورة تعزيز مفاهيم الاصلاح والتغييرات التي نعايشها اليوم وغدا، بعد ان اقتنعت الدول العظمى وعلى الاخص الولايات المتحدة الاميريكية بأهمية نشر الديموقراطية في العالم ومقارعة طغاة الشرق الاوسط وكنسهم من الساحة السياسية، مفسحين المجال للشعوب لتقول كلمتها، ومهما كانت هذه الكلمة مزعجة، الا انها ستروض وتتهذب بفعل مزيد من الديموقراطية وحرية التعبير والتنافس الحر السلمي. وبهذا التغيير الفقهي التجديدي الانثوي والذي بلا شك سيحدث مواجهة ضد فقه الخط السائد الذكوري الهرم، والذي سيلجأ قطاع منه بالتأكيد -وقد لجأ بالفعل- الى التهديد بالعنف، فضلا عن اطلاق الادعية التوعدية بالعقاب والسخط الالهي، والاتهام المجاني المعتاد بالمروق والكفر ضد الطرف الآخر المخالف في دعوات خطباء الجمعة في بعض المساجد في مختلف الدول العربية. وكثيرا مايلجأ الطرف النمطي الذكوري الفقهوي الى اعتبار اٍمامة المرأة سببا مباشرا في اغراء الرجال حين تقف في مقدمة الصف او على رأسه، ولاندري، لماذا الرجل العربي المسلم وحده دون اجناس خلق الله هو الذي يخشى عليه من هذا العرض وكأن ماعرضته السيدة ودود كان (ستربتيز) وليس مادعت اليه بمثابة صلاة عبادة وتقرب الى الله. حيث يفترض سلفا ان (الذكر) العربي المسلم جاء الى المسجد ليقف بين يدي الله مثلما يقف في الحرم المكي رجال ونساء ونشاهدهم في صلوات مختلطة بسبب الازدحام (دون اٍمامة للمرأة)!؟. وكذلك نشاهد قداس مسيحي في الكنائس يحوي نساء ورجال وعائلات واطفال في ابهى زينة وصورة نظيفة في مشاركات صلوات يومية جماعية او ايام الآحاد، دون ان تكون هناك خشية على الذكور المسيحين كما هي الخشية واقعة على رؤوس المسلمين!. فلماذا "الفحل" المسلم تحديدا غريزته غير مهذبة وغير منضبطة، ويجب ان يخشى عليه او يخشى منه!؟. ان مفهوم (المنع) او (سد الذرائع) او (الانغلاق) او (تعميم الحجاب)، بفرض ذلك قسرا، لان هناك فقط بعض اناس (ذكور) في قلوبهم مرض، فان مفهوم كهذا، لم يعد ملائما او مقبولا في هذا العصر ان يفرض على جميع النساء (دون استثناء) نمط سلوكي معين او تفصيلات ملبسية قماشية تؤسس على تنميط المجتمع، خشية ان تحرك في النفس "حالة اغراء" قد تصيب اولي القلوب المريضة. والوضع السليم والصالح لهذا العصر (عصر حقوق الانسان والحرية الشخصية والحرية في الدولة المدنية) يكمن في معالجة او اخضاع اصحاب تلك القلوب المريضة للعلاج النفسي والسلوكي، او يلقون جزائهم وفق روادع قانونية في حالة اقترافهم اعمال جنائية بحق المرأة متذرعين بـ(حالة الافتتان). ولايمكن، او يعقل، ان يقسر نصف المجتمع النسائي على الالزاميه والتنميط والتطويع لمراعاة تلك القلة القليلة من مرضى النفوس العليلة في المجتمع.
لقد بينت نتائج التعداد السكاني اليمني الاخيرة تفوق عدد الرجال على الاناث، فاذا ماكانت النتائج صحيحة ونهائية، فهل يوقف العمل بتعدد الزوجات وفق ما تقتضيه المصلحة العليا للمجتمع، كما سبق وان عطل في التاريخ الاسلامي حد السرقة في عام الرمادة على يد عمر بن الخطاب، خاصة وقد اصبحت حكمة اباحة النص في التعدد لم تعد متوافرة في بنية المجتمع اليمني الحالية بسبب ارتفاع معدل خط الفقر، وزيادة عدد الذكور على الاناث. فلو اعتبرنا جدلا ان الزواج بالزوجة الثانية "ضرورة" بسبب مرض عضال الم بالزوجة الاولى او لعقم وعدم انجاب، فماهي الحكمة من الزواج بالثالثة.. ومابال الرابعة!؟.
وفي الكويت حيث لازالت قضية المشاركة السياسية للمرأة خاضعة لهوى مجموعة من (الذكور) السلفية المتشددة والعشائرية المناهضة للمرأة وحقوقها على طول الخط، بحجج شرعية فقهية خلافية، او موروثات اجتماعية، وكونه من المؤسف حقا ان تحال فتوى بأحقية المرأة في المشاركة السياسية (الانتخاب والترشح) من قبل وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية الكويتية الى امير البلاد بحجة انها خلافية، ولم تمتلك الوزارة المذكورة الشجاعة الكافية ان تبرز صراحة حق المرأة السياسي، كونه حق انساني ينتزع، لايساوم ولايصوت عليه، بينما امتلكت الوزارة الشجاعة سابقا في العام 1985 باصدار فتوى تنتقص من حق المرأة صراحة معلنة بوضوح"ان الاسلام يحرم منح المرأة الحق في التصويت والانتخاب"! ومن المثير للاستهجان ان يفلت من اصدر هذه الفتوى السابقة من المسائلة او المحاكمة الجزائية من "حسبة نسائية" او غيرها، بسبب الاثار السلبية التي لحقت بالمرأة طيلة هذه الحقبة الزمنية المظلمة لمثل هذه الفتاوى من حرمان لحقهن في المشاركة السياسية كنصف مجتمع وهضم مستقبلهن وطموحاتهن الخاصة والعامة، بينما تقام محاكمة للاستاذ الاكاديمي الكويتي احمد البغدادي بسبب ارائه التنويرية وادانته، مما ادى به الى المطالبة العلنية بالهجرة من موطنه الكويت الى احدى البلدان الديموقراطية الليبرالية التي تحترم حقوق الانسان وتقدس حرية الرأي. العجيب ان يصبح الحق الصريح والمدون في مبادئ حقوق الانسان الدولية خاضعا لتصورات ذكورية مستبدة متوارثة عبر الاجيال!، بحيث اصبح حق المرأة السياسي مستعصى من ان تدركه مؤسسة الدولة الرسمية وغالبية في مجلس الامة (البرلمان) وانقسام في المجتمع المدني الكويتي فأوجب ذلك الاستعصاء ان يبت بشأنه اعلى سلطة في البلاد!.
ان مجموعة المتغيرات الدولية التي هبت وحلت على العالم في جورجيا واكرانيا، ومن قبل انفراط عقد الاتحاد السوفيتي بهدف احلال النظام الديموقراطي على كثير من الدول واصبحت الديموقراطية مطلب كل المجتمعات الانسانية بما فيها الدول العربية والاسلامية كونها ليست استثناء في موقعها من المجتمع الدولي. كما هو حال بداية التغييرات الحاصله في العراق ولبنان ومصر والسودان واغلب دول الخليج، وتعود نفحة التغيرات هذه لصالح الشعوب ومجتمعاتها، وبفضل المساندة والدعم الدولي وكذلك التقدم التقني والتيكنولوجي، الاتصالي والمعلوماتي وسرعة الانتقال، اذ سرعت هذه التقنيات في تقارب المجتمعات واختلاط وفهم الثقافات مما اسهمت في ازدياد حالة الوعي لدى الناس عامة لتكتسح المفاهيم القديمة والجمود الذي سيطر على العقول على مدى قرون من الزمان. وقد دنت الان ساعة الاصلاح بداية بكسر "التابوهات" المتعددة والمعقدة والموروثة. ولن يتمكن الدين (اي دين) من العودة الى عافيته الا في ظل المجتمعات الحرة الليبرالية التي تتيح حرية التفكير والتعبير وتحترم حرية الفكر والابداع والتي ستعمل على تشريح الديانات وتنقيحها من الشوائب واعادة بنائها وصياغتها وفق آليات علمية ومنهجية سليمة بعيدة عن التوتر والتطرف والكراهية للاخر في وسط صحي يفصل بين المؤسسة الدينية ومؤسسة الدولة الخدمية السياسية.
كاتب وباحث اكاديمي
[email protected]
التعليقات