د. أشرف الصباغ
&
1
فيما اتفقت كل من صحيفتى "روسيسكايا جازيتا" و "نوفايا فريميا" الروسيتين على أن الولايات المتحدة تحاول إحراج الدول العربية، وخاصة الحليفة لها فى منطقة الشرق الأوسط بتسريب معلومات تتناقض وواقع "تاريخ العلاقات الوثيقة" بينها وبين حكومات هذه الدول وذلك بهدف تغيير مواقفها وإجبارها على المشاركة فى الضربة الأمريكية المتوقعة للعراق، ألمحت مصادر عسكرية روسية وثيقة الاطلاع أن واشنطن ربما تلجأ إلى دول عربية خليجية للمشاركة فى قصف بغداد. ورأت المصادر التى تتوقع أن تبدأ واشنطن حربها ضد العراق فى نوفمبر المقبل أن البيت الأبيض سينتهج خلال هذه الفترة سياسة الضغط والترهيب من ناحية، والاستفادة من التناقضات بين الدول العربية وخاصة الخليجية من ناحية أخرى. وأشارت إلى أن الوقت يلعب دورا إيجابيا لصالح بغداد وهو ما يجعل المعارضة العراقية والجنرالات الأمريكيين يتعجلون الحرب. وأضافت بأن جورج بوش يحاول ليس فقط توريط جميع فصائل المعارضة العراقية بما فيها المجموعات الكردية المتناحرة، وإنما أيضا أكبر عدد ممكن من الدول، وخاصة العربية.
إلى ذلك رأت صحيفة "إزفستيا" أن الجنرالات الأمريكيين ربما يستطيعون إقناع بوش بتوجيه الضربة فى أقرب وقت ممكن، وخاصة بعد نجاحهم فى التشكيك بنوايا صدام حسين عقب خطابه الأخير. وتطرقت الصحيفة إلى أن "صقور" واشنطن بقيادة رامسفيلد يحاولون الآن الالتفاف على "الحمائم" بقيادة كولن باول بإزالة الخلافات بين فصائل المعارضة العراقية. إلا إنها أعربت عن تشاؤمها بشأن إمكانية المعارضة المتشرذمة على تجاوز خلافاتها، خاصة وأن التشرذم، على حد قول الصحيفة، من أهم صفات المعارضة العراقية حتى قبل غزو العراق للكويت. والأخطر من ذلك أن جميع فصائل المعارضة العراقية لا يجمعها سوى هدف التخلص من صدام حسين "شخصيا". وهو هدف قصير كان بإمكان واشنطن أن تحققه منذ زمن طويل. وبالتالى فمن الممكن أن يتعرض العراق إلى حرب أهلية أسوأ بكثير حتى من الحرب الأمريكية-البريطانية المتوقعة.
من جانب آخر رأت صحيفة "كميرسانت" أن المعارضة العراقية التى وصفتها بـ "الطابور الخامس" هى الأكثر تعجلا حتى من الصقور الأمريكيين لبدء الحرب والإطاحة بصدام حسين. إلا إن "كميرسانت" من جهة أخرى شككت فى قدرة المعارضة العراقية على مساعدة واشنطن من ناحية، وفى رصيدها لدى الشارع العراقى من ناحية أخرى. وتعرضت الصحيفة إلى الخلافات ليس فقط بين فصائل المعارضة العراقية، وإنما أيضا لما بين الفصائل الكردية من خلافات عميقة، مؤكدة بأن الخلافات بين صقور واشنطن وحمائمها يشابه الخلاف بين فصائل المعارضة العراقية. وأكدت أن اعتماد واشنطن على معادلة كهذه يمكنه أن يكون أحد أهم أسباب فشل خطط الولايات المتحدة فى العراق. وركزت الصحيفة على سمعة المعارضة العراقية لدى بعض الأجهزة الأمريكية وتورط الأولى فى قضايا مالية تعمل على إضعاف موقفها ليس فقط أمام المؤسسات الأمريكية، وإنما أيضا أمام الشعب العراقى الذى تسعى إلى حكمه. ورأت أنه فى الوقت الذى يفضل فيه صقور البنتاجون الأمريكى التعاون مع زعيم المؤتمر الوطنى العراقى أحمد الجلبى بصرف النظر عن القضايا المالية أو تمتعه برصيد شعبى ما، تعلن وزارة الخارجية عدم ثقتها به، أو-على حد تعبير الصحيفة-تحملها له. وشددت "كميرسانت" على أن وزارة الخارجية الأمريكية طلبت من المؤتمر الوطنى العراقى المعارض مؤخرا كشف حساب تفصيلى بالمبالغ التى تقاضاها من إدارة الرئيس الأمريكى السابق بيل كلينتون والتى وصلت إلى 8 ملايين دولار. ووفقا للصحيفة، فوزارة الخارجية الأمريكية ترى أن المؤتمر الوطنى العراقى المعارض لم ينفذ أى شئ منذ سنوات على الرغم من حصوله على مبالغ ضخمة من مختلف الإدارات الأمريكية، وهو ما يؤكد-كما تقول الصحيفة بالنص-على أن "هذه الأموال جرى نهبها".
وفى ظل التصريحات الأمريكية المتناقضة، ومعركة تسريب المعلومات رأت مصادر سياسية روسية أن ما يتردد حول تأجيل العمليات العسكرية ضد العراق لا يعنى إطلاقا إلغاء هذه العمليات. وأضافت بأنه على العكس تماما من توقعات بعض المراقبين بتكبد واشنطن خسائر سياسية واقتصادية فى حالة بدء الحرب، فالفوائد السياسية والاقتصادية التى يمكن أن تحصل عليها الولايات المتحدة من حملتها العسكرية ضد العراق أكثر بكثير مما يتصور العديد من المراقبين. فبالنسبة لاحتمال ارتفاع أسعار النفط العالمية، أكدت المصادر بأن أعضاء منظمة أوبك ومعها روسيا والنرويج والمكسيك سوف تسارع إلى سد النقص المتوقع فى حجم النفط العربى وهو ما يمكنه أن يعمل على استقرار الأسعار. ورأت أن واشنطن ستعمل على الفور فى تنصيب حكومة جديدة موالية لها ستعمل بدورها على "رد الجميل" وذلك بجعل الثروة النفطية العراقية فى متناول يد الولايات المتحدة. وفى نفس الوقت فالحملة الأمريكية ضد العراق ستجلب لإدارة جورج بوش مجموعة هائلة من المكاسب السياسية والاقتصادية تفوق بكثير الخسائر المتوقعة. وبالتالى فسيطرة واشنطن على عراق ما بعد صدام حسين سوف يجنب الولايات المتحدة الكثير من المتاعب المحتملة فى حال تغيير النظام فى أية دولة عربية نفطية. أما المكسب الآخر على المستوى الداخلى فى الولايات المتحدة فهو أن الحرب ستمكن الرئيس جورج بوش من صرف اهتمام الأمريكيين عن الفضائح المالية المرتبطة بالشركات الأمريكية الكبرى ليظهر من جديد بمظهر الزعيم القوى القادر على اتخاذ قرارات تاريخية.
وعلى الرغم من كل ما ورد أعلاه فهناك ظاهرة أصبحت واضحة تماما بالنسبة لنظام صدام حسين وتستحق الاهتمام والصراحة والوضوح من جميع الأطراف. وهى ببساطة أن جميع الأصوات، سواء فى الولايات المتحدة أو الساحة الدولية أو منطقة الشرق الأوسط، المعارضة أو المنتقدة لقيام إدارة بوش بعملية عسكرية ضد العراق، ليس بينها صوت واحد يدافع عن صدام حسين ونظامه. وهذا أيضا ينسحب حتى على الدول العربية (أنظمة وشعوبا) التى أقامت خلال السنوات القليلة الماضية علاقات تجارية واقتصادية ونفطية مثمرة مع العراق. فليس هناك لا مسؤول ولا حزب ولا منظمة اجتماعية أو شعبية يدافع عن نظام صدام حسين ويعلن تأييده وتأييد بلاده له ضد أية ضربة عسكرية أمريكية.
إن الذين يعترضون على ضرب العراق، أو الذين يوجهون الانتقادات إلى خطط بوش لديهم أسباب ومصالح وأهداف مختلفة ومتعددة ليس بينها إطلاقا (أو على الأقل لم يعلن أحد حتى الآن) الدفاع عن نظام صدام حسين. من بين هذه الأمور الخوف من الخسائر البشرية فى صفوف الشعب العراقى، وتعرض المنطقة لهزات تهدد أمنها واستقرارها وموازين القوى فيها، والخوف من إقدام صدام حسين على استخدام أسلحة دمار شامل. أما الأسباب الأكثر خطورة فهى أن البعض يرى ضرورة حصول إدارة بوش على تفويض من مجلس الأمن الدولى لضرب العراق، وأن الإدارة الأمريكية تخطئ فى حساباتها إذ تنوى مهاجمة العراق دون حل النزاع الفلسطينى-الإسرائيلى. ومع ذلك لا يدافع أحد عن نظام صدام حسين. فماذا يحدث لو أعلنت كل دولة عربية موقفها الواضح من هذا الأمر؟! وماذا لو أعلنت الأحزاب والجمعيات والمؤسسات الشعبية والاجتماعية والثقافية موقفها؟!&من الواضح أن الجميع يحاولون الابتعاد قدر الإمكان عن هذه المنطقة الشائكة لأنها ستفجر خلافات خطيرة ليس فقط فى الأوساط الحكومية الرسمية، وإنما بين المؤسسات الشعبية والاجتماعية والثقافية وفى داخلها أيضا، والأسباب كثيرة منها ما هو جديد ومنها ما هو أقدم من دخول صدام حسين إلى الكويت. ومع ذلك، أليس من الأشرف والأجدى أن يعلن كل طرف عن موقفه حتى يدرك بسطاء الناس فى مصر والدول العربية الوجه الحقيقى والشفاف للأمور.
&
2
فى النصف الأول من أغسطس 1991 (قبل تفجيرات نيويورك وواشنطن بشهر واحد تقريبا) قام وزير الدفاع الأمريكى دونالد رامسفيلد بزيارة إلى موسكو. وفى 16 أغسطس (قبل التفجيرات بأقل من شهر واحد) صدرت عدة صحف روسية لمناقشة زيارة "الصقر" الأمريكى. وكانت صحيفة "كميرسانت" الروسية هى الصحيفة الوحيدة التى تمكنت من التقاط "الخيط" الأكثر خطورة بتسليط الضوء على واحد من أهم الموضوعات التى كان الكثيرون يناقشونها كسيناريو محتمل الحدوث وهذا بالضبط ما قالته "كميرسانت": "لقد بدأ دونالد رامسفيلد هجومه ضد المواقف الروسية فى مؤتمره الصحفى الذى عقده مع الصحفيين بمجرد انتهائه من المباحثات مع المسؤولين الروس. وأشار الوزير بالتفصيل إلى الأحداث المأساوية التى عصفت بالعالم فى السنوات العشر الأخيرة وعن أن روسيا والولايات المتحدة قد تجاوزتا مرحلة العداوة. إلا أن الصحفيين طلبوا من الوزير الأمريكى التحدث بشكل أكثر دقة ووضوح عن المقترحات التى أتى بها من بلاده إلى موسكو بشأن تعديل نصوص اتفاقية الدفاع المضاد للصواريخ. فما كان من الوزير إلا أن صرح بأن كوريا الشمالية وإيران والعراق وليبيا سوف تكون قادرة فى السنوات الخمس القادمة على إنتاج صواريخ باليستية عابرة للقارات بإمكانها الوصول إلى أراضى الولايات المتحدة. وإذا لم يتمكنوا من ذلك، فهم قادرون على وضع صواريخ متوسطة المدى على سفن يستخدمونها لقصف الولايات المتحدة. وإذا لم يتمكنوا من ذلك أيضا، فبإمكانهم بيع صواريخ ذات مدى متوسط للدول القريبة من الولايات المتحدة وهذا ما يشكل خطرا أكبر على أمن الولايات المتحدة. ولكن عندما سأله الصحفيون إذا ما كان من بين الأهداف استقدام رؤوس نووية لتفجيرها داخل الولايات المتحدة مباشرة دون استخدام الصواريخ، وبالتالى فلن يكون الدرع القومى النووى الأمريكى قادرا على إنقاذ الوضع .. التزم الوزير الصمت ولم يرد".
هذا بالضبط ما قالته الصحيفة الروسية، أى أن "الدول المارقة" و"محور الشر" و"الدول المنبوذة" من وجهة النظر الأمريكية -كانت كلها موجودة قبل 11 سبتمبر 2001 بصرف النظر عن الترتيب الزمنى لظهور هذه التسميات. أما سؤال الصحفيين الروس والأجانب للسيد رامسفيلد بشأن استقدام رؤوس نووية لتفجيرها داخل الولايات المتحدة، وعدم وجود قدرة على إنقاذ الوضع.. وصمت رامسفيلد-كانت قريبة من السيناريو الذى حدث على أرض الواقع بعدها بثلاثة أسابيع. إذ أن التفجيرات فى نهاية المطاف حدثت من داخل، وداخل الولايات المتحدة. ولم تكن هناك لا صواريخ باليستية ولا محور شر أو خير.
والآن يكتمل العام، ويقترب 11 سبتمبر 2002. فماذا حدث لـ "التسميات" الأمريكية؟ هل تغيرت؟ هل عدلت واشنطن من سياسة ما قبل 11 سبتمبر 2001؟ وبالتالى هل لدى واشنطن إمكانية، فى المستقبل طبعا، لتعديل سياستها فى الفترة من سبتمبر 2001 إلى سبتمبر 2002؟ لعل الشواهد والتصريحات الحالية هى الوحيدة التى يمكنها الرد.
الآن-ونحن أيضا فى أغسطس 2002-كشفت صحيفة (هآرتس) الإسرائيلية مؤخرا عن تقرير استخبارى (هو تسريب معلومات أكثر منه تقدير لموقف ما) أشار إلى أن إسرائيل لا تستبعد إمكانية قيامها بتوجيه ضربة نووية لتقويض العراق كدولة فى حالة هجوم الثانى على إسرائيل بأسلحة غير تقليدية.
وبناء على التقرير الاستخباراتى الذى قدم للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكى أوضحت الصحيفة الإسرائيلية أنه استنادا لهذا التقييم واحتمال قيام إسرائيل برد انتقامى على أى هجوم عراقى فمن المفترض أن تقوم الولايات المتحدة فى المراحل المبكرة من الحرب بجهد خاص من أجل تحييد أى استخدام محتمل لصواريخ (سكود) و(الحسين)، التى ينشرها العراق فى المنطقة الغربية ضد أهداف إسرائيلية محتملة على النحو الذى حدث أثناء حرب الخليج الثانية.
مثل هذه المعلومات المبنية على تقارير حكومية رسمية فى الولايات المتحدة تشير (وكما أفا العديد من المراقبين ووسائل الإعلام الأجنبية) إلى احتمال تنسيق واشنطن وتل أبيب بشأن مشاركة الثانية فى حال قيام الأولى بغزو العراق. إذن فماذا سيكون موقف الدول العربية بشكل عام، ومصر والسعودية والأردن وسوريا ولبنان على وجه الخصوص؟ وماذا سيحدث فى الأراضى الفلسطينية المحتلة؟ والأكثر إثارة، ماذا سيكون موقف الدول الخليجية التى (يشاع حتى الآن) عن نية مساعدتها للغزو الأمريكى للعراق؟ وهل ستحاول الولايات المتحدة منع إسرائيل من المشاركة كما حدث فى "عاصفة الصحراء"؟ أم إن امتناع (وهذا ما يقال حتى الآن) الدول العربية عن تقديم أى مساعدات لواشنطن سيدفع بالأخيرة إلى الاستعانة بإسرائيل؟ هذه التساؤلات تبدو للوهلة الأولى خاصة فقط بمشاركة إسرائيل فى حملة "التطهير" التى تنوى واشنطن القيام بها فى العراق. ولكن ماذا لو لم تشارك إسرائيل؟ هل سيغير ذلك فى الأمر شيئا؟! وماذا لو لم تقم الولايات المتحدة من أساسه بضرب العراق؟ هل هذا سيغير فى الوضع شيئا أيضا؟!!
مثل هذه المعلومات المبنية على تقارير حكومية رسمية فى الولايات المتحدة تشير (وكما أفا العديد من المراقبين ووسائل الإعلام الأجنبية) إلى احتمال تنسيق واشنطن وتل أبيب بشأن مشاركة الثانية فى حال قيام الأولى بغزو العراق. إذن فماذا سيكون موقف الدول العربية بشكل عام، ومصر والسعودية والأردن وسوريا ولبنان على وجه الخصوص؟ وماذا سيحدث فى الأراضى الفلسطينية المحتلة؟ والأكثر إثارة، ماذا سيكون موقف الدول الخليجية التى (يشاع حتى الآن) عن نية مساعدتها للغزو الأمريكى للعراق؟ وهل ستحاول الولايات المتحدة منع إسرائيل من المشاركة كما حدث فى "عاصفة الصحراء"؟ أم إن امتناع (وهذا ما يقال حتى الآن) الدول العربية عن تقديم أى مساعدات لواشنطن سيدفع بالأخيرة إلى الاستعانة بإسرائيل؟ هذه التساؤلات تبدو للوهلة الأولى خاصة فقط بمشاركة إسرائيل فى حملة "التطهير" التى تنوى واشنطن القيام بها فى العراق. ولكن ماذا لو لم تشارك إسرائيل؟ هل سيغير ذلك فى الأمر شيئا؟! وماذا لو لم تقم الولايات المتحدة من أساسه بضرب العراق؟ هل هذا سيغير فى الوضع شيئا أيضا؟!!
التعليقات