نبيل شرف الدين من القاهرة: رغم وقائع ضبط قضايا فساد متلاحقة على أرفع مستوى، وعشرات التقارير التي انتقدت تحول اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري إلى مؤسسة عائلية، يكاد يقتصر دخولها على أبناء العاملين فيها، إلا أن العام المنصرم 2004 شهد استفحالا للظاهرة فمن بين 250 شاباً وفتاة تقدموا لاختبارات القبول للعمل كمذيعين، لم ينجح منهم سوى ثمانية بينهم ستة من أبناء قيادات الإذاعة والتلفزيون.

أما المثير للسخرية فهو أن الاثنين الآخرين لم يتم تعيينهما بينما عينت سارة وسلمي الهلالي وهما توأم المذيعة نجاة العسيلي، وقد عينا بقرار واحد في القناة الثانية بالتلفزيون المصري، فضلاً عن المنضمين مؤخراً خلال الفترة الماضية، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر كل من: مريم بدر تيسير بالقناة الفضائية ابنة نانو حمدي نائب رئيس القناة الثالثة، وريم المنسي بالمنوعات ابنة المذيعة المعروفة راوية راشد، نديم محمد إسماعيل ابن المذيعة ومقدمة البرامج الشهيرة ماجدة أبو هيف، ومحمد الزمر ابن شقيق الإعلامية فريدة الزمر، وعمرو عرفان ابن نائب رئيس القناة الخامسة في الإسكندرية، ويارا شوشة ابنة فاروق شوشة، رئيس الإذاعة السابق، وعلياء حامد ابنة المذيعة فاطمة الكسباني، ورانيا حماد ابنة الإعلامية نادية حليم رئيس القناة الثانية، وحاتم عزام ابن شقيق نجوى عزام نائب رئيس التلفزيون وغيرهم ممن سنأتي على ذكرهم في ثنايا هذا التقرير الموثق بالأسماء والوقائع .

منظومة عائلية

ولعل التعبير الأكثر دقة في وصف أحوال اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري هو "المنظومة العائلية"، ونحن هنا لا نسوق اتهامات جزافية، ولا نطلق تعبيرات "من كيسنا"، بل نؤكد للأسف واقعاً يتناقض في أبسط معانيه مع مقتضيات العدل وتكافؤ الفرص، فليس من المنطقي أن يصبح كل أبناء العاملين في التلفزيون ـ أي تلفزيون في الدنيا ـ إعلاميين مثل ذويهم، يمتطون صهوة "منظومة الإعلام"، ويكرسون للفشل الذريع الذي حاق بصناعة الإعلام المصري، الذي أصبحت فضائية واحدة تبث من قطر تلتهم كل ما تبثه القاهرة من قنوات فضائية وأرضية، سواء في حجم تأثيرها أو فعاليتها أو احترافية القائمين عليها، وكما أسلفنا فلعل مظاهر وقضايا الفساد المتلاحقة في "ماسبيرو" حيث يقع مبنى اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري، تعبر عن واقع حال هذا الجهاز الذي أحيل على التقاعد بعد أن كان يدير الشارع العربي، والوعي العربي، والوجدان العربي طيلة عقود مضت، قبل أن تحل عليه "بركات المنظومة"، ولعل أيضاً مسألة تحول التلفزيون المصري إلى مؤسسة عائلية، تديرها عائلات محددة، تتوارث الشاشات والمناصب والمغانم، تتطلب بناء قاعدة بيانات إلكترونية، فالعدد كبير والوظائف التي يعمل بها الأبناء والأقارب متعددة وتتغير مسمياتها بين عشية وضحاها، ولا تقتصر على المذيعات والمذيعين والمخرجين فقط، فهناك مثلا ريم كامل عبد المجيد المهندسة بالهندسة الإذاعية ووالدها كان مسؤولاً كبيراً في اتحاد الإذاعة والتليفزيون ووالدتها هي السيدة سهير توفيق المذيعة المعروفة في إذاعة صوت العرب، وهناك شادي شلش المذيع بقناة النيل، وهو ابن الإذاعية أمينة صبري، وفي قناة النيل أيضا هناك المذيعة خلود مرعي وهي ابنة محمد مرعي، الذي شغل منصب رئيس صوت العرب ووالدتها هي الإذاعية سعاد خليل. وفي البرنامج العام هناك المذيعة عبير سيد وهي ابنة الإذاعية المعروفة تراجي عباس .

أما المخرج عبد الرحمن عبيس فله ثلاثة أبناء يعملون مخرجين هم أحمد وأيمن، وصبري، والملاحظ هنا ان ابناء وبنات المذيعين والمذيعات يعملون في نفس المجال، وابناء وبنات المخرجين يعملون مخرجين أيضاً .

هوانم الأتربي

ولعل هذه الإطلالة السريعة تصلح كمدخل لسلسلة تحقيقات حول كواليس "منظومة" الإعلام الحكومي المصري، ولنواصل استعراض بعض عائلات التلفزيون المصري، مستعينين بعدد من التحقيقات والتقارير الصحافية التي نشرتها صحف مصرية خلال عدة سنوات مضت، والبداية مع عائلة الأتربي وهي أشهر عائلات ماسبيرو، وتضم السيدة سهير الأتربي رئيسة التلفزيون السابقة التي خاضت مشوار إعلامي طويل بدأ عام 1963، تولت خلاله تقديم عدد من البرامج كما تولت إدارة برامج الأطفال، ثم رئاسة القناة الثانية، وبعدها الفضائية.
وليس سراً إن سهير الأتربي ساعدت شقيقتها سامية في العمل كمذيعة عقب تخرجها عام 1973 ، ولكن المؤكد أن مساعدة سهير لم تكن أيضا هي السبب وراء الشعبية الكبيرة التي حققها البرنامج الشهير (حكاوي القهاوي) لقد صنعت سامية نجاحها بنفسها فعلاً، ووجدت طريقها في البرامج التي تهتم بالتراث الشعبي فقدمت أيضا برنامج (التختجية). أما عزة الأتربي فهي الثالثة في العائلة، وقد انضمت إلى قائمة مذيعات اللفزيون عام 1976.

بسيوني يتحدى

ومن عائلة (الأتربي) إلى عائلة بسيوني ، حيث نجد علاء بسيوني المذيع بالقناة الأولى، وهو ابن الإعلامي أمين بسيوني -أمين عام اتحاد الإذاعة والتلفزيون سابقاً_ تخرج في كلية التجارة عام 1984 وبعد أن أنهى فترة تجنيده التحق بالعمل بأحد البنوك، ولم يكن العمل التلفزيوني يشده بالمرة ورغم ذلك كان الجلوس على مكتب في البنك شيئا قاتلاً كما قال لمجلة "روز اليوسف" القاهرية، وأضاف قائلاً : "كنت أتمنى العمل في مجال به حركة، مرة كنت في جلسة تضم والدي وبعض أصدقائه، فانتقدت ما يقدمه التليفزيون بشكل لفت نظر الموجودين، فقال أحدهم لوالدي : لماذا لا تلحقه بالعمل التليفزيوني طالما أن لديه مثل هذه الأفكار. وبالفعل ألحقني والدي بالتليفزيون وتدربت قبل وقوفي أمام الكاميرا، ثم امتحنت وتم اعتمادي كمقدم برامج ومذيع نشرة أخبار".

"دادي" سمير
نأتي إلى شيرين الشايب وهي ابنة المذيعة سهير شلبي المذيعة الشهيرة والمتنفذة، وظهرت في التليفزيون المصري بعد عامين قضتهما كمذيعة في محطة عربية، وشيرين تقول لروز اليوسف أيضاً إن زوج والدتها الإعلامي الراحل أحمد سمير هو صاحب الفضل الأول عليها، وتضيف : " أنا خريجة كلية الآداب قسم اجتماع 1993 ، من زمان نفسي أكون مذيعة، وكان (دادي أحمد سمير) يشجعني ويعطيني من خبراته، ومن خلال مراقبتي له ولوالدتي تعلمت الكثير ، وبعد تخرجي مباشرة عملت في محطة تليفزيون الART ، ودربني (دادي) على نطق مخارج الألفاظ بينما علمتني والدتي طريقة وضع المكياج والملابس. ثم شعرت برغبة في الانضمام للتلفزيون، ولم أجد صعوبة في ذلك، حيث كان دادي أحمد سمير رئيسا للقناة الأولى ووالدتي مذيعة كبيرة بنفس القناة وعينت بالقناة الثالثة وقدمت عدة برامج منها "حلوة يا بلدي"، "أيامنا الحلوة" وغيره.

وشيرين ليست الوحيدة في عائلة أحمد سمير وسهير شلبي التي تعمل بالتلفزيون، فهناك أخوها شريف أحمد سمير الذي عمل بالتلفزيون منذ أن كان طالباً بالسنة الثانية بكلية الإعلام ويقول: "ألحقني والدي قبل وفاته للتدريب على العمل كمساعد مخرج بالقناة الثانية وكانت وجهة نظره أن اكتسب خبرة خلال دراستي، تساعدني على الاعتماد الكامل على نفسي في الإخراج بعد التخرج ، إلى جانب اكتسابي سنوات خبرة تفيدني عند التعيين، واخترت العمل في القناة الثانية نظرا لتميز برامجها".

كفافي لا تنكر

وهناك أيضا من بنات المذيعات "دينا كفافي"، وهي ابنة المذيعة منيرة كفافي، وهي حاصلة على بكالوريوس اقتصاد من الجامعة الأميركية دفعة 1988 وتقول دينا لروز اليوسف في نفس التحقيق : "كنت أعمل كمعدة برامج بالقناة الثالثة منذ تخرجي في الجامعة، وأثناء فترة تحضيري للماجستير ، حيث كنت أرغب في الاعداد من الخارج مع الاحتفاظ بالعمل الوظيفي في تخصص الاقتصاد ولم أتوقع أبدا أن أكون مذيعة وفجأة وجدت والدتي تعرض علي التقدم لاختبارات المذيعات وتقدمت للاختبارات دون أن أتوقع النجاح ولهذا كانت اعصابي هادئة وكانت اللجنة التي اختبرتني مكونة من أنيس منصور ، سهير الأتربي ، محمد رجائي، د.منى الحديدي. وكانت المفاجأة أن نجحت وعينت بالقناة الثالثة. لا أنكر أن والدتي ساندتني في هذا الموضوع لكني واصلت طريقي بعد ذلك بمفردي وبدأت العمل بالقناة الثالثة وقدمت عدة برامج ..ثم انتقلت للقناة الثانية لإجادتي للغة الإنجليزية مع مجموعة من المذيعات منهن: هدى الجندي وسماح الحمزاوي بقرار خاص من وزير الإعلام لحاجة القناة الثانيةإلى دماء جديدة. مشكلتي الوحيدة أنهم يتهموني باللجوء لوالدتي في أي مشكلة أتعرض لها، وإن كان هذا في حدود ضيقة جداً.

النادي بصراحة

نصل إلى "نشوى عبد السلام" مذيعة برامج الأطفال وهي ابنة عبد السلام النادي رئيس التلفزيون المصري السابق ، وهي خريجة كلية الآداب دفعة 1986 ، وحاصلة على دبلوم في دراسات الطفولة بجامعة القاهرة، وقد عملت عقب تخرجها كمساعد مخرج بالقناة الأولى في برامج الأطفال، كما أخرجت برنامج "تسالي" مع عزة الحناوي ، وتقول إنها التحقت بالتلفزيون بناء على طلب سامية صادق حين كانت رئيس التلفزيون، وكان والدي نائبها ولما علمت أنني تخرجت طلبت أن أقابلها للعمل في التلفزيون وتم تعييني بالقطعة كمساعد نخرج ثم أصبحت مخرجة، وبعد ذلك معدة برامج، وقبل إحالة والدي إلى المعاش ساعدني في دخول امتحان المذيعات، وتقدمت للاختبارات أمام لجنة مكونة من سمير التوني، ومحمود سلطان، وأحمد سمير الذي كان يتولى تدريبنا وأوصوا جميعا بصلاحيتي لتقديم برامج الأطفال بالإضافة إلى الربط، وتضيف نشوى بصراحة :"ساعدني والدي من منطلق حمايته لي أثناء وجوده لعلمه بأنه بعد إحالته للمعاش لن يساندني أحد، وهذا ما حدث بالفعل، فوجود أبي في منصبه كان حماية كبيرة لي فقدتها بعد احالته على التقاعد.

كمبيوتر الكنيسي

وما زلنا مع عائلات الإعلاميين، ونواصل مع الإذاعي المعروف حمدي الكنيسي، وله ابنتان تعملان في ماسبيرو هما، مها المذيعة بقناة النيل الدولية ، ولبنى بالبرنامج الأوروبي، وتقول مها في معرض تقرير صحافي نشرته الصحف المحلية إنها تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة والأدب الإنكليزي عام 1991، وفوجئت بوالدها يبلغنها بضرورة التوجه إلى قناة المعلومات لمقابلة رئيسها حسن حامد الذي كان يستعد لإنشاء هذه المحطة المتخصصة ـ وأصبح الآن رئيسا لاتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري ـ وتمت المقابلة وأجرى لها اختبارا نجحت فيه ورشحها لبعثة إلى بريطانيا لدراسة الكمبيوتر المخصص لقناة المعلومات، وهو مختلف عن الكمبيوتر العادي. ثم عدنا لنقوم بتدريب الباقين، وبدأت عملها بقناة المعلومات كمحررة ومترجمة ثم بدأت قناة النيل الدولية ، وطلبت من حسن حامد الانتقال لهذه القناة كمذيعة وتدربت وبدأت عملي وقدمت برنامج "حدث في مثل هذا اليوم" باللغة الإنكليزية بالصوت فقط دون الظهور على الشاشة".

آل عاصم

وتقودنا المعلومات إلى عائلة (عاصم) حيث نجد المذيعة سلوى عاصم وهي شقيقة المذيعة ماجدة عاصم، وسلوى خريجة إعلام دفعة 1990، وتقول لمجلة روز اليوسف : "أثناء دراستي كنت أتواجد بمبنى ماسبيرو بشكل شبة دائم نظرا للدراسات العملية التي كنا نقوم بها في الكلية ، كما أن شقيقتي ماجدة عاصم كانت تصطحبني معها إلى جانب أن الشاعر الراحل صلاح جاهين كان جارنا في السكن وفي طفولتي كنت أعرض عليه رسومي وأشعاري وكان يشجعني لدرجة أنه تنبأ أنني سأكون مذيعة وأرسل لي عندما كنت مريضة وأنا طفلة باقة ورد مرفقا بها كارت مكتوبا علية : إلى المذيعة الناجحة سلوى عاصم. كل هذه العوامل كانت الدافع وراء التحاقي بالعمل كمذيعة، وعندما تقدمت للاختبارات تم تعييني بالقناة الثانية ، وأنا لا أنكر دور شقيقتي ماجدة في مساعدتي للالتحاق بالتليفزيون. وجاءت فترة انتقلت فيها إلى القناة الأولى كمذيعة ربط بناء على قرار من الوزير صفوت الشريف، ولكني شعرت بالغربة فعدت مرة أخرى للقناة الثانية كمذيعة ربط أيضا ولكن اعترضني بعض الصعاب التي حالت دون استمراري كمذيعة ربط، ولم تتدخل شقيقتي ماجدة عاصم في هذه الأمور، وواجهتها بمفردي حتى لا يتهموني بأنني أعتمد على ماجدة لدرجة أن الأمر وصل إلى إقامة دعوى قضائية لأطالب بعودتي كمذيعة ربط ".

عائلة فراج

وأخيراً فهناك عائلة "فراج" أيضاً، وهي من العائلات الشهيرة في التلفزيون المصري فهي تضم ميرفت فراج المذيعة بالقناة الثانية خريجة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية دفعة 1976 وشقيقتها المذيعة نادية فراج، وتقول مرفت "تقدمت لاختبارات المذيعات عام 1984 ولم تكن لي "واسطة" في ذلك الوقت، حيث كانت شقيقتي في بداية عملها التليفزيوني فلم تملك أن تتوسط لي، بل اعتمدت على مجهوداتي ونجحت والتحقت بالعمل بالقناة الأولى في بداية الأمر ولما اكتشفوا إتقاني للغات الأجنبية حيث أجيد الإنجليزية والفرنسية بطلاقة نقلوني للقناة الثانية المتخصصة في البرامج الثقافية والدراما الأجنبية أما نادية شقيقتي فهي خريجة كلية العلوم، التحقت بالتليفزيون قبلي بأربعة أعوام أي من عام 1980 وعملت بالقناة الأولى منذ التحاقها، ولا أنكر أن وجود نادية معي زادني ثقة بنفسي وحماية لي وقت اللزوم، إلا أنني لم أفكر أبدا في اللجوء لها في أية مشكلة حتى لا أثقل عليها".ماذا تبقى إذن لنعلق به وسط كل هذا الزخم العائلي واعتراف الأنجال بدعم الآباء والأمهات والخالات والعمات، والأناكل (جمع أونكل)، والداديات (جمع دادي)، لم يبق لنا سوى الاستعاذة بالله من شرور (الحئد) أقصد الحقد والحاقدين، ولا عزاء لمن لا سند له .