كتب - نصـر المجالي: قبل ايام وقف عميد الكويت السياسي والدبلوماسي الشيخ صباح الاحمد امام مبنى مجلس الامة الكويتي مؤكدا بكل ثقة بالقول: متأكد انا ان البرلمان المقبل سيبحث بجد وعن "حق وحقيق" دور المرأة الكويتية وحقوقها كناخبة ومرشحة للبرلمان.
ووعد العميد الحاسم يجيء في وقت تعيش فيه دولة الكويت وهي الأقدم في دول الخليج دستوريا وبرلمانيا منذ ايام العود الراحل صاحب الاستقلال وواضع الدستور الشيخ عبد الله السالم الصباح العام 1963 ، معركة الانتخابات التشريعية وهي معركة كسر عظم ذكورية اذ حرمت منها الاناث والغلمان الذين اقل من سن الـ21 .
واذ كان من ثغرة قاتلة، حيث غلطة الشاطر بألف، على حد قول المثل الشعبي، فإن حرمان المرأة الكويتية وهي نصف المجتمع بكل ما تعني الكلمة من معنى، من خوض المعركة الانتخابية والجلوس جنبا الى جنب مع رجلها تحت قبة البرلمان تعتبر اوسع تلك الثغرات ان لم تكن الغلطة القاتلة فعلا.
اذ منذ استقلال دولة الكويت في مطلع ستينيات القرن الفائت، لم تألو المرأة الكويتية خوض جميع المعارك السياسية الاقتصادية والاجتماعية مرة بالصوت العالي واخرى على هون وتؤدة وهدوء، ولكن ما ان طفح الكيل امام عثرة تلو عثرة وعراقيل تلو عراقيل فرضها راي لجهات متشددة تحت قبة البرلمان مع بدايات البرلمان الراحل، فانه يبدو ان دور المرأة الكويتية اصبح آجلا الى حين.
لم تقصر المرأة الكويتية في العطاء، وهي ليست "قاصرة الطرف والجهد والبذل والانجاز" عن نظيرات عربيات في الجوار الخليجي منه او العجمي الايراني او اية دولة عربية اخرى، فالكويتية تصارع مصارع الرجال وتقارع حروبهم دفاعا عن الكويت.
وهي ليست فقط تلك الموظفة في وزارة الاعلام او المثقفة والكاتبة البارعة او المحاضرة في الجامعة او العسكرية في الجيش او الشرطة او مضيفة الطيران وحسب، وهي فوق ذلك ليست الام والاخت والابنة المخلصة المستشارة الصادقة الصدوقة، والعلم بالتأكيد عند الشيخ صباح الاحمد بذكرى الراحلة سلوى التي كان قرار صباح الاحمد النهائي الوالد يكمن بين يديها وبنبسة شفة منها باعتراف الجميع.
لقد كان صباح الاحمد يجد في باحة منزل الابنة الراحلة الراحة وهدوء البال والسكينة مما يمكنه من اتخاذ القرار في بلد هزته صعاب واعاصير منذ الغزو العراقي في 1990 ، وحال الراحلة سلوى من وراء ستار هو حال كل كويتية في المواقف التي تتطلب الجبروت والبذل والعطاء والدفاع عن الكويت اللي ما بعدها كويت.
صوت كويتي اكاديمي على مسرح التعليم الجامعي يعطي الاجيال ادلى بدلوه منتظرا قرارات سديدة في البرلمان المقبل لتسييد المرأة على كرسيها الفارغ منذ الاستقلال، هذا الصوت تعوده القراء كتابة في علوم الاجتماع والفلسفة والحوارات المثيرة بهدوء، لكنه علا بالامس عبر مقال حملته صحيفة (الوطن).
ليس لانها شيخة بنت شيوخ وترفع صوتها من واقعها العشائري في الحكم، بل لأنها كويتية الى النخاع وتحس احساس بنات جلدتها من دون فوارق وطبقات، لذلك فإن البروفسورة الشيخة ميمونة بنت خليفة الصباح رفعت الصوت بالفم الملآن وهي اذ كتبت فإنما تقدم نفسها في برلمان من نوع جديد عل الكويتيات يحذون حذوها وهي في المقال تقول الآتي:
&
(( تعيش الكويت في هذه الأيام مع مظاهر الديموقراطية والحرية الحقة أو ما يسميها البعض بالعرس الديموقراطي، وفي حين ان العروس (المرأة) غائبة أو مغيبة عن العرس. فإن الكثير من طروحات المرشحين في مقارهم الانتخابية تصب حول حقوق المرأة السياسية بين مؤيد ومعارض لمنحها هذه الحقوق.
واللافت للانتباه هو ذلك الإجماع على الاعتراف نصا وتعبيرا ونطقا أن للمرأة حقوقا سياسية من خلال التصريح الشفوي بعبارة نؤيد أو نعارض حقوق المرأة السياسية، وتحريرا على صفحات الصحف المحلية والاقليمية الخليجية والعربية بذات العبارة التي تتصدر الصفحات وبالبنط العريض الأمر الذي يؤدي إلى نتيجة واحدة وهي الاعتراف بأن للمرأة حقوقا سياسية ينقسم حولها المرشحون فريقين الأمر الذي يدعونا للتأمل والتدبر واعمال العقل والضمير والمنطق وتحليل الأبعاد النفسية والاجتماعية والدينية والمصلحية لهذين الفريقين.
* الفريق الأول:
عرف الحق وأيده وصرح بتأييده ودعا الى منح المرأة حقوقها السياسية، وإذ نثمن هذا الموقف الموضوعي لهؤلاء، فإننا نتمنى لهم التوفيق والفوز بمقاعد مجلس الأمة ليدعموا حق المرأة السياسي ولتشارك شقيقها الرجل في التشريع وخدمة وطنها ومجتمعها وأمتيها العربية والإسلامية.
* الفريق الثاني:
عرف الحق ونطق به وعارضه بمبررات مختلفة منها نعارض حقوق المرأة إكراما لها (فهل في تكريم المرأة حجب حقوقها عنها؟)، وآخر يربط عدم منح المرأة لحقوقها السياسية بالنخوة والقيم الاجتماعية... وثالث يدعي ان مشاركة المرأة السياسية سترفع معدل الطلاق بنسبة 50% .... وأكثر المعارضين تساهلا ذلك الذي يقول ان الوقت مبكر على منح المرأة حقوقها السياسية بالانتخاب والترشيح، ويريد الاكتفاء بمنحها حق التصويت، وفي هذا منتهى الأنانية فهو يريد أن يستفيد من صوتها ويمنع عنها حقها في المشاركة السياسية بأن تكون نائبة ووزيرة.
ولما كان المعارضون اعترفوا ان للمرأة حقوقا سياسية وعارضوا هذه الحقوق بمبررات واهية ما أنزل الله بها من سلطان ويرفضها العقل والمنطق، فإنني أنأى بالأخوة المرشحين المعارضين لحق المرأة السياسي عن أن ينطبق عليهم مقولة الساكت عن الحق شيطان أخرس.
وبالأخوة والمودة أحاورهم بموضوعية وأقول لهم انه ليس هناك ما يمنع هذا الحق شرعا بدليل ان التيارات الدينية الكويتية بمختلف توجهاتها السياسية لم ترفع تحفظاتها على هذا الحق وتربطه بالمواريث الاجتماعية إلا بعد أن تيقنت من عدم مخالفته شرعا كما ان أغلب الدول الإسلامية قد منحت المرأة حقوقها السياسية، وهذا ما حصل في دول عربية إسلامية (مصر والمغرب وتونس والأردن وغيرها)، وكذلك الأمر بالنسبة للدول الإسلامية الأخرى مثل إيران وباكستان وتركيا وإندونيسيا وغيرها.
إن المرأة أم الأجيال، تقع الجنةتحت أقدامها، إنه إنسان خلقه الله سبحانه وتعالى حرا عاقلا وجعله جزءا من الوطن والأمة... قال تعالى (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها) صدق الله العظيم.
وهكذا انطلق صوت السماء على لسان محمد (صلى الله عليه وسلم)، منذ أكثر من أربعة عشر قرنا ليقر مبدأ المساواة ولينصف المرأة ويعترف بأهليتها ويعطيهاحقوقها ويعلن إنسانيتها، ويرفع عن كاهلها وزر الظلم الذي لحق بها عبر العصور. قال تعالى: (فاتقوا الله يا أولى الألباب لعلكم تفلحون) صدق الله العظيم.
إن المرأة الكويتية شاركت في التخطيط والتنفيذ للكثير من مشروعاتنا الحضارية، وكانت لها مشاركة فاعلة ومثمرة في دفع عجلة التنمية بمختلف أنواعها، كما انها قد أبلت بلاء حسنا في مجال العمل الوطني، وأثبتت فعالية في تحمل أعبائه، والاضطلاع بتنفيذه وثبت عبر نشاطها المتصل وسعيها الدؤوب وإنجازها الملموس في مؤسسات دولتنا ووزراتها المختلفة بما يدفع نحو تطوير دور المرأة والعمل على تفعيل مشاركتها في صنع القرار وضرورة توسيع نطاق حقوق المرأة السياسية والتنموية في وطننا الحبيب، وما يستند إليه الواقع المعاصر في ذلك من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف ولا يتنافى مع تقاليدنا الاجماعية الموروثة وإمكانية التوافق بين كل من دور المرأة الأساسي كمربية أجيال لوطنها وعضو عامل وفاعل في تنمية مجتمعها.
إن ممارسة المرأة لحقوقها السياسية... ليست كما يعتقد البعض دعوة للخروج على مبادىء ديننا الحنيف أو على العادات والتقاليد وإنما تهدف إلى تحقيق المساواة والواجبات لجميع المواطنين أيا كان جنسهم، وان ذلك ضمن تعاليم الإسلام وروحه السمحة، التي تؤكد على حقوق الإنسان بكافة جوانبها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، فالإسلام كان ثورة تاريخية في حقوق الإنسان، والمنهج المتوازن الذي سنه هذا الدين ليلائم طبيعة الأشياء، وهويتلخص في المساواة المطلقة في الكرامة الإنسانية والتوزيع الوظيفي للأدوار والحقوق والأعباء بين بني البشر ذكورا وإناثا.
ومن هنا فنحن مطالبون من منطلق الأخذ بقيم الإسلام وروحه وتعاليمه الشاملة أن نهيىء مجتمعنا للتطورات العالمية التي تفرض منطقها وقوانينها بمبادرات واعية نحافظ فيها على مقومات مجتمعنا الأساسية من العقيدة والنظم الاجتماعية والتشريعات التي تحكم علاقتنا مثل قانون الأحوال الشخصية وغيرها من أحكام الشريعة الإسلامية، وفي الوقت نفسه نتيح للمرأة أن تؤدي دورها لإحداث التغيير المطلوب وتتعاون مع شقيقها الرجل في تكامل أمثل يهدف إلى خدمة الوطن والذود عن كيانه واستقلاله ومكتسباته ودفع عجلة تقدمه وازدهاره الأمر الذي يتطلب حركة فاعلة واعية لكافة قوى المجتمع الاجتماعية والسياسية والفكرية، لتؤدي دورها المطلوب وتسهم وبفاعلية في حركة التنمية المستدامة، لا سيما التنمية البشرية التي تمثل المركز الأساسي لكل مجالات التنمية.
وغني عن القول بأن الديموقراطية كل لا يتجزأ ولا يجوز ان تمثل نصف المجتمع (الرجال) وتحجب عن النصف الآخر (النساء.(
ودستورنا ينص في عدة مواد من مندرجاته على المساواة ولم يبق سوى ان نغير ذلك القانون البغيض المتخلف والذي ولد في زمن وظروف غير التي نعيشها اليوم ألا وهو قانون الانتخابات لا سيما وان المتغيرات تتسارع حولنا ولا نريد أن نظل قابعين ضمن عالمنا الثالث، فإن المستقبل المنظور يتطلب ان نرفع الحواجز المصطنعة التي فرضتها ظروف تاريخية معينة هي في جوهرها تقاليد لا تستند إلى معطيات ديننا الحنيف، ولاتنبع من واقع حضارتنا التي تميزت وازدهرت قرونا عدة، وكان من عوامل ركودها أن العزلة قد فرضت على المرأة وبذلك فقد المجتمع نصف طاقته الحيوية فلم يستطع أن يجاري حركة التحديث والتطور في جوانبها المعنوية والمادية.
وأخيرا أحيي بادرة جمعية الصحافيين نحو إتاحة الفرصة للمرأة للتصويت الرمزي ولاختيار خمسين نائبا، وأتمنى على الجمعية أن تعلن النتيجة قبل يوم 5 يوليو حيث ستكون الانتخابات الرسمية لعل تلك النتائج تؤثر إيجابا في عملية الانتخابات، ذلك لأن صوت المرأة في الانتخابات الرمزية سيكون وفقا لارادتها الحرة بنسبة 100% فليس فيه صوت مدفوع الثمن بأي حال من الأحوال. والله من وراء القصد وهو يهدي إلى سواء السبيل)).
والى هنا ينتهي مقال ميمونة بنت خليفة الصباح، وهو برسم البرلمان الكويتي العتيد الذي يتعارك على مقاعده ارباب مجلس برلمان الامس الذي حال بعض اعضائه في ولايته للسنوات الاربع العجاف الماضية من تحقيق ميزة كان يمكن معها للكويت ان تزدهي وتباهي دول العالم اجمع، ولكن؟.
الكويتيات سؤال كبير يطرح نفسه بقوة امام رجال اليوم والمستقبل، وهن لسن على ما يعتقد ممن ينهزم بسرعة، ولكنها كانت ربما هفوة ان لا يقتحمن اسوار برلمان ذهب، لكن الزمن واعد، هكذا وعد صباح الاحمد مطلع الاسبوع.