ضحايا بتر الاطراف في العراق:
الحياة أرحب من فقد ساقين

مجيد يسير بمساعدة عكازين في قاعدة عسكرية ببغداد يوم 22 يوليو تموز

لوك بيكر من بغداد: خاض المقاتل النقيب سيد مجيد ثلاث حروب على مدى العقود الثلاثة الماضية دون أن يتعرض لاصابة خطيرة. لكن في يوم 14 ابريل من هذا العام في صباح الذي بدا يوما هادئا بوسط بغداد قطعت ساقاه. أرسل النقيب لتفقد أمر مريب قرب جسر على طريق سريع. بدا كل شيء على ما يرام حتى سمع صوتا وشعر بألم حاد في ساقه. وأثناء ترنحه من أثر الطلق الناري وجد نفسه أمام قنبلة على جانب الطريق. وانفجرت القنبلة.

قال ضابط الجيش السابق الذي يعمل حاليا في الحرس الوطني العراقي "نظرت الى أسفل فلم أجد شيئا... ساقاي كانتا ترقدان بجانبي. حاولت أخذهما بيدي." وبعد ثلاثة أشهر من هذه الخسارة الفادحة وبرغم كل الظروف عاد مجيد (37 عاما) يسير من جديد -معتمدا على عكازين- بمساعدة أطراف صناعية.

وهو ضمن مئات من الرجال والنساء والاطفال العراقيين الذين فقدوا أطرافهم منذ بدء الحرب نتيجة اطلاق نار أو هجمات انتحارية أو قنابل عنقودية أو الغام ارضية والذين يعتقد الاطباء أن أعدادهم قد تصل الى الالوف لكن ليس لديهم احصاء دقيق. وهم ينضمون الى نحو 50 ألفا آخرين فقدوا أطرافهم أثناء الحرب العراقية الايرانية التي استمرت ثماني سنوات في الثمانينات وفي حرب الخليج الاولى عام 1991 وفي حرب العراق عام 2003 عندما بترت أطراف العديدين في القصف الأميركي لبغداد قبل الحرب.

ومرة أخرى لا أحد يعرف العدد بدقة. فقد أبقى صدام حسين الذي قاد بلاده الى حربين لم تحظ بشعبية أعداد المشوهين طي الكتمان أثناء فترة حكمه. وتعمل وزارة الصحة حاليا مع اللجنة الدولية للصليب الاحمر على احصاء أعدادهم لكن ذلك قد يستغرق شهورا.

ومازال الخبراء يعتقدون أن العراق يضم أحد أكبر أعداد مشوهي الحروب بعد أفغانستان وكمبوديا وانجولا وارتفعت الاعداد باضطراد خلال الخمسة عشر شهرا الماضية مع تصاعد أعمال العنف. وقال الطبيب عماد خضيري هادي رئيس مركز الروماتيزم واعادة التأهيل في بغداد أكبر مركز للجراحات الترقيعية في العراق "منذ الحرب الاخيرة زادت أعداد المرضى بدرجة كبيرة." وأضاف "الوضع أسوأ مما كان عليه في الثمانينات وفي عام 1991. في بعض الايام يأتي الينا 40 مريضا أو أكثر لكن لا يمكننا مساعدة سوى ثلاثة أو أربعة منهم."

وفي عيادة هادي نحو 70 فنيا يعملون ستة أيام في الاسبوع على انتاج أطراف صناعية ونحو 350 موظفا يساعدون المشوهين على التكيف مع الاعضاء الجديدة لكن لا يمكنهم مواكبة الطلب. أنها ليست فقط مسألة زيادة أعداد المشوهين. فبعد النهب الذي اعقب الحرب أصبح هناك نقص كبير في المواد التي تصنع منها الاطراف الصناعية وجعلت المقاومة من الحصول على مساعدات فنية من الخارج أمرا صعبا. ليس في العراق سوى ثماني عيادات للأطراف الصناعية تعرض أغلبها للنهب بعد الحرب. فقد سرقت مواد مكلفة مثل مادة الراتينج الصمغية والبوليبروبيلين التي تصنع منها الطبقات الخارجية والأجزاء الرقيقة التي تصنع منها المفاصل كما دمرت المعامل.

وإلى جانب السرقات كان للقنابل اثرها كذلك. فأصيب مستشفى قريب من مقر الأمم المتحدة في بغداد عندما قصف المبنى في أغسطس أب من العام الماضي والان فقط بدت إعادة بنائه. يعمل المستشفى داخل مجموعة من الحجرات الجاهزة الصنع على تصنيع أياد وأقدام من البلاستيك وأطراف كاملة لبعض المرضى وتعليمهم السير والامساك بالاشياء من جديد. وقصف في أكتوبر من العام الماضي مقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي كانت شريكا أساسيا لعيادات الأطراف الصناعية في العراق على مدى العقد الماضي مما دفعها للحد من مشروعاتها.

وصعب ذلك على العيادات الحصول على المواد الخام المستوردة التي كانت اللجنة تساعد في شرائها وقل عدد خبراء اللجنة الذين يقدمون المساعدات الفنية. ويضاف إلى ذلك ايضا انقطاعات التيار الكهربائي اكثر من مرة في اليوم الواحد في مختلف أرجاء البلاد مما يتسبب في تعطيل الأفران الخاصة ومعدات أخرى ضرورية لصناعة الأطراف الصناعية.

ويفتقر العراق لأجهزة كمبيوتر تساعد في تصميم الأعضاء الجديدة كما هو الحال في الغرب. فكل شيء يتم بأسلوب التجربة والخطأ وهو ما يعني الالم للمريض حتى يضبط الطرف الجديد ليلائمه. لكن الأطباء وسط ما يعانونه من مشاكل مازالوا قادرين على علاج عشرات المشوهين كل يوم منهم حديثو الإصابة مثل النقيب مجيد ومحاربون قدامى أصيبوا في حروب سابقة وبليت أطرافهم الصناعية القديمة وأطفال كبروا منذ أصابتهم ويحتاجون لأطراف أكبر.

سيد مجيد ينظر الى صورة التقطت له قبل ان يفقد ساقيهويدهش الطبيب ثامر عزيز من مركز التأهيل باستمرار من قدرة العراقيين على التكيف السريع مع الأطراف الصناعية ومن تقبلهم المذهل لاقدارهم في مواجهة الخسائر الفادحة. وقال بعد جلسة لتدريب المرضى على المشي "لا أحد يبكي ولا أحد يكتئب. الجميع يخرجون من هنا سائرين على أقدامهم." وأضاف "من الناحية النفسية أعتقد أن العراقيين أفضل بكثير من شعوب أخرى في الغرب وأوروبا فيما يتعلق بتقبل الخسارة. فبعد 52 عاما من الحروب والمعاناة اصبحوا يدركون أنه لا يمكنهم الاستسلام للحزن أو الالم."

ومن بين مرضاه رزاق علياوي وهو مزارع من أقصى شرق البلاد قرب الحدود مع إيران فقد ساقيه في لغم أرضي وهو أب لستة ولم يتمكن من العمل بعد الحادث إلا بعد تركيب ساقين جديدتين له. وقال عزيز "لا شيء يعوض الطرف الأصلي لكننا على الأقل نساعد الناس على الانخراط في المجتمع من جديد والعودة للعمل ومساعدة اسرهم... نحولهم من تابعين إلى مستقلين."

وفي وسط المدينة يزدحم المركز الجاهز الصنع القريب من مقر الأمم المتحدة بالمرضى من الشبان وكبار السن. ويقول أمجد الشيخلي رئيس المركز إنه يتوقع طلبا هذا العام يبلغ نحو 0052 طرف صناعي أي ضعف ما كان عليه في الأعوام السابقة وأكثر بكثير مما يمكن تلبيته. وهو يأمل أن تشعر اللجنة الدولية للصليب الأحمر قريبا بما يكفي من الأمان للعودة للمشاركة في مشروعاتها وهو ما تقول اللجنة أنها تعتزم عمله عندما تستقر الأوضاع الأمنية.

والنقيب مجيد وغيره من المرضى عازمون على المضي قدما في حياتهم مدركين أنهم من بين المحظوظين الذين تمكنوا من الحصول على أطراف صناعية. وقد عاد للعمل بالفعل ويقف مزهوا بزي الحرس الوطني العراقي رغم أنه انهى لتوه التدريب على المشي من جديد بساقيه بمساعدة عكازين. وقال "لن أدع ذلك يعطلني" مشيرا إلى أسفل بعد أن انهى رحلة سير صعبة بين قضيبين في حين ينظر إليه مرضى آخرون باعجاب. وأضاف "الحياة أكبر من فقد ساقين وهذا لن يمنعني من خدمة بلدى."