في الحقل، كشفت عن نفسها شجرة الليمون، ففاحت بالأزهار.
مر النحل.
ثم تبرعمت بقروح صفراء فصارت حبوب ليمون ناضجة، على حلماتها المدببة الصغيرة يترجل الندى ويتكثف.
مر الفراش.
خافت على أغصانها من السقوط لما امتلأت بالريح وشرعت تؤرجح كيانها المثقل بليمونة الذي صار جريئاً في بث حرائقه الفاتنة في كل الحقل.
مر الدوري.
بدأ الليمون بالتساقط إلى الأرض متعفناً من الداخل، متجعداً من الخارج، غير آبه بالماء وارتجافاته المحدقة به على الدوام.
ومر الدود.
ثم قرر باقي الحقل الذي لم يكن سوى رحبة طينية مفرطة في مص ثدي الفراغ، أن يتراجع إلى تخومه الجديبة متنصلاً من شغفه السابق بالشجرة.
ومرت الغربان.
أعلاه، كان ضمن ملاحظات حارس الحقل حول التغيرات الجديدة والغريبة التي طرأت على شجرة ليمون، عقب موت ابنة مالك المكان. كان يتحدث إلى ضابط التحقيق مبدياً أسفه الشديد على موتها بذلك الشكل المحزن، ومؤكداً في نفس الوقت أن ثمة لغز في هذه الحادثة. ضابط التحقيق بدوره، كان يشك في طبيعة موت الابنة، لكن: كيف عرفت أن ثمة لغز في موت الفتاة؟ سأله الضابط. ابتسم الحارس لما وجد نفسه ملزماً بالحديث نيابة عن هيئة التحقيق الممثلة في الضابط الذي أمامه حول موت ابنة كفيله. كان يتحدث عن الشجرة فحسب. إنه مجرد حارس حقل بسيط ينحصر دوره في سقي الأشجار وحراستها من العبث. في البداية، جاء مطالباً ضابط التحقيق بالضغط على كفيله لمنحه رواتب الشهور الستة المتأخرة عليه ثم جره الحديث عن الحقل ووظيفته فيه إلى طرح تلك الملاحظات عن الشجرة، وليس للحديث عن ملابسات موت الفتاة. غير أن الضابط استبقاه لاستكمال التحقيق إذ كيف عرف أن موت الفقيدة لم يكن طبيعياً. هكذا جهات التحقيق تسأل أحيانا. يستطيع الحارس أن يؤكد وجود مثل هذه الاستنتاجات الخطيرة في غرف التحقيق وبشكل مستمر وخصوصاً عندما ترتفع حساسية مثل هذه القضايا إلى درجة الدفاع عن الشرف أو القتل باسمه.
&
للكاتب مجموعة قصصية " ذات مرة " عام 1997عن دار البلاد للنشر، جدة
صدر له رواية " أو على مرمى صحراء في الخلف" عام 2002
صدر له رواية " أو على مرمى صحراء في الخلف" عام 2002
&
ثقافة ايلاف [email protected]
&
&
التعليقات