إيتيل عدنان الشاعرة العربيّة المفردة والأكثر حداثة في الثلاثين سنة الأخيرة. أجل الأكثر حداثة والمحاطة بالصّمت.. هذه الشاعرة عندما كتبت حرّرت فجأة عدّة أشياء في الآن نفسه: حرّرت النص، وحررت المتخيّل، وخرجت على كل المرجعيّات الثقافية. لقد تحرّرت في الآن من لغة الأب العربية،بحيث لا تجد لها قوالب تراثية كابحة لتعبيرها. وتحررت من لغة التعليم الكولونيالي الفرنسيّة؛ وما يتبع ذلك من حالات فكرية شبه شيزوفرينية نجدها مستشرية لدى بعض الكتاب المغاربة و اللبنانيين. اذ نجدهم ممزقين بين هويتين متناقضتين. |
وهكذا صبت إيتيل تجاربها في جغرافيا لغوية متباعدة: في الإنكليزيّة ـ وكأنّها تريد أن تقول من خلال هذا الخيار اللغوي الصّمت؛ كما منحها هذا الخيار اللغوي حريّة أن تقول تجربتها تجربتنا في شمولها، واتساعها ـ فهي بلا ذاكرة، وبلا عادات لغويّة. كل لفظة لديها ابداع.
ولأنّ للسان أيضا لاوعيه أو ما يسميّه العالم النفساني الفرنسي أندري غرين باللاّوعي النصّي فقد تحرّرت إيتيل بتحررها من لغة الأب، ومن لغة المستعمر.. تحررت من الذاكرة، من الماضي الذي يرين على الآخرين بثقله؛ تحرّرت من اللاوعي الثقافي العربي؛ ولم تقل إلا ماتحدّر إليها مباشرة من معاشها الحياتي، من جسدها، من أعماق كينونتها. وهي& تشبه في هذا المسار الرسّامين العرب في متنها الشعري.فالتشكيلي العربي ليس له صياغات تراثية قديمة مقدّسة، وليست له أشكال مسبقة، وليس له مدارس رسم تقدّمته، باختصار ليس له ماض يشدّه، يعوقه، يساهم في تكييف تقنياته وأشكاله. وهذا الغياب الموضوعي للذّاكرة&عنصر تحرر. إن له نتائج التخلص النتشويّ من الذاكرة، ذاك التخلص الذي يدفع المبدع لارتياد آفاق لانهائيّة.
وبالنتيجة جاء شعر إيتيل شذرات شبيهة بالهايكو، شبيهة بأشعار الهنود الحمر التي تقول اليومي بلهجة مقدّسة وبسيطة، شبيهة بكل النصوص القديمة التي انكتبت لأوّل مرّة فهي بلا ماض ولا مرجع خارج عنها .وهذه الشذرات أو القصائد، أو الأناشيد فهي تكتب نصا لاهويّة شكلية له. وهنا نموذج لهذا العالم الشعري عالم ايتيل عدنان :
النشيد الثّامــن
إلى دومينيك إدّه
1
هذا الصباح، قتلت ذبابة
لو أنّي دولة
كنت هدمت مدينة بأسرها2
سأظل في علوي
يوم البعث هذا
فيما وراء البحر3
الفراق هو مثل
الموسيقى الاغريقية: تخترق
الأحشاء، ولا تخفف عنك شيئا4
الشمس تنام في كفي
والعضو الجنسي مخبأ
في مستوى العشب5
أسنان لامعة
نهشها جمال
السماء. والجسد يقتفي
6إنها دائما الرابعة
بعد الظهر، الساعة التي قبلت فيها
ملصقا حائطيا.7
الأزاهير؛ قالوا
ذابلة فوق التوابيت
بينما تبدأ
المراعي بالتفتح8
رأيت سماءا بلا
سماء
هوة بلا اتجاه
بابا
ينفتح على اللاشئ9
ولماذا تبحثون
عن أجداث نساء؟ فهنا
كل شئ مقنع بالرعب.
1
الموت معلق بالأشجار
يصعد أعلى من النظرات
ليس ثمة ظلال
للتأمل2
على تخوم الخير والشر
الصورة الفوتوغرافية لكائن ميت:
هذا الموت الذي تولد منه
حقيقة الأوهام3
لم تعد المرأة مساحة
للحلم. اذ عندما يدق جرس الباب
فدائما قريني هو
الذي يدخل4
ضع نفسك بعيدا عن الأشياء
آه ياقلبي، أنت يامن يتيه
في أوراق الشجر.5
سماء&&& ريح&&& ضجيج
هل هو فقر لغوي أم
نقص في العالم6
يضطرب القدر
وتظلين أنت بلا حراك
تصيرين شيئا من بين
الأشياء.7
وبعدها نهض
مجاملة، لأنه كان يبحث
عن مخرج، لحياته
1
ظل الأرض على القمر
هو شبحي...
كيف العود إلى الانغلاق؟2
لا زهور
تحت هذا القبر
ولا جسد تحت
هذه البلاطة
ولا زمن لهذه الأبديّة.3
البحث عن الممكن
والخوف
يقودان إلى سرير المستشفى
كما هو متوقع4
النار هي مادّة
هذا الجسد
وهذا الحب:
فهما ينطفآن ليلا
ويضيآن غيابي5
كانت الحرب سلامنا
والعاصفة
سماؤنا
واللذة : تعب وصراخ.6
روحي تضطرب تحت
الجبال. وأنا صرت
حبا ميتا.7
اليوم الشمس
غدا البحر
وغالبا
ما يقرأ هوميروس الإلياذة
في تونس
1
لماذا تصير السماء في انعطاف
الجبال نادرة. ولماذا هذه
النظرة؟2
فوق خط الأفق
تصير المادة
تنفس3
كانت طفولتي تجهل
قوة النساء السرية؛ فهن
مثل حقول الجليد4
للدم المهراق في كاليفورنيا
لون غامض واسباب
مجهولة.5
ان لم يكن الوجود نورا
فهو صورة بلاغية.
وأنا هو هذا الشئ الذي
يمرّ من امامي .
النشيد الثاني عشر
1
ماتت
يوم كسوف القمر
كما عاشت2
الأبدية تثقل على
جسدي
والبحر رخام خداع3
إنّني لا أقل عدالة
عن شجرة الخوخ المزهرة
بيد أني متخلفة بربيع واحد
عن ثمارها4
هاهي الأشياء التي اكتشفتها:
قياس محيط& ذآبة الجبل
آبار الجنوب البعيد،&
وجفون الحبّ المسبلة.5
النهار لا يتكون
من الضوء بل
من إرادتي.
1
أنا سماء هذا القبر
الملكي
شاسعة مثل العالم، ومثل
مسافات الظلمة2
الذات هي صورة
أحذت من صورة
يعني
بطاقة بريد3
رمال، علب
فارغة،... كواغض... وضباب
يجعل هذا المشهد
مثل الاقيانوس4
كل شئ هنا حقيقي:
هذه الحصاة، وظلها
العين التي تلحظ الضجيج
المستحيل
والحلم5
الموت هو التحول
من الحالة الذاتية
إلى الحالةالشيئية: آه أيتها الزبالة
الملكية6
الكلمات جالسة بيننا
إلا انها تتطلع إلى مشاهد أخرى.
في أيّ مكان نحن؟7
لا لحم على جسد هذا
الحيوان الليليّ
لا مستقبل له
ولا نفس.
1
أثناء الموسيقى الشبيهة
بالصمت
كيف يتقولون أني
كنت عاريةتحت الأمواج؟2
فوق الكلمات
تشكل الدماء والدموع
جزرا3
تنبثق الهموم من الدرج
عندما نفتحه. أي حظ أسلم
من تبخر فرحنا
في الغرفة الخاوية!4
في الظلمة الخضراء
للحديقة، هناك كآبة محارب
مبتور الأعضاء
وقلة صبره5
وأنا، جسد من جليد كوني
اتجهت اليك
متألهة بالموت
6أعتقد ان امّي
طعنت قلب بطل
لقد دوت صيحة في وسط
المدينة.7
كان البحر صغير السن
وكانت نظراتي تعاشر الشمس
ولم تكن الفصول
قد وجدت بعد.8
والآن أبوح بسر:
لقد علقت الكزن
وفصصته
ثم لملمت نفسي
في حفنة رماد.9
والروابي العذراء توغل
فيما بعد الرغبة. كل شئ يتوقف
يتوقف لدى عبور
الضوء.
النشيد الخامس عشر
1
أتّبعني، قال الملاك
ثم انزلق من على كتفيّا.
وهجم الضوء
من كل صوب.2
الزمن يستخدم مشرطا
فوق جسده. والليل
لم يعد أبدا كاف لتأمل
بؤسنا. وهناك برودة
في هذا الماء الأزرق.3
بيروت هي تكدس
حواجز في طريق
الجنّة.4
في الصحراءهناك نار،
وفي النار هناك كلمة،
وفي الكلمة تكمن
قوّة الفراغ.5
الملاك، ذلك المجهول، إنّه
طريق الألم
غير المبرّر.&
1
من جديد نبحث عن انحراف في الزاوية
لتكون هناك مرآة
وحتى تصير الجنة من جهتنا.2
أعرف المشهد الذي
تخافين سكناه، أيتها المرأة التي
سود الموت شعرها...
لقد كان لفمك أسنان
من لؤلؤ وعدم3
في الضوء الناعم لمدينة
سان رافائيل، كان اللون الأحمر يمور
في البرتقالي،
وفي الدير، ممدّدة
تحت الأغطية الصّوفيّة
&&&&& وكانت تحتضر.4
سيكون هناك كسوف
&& جديد
وسيفتح المطر طريقا لنفسه حتى يصل
& إلى عظامها
وسيكون هناك حفل موسيقى وأناشيد.
وبعدها سننتظر دورنا.5
لا جديد على جباه
الملائكة
جيراني يهيئون مأدبة
&& المساء.
والكلمات تخلق لهبا.6
العزاء مهزلة مسرحية
مقهى باريسي شبيه
ببيت الموتى، في تلك اللحظة التي
يصعد فيها النهار من الكراسي.7
أشك في أن الزمن وجد
على الاطلاق
السماء أيضا.
ترجمة& عن الفرنسية: خالد النجار









التعليقات