يحي أبوزكريا
&
ما ان هدأ الطوفان الطبيعي الذي أصاب الجزائر في شهر تشرين الثاني - نوفمبر الماضي وبدأ الناس يتكيفّون مع أثار الطوفان الطبيعي, حتى عاود البركان القبائلي الساخن نشاطه وهذه المرة بشكل مكثّف وخصوصا بعد أن فشلت حكومة علي بن فليس في تحقيق مطالبهم التعجيزيّة التي تذهب الى حدّ القفز على بنود الدستور الجزائري . وفي الوقت الذي كان فيه ممثلّون عن العروش القبائليّة يتفاوضون مع رئيس الحكومة الجزائريّة, كانت المناطق البربريّة الساخنة تشهد تظاهرات واشتباكات مع قوى الأمن وقطع للطرقات , حيث أضيفت لحصيلة القتلى السابقين حصيلة جديدة من شأنها أن تربك الحوار بين الحكومة الجزائريّة وممثلّي العروش القبائليّة, وبسبب تأخّر السلطة الجزائريّة في تنفيذ مطالب البربر وعلى رأس هذه المطالب الاعتراف الرسمي باللهجة البربريّة و اقرار ذلك في الدستور وفرضها في مناهج التربيّة والتعليم و وسائل الاعلام شأنها في ذلك شأن اللغة العربيّة , فانّ العروش القبائليّة - العروش تعني وجهاء القبائل الذين ينتمون الى مختلف المناطق البربريّة - انقسمت على نفسها الى تيارين, تيّار مازال يراهن على جدوى الحوار مع الحكومة الجزائريّة ونهج السبيل السلمي لتحقيق المطالب القبائليّة, وتيّار بات يؤمن بالعنف والحتميّة الثوريّة لتحقيق كل الأهداف البربريّة, وهذا التيّار لا يتبنّى المطلب الثقافي فقط, بل يطالب بالسماح للبربر باقامة دولتهم والانفصال الكامل عن الدولة الجزائريّة التي تسببّت في نظرهم في أزمات البربر وغيرهم, وضمن هذا التيّار تنشط حركة القبائل الحرّة التي تطالب بالانفصال عن الدولة المركزيّة وصممّت علما أصفر و راحت تقيم المهرجانات في كبريّات المدن القبائليّة لنشر خطابها التجزيئي الانفصالي. و تؤكّد العديد من المؤشرّات في مناطق القبائل أنّ احتمال التصعيد في المرحلة القادمة وارد, وخصوصا بعد تعرّض زعيم التجمع من أجل الثقافة والديمقراطيّة البربري سعيد سعدي الى محاولة اغتيال, ولو حدث وأن نجحت عمليّة اغتياله لكان ذلك كفيلا باضرام نار الفتنة في منطقة القبائل, تماما كما أدّى اغتيال المطرب البربري معطوب الونّاس الى تفجير فتيل الأزمة في المناطق القبائليّة, حيث تتهّم القوى البربريّة المخابرات الجزائريّة باغتيال معطوب الونّاس لحمل المناطق القبائليّة على حمل السلاح ومحاربة الجماعات الاسلاميّة المسلحة التي تتواجد في مناطق كالأخضريّة والبويرة ومشدالة وكلّها مناطق قبائليّة. وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده سعيد سعدي في فندق لاّ لاّ خديجة - لاّ لاّ بمعنى سيّدة - في منطقة تيزي وزّو اتهمّ& سعيد سعدي المخابرات الجزائريّة بطريقة غير مباشرة, و صرحّ بأنّ دوائر في السلطة الجزائريّة أصدرت أوامرها بتجميد التحقيق في محاولة اغتياله, وهو الأمر الذي دعا سعدي الى رفع قضيّة محاولة اغتياله الى لجنة حقوق الانسان الأمميّة في جنيف, والبرلمانات الأوروبيّة كما اجتمع مع مسؤولي سبع عشر - 17 - سفارة عاملة في الجزائر, وحملّ سعدي الأجهزة باللجوء الدائم والفوري الى التصفيّة الجسديّة . وقد رأى المراقبون في محاولة اغتيال سعيد سعدي, وتوقّف لجنة التحقيق في أحداث القبائل الأخيرة عن مواصلة عملها و عودة العروش الى تكثيف التظاهرات والمواجهات والاضرابات بأنّه مؤشّر على قرب عودة التصدّع الى المناطق القبائليّة. والسلطة الجزائريّة التي قدمّت للعروش القبائليّة وعودا بتصحيح الأوضاع في مناطق القبائل ومنح البربر حقوقهم الثقافيّة انمّا تخشى أن ينتقل البربر وفور حصولهم على حقوقهم الثقافيّة الى المطالبة بتنفيذ مشروعهم السيّاسي خصوصا وأنّ بعض المحاور الدوليّة والأقليميّة مع الاعتراف بحقّ البربر في اقامة دولتهم في الجزائر. قد لجأت التيارات البربريّة في مناطق القبائل ومعها العروش الى سيّاسة النفس الطويل وعدم الركون الى وعود السلطة , خصوصا وأنّ تيارات سياسيّة سابقة ركنت الى وعود السلطة في وقت سابق وقد كان مصيرها حظر نشاطها والزجّ بقياداتها في السجن. وممّا زاد في غضب البربر في مناطقهم هو أنّ السلطة وعلى لسان الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة قد وعدت البربر بعدم اعتقال الناشطين منهم ودراسة مطالبهم, ولكنّ الذي جرى أنّ عناصر القوات الخاصة توجهّت الى مناطق السخونة القبائليّة وأخرجت العديد من الناشطين البربر من بيوتهم وجردتهّم من ثيّابهم على مرأى من الناس, كما أنّ السلطة لم تقدم على معاقبة المتسببّين في الأحداث القبائليّة السابقة والذين تسببّوا في مقتل سبعين شخصا من مناطق القبائل. والعارفون بالبيت الجزائري يجزمون أنّ هناك طرفا ثالثا يدفع باتجّاه التصعيد وعودة أجواء التوتّر الى الجزائر وابقاء الجزائر في حالة اللاسلم واللااستقرار لتحقيق مآرب سيّاسية واقتصاديّة , وعلى الرغم من أنّ الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة وعد بكشف كل الملفات و تقديم الحقائق كاملة للنّاس لكنّ شيئا من هذا لم يتحقّق. وبالتوازي مع عودة النشاط الى البركان البربري فانّ التيارات المسلحة وتحديدا جماعتي حسن حطّاب زعيم الجماعة السلفيّة للدعوة والقتال, ورشيد أبو تراب زعيم الجماعة الاسلاميّة المسلحة استأنفت نشاط الذبح والقتل , ومن جهته الجيش النظامي مازال مستمرّا في حملات التمشيط في العديد من الولايات وقد أزعجت هذا الجيش تصريحات لسياسيين جزائريين منهم زعيمة حزب العمّال لويزة حنون التي قالت أنّ فرق الموت حقيقة قائمة وقد اعترف الرئيس الجزائري السابق اليامين زروال بوجودها, وكل هذه التطورّات تؤكّد أنّ الجزائر مازالت في دائرة النار!