زيد بنيامين من دبي: في صحراء مُرغم، تترتب الكثبان الرملية على شكل تلال او (حِدب) كما تعرف باللهجة المحلية، وتنتشر فيها شجيرات قررت ان تنمو وان تقاوم وسط الظروف القاسية، عدد الشجيرات ليس كثيراً بالمقارنة مع مساحة الصحراء الواسعة، وشجاعة هذه الشجيرات على البقاء يدفعك للقول انها موجودة احتراماً.

وسط هذه الشجيرات، كان الشيخ محمد بن راشد ال مكتوم حاكم دبي، يتجول بداية الشهر الجاري، وهو يدقق في الارض، خلف اثار احد طيور الحبارى الذي يعيش في هذه المنطقة، ليعثر عليه مختبئاً تحت ظلال احداها.. اطمأن على الطير، شاور بعض مساعديه، تركها في سبيلها وغادر.

لطير الحبارى (عزوته) في هذا المكان.. فهو الطير المفضل لرياضة صيد الصقور، الا ان اقتفاء اثر هذا الطير من قبل نائب رئيس الدولة الامارات رئيس مجلس الوزراء يبدو لافتاً، في وقت تقول فيه بعض التقارير الصحفية العربية والغربية ان quot;عدد سكان دبي سينخفض 17% عام 2009quot;، او ان quot;عددا كبيرا من حجوزات الطيران تتم الى جهة واحدةquot;، وتقارير متعددة اخرى صادرة من هنا وهناك تتحدث عن مستقبل الامارة.

لمن يعيش في دبي فالامر يبدو مختلفاً، منذ بداية الازمة التي ضربت كل دول العالم بدون استثناء، ودخولها مرحلة الشدة في بداية العام الحالي، علق الشيخ محمد على العديد من الاحداث مستعيناً بابياته الشعرية، ومن تلك الاحداث نذكر الحرب على غزة، والقمة الاقتصادية التي عقدت في الكويت، فيما التركيز على الشأن الثقافي يبدو واضحاً، تاركاً الشأن الاقتصادي ليظهر فيه مساعديه بشكل اكثر وضوحاً هذه الايام.

الشيخ محمد بن راشد ال مكتوم وتواضعه الجم

هذا الاسبوع على سبيل المثال، شهد ظهور مدير المالية في دبي ناصر الشيخ في عدد من الصحف الغربية، البريطانية تحديداً، ومنها صحيفتي فاينيشال تايمز، وتيلجراف، ورغم ان حديث ناصر لم يخرج عن اطار نفي بعض الارقام الواردة هنا وهناك، الا ان حضور دبي للرد على كل ما يقال عنها يبدو اكثر وضوحاً من ذي قبل.

ويسأل الشيخ سؤالاً مهماً quot;دائماً كنا نروج بأن دبي معبر استراتيجي بين الشرق والغرب، فمالذي تغير؟quot; .. سؤال مهم للغاية يطرحه الشيخ في عقر دار الصحافة الغربية ومهدها.

الى جانب صورة الشيخ، هناك صورة اخرى لسامي القمزي مدير عام التنمية الاقتصادية في الامارة ادرجت في خبر تحت عنوان يقول ان اقتصادية دبي تستطلع افكار ومبادرات لاحتواء اثار الازمة المالية العالمية، وربما طرح القمزي على المجتمعين نفس السؤال quot;ماالذي تغير؟quot; ليخرج بمجموعة من الملاحظات سيستفيد منها مستقبلاً، فالمشكلة هي مشكلة الجميع والحلول يجب ان تأتي منهم ايضاً، وهذا ربما يعيدنا بالذاكرة الى حديث سابق للشيخ محمد قال فيه quot;اقول دائماً لرجالي، لا تأتوا لي بالمشكلة، تعالوا الي ومعكم الحلquot;.

دبي، ليست كأي مدينة عربية او شرق اوسطية اخرى في العالم، على مدى عقد كامل، خرجت بتجربة يتفق الجميع انها مختلفة، حركت المياه الراكدة لدى غريماتها المطلة او القريبة من الشاطئ العربي من الخليج، انها كاحدى شجيرات مرغم، اختارت النمو والبقاء وسط صحراء سببتها .

حينما عرضت صورة الشيخ محمد وهو يربط حذاء احد الصبية الصغار، قال لي عبد الله الهاجري مبتسماً quot;اعتقد ان هذه الصورة هي شعار المرحلة الحالية، علينا ان نجلس ونربط ، علينا ان نتنفس قليلاًquot;.

ويبدو الاتجاه واضحاً في هذا المسار، فالشيخ محمد معني بالشأن الثقافي اكثر من اي وقت مضى، فقد افتتح مهرجان دبي الدولي للشعر في نسخته الاولى، وحضر اغلب جلساته، كان الابرز فيها حضور الجلسة التي شهدت تفاعله مع نجليه الجالسين على المنصة في احدى الامسيات الشعرية، وهما يلقيان شعرهما امامه، وسط تصفيق حضور غير مسبوق، كما افتتح الدورة الثانية من معرض (ارت دبي 2009) ثم حضر اليوم الختامي ليطلق العديد من المبادرات الثقافية منها جائزة مشجعي الفنون اعتباراً من النسخة المقبلة للمعرض.

ويبدو المشهد الثقافي الاماراتي اكثر قوة وينال الاهتمام الاكبر بالمقارنة بالدول العربية الاخرى، فبعد ابوظبي التي بدأت خطوات فعلية لتقديم نفسها باعتبارها عاصمة الثقافة العربية على مدار العام مستعينة بخبرات دولية، ها هي دبي تقدم نفسها ايضاً بقوة في هذا المجال رغم الازمة المالية التي القت بظلالها عليها كونها الاكثر ارتباطاً بالاقتصاد الغربي الذي اصبحت جزءاً لا يتجزأ منه، لتصطف الشقيقتان الى ثالثتهما الشارقة التي تبدو اكثر اهتماماً بالمسرح.. ويرى النخبة هنا ان هذا ابرز ايجابيات مرحلة (التقاط الانفاس) التي يقول انها تأتي quot;لكي نعرف انفسنا بل نكتشف انفسنا، ونعرف ما نريد، نرتب الاولويات، نراجع الاوراق، انها مرحلة تصحيح وخصوصا لقطاع العقارات، والتقاط الانفاس، ان شئت تسميتهاquot; بحسب الهاجري.

وخلال السنوات الماضية كانت مسألة الهوية الوطنية محوراً مهماً مطروحا على طاولة نقاش الرأي العالم، وخلال العام 2008 طرح الرئيس الاماراتي الشيخ خليفة بن زايد فكرة اعتماد تسمية (عام الهوية الوطنية) على ذلك العام في وقت وصف المراقبون الخطوة بأنها اول جرس انذار خليجي من خلل التركيبة السكانية، وكانت المساحة كافية لسرد المخاوف في جو من الشفافية والمصارحة والتي ربما اختصرتها جملة الفريق ضاحي خلفان تميم قائد عام شرطة دبي والتي قال فيها quot;اخشى اننا نبني العمارات ونفقد الاماراتquot; .

ويرى بعض المثقفين هنا ان تزامن الازمة المالية العالمية، مع هذه الحركة الثقافية التي تعد احد اهم عوامل تعزيز الهوية الوطنية، طريقاً لاعادة التوازن الى هذه المنطقة عموماً ، ولا شك ان دبي كانت السباقة في كل شيء، وها هي خطوات الشيخ محمد واضحة في هذا الشأن.