سليمان يوسف يوسف
&
بداية وحتى لا يساء فهم وتفسير قراءتي للميثاق الوطني الذي انبثق عن المؤتمر الوطني الأول للحوار الذي دعت إليه جماعة الإخوان المسلمين في لندن بتاريخ (23-25) آب 2002، من قبل هذا الطرف أو ذاك، أحب أن أؤكد على أن قراءتي للميثاق هذه هي قراءة المواطن الذي يراقب وباهتمام كل ما يدور على امتداد الساحة السياسية والفكرية السورية، داخل الوطن وخارجه.فهي ليست من موقع السلطة أو الحكم في سوريا، كما هي ليست من موقع المعارضة له،كذلك هي ليست من موقع الرافض للإسلام والعروبة، فأنا أعتز بالإسلام كما أعتز بكل الديانات الأخرى حتى الوثنية منها.لكن& يجب أن نميز هنا& بين الإسلام كدين وعقيدة سماوية، وبين فكر الإسلام السياسي الذي يحمل مشروعاً سياسياً واجتماعياً، فمن حق كل مواطن سوري،أياً تكن ديانته وقوميته،أن يبدي رأيه في هذا المشروع ومناقشته.
تتوزع القوى السياسية الموقعة على (الميثاق الوطني ) على& ثلاث تيارات رئيسية هي :التيار الإسلامي والتيار القومي والتيار اليساري. ما من شك في أن معظم فصائل (الحركة الوطنية السورية) و بسبب الظروف الذاتية والموضوعية التي مرت بها.أصابها الكثير من الانتكاسة والتراجع،ربما لهذا السبب ذاته اندفعت بعض هذه التيارات للجلوس معاً والبحث عن أسباب الفشل والتراجع.ومحاولة الاتفاق على برنامج أو ميثاق وطني وإن جاء بالحد& الأدنى.لكن مجرد التقائهم لا يعني بالضرورة زوال كل أسباب الخلاف أو الصراع الفكري& (الإيديولوجي) فيما بينها، ربما لضرورات تكتيكية تم تجاوز أو تأجيل هذه الخلافات ولو مرحلياً.
من المعروف أن الهدف النهائي لجميع التيارات الإسلامية هو إقامة الدولة الإسلامية وتطبيق الشريعة الإسلامية في المجتمع. لا شك أن مثل هذه الدولة تتعارض وتتناقض كلياً مع مبدأ تداول السلطة، والتعددية والحريات العامة في المجتمع.&& كما أن التيار الإسلامي ينظر لمشروع الدولة العلمانية التي تقوم على مبدأ(فصل الدولة عن الدين)& على أنها منافية لعقيدة& الدين الإسلامي وتتعارض مع شريعته. لهذا فقد خلا الميثاق من ذكر كلمة العلمانية ومن عبارة فصل الدين عن الدولة، في حين تم ذكر أكثر من آية قرآنية في البيان الختامي للمؤتمر، وأنهي (الميثاق الوطني)& ذاته بآية قرآنية تقول)): ( وقل اعملوا فسيرى اللهُ عملَكم ورسولُه والمؤمنون، ثم تُرَدّون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون)). مما يؤكد على بقاء الفكر الديني الغيبي مسيطراً على الخطاب السياسي الإسلامي وآليات عمله.& لهذا& بقي الميثاق يدور في فضاء الفكر الإسلامي،& بعيداً عن الواقعية السياسية .
وبالمقابل يرى التيار اليساري ومعه القومي العلماني أن الصحوة الإسلامية ماهي إلا مظهر من مظاهر التخلف المسيطر على الساحة العربية والإسلامية, وهناك من يرى أنها لعبة أو مؤامرة أمريكية غربية أمبريالية لشرذمة المجتمعات العربية والإسلامية والهيمنة عليها.لا شك قد أستطاع الأخوان المسلمين استقطاب بعض أطراف التيار اليساري والقومي من المعارضة السورية في الخارج من خلال طرح وتبني بعض الشعارات التقدمية ومباديء عامة في الحريات وحقوق الإنسان، من غير أن يدخل الميثاق في التفاصيل ويحدد هذه الحقوق والحريات.......)فالقوى الموقعة على (الميثاق الوطني) تشكل خليطاً وطنياً غير متجانس في الفكر والسياسة والأهداف.لهذا أقول:عن الحوار الذي جرى بين هذه التيارات والفصائل في مؤتمر الحوار الوطني في لندن ، كان حواراً مبتوراً منذ& بدايته،لأنه& يفتقر إلى الشروط الموضوعية للحوار الوطني الديمقراطي.فما صدر عنهم هو بيان سياسي لأحزاب معارضة،أكثر مما هو (ميثاق وطني).ففي القاموس السياسي، أو المصطلحات السياسية المتعارف عليها، أن الميثاق الوطني يفترض أن يحظى بموافقة ورضا الشعب من خلال أجراء استفتاء شعبي عام حتى يقرر ويعتمد رسمياً كميثاق وطني.
ثم أن أهمية المواثيق والبيانات الوطنية التي قد تصدر من هذه الجهة السياسية أو تلك،من داخل الوطن أو من الخارج،لم تعد تكمن فيما تتضمنه أو تحمله& من شعارات وطنية و مبادىء في الديمقراطية وحقوق الإنسان،فليست العبرة في كتابة و ترديد مثل هذه الشعارات، وإنما العبرة في أمكانية تحقيقها وتطبيقها في المجتمع و ترجمتها على الأرض ومدى التفاف& الشارع السوري حول هذه المباديء والأفكار والأهداف،التي ملَ من سماعها وتعب من قراءتها من غير طائل أو جدوى،& علينا جميعاً أن نخرج من قوقعتنا الفكرية والوهم الذي سيطر على عقلنا السياسي طوال العقود الماضية والمتمثل، بأن مجرد سن القوانين المتطورة ووضع الدساتير الحضارية وإقامة مؤسسات المجتمع المدني على النمط الغربي، ستتطور شعوبنا وتتقدم مجتمعاتنا,بكل أسف أقول: أن التجارب أثبتت عدم صحة هذه الأفكار والقناعات، لأن ما ثبت هو أن الشعوب تبق محكومة بثقافتها وتقاليدها الموروثة لعهود طويلة. وحتى تخضع وتلتزم بقوانين وأحكام مؤسسات ودساتير الدولة لابد لها من أن تتحرر أولاً وقبل كل شيء، من كل الولاءات والانتماءات والعصبيات البدائية القديمة التي هي ما قبل الدولة ك(الطائفية والعشائرية والمذهبية والدينية.. و&& ..... ).لهذا أرى أن المجتمع السوري والعربي عامة هو بحاجة إلى ثورات وانقلابات ثقافية اجتماعية لا سياسية، إلى منتديات تطلق عملية الحوار الفكري والثقافي بين جميع فئات وشرائح وقوميات المجتمع. فأحد الأسباب الأساسية لفشل العقل السياسي العربي في بناء الدولة العصرية، هو تبنيه خيار(الانقلابات السياسية) وليس خيار( التحول الفكري والثقافي والتبدل الحضاري)في المجتمع عبر صيرورة تاريخية طويلة .علينا أن نعترف بأن حال جميع الأحزاب المعارضة في سوريا وباقي الدول العربية من جهة تطبيق الديمقراطية، وظاهرة الفساد والمحسوبيات داخل هذه الأحزاب ومدى التزامها وخضوعها لقوانين المؤسسات الحكومية ليس أفضل حالاً من الأحزاب الحاكمة إن لم يكن أسوأ لدى البعض منها،لأن جميع الأحزاب السياسية والتشكيلات الثقافية والاجتماعية هي نتاج الواقع العربي المتأخر والمتردي. فالديمقراطية عادة وسلوك اجتماعي تتعلمها الشعوب بالممارسة والتجربة وليس بالتنظير والتبشير بها وبمجرد سن القوانين،فالديمقراطية يجب أن تكون واقعاً، قبل أن تكون قانوناً.
&أن المتتبع للشأن السياسي السوري& بات مقتنعاً أن الحكم في سوريا لم يعد يرفض مبدأ وجود معارضة سياسية في سوريا،والحديث اليوم يدور حول شكل وخطاب وآلية عمل هذه المعارضة،ومن المتوقع أن يصدر خلال الأسابيع القليلة القادمة (قانون الأحزاب) في سوريا. فمن ضرورات وشروط تقدم وتطور المجتمع، وجود تنافس وتنازع سلمي إيجابي وفي إطار ديمقراطي بين مختلف التيارات والقوى الوطنية السورية.فالمطلوب& اليوم في سوريا هو معارضة وطنية أجابية تعمل وتتحرك بشفافية على الساحة السياسية من الداخل السوري، بعيداً عن أساليب الانتقام والاستفزاز السياسي، معارضةة لا ترفض النظام والحكم القائم، وإنما تقبل به، وتحاوره بما تطالب به من إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية، التي بدأها الدكتور بشار الأسد رئيس الجمهورية منذ بداية عهده.
&ركز الميثاق كثيراً على الهوية الإسلامية والعربية للمجتمع السوري، وانتماء سوريا بتاريخها وحضارتها إلى كل من العروبة والإسلام فقد ورد فيه(( إن الحضارة العربية الإسلامية تشكل منهلاً أساسياً لثقافة أبناء الوطن وكيانهم، توحد بينهم وتلهمهم الثقة بالحاضر والمستقبل)). وذكر في مكان آخر)) انتماء قطرنا إلى إسلامه،هوية ومرجعية .....)).لا شك إن هذا الانتماء اليوم هو حقيقة وواقع موضوعي لا أحد يرفضه،والثقافة العربية والإسلامية تشكل اليوم أحد المكونات الأساسية للثقافة الوطنية في سوريا. لكن هذه هي نصف الحقيقة وليست كلها، لأن هناك روافد مهمة أخرى لهذه الثقافة علينا، لا بل من واجبنا الوطني أن نعترف بها، فوجود سوريا هو وجود قديم يعود بقرون عديدة إلى ما قبل الإسلام والعروبة،& فسوريا يقال عنها ((مهد الحضارات))فليس من الإنصاف والواقعية تجاوز وتجاهل كل هذا التاريخ الحضاري لسوريا بكل ما يحمله من تراث وثقافة، فالمجتمع السوري مازال يتواجد فيه أقوام وأعراق عديدة وبأعداد كبيرة منها ما& ينتمي إلى تلك الثقافات والحضارات القديمة لسوريا، مثل الآشوريين (السريان/ الكلدان)بكل طوائفهم المسيحية ومذاهبهم الإسلامية وهم مازالوا يتكلمون بلغتهم السريانية(لغة سوريا القديمة)، بلهجاتها المتعددة، وهناك اليوم في سوريا الأرمن والأكراد واليزيد والشراكس. أن اختزال كل هذا التاريخ الحضاري لسوريا ما هو إلا انتقاص من تاريخ& وحضارة سوريا العريقة.و ينطوي على نفي الآخر بكل ما يحمله من موروث ثقافي وحضاري،أن من لا يقبل ويتقبل ثقافات أخرى غير ثقافته، لا يمكن له أن يقبل ويعترف بأحزاب وتنظيمات أخرى غير أحزابه. أن ما يحمله البيان من خطاب ديني إسلامي عروبي ليس سوى محاولة طمس كل تلك الثقافات،من مبدأ أن حقيقتنا تمثل كل شيء والآخرون لا شيء.& أنها مسعى إلى الارتداد بالواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي السوري إلى الوراء. أنها محاولة لنفي الآخر وتغريبه عن واقعه وتاريخه الوطني في سوريا.أنها محاولة لأسلمة المجتمع السوري، أي فرض الثقافة الإسلامية والفكر الإسلامي الأوحد على باقي الثقافات الأخرى في المجتمع،وهذا يتعارض كلياً مع مبادىء الديمقراطية والتعددية في المجتمع. فالمطلوب اليوم هو أن نجعل من الهوية الوطنية والانتماء لسورية مذهب وعقيدة وهوية لكل المواطنين في سوريا.فلا حل لمشكلة الأقليات الدينية إلا من خلال تبني العلمانية وفصل الدين عن الدولة،ولا حل لمشكلة الأقليات القومية إلا الإقرار بالتعددية القومية والسياسية في المجتمع بشكل دستوري وفي إطار ديمقراطي،،وبما يحفظ ويصون وحدة الدولة السورية.
&
الكاتب من سوريا.
تتوزع القوى السياسية الموقعة على (الميثاق الوطني ) على& ثلاث تيارات رئيسية هي :التيار الإسلامي والتيار القومي والتيار اليساري. ما من شك في أن معظم فصائل (الحركة الوطنية السورية) و بسبب الظروف الذاتية والموضوعية التي مرت بها.أصابها الكثير من الانتكاسة والتراجع،ربما لهذا السبب ذاته اندفعت بعض هذه التيارات للجلوس معاً والبحث عن أسباب الفشل والتراجع.ومحاولة الاتفاق على برنامج أو ميثاق وطني وإن جاء بالحد& الأدنى.لكن مجرد التقائهم لا يعني بالضرورة زوال كل أسباب الخلاف أو الصراع الفكري& (الإيديولوجي) فيما بينها، ربما لضرورات تكتيكية تم تجاوز أو تأجيل هذه الخلافات ولو مرحلياً.
من المعروف أن الهدف النهائي لجميع التيارات الإسلامية هو إقامة الدولة الإسلامية وتطبيق الشريعة الإسلامية في المجتمع. لا شك أن مثل هذه الدولة تتعارض وتتناقض كلياً مع مبدأ تداول السلطة، والتعددية والحريات العامة في المجتمع.&& كما أن التيار الإسلامي ينظر لمشروع الدولة العلمانية التي تقوم على مبدأ(فصل الدولة عن الدين)& على أنها منافية لعقيدة& الدين الإسلامي وتتعارض مع شريعته. لهذا فقد خلا الميثاق من ذكر كلمة العلمانية ومن عبارة فصل الدين عن الدولة، في حين تم ذكر أكثر من آية قرآنية في البيان الختامي للمؤتمر، وأنهي (الميثاق الوطني)& ذاته بآية قرآنية تقول)): ( وقل اعملوا فسيرى اللهُ عملَكم ورسولُه والمؤمنون، ثم تُرَدّون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون)). مما يؤكد على بقاء الفكر الديني الغيبي مسيطراً على الخطاب السياسي الإسلامي وآليات عمله.& لهذا& بقي الميثاق يدور في فضاء الفكر الإسلامي،& بعيداً عن الواقعية السياسية .
وبالمقابل يرى التيار اليساري ومعه القومي العلماني أن الصحوة الإسلامية ماهي إلا مظهر من مظاهر التخلف المسيطر على الساحة العربية والإسلامية, وهناك من يرى أنها لعبة أو مؤامرة أمريكية غربية أمبريالية لشرذمة المجتمعات العربية والإسلامية والهيمنة عليها.لا شك قد أستطاع الأخوان المسلمين استقطاب بعض أطراف التيار اليساري والقومي من المعارضة السورية في الخارج من خلال طرح وتبني بعض الشعارات التقدمية ومباديء عامة في الحريات وحقوق الإنسان، من غير أن يدخل الميثاق في التفاصيل ويحدد هذه الحقوق والحريات.......)فالقوى الموقعة على (الميثاق الوطني) تشكل خليطاً وطنياً غير متجانس في الفكر والسياسة والأهداف.لهذا أقول:عن الحوار الذي جرى بين هذه التيارات والفصائل في مؤتمر الحوار الوطني في لندن ، كان حواراً مبتوراً منذ& بدايته،لأنه& يفتقر إلى الشروط الموضوعية للحوار الوطني الديمقراطي.فما صدر عنهم هو بيان سياسي لأحزاب معارضة،أكثر مما هو (ميثاق وطني).ففي القاموس السياسي، أو المصطلحات السياسية المتعارف عليها، أن الميثاق الوطني يفترض أن يحظى بموافقة ورضا الشعب من خلال أجراء استفتاء شعبي عام حتى يقرر ويعتمد رسمياً كميثاق وطني.
ثم أن أهمية المواثيق والبيانات الوطنية التي قد تصدر من هذه الجهة السياسية أو تلك،من داخل الوطن أو من الخارج،لم تعد تكمن فيما تتضمنه أو تحمله& من شعارات وطنية و مبادىء في الديمقراطية وحقوق الإنسان،فليست العبرة في كتابة و ترديد مثل هذه الشعارات، وإنما العبرة في أمكانية تحقيقها وتطبيقها في المجتمع و ترجمتها على الأرض ومدى التفاف& الشارع السوري حول هذه المباديء والأفكار والأهداف،التي ملَ من سماعها وتعب من قراءتها من غير طائل أو جدوى،& علينا جميعاً أن نخرج من قوقعتنا الفكرية والوهم الذي سيطر على عقلنا السياسي طوال العقود الماضية والمتمثل، بأن مجرد سن القوانين المتطورة ووضع الدساتير الحضارية وإقامة مؤسسات المجتمع المدني على النمط الغربي، ستتطور شعوبنا وتتقدم مجتمعاتنا,بكل أسف أقول: أن التجارب أثبتت عدم صحة هذه الأفكار والقناعات، لأن ما ثبت هو أن الشعوب تبق محكومة بثقافتها وتقاليدها الموروثة لعهود طويلة. وحتى تخضع وتلتزم بقوانين وأحكام مؤسسات ودساتير الدولة لابد لها من أن تتحرر أولاً وقبل كل شيء، من كل الولاءات والانتماءات والعصبيات البدائية القديمة التي هي ما قبل الدولة ك(الطائفية والعشائرية والمذهبية والدينية.. و&& ..... ).لهذا أرى أن المجتمع السوري والعربي عامة هو بحاجة إلى ثورات وانقلابات ثقافية اجتماعية لا سياسية، إلى منتديات تطلق عملية الحوار الفكري والثقافي بين جميع فئات وشرائح وقوميات المجتمع. فأحد الأسباب الأساسية لفشل العقل السياسي العربي في بناء الدولة العصرية، هو تبنيه خيار(الانقلابات السياسية) وليس خيار( التحول الفكري والثقافي والتبدل الحضاري)في المجتمع عبر صيرورة تاريخية طويلة .علينا أن نعترف بأن حال جميع الأحزاب المعارضة في سوريا وباقي الدول العربية من جهة تطبيق الديمقراطية، وظاهرة الفساد والمحسوبيات داخل هذه الأحزاب ومدى التزامها وخضوعها لقوانين المؤسسات الحكومية ليس أفضل حالاً من الأحزاب الحاكمة إن لم يكن أسوأ لدى البعض منها،لأن جميع الأحزاب السياسية والتشكيلات الثقافية والاجتماعية هي نتاج الواقع العربي المتأخر والمتردي. فالديمقراطية عادة وسلوك اجتماعي تتعلمها الشعوب بالممارسة والتجربة وليس بالتنظير والتبشير بها وبمجرد سن القوانين،فالديمقراطية يجب أن تكون واقعاً، قبل أن تكون قانوناً.
&أن المتتبع للشأن السياسي السوري& بات مقتنعاً أن الحكم في سوريا لم يعد يرفض مبدأ وجود معارضة سياسية في سوريا،والحديث اليوم يدور حول شكل وخطاب وآلية عمل هذه المعارضة،ومن المتوقع أن يصدر خلال الأسابيع القليلة القادمة (قانون الأحزاب) في سوريا. فمن ضرورات وشروط تقدم وتطور المجتمع، وجود تنافس وتنازع سلمي إيجابي وفي إطار ديمقراطي بين مختلف التيارات والقوى الوطنية السورية.فالمطلوب& اليوم في سوريا هو معارضة وطنية أجابية تعمل وتتحرك بشفافية على الساحة السياسية من الداخل السوري، بعيداً عن أساليب الانتقام والاستفزاز السياسي، معارضةة لا ترفض النظام والحكم القائم، وإنما تقبل به، وتحاوره بما تطالب به من إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية، التي بدأها الدكتور بشار الأسد رئيس الجمهورية منذ بداية عهده.
&ركز الميثاق كثيراً على الهوية الإسلامية والعربية للمجتمع السوري، وانتماء سوريا بتاريخها وحضارتها إلى كل من العروبة والإسلام فقد ورد فيه(( إن الحضارة العربية الإسلامية تشكل منهلاً أساسياً لثقافة أبناء الوطن وكيانهم، توحد بينهم وتلهمهم الثقة بالحاضر والمستقبل)). وذكر في مكان آخر)) انتماء قطرنا إلى إسلامه،هوية ومرجعية .....)).لا شك إن هذا الانتماء اليوم هو حقيقة وواقع موضوعي لا أحد يرفضه،والثقافة العربية والإسلامية تشكل اليوم أحد المكونات الأساسية للثقافة الوطنية في سوريا. لكن هذه هي نصف الحقيقة وليست كلها، لأن هناك روافد مهمة أخرى لهذه الثقافة علينا، لا بل من واجبنا الوطني أن نعترف بها، فوجود سوريا هو وجود قديم يعود بقرون عديدة إلى ما قبل الإسلام والعروبة،& فسوريا يقال عنها ((مهد الحضارات))فليس من الإنصاف والواقعية تجاوز وتجاهل كل هذا التاريخ الحضاري لسوريا بكل ما يحمله من تراث وثقافة، فالمجتمع السوري مازال يتواجد فيه أقوام وأعراق عديدة وبأعداد كبيرة منها ما& ينتمي إلى تلك الثقافات والحضارات القديمة لسوريا، مثل الآشوريين (السريان/ الكلدان)بكل طوائفهم المسيحية ومذاهبهم الإسلامية وهم مازالوا يتكلمون بلغتهم السريانية(لغة سوريا القديمة)، بلهجاتها المتعددة، وهناك اليوم في سوريا الأرمن والأكراد واليزيد والشراكس. أن اختزال كل هذا التاريخ الحضاري لسوريا ما هو إلا انتقاص من تاريخ& وحضارة سوريا العريقة.و ينطوي على نفي الآخر بكل ما يحمله من موروث ثقافي وحضاري،أن من لا يقبل ويتقبل ثقافات أخرى غير ثقافته، لا يمكن له أن يقبل ويعترف بأحزاب وتنظيمات أخرى غير أحزابه. أن ما يحمله البيان من خطاب ديني إسلامي عروبي ليس سوى محاولة طمس كل تلك الثقافات،من مبدأ أن حقيقتنا تمثل كل شيء والآخرون لا شيء.& أنها مسعى إلى الارتداد بالواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي السوري إلى الوراء. أنها محاولة لنفي الآخر وتغريبه عن واقعه وتاريخه الوطني في سوريا.أنها محاولة لأسلمة المجتمع السوري، أي فرض الثقافة الإسلامية والفكر الإسلامي الأوحد على باقي الثقافات الأخرى في المجتمع،وهذا يتعارض كلياً مع مبادىء الديمقراطية والتعددية في المجتمع. فالمطلوب اليوم هو أن نجعل من الهوية الوطنية والانتماء لسورية مذهب وعقيدة وهوية لكل المواطنين في سوريا.فلا حل لمشكلة الأقليات الدينية إلا من خلال تبني العلمانية وفصل الدين عن الدولة،ولا حل لمشكلة الأقليات القومية إلا الإقرار بالتعددية القومية والسياسية في المجتمع بشكل دستوري وفي إطار ديمقراطي،،وبما يحفظ ويصون وحدة الدولة السورية.
&
الكاتب من سوريا.
التعليقات