عبدالله الحكيم من الرياض: يعيد نقاد السياسة في أميركا وأوربا الغربية حاليا تقييم شخصية الرئيس الأميركي الأسبق فرانكلين روزفلت في ضوء مراجعاتهم للتاريخ السياسي الأميركي وخاصة بعد أن تصدر كتاب (روزفلت) لمؤلفه كونراد بلاك قائمة أفضل الكتب رواجا في أميركا وبريطانيا.
وفي حين يعتبر النقاد كتاب كونراد حول حياة روزفلت من أفضل الانجازات الفكرية في حقل التراجم، فهناك في الوسط الفكري انجلوامريكيا من يعتقد من ناحيته أن روزفلت هو أفضل شخصية في القرن العشرين.
ولكي لا نذهب بعيدا فقد نقلت كل من صحيفتي الـ"ديلي تليغراف" والـ"صنداي تليغراف" هذا الرأي في قراءتين لهما لسيرة روزفلت بين دفتي كتاب تبلغ اوراقه أكثر من الف ورقة عددا.
وللواقع لا يعتبر فرانكلين روزفلت شخصية يتيمة في ذاكرة اللورد بلاك، كما تطلق عليه هذه التسمية في الوسط الفكري البريطاني، بل ان الكاتب بلاك تناول في كتابات سابقة له عددا من أبرز رموز السياسة الامريكيين ونظرائهم في أوربا الغربية، وهو يزعم حيادا موضوعيا منقطع النظير في أعمال التراجم عن أولئك وهؤلاء.
لقد تناول ذات مرة في أحد كراريسه تراجم أخرى لشخصية مثل ونستون تشرشيل، وهو يعترف في اكثر من سياق دون مواربة أن تشرشيل من عظماء السياسة دون جدال، ولكنه ارتكب خطأ فادحا فيما بعد عام 1942 عندما دخل فضاءا هامشيا
أجهض كفاءة حضوره السياسي بانخراطه في استراتيجية الأبيض المتوسط.
هنا ينتقد اللورد الكاتب رئيس وزراء بريطانيا الاسبق تشرشيل ويصنف على حضوره السياسي وفق تقدير انصرافي يسيئ الى الكاريزما السياسية التي يعترف اللورد الكاتب أنه كانت متوافرة في شخصه وانجازاته قبل الهامش الاستراتيجي للأبيض المتوسط.
أنه يجرده باستخدام سلطة اعادة التقييم التاريخي من كل منجزاته التي عرفها عنه حلفاء الحرب الثانية والشارع البريطاني. ومع ذلك كله فقد كتب النقاد في ملاحق نقدية أن اللورد بلاك لم يكن تماما أعمى في اعادة تقييمه لشخصية فرانكلين روزفلت، حيث كتب المؤلف في سياقات من أعمال التراجم عن روزفلت موضحا أن روزفلت كانت له اخطاء كثيرة، ولكن أهدافه كانت بالدرجة الأولى تتمتع بغطاء وافر من النوايا الحسنة، ويضيف الورد كونراد ان روزفلت لم يكن متسلطا على نحو دموي في مواقفه ولا في أساليبه، ومع ذلك لا يمكنك وصفه وفق ضبطيات نقدية لشخصيات القادة بكونه أقل قسوة أو مراوغة وسخرية من ستالين وهتلر.
هنا فقط وأنت تقرا كتاب كونراد في اعادة تقييمه لشخصية روزفلت على نحو تشريحي لكاريزما القيادة تدخل نفقا آخر يأخذك الى فضاء جديد من تأسيس ذاكرة القادة، حيث يضيف اللورد الكاتب الى معلوماتك شيئا آخر عن الخفايا النفسية والانعكاسية لشخصية روزفلت فهو مثلا يستوحي من ضبوطات أمريكية قديمة نقلا عن مرويات موثقة بأن روزفلت كان شخصية اقل احتراما وتقديرا مما يعتقده المعجبون به، دون أن يدري او يدرك هؤلاء المعجبون به على نحو تقليدي أن روزفلت هو فعلا كذلك.
ولكن المنعطف الأكثر اثارة في حياة روزفلت أنه كان موفقا في خياراته وقراراته اللتان صنعتا منه عبقرية سياسية بغض النظر عن كونه ربما كان يستشعر انه الأقل هيبة واحتراما بين أقرانه السياسيين، وهو الأمر الذي تصادق عليه مرويات اللورد الكاتب حيال روزفلت بأنه كان يمثل على النقيض من ذلك أعظم شخصية سياسية تتجاوز مؤشراتها الحقيقية تقديرات مؤيديه داخل أمريكا. وعلى أية حال يصف المؤلف حياة روزفلت على أنها اسطورة توقفت بالتقاط روزفلت شللا اقعده عن الحركة.
ولبعض من ذلك كله نجد أن حتى كونراد نفسه، باعتباره من تقع عليه العهدة، في سياقات كثيرة رغم صرامة ضبوطاته النقدية لا يستطيع التقرير على نحو استقرائي أكيد بأين يضع لروزفلت مكانا بين القادة، فهو مثلا في أحد سياقاته النقدية يضع روزفلت في صفوف قادة كبار أمثال واشنطن وابراهام لنكولن، ومع ذلك فكاتب السير اللورد كونراد يوحي الى القارئ بذلك عن بعد دون ان يجرؤ على تقرير العبارة بتصريفات وصفية صريحة. ومن هنا اذا ما انتقلنا لاحقا الى جيل القادة الأمريكيين أمثال جونسون ورونالد ريجان، فالحضور الرئاسي لفرانكلين روزفلت يتجاوز هذه القاطرة الرئاسية لأجيال القادة ممن وصلوا مشفوعين ببرامج انتخابية الى البيت الأبيض.

غير أن كونراد في كتابه الموسوعي عن روزفلت يقدم مبررات وذرائع بمرجعيات تاريخية، فهو مثلا يرى أن هناك سبع محاور أساسية جعلت من روزفلت قائدا عظيما للغاية، فهو مثلا يرى ان سر اعجابه بالرئيس روزفلت يعود بالدرجة الاولى الى كون روزفلت بتعاونه مع تشرشيل انقذ الحضارة الغربية في احد مراحلها الحساسة، ناهيك عن كونه مسؤولا الى درجة كبيرة في التمهيد لكي تصبح أمريكا قوة عظمى. يقول كونراد بالحرف الواحد أن روزفلت اعاد صناعة الدولة الامريكية، ناهيك عن كونه استعاد ثقة الشعب بالحكومة. ورغم مآخذ حول شخصيته من نواح عسكرية، يؤكد اللورد كونراد أن روزفلت كان في عمقه قائد حرب ناجح، وأنه كان محاربا أكثر شجاعة من هتلر او ستالين وتشرشيل.
لكن العامل السياسي الأكثر اهمية ايضا هو ان روزفلت خلق ظروفا، لما بعد مرحلة الحرب الأولى، مكنت جيل الرؤوساء الامريكيين ممن جاءوا بعده الى سدة البيت الابيض في استئناف الدور الامريكي لأجندته السياسية بما في ذلك بادي ذي بدء احراز انتصار في الحرب الثانية، وبالتالي يؤمن كونراد أن روزفلت لم يعد صياغة الذاكرة الأمريكية أو يعيد هيكلة جدول أعمالها المستقبلية، بل ترك للأمريكيين بعد رحيلة تراثا متكاملا من المجد والقوة.