الكويت:& كانت سلطة صدام حسين قد انهارت بالفعل، غير ان اعتقاله يمثل لحظة نفسية هائلة للشعب العراقي، وللقوات الاميركية والبريطانية التي تحتل العراق، وللشرق الاوسط كله.
فاعتقال صدام حسين ينهي حقبته في تاريخ العراق أودت به الى موارد الفقر لا المجد الذي كان يطمح اليه صدام، وحفلت بالحرب والظلم والاضطهاد.
وهي ايضا اللحظة التي طال انتظار قوات التحالف لها، كما طال عملهم لتحقيقها، وسيعطيهم هذا الاعتقال، كما سيعطي للعراقيين العاملين معهم دفعة من الثقة المتجددة بالنفس خلال تنفيذهم لمهمة اعادة اعمار العراق.
وعلى الرغم من ان التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة قد تمكن من الاطاحة به، الا انه لم يتمكن من القضاء على قوته بشكل كامل، فقد بقيت روحه عالقة فوق رؤوس العراقيين كالشبح في مسرحيات شكسبير.
وكانت مسألة اعتقاله مجرد مسألة وقت فحسب، وبدا ذلك جليا عندما قتل نجلاه قصي وعدي في مدينة الموصل الشمالية في يوليو، ويبقى الشيء الملفت الوحيد في اعتقال صدام حسين، هو انه اعتقل حيا. ماذا بعد اعتقاله؟
غير ان اعتقال صدام يترك تساؤلا حول ما الذي يجب عمله مع صدام حسين الآن؟ فمجلس الحكم العراقي يرغب في تقديمه هو ورموز نظامه الى محكمة عراقية، وهذا ما سيحدث غالبا. وكان المجلس قد اعد لجنة بالفعــل لـهذا الغرض، وقد تصدر هذه المحكمة حكــمـا بالاعدام على الرئيس المخلوع.
وقال متحدث رسمي عن المجلس الوطني العراقي، الممثل في مجلس الحكم العراقي "سيحمل مجلس الحكم العراقي على عاتقه مهمة محاكمتهم وعقابهم وفقا للقانون، وهذا الامر يتضمن صدام حسين، المجرم الاكبر".
غير ان بعض جماعات حقوق الانسان تقول انه سيكون من الافضل محاكمة صدام حسين امام محكمة دولية، لا تحكم بالاعدام.
كينيث روث، المدير التنفيذي لمنظمة "هيومان رايتس ووتش"، قال اخيرا: "سيكون من الافضل كثيرا للعراق ان تعقد محكمة دولية كالتي عقدت في رواندا ويوغسلافيا او محكمة وطنية دولية مختلطة مثل التي عقدت في سيراليون".
واضاف "نظرا لان افرادها سيتم اختيارهم بواسطة الامم المتحدة وليس بواسطة الولايات المتحدة، وستكون المحكمة الدولية اكثر شرعية في نظر الناس، ولانها سيكون لها فرصة الاستعانة بالخبرات القانونية الدولية".
جماعة ضغط اخرى تدعى "انديكت" والتي جمعت ادلة على الجرائم التي ارتكبها صدام حسين ورجاله على مر سنوات حكمهم، تقول ان كلا الحلين مقبول، وذلك لان صدام وافراد اسرته وبعض اركان نظامه مارسوا جرائم الابادة الجماعية، وجرائم ضد الانسانية وتعذيب، وترى جماعة "انديكت" ان يقدم هؤلاء الى محكمة وطنية او دولية.
وتمتلك جماعة "انديكت" ملفا ضخما لشهادات بعض شهود العيان تأمل ان يستخدم كدليل خلال المحاكمة المتوقعة قريبا كنتيجة لوقع اعتقال صدام.
المتوقع ان يثير القاء القبض على صدام حياً، عشرات الاسئلة عن محاكمته، وكيف ستكون، ومن قبل اي جهة، وما الاتهامات التي يمكن ان توجه اليه، وهل سيحاكم في العراق، او ان محاكمته ستجرى امام محكمة دولية؟
وعلى الرغم من ان مصادر دبلوماسية غربية تؤكد انه توجد هناك لدى الولايات المتحدة خطة معدة لاجراء سلسلة من المحاكمات الجنائية ستطال اشخاصا بدءا من القيادات العليا وانتهاء بأصغر الرتب العسكرية ممن ارتكبوا جرائم حرب ضد الشعب العراقي، والقوات الاميركية وقوات الحلفاء في هذه الحرب، او في حرب الخليج عام 1991، غير ان المصادر ذاتها تستدرك قائلة ان آفاق هذه المحاكمات الاميركية لم يتم الاتفاق عليها مع البريطانيين بعد، وهي تفوق المحاكمات التي طالت عشرات فقط في اعقاب الحروب الاهلية في يوغسلافيا سابقا في التسعينات من القرن المنصرم، وهنا بعض التساؤلات التي يثيرها سقوط صدام حيا في قبضة القوات الاميركية، وذلك على النحو التالي:
- هل يعتقد انه بسقوط صدام حسين ستنتهي المقاومة في العراق، وهل سيتغير وضع المثلث السني؟
- هل سيقود اعتقال صدام الى سقوط من تبقى من رموز النظام العراقي السابق؟
- هل يشكل سقوط صدام نصرا حقيقيا لقوات التحالف، ام انه فقط مجرد نصر رمزي؟
- ومن سيحاكم صدام.. القوات الاميركية ام مجلس الحكم؟
- واين سيحاكم في العراق، في غوانتانامو؟ او على ظهر بارجة في المحيط؟
- هل سيتعاون صدام مع المحققين، وهل سيلتزم صدام الصمت ويرفض الحديث والرد على المحكمة؟
- وكيف سيتم تشكيل المحكمة، هل ستشكل من قضاة عراقيين، او ستحاكمه محكمة دولية، او انه سيحاكم عسكريا؟
- وهل ستسمح الجهة التي ستحاكمه باعلان الامر، وهل ستكون محاكمة علنية؟
- هل سيكشف الرئيس العراقي السابق عن الاسرار التي رفض مساعدوه الكشف عنها؟
- هل ستطال اعترافات صدام شخصيات عامة، وساسة غربيين وعرب؟
- وهل سيساعد اعتقال صدام على مسارعة معاونيه باعترافات كاملة وصادقة عما حدث خلال سنوات حكمه؟
- وماذا عن لغز الودائع العراقية، واسلحة الدمار الشامل؟
- وماذا جرى في كواليس الحرب العراقية - الايرانية، وغزو الكويت، وحقيقة المقابر الجماعية، مأساة حلبجة وغيرها؟
- وهل سيتفرغ صدام لكتابة مذكراته في السجن، ام انه كتبها مسبقا؟
- هل ستشكل محاكمة صدام حرجا لادارة بوش او حلفائه، اذا كشف اسرارا تتعلق باتصالات محتملة معه؟
- هل سيعامل صدام كأسير حرب ووفق اتفاقيات جنيف، ام سيعامل كمجرم حرب؟
- وما العقوبة المتوقعة في حال ادانة صدام بعد محاكمته؟
- هل سيدافع أحد من الكتاب العرب عن صدام؟ وما الحجج التي سيستندون اليها خاصة ان الامر يتعلق بصدام شخصيا؟
- هل سيحاكم صدام وفق نظام مختلف عن مساعديه؟ ام انهم جميعا سيحاكمون امام المحكمة نفسها؟
- هل سيؤثر سقوط صدام على وضع ملاحقة اسامة بن لادن؟ وهل سيعلق الاخير على الامر؟
- لماذا لم ينتحر صدام حسين كما كان يتوقع البعض؟ هل خشي الاقدام على ذلك، ام ان قوات التحالف حالت دون قيامه؟
- هل سيعجل سقوط صدام بخروج قوات التحالف من العراق، ام ان الامر يتعلق بمعايير اخرى كالامن وترتيب البيت العراقي السياسي وغير ذلك؟

بداية النهاية
بعد طرد صدام من الكويت على يد قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة وهزيمة جيشه واذلاله، اندلعت انتفاضات الشعب العراقي في جنوب البلاد كما في المناطق الكردية في الشمال. وقد بدا وكأن دوره قد انتهى الا انه كان محاصراً ولم يتم القضاء عليه تماماً.
وكما تم استغلال الحرب المدمرة على ايران في حشد وتوحيد العراقيين حوله، سعى لقمع الأكراد والشيعة في الجنوب لتعزيز سلطته، وعليه فإنه حتى مع حماية الأمم المتحدة للجيب الكردي في الشمال وتحويله الى ملاذ آمن، استمر اضطهاد الأكراد ممن كانوا يعيشون في الجانب الذي يسيطر عليه صدام من الحدود. كما وفرت قرارات الحظر الدولية عدواً جديداً يشغل به صدام جيشه ومواطنيه لفترة امتدت لأكثر من عشر سنوات.
شكل يوم 11 سبتمبر 2001 نقطة تحول في عالم صدام، الا انه لم يدرك ذلك. فقد كان محاطاً بأفراد اسرته نصف المعتوهين وازلام باتوا يرتعدون خوفاً، أما صدام فقد استمر في التصرف وكأن لا شيء يقف أمامه. وفي واقع الأمر فإن معظم دول العالم اصبحت مستعدة لاعادة العراق الى احضان المجتمع الدولي كدولة طبيعية وبشروط طبيعية. وكان في مقدور صدام ان ينصاع لقرارات التفتيش الصادرة عن الأمم المتحدة والمفروضة عليه من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، الا انه لم يفعل ذلك، فهو لم يكن يدرك الحاجة الى قبول بعض القيود.