د. حامد العطية
&
&
&
هنالك ترتيب منطقي للظواهر والأحداث في الطبيعة، لكن صدام حسين كان استثناءً على الطبيعة، بكامل معنى التعبير، فالعادة أن يطاح بحكم الطاغية ثم تحطم تماثيله، لكن الذي حدث هو أن أصنام صدام هوت كلها قبل القبض عليه، وكان العراقيون يعتفدون بأن نظام صدام لن يزول حتى يُقتل صدام وخليفتيه، ولابد أنهم مندهشون من انهيار وتبدد النظام قبل تصفية قيادته بالقتل أو الحبس، فلا عجب أن يحفر صدام قبره ويختبيء فيه قبل موته، ولعل هذه الوقائع تشجعنا على إعادة النظر في كثير من مفاهيمنا وممارساتنا السياسية.
&لم يكن صدام حسين قائداً، بل كان طاغية، وشتان ما بين الإثنين، وأساساً لم يمتلك صدام الحاكم المطلق أي شرعية، فسلطته لم تكن مستمدة من شخصية كاريزمية تحظى بقبول جماهيري واسع، مثل المهاتما غاندي، ولا تتوفر فيه مقومات السلطة التقليدية المبنية على أعراف وتقاليد اجتماعية مثل شيوخ القبائل، كما كانت الإنتخابات والإستفتاءات التي ينظمها صورية ولا يعتد بنتائجها المقررة سلفاً في اضفاء ولو غلالة من شرعية الإنتخاب على حكمه.
ولا يمتلك صدام صفات القائد الناجح، مثل الّّّّّّّّّّّّّّّذكاء والحكمة والصدق وانفتاح الّذهن ونقد الذات والتعلم من التجارب، ولم يكتسب مهارات صنع القرار والتفاوض واقناع الأخرين التي يحتاجها كل قائد سياسي وإداري ناجح، وباختصار لو استعرضنا صفات الخليفة الراشد والإمام العادل في الإسلام، والملك الفيلسوف في جمهورية افلاطون لوجدنا نقائضها لدى صدام حسين.
&ولأنه لم يكن قائداً ولا حاكماً شرعياً كان من المحتم أن يقترف أخطاءاً جساماً، من أسوءها مايلي:
1. التخريب السياسي والإجتماعي من خلال افشاء الطائفية والعنصرية بين أفراد المجتع العراقيين- وبالضد من شعاراته العقائدية القومية والعلمانية- مما أضعف الكيان السياسي العراقي إلى درجة أثارت المخاوف لدى الكثيرين من تقسيم العراق وأعادت إلى السطح الإنتماءات والولاءات العنصرية والطائفية التي يمكن استغلالها في اشعال الفتن والصراعات الداخلية.
2. المغامرات العسكرية المدفوعة بأهواء السيطرة والعظمة والتي أدت إلى نتائج كارثية على العراق وشعبه، من حيث الخسائر البشرية والمعنوية والمادية، وتهديد استقلال العراق ودول المنطقة العربية والإسلامية، وتقديم الذرائع لقوى الهيمنة العالمية لإحتلال العراق.
3. استعمال العنف بأسوء أشكاله من قتل جماعي وتعذيب واغتصاب للأعراض وتشريد وحبس وإرهاب كوسيلة أساسية في التسلط على كافة فئات الشعب العراقي من معارضين ومحايدين، فاستحق أن يعد نظامه أسوء كارثة حلت بالعراق منذ الغزو المغولي، كما شوهت هذه الممارسات البربرية صورة العمل السياسي في نفوس العراقيين، وعمقت نفورهم منه، مما قد يثنيهم عن ممارسة دورهم السياسي بالكامل في ظل النظام التعددي المنتظر.
4. التخلف الإقتصادي الناتج عن سياسات وبرامج متخبطة، فتارةً اقتصاد موجه اشتراكي وتأميم للأراضي الزراعية وانخفاض الإنتاجية وتضخم بيروقراطي وبطالة مقنعة، ثم طفرة غير مدروسة إلى اقتصاد السوق وخصخصة مترددة وارتفاع لمعدلات البطالة، وعلى الرغم من ثراء العراق بموارده البشرية والنفطية والمعدنية والزراعية تراجعت مؤشراته الإقتصادية إلى درجة تضعه بين مصاف الدول الأكثر فقراً في العالم.
5. ترسيخ الأعراف والممارسات المناهضة للعمل والتعاون والإنتاج والإبداع في الإدارة العراقية كنتائج حتمية لإعتماد الولاء السياسي والإنتماء القبلي والفئوي كمعايير في تعيين المسؤولين الإداريين، مما شجع على انتشارالإنتهازية والوصولية والمحسوبية والمنسوبية، وانحسار تأثيرقيم العمل الإيجابية المضادة لها.
وأخيراً ليكن مصير صدام نذيراً لكل الطغاة والذين تسول لهم أنفسهم الطموح للتسلط: احفروا جحوركم اليوم قبل الغد!

مستشار إداري عراقي يعيش في المنفى