سمية درويش من غزة: كان الاعتقال وما زال أحد الوسائل التي دأبت قوات الاحتلال الصهيوني على استخدامها منذ احتلالها للأراضي الفلسطينية عام 1967، في محاولتها للقضاء على عمليات المقاومة، والانتفاضات المتتالية للشعب الفلسطيني ضد الاحتلال، وتتشابه الأساليب الممارسة ضد المعتقلين الفلسطينيين بالممارسات النازية التي استخدمتها ألمانيا النازية ضد اليهود منتصف القرن الماضي ،فالكيان الصهيوني أقام معتقلات جماعية كبيرة محاطة بالأسوار الشائكة ونقاط المراقبة المرتفعة في أجواء مفتوحة يتعرض فيها المعتقلون للشمس الحارة في الصيف والبرد الشديد في الشتاء تشبه إلى حد كبير تلك المعتقلات من العهد النازي التي حولتها الحركة الصهيونية إلى مواقع ومتاحف يجري الحفاظ عليها كي لا ينسى اليهود ما لحق بهم، وتنظم رحلات شبه يومية إليها يشرح خلالها كل التاريخ النازي وهو حال معتقلات أوشفيتز في بولندا.

اليوم معتقلات عوفر ومجدو وحوارة وكتسعيوت "أنصار 3" نموذج مماثل لهذه المعتقلات وهي تتسع لأعداد كبيرة من المناضلين الفلسطينيين فعلى سبيل المثال فإن معتقل أنصار 3 الذي افتتح لأول مرة عام 1988 يحتوي خمسة أقسام كل قسم فيها يستوعب 2500 معتقل أي أن المعتقل يتسع لـ12500 معتقل فلسطيني والإحصائيات الفلسطينية تبين أن الكيان الصهيوني اعتقل منذ بداية الاحتلال عام 1967 نصف مليون فلسطيني تراوحت فترات اعتقالهم من شهور معدودة إلى حكم المؤبد، ولا يزال أحدهم المناضل أحمد أبو السكر يقبع في السجون الإسرائيلية منذ 31 عاما.

يقع معتقل أنصار "3" في منطقة صحراء النقب المحتلة منذ عام 1948 ونقل المعتقلين إليه من أراضي 1967 يخالف قواعد الدولي والقانون الدولي الإنساني خصوصا المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر النقل الفردي أو الجماعي للأشخاص المحميين في المناطق المحتلة إلى أراضي الدولة المحتلة.

وجاء في إحصائية صادرة عن نادي الأسير الفلسطيني أن عدد المعتقلين الفلسطينيين في السجون الصهيونية ارتفع إلى 8500 معتقل اعتقل العدد الأكبر منهم في عمليات الاجتياح الصهيونية التي احتلت في سياقها المدن الفلسطينية في معسكرات تم إنشاؤها لتستوعب الأعداد الكبيرة من المعتقلين ومن بين هذه المعسكرات أنصار 3 في صحراء النقب ومعسكر عوفر في رام الله وحواره قرب نابلس.

شملت الفئات الاجتماعية كافة ومن كل الأعمار وامتازت بالطابع الجماعي والجماهيري وهي الأوسع منذ الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية عام 1967 ومن بين المعتقلين نساء وفتيات قاصرات وجرحى ومرضى فقد اعتقل الجيش الصهيوني 300 جريح ومريض اختطفت عدد كبير منهم من المستشفيات ومن سيارات الإسعاف ومن العيادات الطبية فأصبح عدد المرضى والجرحى في السجون الصهيونية 450 بينما بلغ عدد القاصرين 250 طفلا مع ملاحظة أن ما نسبته 95% من الأسرى من السكان المدنيين وهناك عائلات وأسر اعتقلت كلها.

شتت ادارة السجون والجيش الصهيوني المعتقلين على 12 سجنا هذا إلى جانب أن عددا ليس قليلا لا يعرف مصيرهم كونهم لم يعتقلوا من بيوتهم وتجد المؤسسات الحقوقية والإنسانية صعوبة في معرفة أماكن وجود المعتقلين بعد أن اتخذت حكومة الكيان الصهيوني قرارا بعدم إبلاغ الصليب الأحمر بأماكن احتجازهم.
وقد أعاد الكيان الصهيوني تفعيل قانون الاعتقال الإداري الممنوع دوليا حيث أصدرت خلال الشهور الثلاث الماضية ألف قرار اعتقال إداري لمدد تتراوح ما بين 3-6 شهور قابلة للتمديد دون توجيه تهم للمعتقلين أو عرضهم على المحكمة لتمكينهم من الدفاع عن أنفسهم.

وتفتقر المعسكرات التي يحتجز فيها الأسرى تفتقر للحد الأدنى من الشروط الإنسانية والمعيشية حيث يعانون من الإهمال الطبي ونقص المواد الغذائية والملابس وانعدام النظافة واعتداءات واستفزازات إضافة إلى حرمانهم من المواد الثقافية من كتب وصحف ومن المواد الترفيهية ووضع العراقيل أمام زيارة المحامين لهم.
وأكد الأسرى الفلسطينيون في سجن "نفحة" الصحراوي ،أن إدارة السجن نفذت ضدهم إجراءات واسعة النطاق، تمثلت باقتحام السجن بقوة معززة من الجنود المسلحين بقنابل الغاز والهراوات والدروع، وأخرجوا المعتقلين البالغ عددهم نحو 650 معتقلا من غرفهم واعتدوا عليهم وأجروا تفتيشات دقيقة، وصادروا ممتلكات الأسرى بما فيها أدوات الطعام ولم يبق لهم أي شيء.

وقال الأسرى في رسالة وجهوها إلى نادي الأسير الفلسطيني أن إدارة السجن أنهت إجراءاتها بنقل أحد عشر أسيرا إلى سجن آخر لم يعرف بعد، وأعلنت عن السجن منطقة عسكرية مغلقة، وتم نقل الأسرى وجميعهم من قيادات التنظيمات الفلسطينية داخل السجن بدعوى أنهم مسئولون عن عمليات الاحتجاج التي ينظمها الأسرى بين الحين والآخر، احتجاجا على الممارسات التي تنفذ بحق الأسرى، ويخشى أن يتم عزلهم في زنازين انفرادية والاعتداء عليهم بالضرب.

هذا وقد سلط الإضراب الذي بدأه الأسرى الفلسطينيون الضوء على قضية تمس بعصب المجتمع الفلسطيني واحد مكوناته الرئيسية التي ترمز الى قضيته العادلة في التحرير والاستقلال فهم اعتقلوا من اجل هذه القضية الا ان إهمالا واضحا يبرز تجاههم من قبل الجهات المسئولة سواء عبر السعي لفك أسرهم او دعم أسرهم التي تكابد العناء والمشقة جراء ابتعادها عنهم.

وأكدت اللجنة العامة ضد التعذيب في الكيان الصهيوني في تقريرها السنوي "2000-2001" عن أن جهاز الأمن العام الصهيوني "الشاباك" مازال يمارس أساليب سلبية في تحقيقاته مع المعتقلين الفلسطينيين، وأشار التقرير إلى عينات من الأساليب والطرق التي يتبعها الجهاز بغية انتزاع اعترافات من الموقوفين فمثلا ذكر التقرير أسلوب "الحرمان من النوم" وتعريض المعتقل للبرودة والحرارة الشديدة والحجز في ظروف غير إنسانية مهينة.

تهديد وزير الامن الداخلي الصهيوني وادارة السجون بمعاقبة الأسرى ردا على إضرابهم الذي يطالب بحقوق إنسانية كفلتها الاتفاقيات الدولية واستخدام الوزير الصهيوني كلمة فليضربوا حتى الموت يعبر عن مدى نازية الكيان الصهيوني وطبيعة الأيديولوجية التي يتحرك من خلالها في المعاملة القاسية والعقاب الجماعي لهم والحبس الانفرادي في العزل وهو ما يسقط أي وجه أخلاقي يحاول الكيان تزيين صورته أمام العالم.