ما أجمل الرجوع إليه:
سورية تعود إلى أحضان الصديق الروسي
حيان نيوف من دمشق: سيطرت عبارة "تحية إلى المعسكر الاشتراكي الصديق" على الخطابات الرسمية السورية خلال العقود الماضية، ولكن أتت الرياح العالمية على جميع خيام "المعسكر الاشتراكي الصديق" - المتمثل بالاتحاد السوفيتي وبقية دول أوروبا الشرقية - فأجبرته على خلع "معطفه الاشتراكي". وعندئذ غيّرت سورية خطابها وتبخّرت "التحية" من مقدمة الخطابات وأصبحت تبحث اليوم عن علاقات شراكة مع الصديق الروسي الجديد.
يبدأ الرئيس السوري بشار الأسد زيارته الأولى منذ توليه السلطة في بلاده إلى موسكو اليوم ولثلاثة أيام بدعوة رسمية من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وسط حملة من الضغوط الأميركية والإسرائيلية على موسكو على خلفية مزاعم حول صفقة بيع أنظمة صواريخ روسية إلى سورية وهذا ما نفاه البلدان بشدة.
قلق أميركي - إسرائيلي من علاقات دمشق وموسكو
وقال الدكتور فائز الصائغ، رئيس الوفد الإعلامي السوري المرافق للرئيس الأسد إلى موسكو، إن العلاقات السورية – الروسية على الصعيد العسكري "مؤجلة وغير مطروحة الآن قبل أن تعاد بنية العلاقات السياسية و الاقتصادية". وتابع الصائغ، في تصريح خاص لـ"إيلاف"، أنه "عندما تكتمل بنية العلاقات السياسية والاقتصادية يصبح التفكير في الجانب العسكري ممكنا في ظل ظروف المنطقة، وأعتقد أن سورية الآن لا تسعى إلى التسلح الروسي بالقدر الذي تسعى فيه لإيجاد مناخ سياسي تسهم فيه روسيا بدورها الفعال على صعيد المجتمع الدولي والساحة الدولية لإعادة استئناف عملية السلام وإعادة الأمن والاستقرار إلى المنقطة".
وقالت مصادر سورية لـ"إيلاف" إن "ما أثار استياء وقلق الإدارة الأميركية هو عودة دمشق إلى أحضان الروس أكثر من أي صفقة صواريخ مزعومة لأن سورية التي بنت علاقات قوية في الماضي مع الاتحاد السوفيتي تعيد بناء هذه العلاقات مع دولة كبرى بطراز حديث هي روسيا". وأضافت "إن واشنطن تخشى أن تعود روسيا المسالمة للعب دور في المنطقة يشابه دور الاتحاد السوفيتي السابق".
وحسب مصادر دبلوماسية غربية إن "موسكو وضعت خطة لتوسيع نفوذها السياسي في المنطقة وتعود لتكون لاعبًا رئيسيًّا في شؤون الشرق الأوسط".
علاوة على ذلك، أعلن خبراء عسكريون أوروبيون أن "القلق الإسرائيلي من صفقة سلاح مزعومة روسية – سورية ليس لأن سورية تريد استبدال سلاحها القديم بسلاح حديث ولكن لأن الدولة اليهودية تعرف جيدًا بوجود تكنولوجيا هي التي صنّعتها في الأسلحة التي تريد روسيا بيعها لدمشق" – ودائمًا كما نشر هؤلاء الخبراء في مجلات غربية متخصصة.
إضافة إلى ذلك، وبحسب الخبراء، فإن "أية صفقة من هذا النوع تطلع السوريين على واقع التعاون العلمي والتكنولوجي القائم بين إسرائيل وموسكو". وتقول تقارير غربية إن "موسكو سبق لها أن عرضت على طهران صفقات مشابهة وبالتالي فإنها تخلّ باتفاقياتها مع إسرائيل خلال السنوات الخمس الماضية". وتتابع "هذا بدوره سيؤثّر على العلاقات العسكرية الهندية – الإسرائيلية لأنه توجد الآن مشاريع مشتركة بين الهند و إسرائيل وروسيا ستبصر النور في المستقبل القريب. ولذا، فهمت موسكو من خلال عملها مع إسرائيل طريقة عمل التكنولوجيا العسكرية فيها مما يقلق إسرائيل من مغبة أن تصل هذه الأمور إلى العالم العربي وبشكل خاص سورية".
ما أجمل الرجوع إلى موسكو!
وسورية اليوم، التي تبحث عن فتح نوافذ جديدة بعد أن حاولت الإدارة الأميركية إغلاق جميع النوافذ أمامها، تعوّل كثيرًا على زيارة الأسد إلى موسكو، وهذا ما عبّر عنه مصدر رسمي رفض الكشف عن اسمه بالقول "ما أجمل الرجوع إليها".
فيما يبدو أن "حلاوة" الرجوع إلى موسكو تتأتى من رغبة سورية الخروج من نفق الديون الذي أرهقها وحاصرها منذ زمن شراء السلاح من الاتحاد السوفيتي السابق، إضافة إلى صياغة علاقات سياسية جديدة بناء على إنهاء "أزمة الديون" تمكّن سورية من كسب موقف روسي مؤيد لها في مجلس الأمن بشكل دائم حيال القرار 1559 إضافة إلى تقريب وجهات النظر حيال الأوضاع في المنطقة وخصوصا عملية السلام والملف العراقي.
ولكن هل تعيد سورية صياغة علاقاتها القديمة مع "الصديق السوفيتي السابق" مع صديق جديد هو روسيا؟. سؤال طرحته "إيلاف" على الدكتور فائز الصائغ، الذي أجاب قائلًا إن الجميع "يعرف أن العلاقات السورية – السوفيتية السابقة لم تكن علاقات أحادية الجانب بمعنى أن سورية لم تقم علاقات استراتيجية مع الاتحاد السوفيتي على حساب علاقاتها مع دول العالم بما فيها الولايات المتحدة الأميركية". وتابع "صحيح كانت هناك علاقات وصداقة واتفاقات وشراكات استراتيجية في كثير من المجالات لكن لم تكن هذه على حساب علاقات سورية مع دول أوروبا أو مع الولايات المتحدة الأميركية، هذا عندما كان الاتحاد السوفيتي فكيف الحال عندما سقط الاتحاد السوفيتي والآن نعيد بناء العلاقات مع روسيا".
وقال الصائغ إن سورية "لا ترغب أن يبقى خيارها الاستراتيجي في اتجاه واحد وخياراتها متعددة وبالتالي هي تشرع أبوابها على مختلف القوى في العالم التي من شأنها أن تعيد الحقوق وأن تسهم في إقرار السلام والأمن الإقليمي والدولي".
البعد الاقتصادي لزيارة الأسد
وعن البعد الاقتصادي لزيارة الأسد إلى موسكو، أشار الدكتور فائز الصائغ لـ"إيلاف" إلى "أسس قديمة بنيت بين سورية و روسيا يجري استئناف العلاقات على أساسها، وهناك علاقات تجارية واسعة كانت إلى فترة ماضية من الزمن بعيد سقوط الاتحاد السوفيتي ولا زال بعض هذه الأسس يبنى عليها". وتابع "الآن يجري تعميق العلاقات الثنائية على المستوى الاقتصادي انطلاقا من إحساس البلدين بأن مصلحة مشتركة تربطهما في الجوانب الاقتصادية وهناك مشروعات اتفاقات عديدة في مختلف المجالات وهناك خبرة روسية في التعامل مع الجانب الروسي بما يتصل بالاقتصاد والعمل التقني والتكنولوجي وأيضًا في مجال بناء المصانع والتنقيب عن المعادن".
مصادر سورية قالت لـ"إيلاف" إن البعد الاقتصادي لزيارة الأسد لموسكو يتضمن مجموعة من الطموحات السورية في مجالات، منها : "زيادة حجم التبادل التجاري وتشجيع الاستثمارات ودعوة الشركات الروسية الى زيادة تنفيذها لمشاريع مختلفة في البلاد وخاصة في مجالات النفط والغاز والكهرباء وبناء السدود".
ومعلوم أن شركة "غاز بروم كوم سيرفس" الروسية تعمل في مجال استثمار وتطوير الغاز في سورية، والتي وقّعت مؤخرا محضر مذكرة التفاهم مع وزارة النفط السورية. كما تقوم شركة الدراسات المائية الروسية، ومعهد هيدرو بروجكت الروسي، المتخصص في مجال دراسة وتنفيذ السدود، بدراسة لإنشاء سد جديد على نهر الفرات وذلك من خلال توقيع عقد رسمي مع الحكومة السورية. وأوضحت مصادر مجلس الوزراء السوري أن الأطراف الروسية ستقدم الدراسة بعد 360 يومًا على توقيع العقد.
سورية تنهي شبح الديون الروسية
وأما بالنسبة للديون الروسية على سورية فستشكل جانبا هاما من محادثات الأسد في موسكو،و يقول الجانب الروسي انها تبلغ 13 مليار دولار.
واستبق وفد سوري مالي رفيع المستوى زيارة الأسد ليجري مفاوضات إنهاء مشكلة الديون، العالقة بين البلدين، والتي تعود لفترة الاتحاد السوفيتي السابق.وأوضحت المصادر الرسمية أن المباحثات السورية – الروسية تشمل "تخفيض المبالغ" و "بحث موضوع الضرر والتعويض للشركات السورية التي كان لها عقود أو تستقدم معدات من شركات الاتحاد السوفييتي السابق والتي لم تعد موجودة بعد حل الاتحاد"، إضافة إلى "تحويل جزء من الدين إلى مشروعات استثمارية والجزء الآخر يدفع كبضائع سورية".هذا ويصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 200 مليون دولار.
موسكو تدخل المؤتمر الإسلامي عبر دمشق.
وبقدر ما تنتظر سورية مواقف روسية قوية تؤيدها في مجلس الأمن الدولي وتدعم موقفها في وجه "العاصفة الأميركية – الفرنسية" والقرار 1559، فإن موسكو تنتظر من دمشق أيضًا كل الدعم على صعيد تقرب روسي ملحوظ إلى منظمة المؤتمر الإسلامي وفق رؤية استراتيجية روسية لمحاولة إفهام العالم احترامها للمسلمين في حين تضرب في الشيشان بحرية.
وفي وقت قريب كان سلّم السفير الروسي فينيامن بوبوف، المبعوث الروسي الخاص المكلف بالاتصال بمنظمة المؤتمر الإسلامي، رسالة من وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف إلى نظيره السوري فاروق الشرع "تتعلق بالعلاقات الثنائية بين روسيا وسورية ودول منظمة المؤتمر الإسلامي". وتشدد روسيا على أهمية المساعي التي تبذلها دول في منظمة المؤتمر الإسلامي لتعزيز علاقات هذه الأخيرة مع موسكو، والتي تعلق عليها روسيا آمالها للحصول على صفة مراقب في المنظمة. وتسعى روسيا، التي يبلغ عدد المسلمين فيها حوالي عشرين مليون نسمة من اصل ما مجموعه حوالي 145 مليون نسمة، الى أن تحصل على صفة مراقب في منظمة المؤتمر الإسلامي.
موسكو ترفض اتهام دمشق بالإرهاب
أما بالنسبة للملف اللبناني والقرار 1559 فإن موسكو تعوّل كثيرًا على ضرورة حل الملف اللبناني في إطار حل شامل لجميع قضايا المنطقة العالقة وفي ظل عملية سلام وإعادة الأراضي المحتلة. ومن الواضح أن موسكو سوف تتمسك أكثر بهذه النقاط، في الفترة القادمة، لغاية بنفسها، وضمن لعبة سياسية مع الولايات المتحدة حتى توافق هذه الأخيرة على سياسات موسكو الجديدة في "محاربة الإرهاب" والعمليات التي تقوم بها في الشيشان.
وأحدث تصريح في هذا السياق كان لوزير الخارجية الروسي عندما أشار إلى أن اتهام واشنطن لدمشق بدعم الإرهاب هو "عكس المطلوب"، ورأى الوزير الروسي أن "تصنيف البلدان في محور الشر لن يقوّي أمن أية جهة".
الشارع السوري يريد علاقات لا كرّاسات!
وأما الشارع السوري، الذي يرحّب بالمواقف الروسية التضامنية مع حكومة بلاده، يأمل أن تبقى "حكايا" و "كرّاسات" الاتحاد السوفيتي السابق بعيدة عن هذه العلاقات الجديدة التي تقوم على أسس اقتصادية وسياسية منفتحة، وخاصة في وقت تشعر شرائح واسعة من الشباب أن الاتحاد السوفيتي السابق شكل إحباطا لها حيث بقي يؤجج المشاعر ويقويها ويعلن وقوفه إلى جانب بلدان المنطقة لينهار في ليلة لا ضوء فيها.كما أن الشارع السوري يدرك أن فرصة التخلص من الديون الروسية، التي أثقلت كاهله، سوف تشكل انتعاشا كبيرا للاقتصاد السوري.
التعليقات