&
عادل بن زيد الطريفي*

عادل بن زيد الطريفي
قبل عدة شهور من الآن ، كانت حمى البيانات الثقافية ملتهبة . فبيان المثقفين السعوديين "على أي أساس نتعايش" -والذي كان ردا على بيان المثقفين الأمريكيين "على أي أساس نقاتل"- قد أحدث صدى كبيرا في الأوساط الثقافية الخارجية والداخلية منها على وجه الخصوص. هذه البيانات الثقافية المتبادلة بين الأمريكيين و السعوديين تعد بحق ظاهرة فريدة وسابقة جديدة في المشهد الثقافي. فمن كان يظن قبل سنوات قلائل إمكانية حصول حوار بين ثقافتين تختلفان كل الاختلاف.
بل و أن تجمع البيانات الثقافية أسماء كتلك التي ضمها الحوار والنقاش.
و إذا كان البيان الأمريكي معتادا صدوره من مؤسسات رعت الثقافة لعقود من الزمن فإن البيان السعودي وحده كان محط الاستغراب. و الاستغراب في حد ذاته ليس ناشئا من كون ظاهرة البيانات الثقافية جديدة على السعوديين بل يتعلق الأمر بما احتواه البيان من آراء جريئة في الحوار والتسامح تختلف عم اشتهر به الكثير من الموقعين عليه. أي أن البيان في حقيقته تعبير عن تغير وتحول في المواقف لبعض الرموز المعروفة بتشددها.
ولهذا فإن الجدل الذي دار وتلك المعارك الصحفية التي رافقت البيان السعودي تعكس أمرا مهما ، وهو أن ما كان يظن أنه حوار أممي انقلب إلى صراع داخلي اتهم فيه عدد من الكتاب الموقعين على البيان بمحاولة تحقيق مكاسب سياسية ولعب دور جديد بعد سنوات من الإقصاء عبر إظهار التسامح ولغة العقل والحوار ، واعتبر البيان موجها للداخل قبل أن يعني أحدا في الخارج، ولكن أهم ما حدث هو ارتفاع أصوات المتشددين التي تتهم الموقعين على البيان بمخالفة العقيدة وتهميش فريضة الجهاد، مما دفع بثلاثة من أبرز الموقعين على البيان (سلمان العودة، سفر الحوالي، ناصر العمر) إلى إعلان تراجعهم عن البيان الثقافي في بيان توضيحي تمت المصادقة عليه من أحد الشيوخ.

الرسالة الجوابية
الرد الأمريكي الأخير كان مفاجئا بعض الشيء نظرا لتأخره، و لأن كثيرا من المتابعين ظنوا أن الحوار قد توقف خصوصا بعد صدور البيان التوضيحي والذي وصف بيان المثقفين الأمريكيين بأنه : ( اعتداء على الحق وضلال عن السبيل ). ويغلب على الظن أن البيان التوضيحي لم يترجم للأمريكيين، ويبدو أنهم اعتبروا ما حدث مجرد انتقادات موجهة للراغبين في الحوار من السعوديين و إلا كانوا أعرضوا عن حوار من يعتبرهم ضلالا ومعتدين.
البيان الأمريكي الأخير في مجمله معتدل ويطرح مسائل حساسة و ذات أهمية بالغة. ولذلك فهو يحتاج إلى قراءة واعية تحاول الكشف عن مضمونه الداخلي بعيدا عن عبارات الاستلطاف و المجاملة التي يقتضيها مبدأ الحوار . يقسم المثقفون الأمريكيون رسالتهم الجوابية إلى ثلاثة أجزاء:
أولا هناك نقاط الاتفاق ويتضح من عرضها مرونة عالية في موقف المثقفين الأمريكيين بتراجعهم عن كثير من المسائل ( مما يعكس جدية في الحوار كانت ستثمر لو لم يتراجع المثقفون السعوديون عن بيانهم ) .
ثانيا : هنالك نقاط الاختلاف وتضم قضايا : ( كالجهاد - مسؤلية المجتمع السعودي عن العنف - الجدل حول العلمانية) ولعل الأخيرة "الجدل حول العلمانية" هي من سؤ فهم الأمريكيين وحدهم فحتى ما يعتبره المثقفون الأمريكيون الدولة الدنيوية يعتبره البيان السعودي علمانية يجب رفضها. فالبيان الثقافي السعودي (الإسلامي) كما هو ظاهر لا يريد الحديث عن أدلجة الدين وتسييسه (إقحامه في السياسة) . ومما يلفت الانتباه في رسالة الأمريكيين الجوابية ذلك التعليق الذي يعلقون به على دعوة البيان السعودي إلى المحافظة على القدر من الاعتدال الموجود في بعض الحركات الإسلامية . حيث يقول الأمريكيون: ( و إزاء الحديث عن المحافظة على الوضع الحالي، نشير إلى أن هذا الوضع يقوم على مقتل الأعداد الكبيرة من الأبرياء، منهم المسلم وغير المسلم، على أيدي جماعات إسلامية متشددة بعضها يجد الدعم في بلادكم ...لا نرغب إطلاقا في المحافظة على الوضع القائم ).
في هذا القول إلتفاف ذكي من المثقفين الأمريكيين على مطلب البيان السعودي (الإسلامي). فكاتبوا البيان السعودي في الجزء الكبير منهم فاعلين في الحركة الإسلامية. ولذلك فإن الأمريكيين يلمحون لهم بأنهم لن يرغبوا أبدا في التعامل مع أية حركة أو جماعة إسلامية أو مع مبدأ الحركية الإسلامية وعوضا عن ذلك يفتحون حوارا مع المجتمعات المسلمة و العالم الإسلامي كوحدة ومع مبدأ واحد هو الدين الإسلامي (الغير عنيف والغير معادي للحضارة الغربية) .
ولكن لم تخلو رسالة الأمريكيين الجوابية من سقطات . ففي مواضع كثيرة تدين الرسالة الأمريكية المجتمع السعودي صراحة على الرغم من أن هدف الرسالة هو الحوار والنقاش للوصول إلى حقيقة الخلاف. صحيح أن السعوديين لم يعترفوا بأي خطأ ولم يحملوا مجتمعهم و حكومتهم أية مسؤلية ويرفضون أن يكون لهم أي دور أو تأثير في الأحداث التي جرت. هذه قضية يجب الاعتراف بها. وبمقدار السلبية التي ألحقتها بالسعوديين بعامة.
ولكن في المقابل هل حمل المثقفون الأمريكيون حكومتهم أية أخطاء تجاه ممارساتها الجارية -وليست التاريخية !!- من تجاهل لقضية الشرق الأوسط ومن تخطي لإرادة المجتمع الدولي بإزاء ضرب العراق، بل لم يكلف المثقفون الأمريكيون أنفسهم بالتنديد بالممارسات القمعية من قبل القوات الإسرائيلية في الوقت الذي تندد به الأمم المتحدة وعدد كبير من أقطار العالم بل وحتى الحكومة الأمريكية أحيانا وعلى استحياء من إسرائيل -رغم دعمها اللامحدود لها-، ألا يتحدث المثقفون الأمريكيون عن الرغبة في السلام و إقرار الحق والعدالة.
إن كل مثقف يحاسب بقدر الحرية التي يمتلكها وليس العكس. ولعل أسوأ خطأ وقع فيه المثقفون الأمريكيون في رسالتهم الأخيرة هو دعوتهم المثقفين السعوديين إلى حل مشكلاتهم الداخلية (البطالة -غياب الحريات الديموقراطية-ضعف الاقتصاد-احتضان العنف الإسلاموي). وهذه الدعوة تعكس ادعاءا مؤذيا بمعرفة المشكلات الداخلية لبلد واتهام مثقفيه في نفس الوقت بالتقصير في حلها.
إذا لماذا يسأل المثقفون الأمريكيون نظرائهم السعوديين (أسئلتهم الثلاثة المحرجة) إن كانوا يعرفون الإجابة؟ ..هل السؤال هنا لمجرد الإدانة .. ولكوني سعوديا سأحاول الإجابة على الأسئلة الثلاثة فيما يلي -تعبيرا عن رأيي الفردي ليس إلا- وسأعتبر الفهم الأمريكي لبعض مشكلاتنا غير صحيح .
&
الإجابة على أسئلة الأمريكيين الثلاثه
&الأسئلة الثلاثة التي ترد في الجزء الأخير من الرسالة الأمريكية هي أهم جزء في الرسالة كلها، لأن الحوار كله سيتوقف على الإجابة عليها. دعونا ننقل من نص الرسالة : (نطرح عليكم هنا ثلاثة أسئلة تستحق في رأينا الإجابة والتوضيح :
أولا هل تعتقدون بأن التقوى الإسلامية التي تلتزمونها في المملكة العربية السعودية تتعارض مع ممارسات الحركات المسماة (جهادية) ؟ .
ثانيا:إذا كان جوابكم عنة السؤال الأول إيجابا فكيف تفسرون الدور البارز الذي اضطلع به عدد من السعوديين في اعتداءات 11أيلول كما التصاعد المستمر للحركات المسماة (جهادية) كظاهرة تهدد العالم أجمع ؟ .
وأخيرا:هل ترون أن على القادة الدينيين و المثقفين السعوديين والذين يعتبرون أن ثمة تعارضا بين أحكام الإسلام وممارسات الجماعات الجهادية أن يعملوا فعلا وعلنا على تبيان هذا التعارض وعلى نقض الأفكار والممارسات التي ينتهجها تنظيم (القاعدة) وما شابهه على أنها خاطئة وخطيرة ؟ .. نحن بانتظار ردكم ) . لا أدري إن كان أحد من كاتبي البيان (الإسلاميين) لديه رد على هذه الأسئلة .
هذه الأسئلة أسميها "حرجة" لأنها تحاكم عقائدنا وتقيسها في نفس الوقت بممارستنا لهذه العقائد. الأسئلة كما يتضح صيغت كأسئلة مشروطة : أي أن الإجابة على أحدها يلزم بالإجابة على الآخر. إن أجبت على السؤال الأول بالسلب فقد أجبت على بقية الأسئلة بالسلب كذلك. في الرسالة المترجمة بجريدة الحياة يرد في السؤال الأول كلمة التقوى. وهذه ترجمة معنى ومنها كذلك المذاهب التقوية. ولعل الترجمة الأقرب لقصد الأمريكيين هي كلمة المذهب إذ الأمريكيين يسألون عن اختيارات المذهب وليس عن طبيعته التقوية. هم يوجهون أصابع الاتهام للمذهب السائد في السعودية "الوهابية" أي أنهم يريدون الحكم على عقيدة المجتمع.
وعلى الرغم من رفض السعوديين لمسمى "الوهابية" إذ تظهر هذه التسمية السعوديين وكأنهم يدينون بمذهبية داخل الإسلام وهو ما يرفضه السعوديون، ولكن ذلك لا يغير شيئا من نظرة الآخر لهم. ذكرت هذا لأحاول إعادة طرح الأسئلة السابقة في عناوين بديلة كالاتي:

*الوهابية والحركات الجهادية (الصلات/الفوارق) :
يجب أن نكون صرحاء في إجاباتنا وعلينا كذلك تجنب التبرير الفاضح الذي لا يزيد قضايا وصورتنا أمام العالم إلا تشويها. السؤال واضح تمام الوضوح : يسألنا الأمريكيون عن علاقة الوهابية بالجماعات الجهادية. ليس هناك إجابة صالحة بنعم أو لا لهذه المسألة فلا بد من بعض التفصيل حتى لا نقع أسرى لنظرة أحادية ترفض النظر إلى الأشياء بغير ثنائية البياض والسواد على الرغم من تباين الألوان وتعددها في الطبيعة الإنسانية. الوهابية حركة إصلاحية ذات أثر كبير على أقطار واسعة في العالم الإسلامي. يصفها المفكر العربي الكبير محمد عابد الجابري بقوله: ( لا نبالغ إذا قلنا إن تأثير الحركة الوهابية في العالم العربي زمن الثورة الفرنسية كان يضاهي تأثير هذه الثورة -الفرنسية-في الأقطار الأوروبية،بل ربما كان أقوى).
وهي كغيرها من الحركات الإصلاحية في العالم الحديث تجربة بشرية لها إيجابياتها العديدة ولا تخلو من السلبيات شأن كل جهد بشري. و إذا ما تجاوزنا قدر هذه التجربة وما مرت به من بعض مظاهر التشدد التي فرضتها طبيعة الصراعات المذهبية السائدة في العالم الإسلامي آنذاك لاستطعنا القول أنها استطاعت تكوين دولة ذات سيادة واستقرار وتحظى باحترام جيرانها و أصدقائها في أنحاء العالم. ولم يسبق لها أن مارست أعمال عنف واعتداء على أحد في الخارج. هذا من الناحية التاريخية يبين بعد الهوة بين تلك الجماعات الجهادية وما حققته الوهابية في تاريخها المعاصر، ومن هنا لا بد من النظر إلى الوهابية في إطارين :
الإطار السياسي وقد نجحت فيه وحافظت فيه على الاستقرار والاعتدال وصولا إلى تكوين الدولة.
أما الإطار الآخر فتمثله "الوهابية العلمية" وهي رغم تميزها بالقدر العالي من التطهرية وانعتاقها من السلوكيات الوثنية-التي ناصبتها العداء طوال مسيرتها-إلا أنها لا تخلو في نصوص المغالين من رموزها العلمية إلى التشدد مع المخالف إلى أقصى درجات الرفض و إلى حدية في الرأي طالما أحرجت السياسي قبل غيره ووضعت دون نهوضه و تطوره العراقيل. ولهذا كان هناك اختلاف واضح تمام الوضوح بين تطور الوهابية في إطارها السياسي وجمود "الوهابية العلمية". ولهذا فـ "الوهابية العلمية" بحاجة إلى مراجعات ضرورية تجاه كثير من محددات خطابها الكلاسيكي والمعاصر.
ولكن هل يعني هذا تصديق متهمي الوهابية -المتعصبين ضدها- أنها تقف خلف تلك الجماعات الجهادية وتمدهم بالدعم المعنوي والمادي؟. الإجابة بنعم .هي في حقيقتها تجني واعتداء بلا ريب، فإذا ما نظرنا إلى البنية العقائدية والفقهية فثمة اختلافات شديدة الوضوح بين تلك الجماعات الجهادية والوهابية . فالجماعات الجهادية تؤمن بفكرة الخروج على السلطة وتلجأ إلى تكفير المجتمعات المسلمة وهذا ما ترفضه الوهابية. ثم انه لا يمكن العثور على ما يجيز الانتحار أو قتل المدنيين في نصوص الفقه الوهابي. الوهابية لم تنتج الفكر الجهادي ولكن ما حدث هو توظيف الوهابية وضمها مؤخرا من قبل الجماعات الجهادية. لقد حدث و أن أثرت الحركية الإسلامية على الوهابية فأعادت الجماعات الجهادية قراءة الوهابية بالشكل السلبي وأصبحت في نظر التيارات الجهادية خير وسيلة لتمتين عقائدهم الأيدلوجية و استغلال مفاهيم مربكة داخل الوهابية كالولاء و البراء والذي يعني في تفسير هذه الجماعات العداء الصريح للعالم بأجمع بما فيهم أولئك المسلمين الذين لا يوافقون على رأيهم -كما صنع بن لادن حين كفر الحكام ومن يتعامل مع الأمم المتحدة-على الرغم من تعامل طلبان معها قبل الحرب- وجعل علماء الشريعة الذين لا يوافقونه علماء أجراء لدى السلطة بل وأصبح كل من لا يتفق مع رأيه من المسلمين منافقا -.
إذا هناك قراءة سلبية للوهابية تستنطق منها أسوأ الخيارات العقدية. بعض السياسيين والمثقفين غير قادرين على تمييز القراءة الجديدة للوهابية (الوهابية الجديدة) لأنها تأتي بنصوص الوهابية الأصلية لتوظيفها سياسيا كما يصنع الحركيون الإسلاميون حين يوظفون نصوص الإسلام توظيفا سياسيا فينخدع المجتمع بهذا التلوين الجديد. الوهابية إذا لم تنتج الفكر الجهادي والجماعات الجهادية بل تم ضمها مؤخرا.

*السعوديون و أحداث سبتمبر(تفسير ما حدث) :
اتهام السعوديين وكأنهم وحدهم المسؤولون عن الإرهاب الذي حدث في 11أيلول يلغي كل الحقائق انه يختصر عن قائليه عناء البحث و التحليل. ما حدث في 11أيلول تقع مسؤليته -لو أردنا استخدام ذات المنطق- على الأمريكيين قبل غيرهم فهم ساهموا أكثر من غيرهم فيما حدث. وإذا ما أردنا تلمس الأسباب الموضوعية لهذه العلاقة فيمكننا اختصارها في الأسباب التالية.
1-الآثار السلبية لسياسات الولايات المتحدة في المنطقة : لاسيما الموقف المنحاز لإسرائيل. وأثر كل هذا في تسميم الأجواء في المنطقة العربية كلها و إثارة روح العداء ضد الولايات المتحدة في ظل سياساتها المتشددة ، والتي أشعرت المواطن السعودي بل والعربي والمسلم بقدر بالغ من الذل والمهانة تدفعه للانتقام و إلى المزيد من الكراهية.
2- لم يكن المجتمع السعودي قبل الثمانينات قد شهد ظهور الصحوة الإسلامية والتي جلبت معها بدايات الحركية الإسلامية -والتي يمثل لها الموقف من الغرب مصدر هويتها داخل المجتمعات الإسلامية - فقد كان قبل الثمانينات مصابا كغيره من الدول المجاورة بانحسار لدور التقوى الدينية . ولهذا فإن الصحوة الإسلامية استطاعت أن تعيد التقوى الدينية إلى مستوى عال ولكنها حملت في الوقت ذاته بعض سلبيات الحركية الإسلامية-والتي لا مجال لذكرها الآن-، وساهمت أكثر من غيرها بتجييش العواطف ضد الغرب - ولا سيما الولايات المتحدة-، ولكن على الرغم من الطرح المتشدد لرموز الصحوة الإسلامية في السعودية إلا أنه لا يمكن مساواة تشددهم بتشدد الحركات الجهادية : أي أن الحركات الجهادية قد قطفت ثمرة "العداء للغرب" التي زرعها رموز الصحوة لصالحهم، ولهذا فإن رموز الصحوة ومن بينهم بعض موقعي بيان المثقفين السعوديين حاولوا الإشارة (لذلك القدر من الاعتدال في بعض الحركات الإسلامية) -وهو ما أشرنا إليه في الأعلى-.
3-تنامي خطاب الغلو الشعبي داخل المجتمع السعودي ممثلا بـ "الوهابية الجديدة" المتأثرة بالجماعات الجهادية. فابن لادن على سبيل المثال -وهو يتخذ كثيرا من آراء "الوهابية العلمية" سلاحا له- تحالف مع زعيم تنظيم الجهاد أيمن الظواهري و أسسا في عام 98م جبهة عالمية لمحاربة النصرانية واليهودية في أنحاء العالم. ومعسكرات تدريبه ساعدت على تحويل كثير من الشباب السعوديين وغير السعوديين إلى جنود في حربه الجهادية. وعندما نتكلم عن تنامي تيار الغلو داخل المجتمع السعودي فلا يمكن أن نتجاهل هذا التحالف الخطير الذي حدث مؤخرا بين "الوهابية العلمية" والجماعات الجهادية. لقد وفر خطاب الغلو أثناء أزمة 11أيلول أرض خصبة لأن يتشدد المجتمع السعودي. فنظرا لتشدد هذا الخطاب وتبسيطه السطحي للأمور واستغلاله لعواطف الشباب و البسطاء -والذين لا نشك في صفاء نيتهم- إلى الذهاب لأفغانستان و المشاركة في حرب أعداء الله. هذا الخطاب المغالي والدخيل في بعض منه على المجتمع السعودي ساعد على تشويه صورة التسامح الإسلامية بل وتشويه صورة الجهاد.
4- غياب دور الرموز الدينية الشعبية -لا سيما بعض رموز الصحوة من الموقعين على البيان السعودي- و ضبابية موقفهم أثناء أحداث 11أيلول. فكثيرا منهم لم يجرؤ على قول كلمة الهدوء والعقل في فورة الغضب الشعبي. بل ربما مارس البعض منهم نوعا من التحايل والتعمية في الطرح مسايرة للتيار السائد وخوفا من انقلاب جمهور هذا الشيخ أو ذاك عليه. بل تحول بعض العلماء الدينيين الذين لم يكن لهم أي دور أو ذكر في السابق إلى أداة في يد بعض الفاعلين في تيار الغلو واستخدموا كأختام شرعية لفتاوى التكفير والتشدد ولبيانات منشورة كشفت حجم الطفولة السياسية التي يعانون منها.
5- لعلنا نعود إلى الدور الأمريكي كي لا نسلبه حقه من السلبية. ونقول: أن الأمريكيين هم المسؤلون عن رفع بعض الأفراد المتشددين في المجتمع السعودي للسلاح. فأمريكا هي من دفعت بالسعوديين إلى الحرب الأفغانية وهي من صور لهم ذلك على أنه "الجهاد". فالجماعات الجهادية المتشددة تدين في قدر ما لوجودها للدور الأمريكي. ولكن الولايات المتحدة حين انتهت مهمة الجهاد الأفغاني من تحقيق مصالحها تركت الساحة ليناحر من تناحر فلم يعد الأمر يعنيها. والذين تعلموا رفعوا السلاح بحثوا عن المعركة فكانت أمريكا بما تمثله من السلبيات السياسية هي الهدف.
6-دور بعض الأنظمة العربية في اضطهاد المشروع الإسلامي حفاظا على مصالحها الخاصة قاد إلى تحويل الكثير من معتدلي التيارات الإسلامية إلى متشددين وصبغ الحركات الإسلامية بالتالي بالكثير من مظاهر التشدد. فجماعة الجهاد المتشددةعلى سبيل المثال- التي يتزعمها أيمن الظواهري - ما هي إلا انشقاق من حركة إسلامية أكثر اعتدالا وهي حركة "الإخوان المسلمون".

*الإصلاح الفكري (المطالبة بنبذ الإرهاب) :
السؤال الأخير الذي تطرحه الرسالة الجوابية هو بالتأكيد سؤال مهم ، وهو شديد الصلة بمدى مصداقية السعوديين تجاه مبادئهم وقضاياهم، فالذي لم يفهمه المثقفون الأمريكيون هو : كيف يؤكد السعوديون مبدئية رفضهم للإرهاب و العنف و في الوقت ذاته يحجمون عن التصريح أمام المجتمع برأيهم في القضايا الحساسة المنبثقة عن الإرهاب ؟.. لا يكفي أن يعلن السعودي رفضه للإرهاب بل عليه في المقابل أن يحدد موقفه بصراحة من الحوادث الإرهابية التي تتم هنا وهناك. وحتى نكون واقعيين فإن عالم الدين و المثقف السعودي لم يقدرا على التحدث عن بن لادن أو أفغانستان وكل القضايا المتصلة بها منذ بداية الأحداث وحتى الآن-عدا قلة من المثقفين الذين لم يستمع لهم أحد-. ولو نظرنا إلى الرموز الدينية الرسمية فإنها رغم تصريحها بذم التطرف والإرهاب إلا أنها لم تحقق أي نجاح على المستوى الشعبي، وذلك لسببين:
1. وجود من يعارض هذا الطرح داخل المجتمع-ممثلا بخطاب الغلو-.
2. أن الفراغ الفكري و انعدام الإجابات الحاضرة لتساؤلات الناس سهلت على الكثيرين الوقوع في أسر طوبي المؤامرة. ولهذا فإن الإجابة على تساؤلات الناس كان يستدعي نوعا من الجرأة في نقد سلبيات المجتمع والكشف عن الأسباب الحقيقية التي جعلتنا ضحايا لما حدث وهو ما لم تكن ترغبه بعض الأطراف على الساحة. إن الإصلاح الفكري سيواجه عقبات أقلها و هو (حاجز نفسي) صدوره ممن هم في موقف الأعداء بالنسبة للمجتمع -سواء كان المثقفون الأمريكيون أو من قبلهم من المثقفين السعوديين وغيرهم -. وحتى يقتنع المجتمع بأن انتقاده ونقاش سلبياته لا يعني التعرض لثوابته ودينه بل هو لمعالجة أخطاء الفكر والفعل و لإصلاح النقص الذي طرأ . وفي النهاية .ربما قلت:بعض الحقيقة وليس كلها، فقول البعض الآن خير من السكوت أو ممارسة التبرير المخادع الذي لم يقنع أصحاب الشأن يوما ولم يرض الخصوم.
*عادل بن زيد الطريفي، كاتب سعودي