"إيلاف" في جمهورية مدينة الصدر (1-3)
فتاوى سلفيي الشيعة تُبعد الاغلبية الصامتة

عبد الرحمن الماجدي من بغداد: كانت الصرائف(بيوت بسيطة مبنية من القصب و سعف النخيل)المنتشرة في طرف بغداد الشرقي والتي يقطنها هاجرون جنوبيون مصدر ازعاج واستياء للحكومات العراقية التي تعاقبت حتى عام 1958 عندما قرر الرئيس عبد الكريم قاسم توزيع اراضٍ سكنية على اولئك المعدان (سكان اهوار جنوب العراق) القاطنين في تلك البيوت العشوائية البسيطة المشادة من سعف النخيل. حيث تسلمت كل عائلة من تلك العوائل المهاجرة قطعة ارض مساحتها 140 مترا مربعا بالقرب من تلك الصرائف العشوائية فتم انشاء مدينة حديثة تتوزع على 79 قطاعا في كل قطاع مئات البيوت المتشابهة البناء. يحار الداخل لمدينة الثورة في كيفية الاستدلال على أي منزل يبحث عنه فالتخطيط متشابه اذ يوجد مسجد وخلفه مدرسة ثم ساحة تتفرع منها الحارات المتشابهة في كل قطاع ولا مجال للاختلاف في القطاعات والبيوت سوى في الترقيم الذي يميز كل بيت عن سواه برقم خاص به من حيث البلوك والقطاع ورقم البيت.
فرحة اولئك المعدمين الذين اسكنهم الزعيم قاسم في بيوت نظامية لم تدم طويلا اذ حملوا العصي وهرعوا لمقر وزارة الدفاع التي حاصر فيها البعثيون والقوميون الزعيم الذي قتل بعدئذ في مقر الاذاعة في محاكمة صورية جعلت سكان الثورة غير مصدقين الوفاة فأفطر بعضهم عن صيام شهر رمضان الذي شهد الرابع عشر منه نكبتهم بالزعيم وراح شيوخهم واطفالهم ينظرون للقمر مغلظين الايمان برؤية الزعيم قاسم يجلس فيه.
لتدخل مدينة الثورة مذاك دوامة الاهمال والعنصرية ضد ابنائها الشروقيين ( القادمين من جنوب شرق البلاد) بالرغم من تميّز الكثير منهم ثقافيا وعلميا ورياضيا.

حطب الايديلوجيا
تناهبت الاحزاب السياسية مدينة الثورة منذ نشوئها فهي عاصمة بغداد من حيث عدد السكان (ثلث عدد سكان العاصمة) وانضوى ابناؤها ضمن اقدم حزبين معارضين هما الحزب الشيوعي العراقي وحزب الدعوة الاسلامية. فكان رد الحكومة قاسيا جدا ضدهم فطارت رقاب شباب كثيرة لم تنته الا بعد سقوط نظام صدام الذي كان كعادته كريما في القتل مع المدينة التي سماها باسمه فذبح واعتقل وشرد مئات الالاف منها حد ان تمنى معظم السكان ان يحكمهم أي مستبد سوى صدام فسيكون حتما ارحم منه عليهم. يقول حسين الذي يحمل شهادة القانون ويعمل في الانشاءات "ذات ليلة تموزية من عام 2002 اشتدت الحمى على ابنتي وكانت الكهرباء مقطوعة فحملتها لاادري الى اين وقد شارفت على الموت ولاعلاج لها ولاوسيلة توصلني للمستشفى فقلت في نفسي لحظتها، ليت شارون يحكمنا".

قبل التاسع من نيسان
يوم الثامن من نيسان عام 2003 حيث يحتفل اهل الثورة كل عام سرا باعدام المرجع الشيعي محمد باقر الصدر جد السيد مقتدى اعدم عام1980 مع عدد من ابناء المدينة الذين تظاهروا لاعدامه وقتئذ. في هذا اليوم خرج اهالي المدينة يهتفون بسقوط صدام وقد شاهدوا العربات العسكرية الاميركية تدخل المدينة من جهة حي الرشاد فسرت عدوى الفرحة بالسقوط لباقي احياء العاصمة التي يقال ان افراد الحرس الجمهوري خشوا هجمة اهالي مدينة الثورة المضطهدين عليهم فتسلل معظمهم تحت جنح ليلة 8 – 9 نبسان متخلصين من زيهم المميز كحرس جمهوري فاخلوا المدينة التي دخلها صباحا جنود المارينز بهدوء.
وفي نفس اليوم انتشر مسلحون ملتحون كانوا يهتفون بحياة الصدر الذي اتضح انه محمد صادق الصدق والد السيد مقتدى الذي قتله نظام صدام مع ولديه بحادث مدبر لم يمت فيه مباشرة فتم نقله للمستشفى فقتله فيها محمد حمزة الزبيدي بمسدسه حسب البعض وقصي صدام حسب البعض الاخر.
يبدو ان السيد والد مقتدى قد زاحم صدام على كسب قلوب ومحبة سكان المدينة البالغ عددهم ثلاثة ملايين حسب اكثر التقديرات في السنوات الاخيرة بخاصة حين طبق صدام ماسمي بالحملة الايمانية التي استغلها الصدر اكبر استغلال فمد علاقاته لشيوخ العشائر التي تشكل لحمة الواقع الاجتماعي لمدينة الثورة وقرى ومدن الجنوب. فبعد ان كان يعاني الشروقيون استهجان اهالي النجف ورجال الدين فيها راح الصدر يصر على احترامهم واستقبالهم والمساهمة بحل مشاكلهم، الامر الذي اكسبه محبة الملايين من المعدمين من الشيعة في الجنوب ومدينة الثورة المتحدرة من الجنوب ذاته فثارت حفيظة بقية المراجع والنظام معا حتى ان اتباعه راحوا يوزعون تهمة مقتله وابنيه عليهم مجتمعين.
بعد سقوط النظام وانتشار الفوضى في العراق اطلق اتباع الصدر في الثورة اسمه عليها كيداً بصدام وتاكيدا لتبعيتهم لتيار الصدر الذي ظهر السيد مقتدى الابن الاصغر للسيد صادق الصدر كقائد له متجاوزا شقيقه الاكبر مرتضى الزاهد بالمناصب وبمشاغل الحياة.
السيد مقتدى زار المدينة لدقائق فقط بعيد سقوط نظام صدام مباركا تسمية المدينة باسم عائلته وموالاتها له كخليفة لوالده فخرج الالاف لاستقباله حيث مازالوا يروون عن صلاته في جامع الحكمة وغذائه في مكتب جريدة الحوزة.
راح الملتحون المسلحون يسيطرون على مداخل المدينة وبناياتها العامة. لتنتشر لاحقا جثث عدد من الرفاق البعثيين الذين يقول الاهالي انهم كانوا يشكلون الرعب الاكبر للمدينة. وليلجأ بعض البعثيين الى شيوخ عشائر المدينة لحمايتهم مقابل تقديم مايطلب منهم لاهالي المعدومين.
اختلط المحتالون بالمتدينين في السيطرة على المدينة وانتشر لابسو العمائم بشكل لافت، يقول فالح حسن الاداري في دائرة اتصالات المدينة( جاءني بعيد السقوط شيخ معمم يحمل فاسا وخلفه عدد من الملتحين مطالبين بفتح خزينة الدائرة فأخبرتهم ان لاشيء فيها فطلبوا اعطاءهم اجهزة اتصالات كانت مخزونة وحين سالتهم عن غايتهم منها قال نريد بيعها وتوزيع ثمنها على الفقراء).
مستشفى المدينة العام الذي تحول لمستشفى الصدر ايضا سيطر عليه المعممون فلا تمر أي حالة دون موافقتهم وقد ساهموا في حفظه من عمليات النهب التي عمت بغداد والمحافظات بعيد السقوط.

مدينة السواد
لم يفارق اللون الاسود ثياب سكان المدينة. فالحزن على المقتولين بفعل الاعتقالات السياسية حينا وقتلى الحروب حينا اخر. وحزن عاشوراء الذي يلف المدينة ببحر من اللون الاسود حينا ثالثا. بالاضافة الى العباءات السود التي تميز ملابس الامهات الجنوبيات. ذلك الحداد لما يزل يلف المدينة التي اغرقتها معارك جيش المهدي مع القوات الاميركية في سواد جديد يمتد من المدينة ببغداد حتى مقبرة (شهداء جيش المهدي) في مقبرة وادي السلام الكبرى في النجف الاشرف؛ اذ عويل امهات جنود جيش المهدي القادمات من مدينة الصدر لاينقطع حول القبور الشابة.

نهاية الجزء الاول