بقلم نصـر المجالي: حين عاد صالح بن حمد القلاب قبل سنوات عشر ململما شعث الغربة في المنافي البعيدة عن الديرة، حيث بلاطات ياسر عرفات في بيروت وقبرص وتونس، ثم البلاط المهني في الشركة السعودية للابحاث والتسويق في عاصمة الضباب، فانه لاقى الأمرين.
اصطف صالح بن حمد القلاب المنتمي الى اكبر عشائر الاردن عددا وعزوة مع نضال اهل فلسطين، وكان خير سفير رغم مشاكسته لأهله الاردنيين عند حكومة "الأبوات" في بيروت وتونس وفي اصقاع الارض.
وهو عارض الحكم الهاشمي في عمان استنادا الى ارضية بسيطة تقول "نحن شعب واحد في غربي النهر او شرقيه". وهو حين عاد كانت جدليته الوحدوية عنوان مسيرة العودة الى الوطن الرؤوم الذي احتواه مرة ثانية مؤيدا مساعيه وطموحاته في اعلام نابه متنبه ضد مؤامرات المواخير.
التقيت الزميل ابا بشار في حافلة نقلته الى مقر عمله حيث مجلة (المجلة) الصادرة عن الشركة السعودية للأبحاث والتسويق من لندن، وكنت انا في طريقي الى هيئة الاذاعة البريطانية حيث اصدرت لها مجلة (المشاهد) التي لحقت برصيفاتها ملكا خاصا ممولا من الدوحة.
وسألته عن مسيرة العودة الى عمان، فقال "صدق او لا تصدق ففي عمان ديموقراطية اهم من ديموقراطية الانجليز، لماذا لا تشاركني مسيرة العودة، ولقد آن الاوان لنا ان نرتاح على رمل بلد فقير ، طيب القلب متسع الاركان حتى لمعارضيه".
تحدث صالح القلاب عن مشاريعه الشخصية في خوض معركة الانتخابات التشريعية ليحل في البرلمان نائبا عن عشائر بني حسن ذات المعاقل الحصينة في الزرقاء والمفرق وجرش.
وفعلا حين عاد سمعت انه خاض المعركة، وحين فشل، علمت انه انتصر من بعد ذلك في احراز كتابة عمود يومي في صحيفة (الرأي) وهي وجه الاردن الاعلامي الجميل، ومعه ايضا انضم لسرب العائدين السياسي والاعلامي طاهر العدوان رئيس تحرير (العرب اليوم) راهنا.
من معركة انتخابية فاشلة وتحقيق كتابة عمود يومي ذا لهجة سياسية ونكهة صحافية خاصة، واجه صالح بن حمد القلاب معركة من نوع آخر، هي معركة المنصب الوزاري، واذ ذاك اختاره الملك الهاشمي الراحل الحسين بن طلال ليكون لسانا للحكم.
كان الوزير الصحافي الملتزم مهنته في الأساس يدرك ان منصب وزير الاعلام في بلد كالأردن ليس اكثر من مرحلة ترف، وهنا كان عليه ان يقود انقلابا في الحال الاعلامي، كما حقق ذلك قبله وزيران ثائران هما صلاح ابو زيد والراحل الشريف عبد الحميد شرف، ثم عدنان ابو عوده على نهج آخر.
وحين ترك المنصب في المرة الاولى فانه عاد محررا عن بعد في (الرأي) و(الشرق الاوسط) اللندنية، محاربا هذه المرة عبر القلم كعادته، وفي المرة الثانية حين اعيد للمنصب الوزاري اشتبك صالح القلاب في معركة (حماس) التي افتعلها عبد الرؤوف الروابدة رئيس الوزراء آنذاك ومعه الفريق سميح البطيخي مدير المخابرات السابق.
وفي دفاعاته التلفزيونية عبر قنوات فضائية كثيرة عن موقف عمان تجاه جماعة حماس الأربعة الذين استضافتهم قطر كان القلاب صوتا اردنيا جهوريا قاد عليه نقمة في العلن والخفاء من اقطاب معارضة سياسية لها تيار عريض ليس في داخل الاردن بل من خارجه.
وفجأة يرى صالح القلاب نفسه خارج الوزارة ثانية، وهو كعادته يبدأ من حيث ينتهي الآخرون، ولا هايات لعزيمته، فهو استرد عموده المعروف كأي استاذ كرسي في الجامعات وصار يكتب لـ (الرأي) وحليفتها اللندنية (الشرق الاوسط).
وآخر مقال كتبه الزميل الوزير صالح القلاب، استفز قطاعا اردنيا يدعي لنفسه حق الكلام في أي اتجاه كان ولو مبعثرا وخاطئا سواء بسواء، ينتقد فيه النقابات المهنية المستهترة اساسا في كل القوانين الموضوعة لصيانة الوطن الاردني.
واذ اتهم القلاب تلك النقابات بكل فاعلياتها بانها في طروحاتها يمكن ان تشكل "مجلس قيادة ثورة" في البلاد لخروجها عن قواعد عملها الأساس كمحافظة عن حقوق المنتمين اليها مهنيا لتطالب بدور سياسي كبير، فان زعماء النقابات شنوا هجمة ضد القلاب واعدوا مذكرات لرفعها الى المحاكم مطالبة برأس صالح القلاب.
النقابات المهنية في الاردن تمثل قطاعا مهنيا عريضا على الساحة الأردنية من دون شك، وهي انتخبت قياداتها على نحو ديموقراطي سليم من دون تدخلات لا من فوق ولا من تحت ولا من بوابات خلفية، لكن هذه النقابات ممثلة بقياداتها بدأت تشكل "وجعا حقيقيا كونها نأت بنفسها عن مهماتها الحقيقة في توفير مهنيات جادة وحقوق حاسمة لأعضائها وغاصت في عمل سياسي لا علاقة لها به وهي صارت تتدخل في القرارات السياسية العليا".
وحين وضع الصحافي صالح القلاب يده على الجرح، بقوله ان "وجع الضرس لا يمكن مداواته ابلمخدر بل بالخلع" فان النقابات تنادت الى الوقوف ضده، فهو وضع الاصبع الصحيح في المكان الصحيح منبها الى الجرح، وكأنه يقول للنقابات التي تتزعمها جماعات متناحرة تحت مسمى (جبهة العمل الاسلامي) يقول لها "داو جرحك لا يتسع".
النقابات المهنية في الأردن، تعتقد انها شريكة في القرار السياسي الأعلى وهي اساسا وحسب قانون انشائها مهمتها الدفاع عن حقوق اعضائها مهنيا، فالقرارات السياسية شيء يخص الدولة ككل، مع الأخذ بعين الاعتبار استراتيجيات البقاء والديمومة في مواجهة مؤامرات كبرى في الاقليم.
هذه النقابات اخترقت انظمتها الداخلية والقوانين التي حفظت لها صفة البقاء وصارت تتعاطى مع السياسة ولا غيرها وهي جعلت من نفسها "الناطق الرسمي والوحيد" باسم الاردنيين، واذ هي غير قادرة او مقتدرة على ايجاد أي حل لمشاكل الوطن الاقتصادية عبر خطط هي مكلفة بها مع الاعضاء المنتمين اليها، فان السياسة "وهي منهج كل عبيط" اصبحت الهدف الذي تسعى الى المناورة فيه.
ولقد وجدت النقابات في مقال صالح القلاب الأخير المنشور في (الرأي) و(الشرق الاوسط) الندنية المشجب الوحيد لتعليق كل اخطائها عليه، وهي تداعت من اليمين الى اليسار المحكوم حزبيا من خارج البلاد الى ضرورة محاكمة صالح القلاب.
وعليه فان الحكومة الاردنية اعترفت من خلال كلام رئيس الوزراء المهندس علي ابو الراغب لـ "إيلاف" بان هذه النقابات قامت بأكثر من اربعمائة مسيرة وندوة في غضون اسابيع دعما للانتفاضة الفلسطينية.
وفي بلد صغير لا يحتمل مثل هذه التحركات، فان النقابات ايضا طالبت بضرورة الغاء معاهدة السلام مع اسرائيل، ورد العاهل الهاشمي الملك عبد الله الثاني في خطابه الأخير على تلك المطالب بالقول "لولا المعاهدة لما استطعنا تقديم أي عون طبي او انساني لشعبنا الفلسطيني الذي يقارع الاحتلال".
هدف النقابات المهنية في الاردن اخطأ في تقدير الابعاد على ما يبدو، واذ تقودها جماعة "جبهة العمل الاسلامي" غير الموحدة اساسا، فان العمل النقابي كله اخطأ اهداف بوصلته المهنية، ومن السهل على أي كائن من كان ان يتكلم هراء في السياسة.
صالح القلاب، يواجه هذه النقابات الآن مهددة اياه بشكاوى قضائية تقول انه يضعها على مذبح السلطات الرسمية، واذ لا منصب له ولا قوة الا قلمه وهو قال الحقيقة فانه سينتصر، حتى لو فعلا نفذت نقابات الاردن المهنية المدعومة من الخارج ماليا مسيارتها المحبطة التي قالت انها "مسيرة المليون لتحرير الاقصى من شعارات غوغائية في شوارع عمان القديمة ومخيماتها".نحن للصحافي صالح بن حمد القلاب ننتصر وليس للوزير الذي اطيح به مرتين. كلنا نريد عودة مؤزرة مثل عودة القلاب وطاهر العدوان.