نضال حمد
&
في خطوة أصبحت أشبه بالتقليد قامت يوم الجمعة الموافق 29-11-2002& الملكة سونيا عقيلة ملك البلاد في النرويج بتناول طعام الغذاء على مائدة أقامتها كنيسة محلية في منطقة تويين في العاصمة أوسلو, حيث دعي أليها 150 مشردا هم تقريبا كافة المشردين في العاصمة النرويجية. وقد جلست الملكة مع عشرة من المشردين على مائدة واحدة حيث تناولت معهم طعام الغذاء وناقشتهم في أحوالهم وأمور حياتهم اليومية لمدة ساعتين كاملتين. وقال أحد مرافقي الملكة أن اللقاء والحديث الذي أجرته مع المشردين تركا في نفسها تأثيرا كبيرا, هذا وأبدت الملكة النرويجية بعد ذلك تعاطفها الكبير معهم.
هذه بلاد تحترم نفسها وتقدر قيمة عبادها, تعرف أن للأنسان قيمة كبيرة يجب أن تحترم وتصان ويجب أن ينعم المشرد بما أنعم الله به على غير المشرد من سكان البلاد, ومع تفهم النرويجيين لواقع أن هؤلاء المشردين هم مرضى الحياة والمجتمع ومشاكلهما, مثل المخدرات والضياع والفراغ والعيش بدون هدف أو على أنقاض ماضي لم يفلح وتكلل بالفشل لسبب أو بدون سبب. أن نسبة المدمنين على المخدرات في النرويج ليست كبيرة بل هي نسبة قليلة بالمقارنة مع دول أوروبية أخرى. وبالرغم من هذا العدد القليل من المدمنين والذين هم من مشردي العاصمة أوسلو, حيث تضم قائمة التشرد بعض الأجانب الذين انضموا لتلك الجماعة المريضة والمبتلية بداء التعاطي. ولهؤلاء المدمنين على المخدرات والذين يمارسون السطو والسرقات من أجل الحصول على المال لشراء الأبيض والغبرة والهباب والمخدرات بكل التسميات& العجيبة والغريبة التي تكنى بها تلك السموم. لهؤلاء مكان معين في مدينة أوسلو يلجئون أليه& ويلتقون ويتجمعون هناك قرب المحطة الرئيسية للقطارات في العاصمة. هناك يأتيهم كل يوم موظفي البلدية ويوزعون عليهم وجبات ساخنة من الطعام والشراب, لكي تقيهم برد الشتاء القارص في هذه البلاد البعيدة والباردة. كما توزع عليهم حقن جديدة ومعقمة تستعمل لمرة واحدة وذلك لتجنيبهم الأمراض المعدية وبالذات السيدا, مرض نقص المناعة المكتسب والذي يعرف أيضا بالإيدز. في هذه البلاد تعتبر مساعدة المدمنين والمشردين ومحاولة علاجهم و إعادتهم إلى الحياة الطبيعية في المجتمع المدني الذي& ينظر إليهم بعين الشفقة والرحمة على أساس انهم من الذين ابتلوا بهذه الأمراض السيئة واللعينة, مهمة اجتماعية وواجب وطني تشرف عليه الدولة بكافة رؤوسها. لأن هذه المشكلة جماعية وقد تضر بكل إنسان في البلد وخاصة الشباب الصغار والوسط الطلابي بين تلاميذ المدارس والمعاهد وخاصة في المدن الكبيرة حيث التنوع الثقافي والحضاري بين سكانها.
في النرويج أيضا, تقوم الهيئات المختصة بدراسة مشروع قرار سوف يقدم للبرلمان النرويجي يمنع بموجبه تدخين السجائر منعا باتا في كافة قطاعات الخدمات والسرفيس مثل المطاعم والمقاهي والبارات. ومعروف حاليا أن في معظم المطاعم والمقاهي يوجد أمكنة خاصة للمدخنين وأخرى لغير المدخنين, لكن لا يوجد عزل كامل للمدخنين في الكثير من المطاعم والمقاهي والبارات, مما يجعل غير المدخنين من رواد تلك الأمكنة عرضة لما ينتج عن السجائر من دخان و أضرار. كما أن المشروع الجديد جاء على خلفية دراسات عديدة تأكد من خلالها بأن العاملين في قسم الخدمات في المقاهي والبارات والمطاعم هم عرضة لمخاطر الإصابة بسرطان الرئة أكثر من غيرهم من الناس, وذلك بسبب تواجدهم لساعات طويلة في جو موبوء بدخان السجائر. كما أشارت الدراسة نفسها إلى أن ما بين 350 و550 مواطن نرويجي يموتون سنويا بسبب السجائر مع العلم أنهم لا يدخنون, لكنهم تواجدوا أو عملوا في جو تدخيني. كما أن في النرويج يوجد 120000 مواطن مصابون بالحساسية ولا يمكنهم دخول الأماكن العامة مثل المقاهي والبارات والمطاعم التي يسمح فيها بتدخين السجائر- وكاتب هذه السطور واحد منهم-. وأذكر أنني قبل أقل من ثلاثة أشهر قمت بزيارة لتونس وهناك كتب علي أن أجالس أصدقائي من المدخنين في البيوت والفندق والبعض المقاهي, لأن الوطن العربي لا زال من أكثر مناطق العالم وباءا تدخينيا ومن اقلها مكافحة للتدخين وتضييق على المدخنين, المهم أنني منذ تلك السفرة ولغاية اليوم لازلت أعاني من السعال بعد كل تلك الوجبات السجائرية المسمومة التي وافقت طوعا على المشاركة بالتهامها مع أصدقائي في البيوت والفندق والمقاهي. بعد كل تلك الأسباب والتي تعتبر جزءا صغيرا من أسباب كثيرة تدعو لوقف السجائر ومحاربتها كداء وبلاء يحيط بالبشرية ويقتل النفس الإنسانية. نتمنى أن تكون النرويج فعلا أول بلد يمنع التدخين بشكل كامل ونتمنى أيضا أن ترتقي عقول الناس للخطر الذي يهدد مصائرها بسبب تعاطي السجائر وتدخينها, فهي ضرر جسدي ومادي وقد أحسن معظم الأئمة فعلا عندما أفتوا بتحريمها لأنها ضارة وقاتلة ولا يوجد فيها أي منفعة تذكر, فكل ما في السجائر ضار والإدمان على تدخينها عار سيبقى يلازم المدخنين حتى يوم الدين. أما الدول الإسلامية باستطاعتها تسجيل سابقة بمنعها التدخين فورا فهذه البلاد التي هي إسلامية يسهل عليها منع التدخين وذلك لتسلحها بفتوى دينية شبه مجمع عليها. هل تقتنص تلك الدول ومنها دولنا العربية الفرصة الموجودة وتقوم بمنع التدخين, هذا سؤال برسم أصحاب القرار والحكم في بلاد العرب.