يتداول مندوبو الفضائيات العربية العاملون في العراق الكثير من مفردات (الحيادية) و(المبدئية المهنية) والحرص على الحقيقة وهم يردون على منتقديهم الذين يتهمون هؤلاء المندوبين وبالتالي مكاتب هذه الفضائيات فيحملونها على مجملها على أن مندوبيها لا يتوخون الدقة في التقارير الميدانية التي ينقلونها عن المشهد السياسي العراقي وأنهم يميلون إلى الفبركة واختلاق بعض الأحداث التي لم تجر على أرض الواقع.
والحاصل أن مكاتب الفضائيات تتحرك وفق قواسم بارزة من الاختلالات التي تحكم بعضها نوايا مريبة والبعض الآخر يأتي في سياق الوضع الإعلامي المتلبس والغامض الذي يعيشه الواقع العراقي والذي انعكس بتأثيراته على سياقات عمل تلك المكاتب، وبشيء من التفصيل نشير إلى أن مسؤولية هذه الاختلالات تقع على الواقع المذكور وفي الوقت نفسه تقع أيضاً على مسؤولية تلك المكاتب.
إذ لا ينفي مندبون يعملون في عدد من هذه الفضائيات أنهم يتعرضون إلى ضغوط معينة بالحصول على السبق الإعلامي والمادة المثيرة مما يدفعهم إلى أخذ الكثير من الأخبار والمعلومات من دون اخضاعها للمصداقية الشخصية خشية أن يخسروا وظائفهم في تلك الفضائيات، ويفيد هؤلاء المندوبون أن زملاء لهم كفاءاتهم لكنهم لم يستطيعوا الاستمرار في العمل نتيجة هذا الضغط.
وهناك سبب آخر لتلك الاختلالات لم يعترف به العاملون في تلك الفضائيات لكنه في الواقع قائم وهو أن هناك نسبة اتفاقات بين العاملين فيها على ألا تكون تغطياتهم بالنقل الحي المباشر للتفجيرات والاشتباكات خشية على أرواحهم خاصة بعد أن قضى عدد من الصحفيين العراقيين في تلك التفجيرات والاشتباكات ولذلك يميلون إلى استخدام وسائل الاتصال الأخرى كالهواتف لأجل الحصول على المعلومات وإرسالها إلى المحطات الرئيسة، وقد وقع بالفعل عدد من هؤلاء المندوبين ضحية نصب إعلامي في المعلومات الخاطئة التي تعطى إليهم أو في عنصر التأويل لهذا الحدث أو ذاك الذي تسبب في المزيد من المعلومات المضللة أصلاً.
والمؤكد أيضاً أن هناك بعض الإعلاميين العاملين مع عدد من الأحزاب السياسية الجديدة وجدوا في التحرك على الفضائيات المذكورة فرصة لبناء الجاه السياسي والاجتماعي الذي ينشدونه ولهذا فهم يتطوعون للحديث عن أي قضية لمجرد أن تظهر صورهم وهم يتحدثون عن قضايا شائكة بدون معرفة مسبقة بها ويأملون من وراء هذا الظهور المتكرر من تسويق أنفسهم لفرص سياسية منتظرة.
والمحزن في ذلك أن هذه الشخصيات المسوقة حديثاً إعلامياً بدأت تنافس محللين عراقيين معروفين أثبتوا وظيفتهم وجدارتهم التحليلية التي تضع في الاعتبار الأول مصلحة بلدهم في أي قراءة تحليلية وهم قلة لا يظهرون كثيراً برغم تعدد الطلبات عليهم، وبعض الفضائيات تتحاشى الاتصال بهم لأنهم موضوعيون يبتعدون بأنفسهم عن المعلومات المثيرة التي ليس لها أساس من الواقع.
وطبقاً لمعلومات موثقة فان فضائيات معينة تستميل عدداً من التنظيمات السياسية والدينية العراقية من خلال تسويق بعض عناصرها في حوارات مهلهلة تفتقر للمصداقية.
لقد أصبحت الفضائيات العربية جزءاً من ملابسات المشهد السياسي العراقي الحالي وتلك معضلة لابد أن يعترف بها القائمون على هذه الفضائيات وإلى أن يتم فض الاشتباك في الرؤية بين الطرفين سيظل العراق يدفع المزيد من الآلام والأحزان المفرطة وسيظل التلاعب بالحقائق هو المادة الأثيرة لدى البعض.

عادل سعد
(الوطن العمانية)