نبيل شـرف الدين من القاهرة: في سابقة قضائية هي الأولى من نوعها، بدأت اليوم الأحد محكمة أمن الدولة العليا في مصر إعادة محاكمة الأصولي طارق إسماعيل الذي سبقت إدانته عام 1998 بتهم الانخراط في أنشطة متطرفة، وحكم عليه بالسجن 25 عاماً، في أول إعادة محاكمة أحد الأصوليين الذي أدين بمقتضى المادة 48 في قانون العقوبات المصري، والتي سبق أن قضي بعدم دستوريتها، وذلك في خطوة أشادت بها منظمات حقوقية وقانونية، غير أنها طالبت بضرورة ان تتبع هذه الخطوة إصلاحات أخرى في مقدمتها الغاء حالة الطوارئ المعمول بها في مصر منذ العام 1981، في أعقاب اغتيال الرئيس المصري السابق أنور السادات، وحتى الآن.
وكانت المحكمة الدستورية العليا قد قضت قبل نحو عامين بعدم دستورية المادة 48 من قانون الجنايات التي تنص على تجريم الاتفاق الجنائي استنادا إلى ما يعرف قانونياً بـ "تلاقي الارادات"، وقال قانونيون ان المحكمة الدستورية رأت ان هذه العبارة التي لا تتضمن اي أدلة مادية مخالفة للدستور، لافتين إلى أن مئات المتهمين الذين اتهموا في قضايا ذات صلة بالتطرف الديني أدينوا وفقا لهذه المادة، كما أوضح المحامون أيضاً أن العديد ممن أدينوا بموجب هذه المادة الملغاة تقدموا بطلبات لاعادة محاكمتهم امام محاكم أمن الدولة أو المحاكم العسكرية التي كانت قد أدانتهم قضائياً من قبل.
وتورط تنظيم "الجماعة الاسلامية" في العشرات من حوادث العنف التي بدأتها بعملية اغتيال الرئيس المصري الراحل أنور السادات الذي اغتيل برصاص اعضاء في تحالف مشترك بين تنظيم "الجماعة الإسلامية"، وتنظيم "الجهاد" في 1981، وطيلة عقد التسعينيات تقريباً، حتى العام 1997 شنت الجماعة حملة عنيفة استهدفت إسقاط نظام الحكم، قبل أن يدعو قادتها الى إيقاف العنف، ولم تشهد مصر أعمال عنف تذكر على أيدي المتطرفين الأصوليين منذ ذلك الحين، بل صدرت سلسلة من الكتيبات والطروحات التي أعدها قادة هذه الجماعة، في صورة تأصيل شرعي لمسألة العدول عن خيار العنف.
واعتبرت المنظمة المصرية لمساعدة السجناء أن اعادة المحاكمة بعد مرور نحو عامين من حكم المحكمة الدستورية يمثل حالة نموذجية لـ "العدالة البطيئة، وطالبت بعدم احالة المتهمين اساسا الى المحاكم الاستثنائية وهي المحاكم العسكرية أو محاكم أمن الدولة العليا طوارئ، ولا يمكن الطعن في أحكام في تلك المحاكم، لكن يمكن للحاكم العسكري ان يصدق عليها او يخففها او يعيدها للمحكمة لاعادة المحاكمة مجدداً.
وأعلنت السلطات المصرية مؤخراً أنها أطلقت نحو ألف عنصر من أعضاء الجماعة الاسلامية المحظورة في مصر، وان عمليات الافراج تجري تباعا ووفق معايير واضحة وشفافة تؤكد صدق التحول الفكري الذي طرأ على هؤلاء الذين أفرج عنهم وصدق التزامهم بنبذ العنف وادراكهم لخطأ مواقفهم السابقة.
وشهدت الساحة السياسية المصرية توقفاً عن عمليات العنف، وذلك في أعقاب مبادرة وقف العنف التي أعلنها بتاريخ الخامس من تموز (يوليو) 1997، من جانب واحد لقادة الجماعة الإسلامية المحبوسين بسجن ليمان طرة بمصر، ثم أيدهم فيها أمير الجماعة الشيخ عمر عبدالرحمن المسجون بالولايات المتحدة، حتى أصدرت الجماعة مؤخراً سلسلة من الكتب اشتهرت باسم المراجعات الفكرية للقادة التاريخيين للجماعة، والتي أثارت جدلاً واسعاً في مصر حينئذ.