رياض كاظم
&
&
&
&
من يتصفح كتب الأدب سيجد الكثير من حكايات ( الشطار والعطارين )، فهم لصوص ظرفاء، شجعان وشرفاء، يتقدمون صفوف الجيوش عراة الصدور ويقاتلون بأسلحة قصيرة وعصي غليظة، دفاعا عن الشرف والنساء والمدينة، لا يأتمرون بأمر أمير أو خليفة، قد يتحولون إلى جيوش متمردة مثل ( الزنج والقرامطة )، يدوخون الجيوش ويسرقون الحجر الأسود من الكعبة ويرموه على الطرقات لسنين.
في العراق هم ( الشقاوات ) وفي الشام ( القبضايات ) وفي مصر ( الفتوات ) أو الحرافيش الذين كتب عنهم نجيب محفوظ بحرفية حكواتي عظيم، وصور لنا حياتهم ومعاركهم وقوانينهم، وما ( الجبلاوي ) سوى الحرفوش الأكبر، المعلم الذي ينظر له جميع الحرافيش برهبة، فقانونه يسري على الجميع والى الأبد.
هو ( الفتوة ) الذي لا أحد يعرف سر قوته الخارقة والدائمة، ولا أحد يستطيع صراعه، لان احد لا يستطيع الوصول إليه.
في العراق إنشغل الدكتور ( علي الوردي ) بتحليل ظاهرة ( الشقاوة ) بالمجتمع، ولم يحك الكثير عنهم، تحدث عن شخصية ( خالكم أمين ) وأبو المسدسين ثم توقف وكأنه أراد تصنيف كتاباً خاصاً بهم، لكن الزمن الرديء لم يمهله فمات غريبا إسوة برفاقه الآخرين.
( احمد الدنف، علي الزيبق، وعلي بابا ) شطار أو شقاوات، شخصيات حقيقية كانت تتجول بأسواق بغداد، تسجل مع وقع خطواتها حضورها الجميل بالمناصف والمقالب، لا يسلم منهم غني أو خليفة. فهم سادة المدينة في النهار والليل، وجودهم معلن وأسلحتهم جاهزة للطعن.
لا جديد... ( الشقاوات ) يشبهون بعضهم سواء خرجوا من ( ألف ليلة وليلة ) أو من كتاب أو من على شاشة التلفزيون، فهم يفرضون قانونهم بأيديهم، ملابسهم سوداء وغالبا ما تتكون من ( الجراوية، السروال والكيوة )، إنها ذات الملابس التي يلبسها رزاق طرزينة وكان قبله يلبسها علي بابا واحمد الدنف.
( الجراوية ) لحماية الرأس من ضربات النباتيت والقامات، و ( السروال ) لحرية الحركة، و ( الكيوة ) لمنعه من الهرب!
قد يداخل الشقاوة الخوف من خصمه ويفكر بالهرب، لكنه حتى إذا أراد فهناك من سيعيقه ويمنعه من إطلاق ساقيه للريح، ( الكيوة ) بتصميمها غير المريح إطلاقا لا تتيح لمحتذيها الركض أو السير بخفة، محتذيها يسير ( برهدنه ويكرخها ) بالأرض لأنها عالقة بأصابعه فقط. محتذيها شجاع فهي مصنوعة للشجعان فلا يجوز خلعها ووضعها تحت الإبط أو في( العب ) أثناء المعركة والويل لمن تركها وهرب.
&هناك من يراقب المشهد بأكمله... ( جبلاوي ) آخر، لا يشبه مخلوقات نجيب محفوظ الجميلة، جبلاوي يطل على كل مكان، يقرع الجميع بطنين ( المرجلة واللامرجلة ).
لكل مدينة في العراق شاعر ولكل مدينة ( شقاوة )، من منا لا يتذكر شقي المحلة أو المنطقة، كل مدننا فيها ( أبو الهوب )، شقي تتنازع عليه المدن وتنسبه لنفسها، فهو في بغداد والبصرة والناصرية، انه جزء من ثقافة المدينة العراقية... أبو الهوب لا يعتدي على امرأة أو طفل أو ضعيف، انه يأخذ عدالته بيده وحينما يقابل خصومه يعطيهم ( ضربتين طرح ) ثم يراقص أسلحته ويفترس خصومه.
النخوة همهم فهم يساعدون الفقراء ويحبون التلاميذ ويحاولون مساعدتهم وخاصة في امتحان ( البكالوريا ) حتى أن أحد الأشقياء تمنى لو أن البكالوريا جدارا لنطحه وخلصهم منهم. فالرسوب بالامتحان يعني الذهاب إلى الحرب وهذا ما لا يرغبه الشجاع لأبناء مدينته، فهو يرفض الذهاب للحرب ولا يريد لأحد أن يموت في حرب لا تعني أحدا.
قد يتحول الشقي إلى ظاهرة وعصابة كبيرة كعصابة ( حافات المياه ) التي كان يقودها ( رزاق طرزينة ) الرجل النحيف الذي يحمل قوة أصابع خارقة تمكنه من اختراق ( كيس سمنت ) أو أضلاع حصان مسكين.
لا يخلو مساء من مساء آت الثورة من استعراض ( الحافات ) لأنفسهم، فهم يظهرون على شكل مجاميع كبيرة يجوبون الشوارع على دراجاتهم البخارية وسيوفهم ظاهرة للعيان وجاهزة للاستخدام، واثناء مرورهم يقومون بتعزيل السوق أو احتلال قاعة السينما لمشاهدة ( جوليانو جيما ) دون إزعاج من أحد.
وهم جميعا دون استثناء من المتمردين على الحرب ولا تخيفهم سلطة صدام المخيفة باعتباره شقي الأشقياء، وكان لمصادماتهم مع البعثيين وشرطة الأمن حكايات يعرفها كل من عاش تلك الفترة.
( طرزينة ) لا يختلف كثيرا عن أحمد الدنف، ورفاقه ذات الرفاق القدماء الذين عرفناهم في ( ألف ليلة وليلة )، هناك ( محمد المصري ) الذي جاء من مصر ليمارس شطارته على أهل العراق فانتهى كصديق لطرزينة وواحد من ( الحافات ) وهو بالتأكيد ( علي الزيبق ) فكلاهما من مصر جاءا ليمارسا شطارتهم في بغداد، فوقعا في شراكها وحبها، هناك (زينب ) التي تسرق الكحل من العين وتعرف حيل ( البنج والترياق )، والكثير من الأشقياء منهم من يشتهر بضربة الرأس أو اللعب بالسيف ومنهم من يشتهر بخفة الأصابع، وغالبا ما يكون ضحاياه من القرويين الذين يأتون إلى بغداد فيسلبهم مالهم وهم غافلون.
في الجانب الآخر من النهر يسكن صدام ويراقب المشهد بدقة، ( الحافات ) غير بعيدة عن قصره وقد يصل إليه ( طرزينة ) وعصابته التي تضخمت بشكل كبير وبدأت بطرد البعثيين والشرطة والانضباط وأجلتهم عن المدينة حتى لا يذهب التلاميذ إلى الحرب ويقتلوا.
وحينما حانت المعركة بين ( الحافات ) وصدام، لم تكن معركة متكافئة، كانت غاية في الظلم، فماذا تفعل السيوف إلى جانب الرشاشات والمدافع، فلا عجب أن يصرخ عصابة ( الحافات ) جميعا.
- ( يمه ابنج بايع روحه ).
ويتساقطون مذهولين من سرعة انتهاء المعركة، مثل تلك المعركة الدنيئة لا أحد يخرج منها حياً، فهي لا تشبه معارك ( الحافات ) التي اعتادوها، ليس هناك شجاعة ولا لعب بالسلاح، ولم يقابل الزعيم ( طرزينة ) صدام ويشتبك معه ويشبعه نطحا ورفسا وطعنا في الطيز.
&كل ما رآه وجه ( سمير الشيخلي ) القذر، شقي ( فضوة العرب ) يختبيء خلف رشاشات البعثيين ويأمرهم بحصد الحافات عن بكرة أبيهم.
&في الناصرية المدينة الغافية على الفرات، المدينة الوادعة التي تشتهر بكثرة مثقفيها وشعرائها، كان لا بد لها من ( شقي ) مثقف، فظهر ( سهيل عبد الله ) الذي أدهشته ملحمة ( كلكامش ) حينما قرأها وعشق شخصية ( انكيدو ) وتأثر به كثيرا، لانه لم يشك للحظة بان انكيدو شقي عراقي شجاع يصارع الأسود وثيران السماء ويحب الخمر والنساء، عكس كلكامش الطاغية الذي كرهه ( سهيل ) كثيراً، لأن كلكامش طاغية يغتصب العذارى ويذل الرجال ويريد أن يعيش إلى الأبد.
وحينما أراد تتبع خطوات انكيدو، راح يبحث عن أسد ليصرعه، ولما لم يجده في الناصرية، ذهب إلى منطقة ( سبع الدجيل ) يأكل الكباب بمطاعمها ويسكر في حاناتها ويسأل المارة إن كانوا صادفوا أسدا بطريقهم.
قانون الشقاوة واحد لا يتغير، يعرفه كل من يسلك ذلك الطريق، وصدام خرج من قاع المدينة ويعرف القانون جيدا لكنه لعبه بقذارة لا بشطارة.
من قصوره العديدة يطلق صدام طنين ( المرجلة واللامرجلة ) وكيفية التفريق بينهما، المرجلة شوارب كثة كشوارب ( عبد حمود التكريتي )، وقسوة منقطعة النظير كقسوة ( قصي ) وذئبية كذئبية ( عدي )، وتضحية كتضحية العراقيين الموتى في الحروب.
عبد حمود بمواهبه الشواربية، يقرأ العيون، لم تقع عيناه على أحد إلا ووجدوه في اليوم التالي مقتولا ببشاعة، فهو ذراع صدام الأيمن ومستودع أسراره، لم ينطق بكلمة واحدة طيلة حياته سوى أمام المحقق الأمريكي، ولا أحد يعرف ما هي مواهبه، حتى زوجته ( خيرية التكريتي ) لا تعرف عنه شيئاً سوى انه يحب ( الكاولية )، ولن تعرف عنه شيئا إلى الأبد لأنها رمت نفسها من سطح القصر في البحيرة الهائلة التي تحيط به وماتت وفي نفسها شيء من حتى.
البحيرة التي تحيط بقصره، حولت دجلة إلى ساقية، شفطت ماء النهر كله، ليجلس عبد حمود في شرفته يبكي خيال خيرية ويطل على بحيرته وأسماكه ومراكبه التي تجلب له آثار العراق من المتاحف ليبيعها على التجار.
صدام يراقب المشهد ويشهق من الضحك وهو يستمع لقصة ( قصي ) الذي دخل على أحد السجون وأمر بإعدام كل من فيه، وكان عددهم ألفين من شباب الانتفاضة، طلب أن لا يرى أحد منهم نور الصباح، فأضطر الجلادين لطلب المساعدة وجلب مقصلة تقطع إثنتا عشر رأسا دفعة واحدة.
ليلة لا تشبه ليالي ( كافكا )، لكن المستوطنة واحدة رغم اختلاف الآلة، مقصلة كافكا تجهز على الضحية وتطرز لائحة الاتهام على فمه، ومقصلة ( قصي ) باثنتي عشر فم لا تترك تهمة ولا اسم ولا ملامح.
( عدي ) ذئب البوادي، الكائن الأخرق الذي يحمل مسدسه على بطنه أمام أنظار العراقيين ويقتل به المطربين وفتيات الجامعات، لكنه اسوة بابيه لم يجد وقتاً لإخراجه حينما هاجمه ثلاثة شبان عراقيين وأفرغوا به كل أسلحتهم، ربما خدروه أيضا، من يدري؟
يقول صدام في اماسيه المليون. - ( المرجلة ) ليست بالضبط هي ( الكون* )، إنها حينما تدخل على الديوان الكل يقول لك - الله بالخير.
ومن لا يقول فهو بلا شوارب ومو ( زلمة ) وما يكدر يكاون.
&الوطن عائلة ومنزل ومدينة... قوات الحلفاء تسمرت لأسابيع أمام قرية عراقية صغيرة، ولما لم يستطيعوا دخولها غيروا خطة حربهم كلها، أذاقتهم البصرة والناصرية لسعة الحرب ولم تمكنهم من دخولها، لكنهم تمكنوا من دخول بغداد التي يحرسها التكارتة الأسود بدبابتين فقط، دبابتان يسيران على الجسر، والتكارتة يركضون عراة امام شاشات الفضائيات، وصدام يعوي من مخبأه ويقرأ للعراقيين قصيدة عجيبة لا أساس لها ولا رأس لكنها بالتأكيد تضم خيولا وسيوفا ورصاصة أخيرة.
هل اخلص صدام لقصائده وحكمه الباطلة ورصاصته الأخيرة؟
تأخر الجواب كثيراً، وحينما حانت ساعته، خرج لنا العجب.
في العراق هم ( الشقاوات ) وفي الشام ( القبضايات ) وفي مصر ( الفتوات ) أو الحرافيش الذين كتب عنهم نجيب محفوظ بحرفية حكواتي عظيم، وصور لنا حياتهم ومعاركهم وقوانينهم، وما ( الجبلاوي ) سوى الحرفوش الأكبر، المعلم الذي ينظر له جميع الحرافيش برهبة، فقانونه يسري على الجميع والى الأبد.
هو ( الفتوة ) الذي لا أحد يعرف سر قوته الخارقة والدائمة، ولا أحد يستطيع صراعه، لان احد لا يستطيع الوصول إليه.
في العراق إنشغل الدكتور ( علي الوردي ) بتحليل ظاهرة ( الشقاوة ) بالمجتمع، ولم يحك الكثير عنهم، تحدث عن شخصية ( خالكم أمين ) وأبو المسدسين ثم توقف وكأنه أراد تصنيف كتاباً خاصاً بهم، لكن الزمن الرديء لم يمهله فمات غريبا إسوة برفاقه الآخرين.
( احمد الدنف، علي الزيبق، وعلي بابا ) شطار أو شقاوات، شخصيات حقيقية كانت تتجول بأسواق بغداد، تسجل مع وقع خطواتها حضورها الجميل بالمناصف والمقالب، لا يسلم منهم غني أو خليفة. فهم سادة المدينة في النهار والليل، وجودهم معلن وأسلحتهم جاهزة للطعن.
لا جديد... ( الشقاوات ) يشبهون بعضهم سواء خرجوا من ( ألف ليلة وليلة ) أو من كتاب أو من على شاشة التلفزيون، فهم يفرضون قانونهم بأيديهم، ملابسهم سوداء وغالبا ما تتكون من ( الجراوية، السروال والكيوة )، إنها ذات الملابس التي يلبسها رزاق طرزينة وكان قبله يلبسها علي بابا واحمد الدنف.
( الجراوية ) لحماية الرأس من ضربات النباتيت والقامات، و ( السروال ) لحرية الحركة، و ( الكيوة ) لمنعه من الهرب!
قد يداخل الشقاوة الخوف من خصمه ويفكر بالهرب، لكنه حتى إذا أراد فهناك من سيعيقه ويمنعه من إطلاق ساقيه للريح، ( الكيوة ) بتصميمها غير المريح إطلاقا لا تتيح لمحتذيها الركض أو السير بخفة، محتذيها يسير ( برهدنه ويكرخها ) بالأرض لأنها عالقة بأصابعه فقط. محتذيها شجاع فهي مصنوعة للشجعان فلا يجوز خلعها ووضعها تحت الإبط أو في( العب ) أثناء المعركة والويل لمن تركها وهرب.
&هناك من يراقب المشهد بأكمله... ( جبلاوي ) آخر، لا يشبه مخلوقات نجيب محفوظ الجميلة، جبلاوي يطل على كل مكان، يقرع الجميع بطنين ( المرجلة واللامرجلة ).
لكل مدينة في العراق شاعر ولكل مدينة ( شقاوة )، من منا لا يتذكر شقي المحلة أو المنطقة، كل مدننا فيها ( أبو الهوب )، شقي تتنازع عليه المدن وتنسبه لنفسها، فهو في بغداد والبصرة والناصرية، انه جزء من ثقافة المدينة العراقية... أبو الهوب لا يعتدي على امرأة أو طفل أو ضعيف، انه يأخذ عدالته بيده وحينما يقابل خصومه يعطيهم ( ضربتين طرح ) ثم يراقص أسلحته ويفترس خصومه.
النخوة همهم فهم يساعدون الفقراء ويحبون التلاميذ ويحاولون مساعدتهم وخاصة في امتحان ( البكالوريا ) حتى أن أحد الأشقياء تمنى لو أن البكالوريا جدارا لنطحه وخلصهم منهم. فالرسوب بالامتحان يعني الذهاب إلى الحرب وهذا ما لا يرغبه الشجاع لأبناء مدينته، فهو يرفض الذهاب للحرب ولا يريد لأحد أن يموت في حرب لا تعني أحدا.
قد يتحول الشقي إلى ظاهرة وعصابة كبيرة كعصابة ( حافات المياه ) التي كان يقودها ( رزاق طرزينة ) الرجل النحيف الذي يحمل قوة أصابع خارقة تمكنه من اختراق ( كيس سمنت ) أو أضلاع حصان مسكين.
لا يخلو مساء من مساء آت الثورة من استعراض ( الحافات ) لأنفسهم، فهم يظهرون على شكل مجاميع كبيرة يجوبون الشوارع على دراجاتهم البخارية وسيوفهم ظاهرة للعيان وجاهزة للاستخدام، واثناء مرورهم يقومون بتعزيل السوق أو احتلال قاعة السينما لمشاهدة ( جوليانو جيما ) دون إزعاج من أحد.
وهم جميعا دون استثناء من المتمردين على الحرب ولا تخيفهم سلطة صدام المخيفة باعتباره شقي الأشقياء، وكان لمصادماتهم مع البعثيين وشرطة الأمن حكايات يعرفها كل من عاش تلك الفترة.
( طرزينة ) لا يختلف كثيرا عن أحمد الدنف، ورفاقه ذات الرفاق القدماء الذين عرفناهم في ( ألف ليلة وليلة )، هناك ( محمد المصري ) الذي جاء من مصر ليمارس شطارته على أهل العراق فانتهى كصديق لطرزينة وواحد من ( الحافات ) وهو بالتأكيد ( علي الزيبق ) فكلاهما من مصر جاءا ليمارسا شطارتهم في بغداد، فوقعا في شراكها وحبها، هناك (زينب ) التي تسرق الكحل من العين وتعرف حيل ( البنج والترياق )، والكثير من الأشقياء منهم من يشتهر بضربة الرأس أو اللعب بالسيف ومنهم من يشتهر بخفة الأصابع، وغالبا ما يكون ضحاياه من القرويين الذين يأتون إلى بغداد فيسلبهم مالهم وهم غافلون.
في الجانب الآخر من النهر يسكن صدام ويراقب المشهد بدقة، ( الحافات ) غير بعيدة عن قصره وقد يصل إليه ( طرزينة ) وعصابته التي تضخمت بشكل كبير وبدأت بطرد البعثيين والشرطة والانضباط وأجلتهم عن المدينة حتى لا يذهب التلاميذ إلى الحرب ويقتلوا.
وحينما حانت المعركة بين ( الحافات ) وصدام، لم تكن معركة متكافئة، كانت غاية في الظلم، فماذا تفعل السيوف إلى جانب الرشاشات والمدافع، فلا عجب أن يصرخ عصابة ( الحافات ) جميعا.
- ( يمه ابنج بايع روحه ).
ويتساقطون مذهولين من سرعة انتهاء المعركة، مثل تلك المعركة الدنيئة لا أحد يخرج منها حياً، فهي لا تشبه معارك ( الحافات ) التي اعتادوها، ليس هناك شجاعة ولا لعب بالسلاح، ولم يقابل الزعيم ( طرزينة ) صدام ويشتبك معه ويشبعه نطحا ورفسا وطعنا في الطيز.
&كل ما رآه وجه ( سمير الشيخلي ) القذر، شقي ( فضوة العرب ) يختبيء خلف رشاشات البعثيين ويأمرهم بحصد الحافات عن بكرة أبيهم.
&في الناصرية المدينة الغافية على الفرات، المدينة الوادعة التي تشتهر بكثرة مثقفيها وشعرائها، كان لا بد لها من ( شقي ) مثقف، فظهر ( سهيل عبد الله ) الذي أدهشته ملحمة ( كلكامش ) حينما قرأها وعشق شخصية ( انكيدو ) وتأثر به كثيرا، لانه لم يشك للحظة بان انكيدو شقي عراقي شجاع يصارع الأسود وثيران السماء ويحب الخمر والنساء، عكس كلكامش الطاغية الذي كرهه ( سهيل ) كثيراً، لأن كلكامش طاغية يغتصب العذارى ويذل الرجال ويريد أن يعيش إلى الأبد.
وحينما أراد تتبع خطوات انكيدو، راح يبحث عن أسد ليصرعه، ولما لم يجده في الناصرية، ذهب إلى منطقة ( سبع الدجيل ) يأكل الكباب بمطاعمها ويسكر في حاناتها ويسأل المارة إن كانوا صادفوا أسدا بطريقهم.
قانون الشقاوة واحد لا يتغير، يعرفه كل من يسلك ذلك الطريق، وصدام خرج من قاع المدينة ويعرف القانون جيدا لكنه لعبه بقذارة لا بشطارة.
من قصوره العديدة يطلق صدام طنين ( المرجلة واللامرجلة ) وكيفية التفريق بينهما، المرجلة شوارب كثة كشوارب ( عبد حمود التكريتي )، وقسوة منقطعة النظير كقسوة ( قصي ) وذئبية كذئبية ( عدي )، وتضحية كتضحية العراقيين الموتى في الحروب.
عبد حمود بمواهبه الشواربية، يقرأ العيون، لم تقع عيناه على أحد إلا ووجدوه في اليوم التالي مقتولا ببشاعة، فهو ذراع صدام الأيمن ومستودع أسراره، لم ينطق بكلمة واحدة طيلة حياته سوى أمام المحقق الأمريكي، ولا أحد يعرف ما هي مواهبه، حتى زوجته ( خيرية التكريتي ) لا تعرف عنه شيئاً سوى انه يحب ( الكاولية )، ولن تعرف عنه شيئا إلى الأبد لأنها رمت نفسها من سطح القصر في البحيرة الهائلة التي تحيط به وماتت وفي نفسها شيء من حتى.
البحيرة التي تحيط بقصره، حولت دجلة إلى ساقية، شفطت ماء النهر كله، ليجلس عبد حمود في شرفته يبكي خيال خيرية ويطل على بحيرته وأسماكه ومراكبه التي تجلب له آثار العراق من المتاحف ليبيعها على التجار.
صدام يراقب المشهد ويشهق من الضحك وهو يستمع لقصة ( قصي ) الذي دخل على أحد السجون وأمر بإعدام كل من فيه، وكان عددهم ألفين من شباب الانتفاضة، طلب أن لا يرى أحد منهم نور الصباح، فأضطر الجلادين لطلب المساعدة وجلب مقصلة تقطع إثنتا عشر رأسا دفعة واحدة.
ليلة لا تشبه ليالي ( كافكا )، لكن المستوطنة واحدة رغم اختلاف الآلة، مقصلة كافكا تجهز على الضحية وتطرز لائحة الاتهام على فمه، ومقصلة ( قصي ) باثنتي عشر فم لا تترك تهمة ولا اسم ولا ملامح.
( عدي ) ذئب البوادي، الكائن الأخرق الذي يحمل مسدسه على بطنه أمام أنظار العراقيين ويقتل به المطربين وفتيات الجامعات، لكنه اسوة بابيه لم يجد وقتاً لإخراجه حينما هاجمه ثلاثة شبان عراقيين وأفرغوا به كل أسلحتهم، ربما خدروه أيضا، من يدري؟
يقول صدام في اماسيه المليون. - ( المرجلة ) ليست بالضبط هي ( الكون* )، إنها حينما تدخل على الديوان الكل يقول لك - الله بالخير.
ومن لا يقول فهو بلا شوارب ومو ( زلمة ) وما يكدر يكاون.
&الوطن عائلة ومنزل ومدينة... قوات الحلفاء تسمرت لأسابيع أمام قرية عراقية صغيرة، ولما لم يستطيعوا دخولها غيروا خطة حربهم كلها، أذاقتهم البصرة والناصرية لسعة الحرب ولم تمكنهم من دخولها، لكنهم تمكنوا من دخول بغداد التي يحرسها التكارتة الأسود بدبابتين فقط، دبابتان يسيران على الجسر، والتكارتة يركضون عراة امام شاشات الفضائيات، وصدام يعوي من مخبأه ويقرأ للعراقيين قصيدة عجيبة لا أساس لها ولا رأس لكنها بالتأكيد تضم خيولا وسيوفا ورصاصة أخيرة.
هل اخلص صدام لقصائده وحكمه الباطلة ورصاصته الأخيرة؟
تأخر الجواب كثيراً، وحينما حانت ساعته، خرج لنا العجب.













التعليقات