أحمد عبدالعزيز من موسكو: دخلت الاحتجاجات والاعتراضات على قوانين الحكومة الروسية بإلغاء الضمانات الاجتماعية وتعويض مستحقيها ماليا مرحلة جديدة تشير إلى ظهور أزمة سياسية واجتماعية غير محمودة العواقب. ففي خطوة غير متوقعة دعت كتلة "الوطن" في البرلمان إلى إضراب أعضائها احتجاجا على القوانين الجديدة. وقال رئيس الكتلة ديمتري روجوزين بأن خمسة أعضاء، وهو من ضمنهم، سوف يواصلون إضرابهم إلى أن تقوم الحكومة بتنفيذ مطالبهم. وأكد بأنه تسلم رسائل من أقاليم روسيا بالدعم والمساندة.
وكانت الحكومة، بضوء أخضر من الكرملين، قد تقدمت بمشروع قرار لإلغاء الضمانات الاجتماعية وتعويض أصحابها ماديا. وبالفعل وافق البرلمان الروسي على الاقتراح، نظرا لأن أغلبيته تضم أعضاء من حزب "روسيا الموحدة" الموالي للكرملين. وعلى الفور بدأ أصحاب المعاشات والطلبة والمتقاعدون تظاهرات صغيرة الحجم في العديد من مدن روسيا وأقاليمها، ومن بينها موسكو وسانت بطرسبورج وسامارا ونيجني نوفوجورد وسيبيريا. وما لبثت هذه الاحتجاجات أن تفاقمت وأصبحت تضم عشرات الآلاف، الأمر الذي دفع الأحزاب والكتل السياسية المعارضة إلى استثمارها سياسيا واجتماعيا. وأعلن الحزب الشيوعي الروسي والحزب الديمقراطي الليبرالي وكتلة "الوطن" اتفاقهم على التنسيق لتنظيم الاحتجاجات الجماهيرية ضد القانون.
وفي محاولة لتفادي الأزمة في ظل التغيرات السياسية التي تجري في الدول المجاورة لروسيا، قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعقد لقاء بأعضاء الحكومة وجه فيه انتقادات حادة، وطالب بإعفاء بعض الشرائح من إلغاء الضمانات الاجتماعية، وهو ما اعتبره المراقبون محاولة للخروج من الأزمة مؤقتا. كما اعترف رئيس البرلمان رئيس حزب روسيا الموحدة بوريس جريزلوف أن الحكومة أخطأت في تطبيق القانون، وألمح إلى استعداد الحزب للتضحية ببعض الوزراء لتهدئة ملايين المواطنين الذين بدأوا يرفعون راية العصيان والتحدي. ومع ذلك يصر الحزب الموالي للكرملين على عدم التراجع عن تطبيق هذه القوانين، أو التوصل إلى حل وسط مع أحزاب المعارضة التي بدأت تستخدم ما يجري كورقة سياسية لإقالة الحكومة.
وفي ما صرح وزير الصحة والتنمية الاجتماعية ميخائيل زورابوف استعداده لتحمل المسؤولية عن الأخطاء التي وقعت في تطبيق القانون، أعلنت أحزاب المعارضة، وعلى رأسها الحزب الشيوعي والحزب الديمقراطي الليبرالي مطالبتها بإقالة حكومة فرادكوف. وفي خطوة سياسية واسعة النطاق قام الحزب الشيوعي الروسي بتنظيم مظاهرة حاشدة لأصحاب المعاشات والضمانات الاجتماعية في موسكو شارك فيها خمسة آلاف شخص. وفي نفس الوقت نظمت لجان الحزب تظاهرات أخرى في العديد من مدن روسيا وأقاليمها رفعت شعارات تطالب ليس فقط بإقالة الحكومة، وإنما باستقالة رئيس الدولة.
ويرى قطاع واسع من المراقبين أن هذه الأزمة ستترك أثرها بشكل أو بآخر، وهذا في أفضل الأحوال، على أساليب الحكومة في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية. بينما يرى قطاع آخر بأنه في حالة إصرار الحكومة وحزب روسيا الموحدة على انتزاع الضمانات الاجتماعية لعدد هائل من المواطنين الروس يكاد يتجاوز السبعين مليونا، فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى عواقب سياسية واجتماعية وخيمة، ناهيك عن أزمة اقتصادية تطيح بالعديد من الإصلاحات التي جرت خلال السنوات الماضية.