أجرى الحوار د. فاضل سوداني
&
الحلقة الثانية

&

* لم ينته حتى هذه اللحظة الكثير من النقاد والباحثين من الجدل حول إشكالية وخصوصية المسرح العربي في اختلافاته عن المسرح الاوربي، وانت ككاتب مسرحي عربي أكدت أيضا بأنك استلهمت التراث من خلال خصوصيتك العربية التي بالضرورة تختلف عن خصوصية الكاتب الاوربي عندما يستخدم تراثنا العربي. اذن مناقشة هذه الإشكالية شئ جوهري. والسؤال هو إذا كنا قادرين على القول بوجود مسرح ياباني كمسرح النوا الكابوكي، او مسرح هندي كمسرح الكاتاكالي او المسرح الاوربي، . هل يمكن القول بوجود مسرح عربي؟
- نعم، نقول هذا بناءا على ماذكرته سابقا، أي علاقة المسرح بالجمهور أي بالمواطن العر بي، بالجماعة العربية. اذن فهو مسرح عربي لكونه يحمل مواطنته العربية ويقبل من الجماعة العربية.
&
* بغض النظر عن ان المسرح هو شكل اوربي في الأساس؟
- ان تحديد مفهومنا للمسرح العربي بدقه هو الذي يميزه، أي ما معنى المسرح العربي ولماذا هذه التسمية، وأي صفة تجمعه مع الحياة العربية والادب العربي؟ الخ.
فعلاقة المسرح بالأدب والفن العربي والموسيقى العربية والمقامات العربية مثلا هي التي تميزه أيضا، وكذلك علاقته بالزخرف العربي، فلو تمعنا في البناء الدرامي لمسرحية حلاق بغداد مثلا، لوجدنا بأنه يتكون من حكايتين يربطهما شخص واحد هو أبو الفضول وهو في كلا الحكايتين يبدو كالنجمة المتكررة التي يربها خط واحد، أي أنه يبدو متجليا في هذه الحكاية وغائما في الحكاية الأخرى، بمعنى انه ساطعا لانه يحاول المعرفة من خلال السؤال وكشف الحقيقة ( أي انه جاهد للكشف عن يوسف في الحكاية الاولى، ولكنه بعد ان تلقى العقاب حاول التهرب من السؤال واللجاجة به في الحكاية الثانية ) انظر الى معمارية الزخرفة العربية تجد ها متكرر ايضا لكن يربطها خيط واحد، جزء منه بارزا والآخر غائما او متخفيا.
ومن المعروف بان المسرح العربي له علاقة بأدب المقامات التي تتوفر فيها الكثير من إمكانية التشخيص وابتداع الشخصيات، إضافة الى علاقة مسرحنا بالادب العربي الغني بالكثير من الاساليب وخاصة المحاكاة في العصر العباسي مما فرض الكثير من اساليب الخطابة والهجاء والمديح وغيره. وفي راي ان الادب المسرحي هما جزء من ديوان العرب ومرحلة من مراحل تطور الشعر العربي، لأنه يمكننا ان نجد في المسرح، الشعر وغنى اللغة والخطابة التي تتوجه للجمهور ولا تقرأ.
&

الدور التخريبي للمؤسستين الآديولوجية والتجارية
* اذا تكلمنا عن الحرية كضرورة للإنسان في الوقت الحاضر وتطرقنا بالذات الى أهمية حرية الكاتب المسرحي في مجتمع متخلف تقوده أنظمة شمولية تعمل على تخلف الانسان، بدلالة إحصائيات اليونسكو التي تؤكد بان اكثر من 65 مليون امي أي بنسبة % 43 هم من السكان العرب، اضافة الى ممارسة ختان البنات وكذلك تعدد الزوجات ليس من منطلق الحاجة الاجتماعية وانما إشباع رغبة الرجل بالحريم. اذا ازاء مثل هذا الواقع، كيف يواجه الكاتب المسرحي كانسان صاحب موقف هذا التعقيد الفكري والاجتماعي؟
- الكاتب العربي عموما واجه ظروف اجتماعية وسياسية اصعب من هذا بكثير، لكن الان هنالك قبول عام لقضية حقوق الانسان، وحرية التعبير.
&
* ولكن في الكثير من الاحيان هنالك خداع في ممارسة هذه الحقوق، أي استخدامها من اجل الدعاية للنظام الاستبدادي فقط.
- نعم هذا صحيح وعلى الكاتب او الفنان ان يقتحم هذا ويتطرق له في عمله، بالرغم من الصعوبات. انت لاتستطيع ان تعالج الكثير من القضايا الحساسة التي تهم الناس من خلال الكتابة، الحكومة او المؤسسات الثقافية التابعة، الرقابة السرية او العلنية ستمنعك، مثلا رقيب في التلفزيون يتحكم بانتاجك الفني ويمنعه وهو موظف صغير، او رقيب آخر يقول لك بان هذا لا يعجبني سواء كان فلم، مسرحية، قصة. طب ليه. . ليه . ليه؟ لابد من إلغاء كل هذا والوصول الى الحرية الكاملة في الفن.
&
* نعم حرية الفكر عموما هي التي ستمنحنا حرية كاملة في كشف المستور والممنوع.
- طبعا ولابد للنظام السياسي ان يفهم بان هذا الادب كتب ليعيش مئات السنين أي حتى بعد ان يزول النظام نفسه، ولابد من حمايته ومن حق الجمهور ان يراه سواء كان فلما ام مسرحا ام غير ذلك. وان تكف بعض مؤسسات الرقابة في ان توهم الكاتب او الفنان وتجامله في عدم منع تصوير أي فلم مثلا، إلا انها تمنع عرضه بعد ذلك بحجج واهية، وبالتأكيد فان هذا يدلل على اننا نعاني من أوضاع استثنائية شاذة كثيرة.
&
*هل هناك تراكم نوعي في ألأنتاج المسرحي العربي؟ أم هناك فقط تراكم يتم انتاجه تحت الطلب، اما إرضاءاً للمؤسسة التجارية، او خضوعا لأوامر المؤسسة السياسية لاغراض ايديولوجية وهذا شئ واضح في مسرحنا. ماهوالدور التخريبي لدكتاتورية هاتين المؤسستين علىالابداع المسرحي؟
- تقوم هاتان المؤسستان على إشاعة فوضى الرؤيا المسرحية، وقد تناسوا بان المسرح نشأ على الربرتوار أي التراث المسرحي، وهذا التراث كان دائما حاضرا في برامج مختلف المسارح العالمية، فعندما تريد ان تقدم أوبرا فانك تفكر ايضا في الربرتوار المسرحي القديم أي ان تقدم مثلا عايده وكارمن وغيرها، كذلك الحال في الباليه حيث لا يمكن ان تنسى بحيرة البجع وكسارة البندق. لكن في مسرحنا المصري او العربي يعتبرون المسرحيات التي كتبت في مراحل سابقة، مسرحيات قديمة، فماذا يعني قديمة؟اذا كانت هذه المسرحيات تعبر عن حياة ومشاكل النا س. هل لايمكن لهذه المسرحيات ان تقدم من جديد؟. المسرح المصري لايمكن ان يتطور إلا في الحضانة الطبيعة واقصد تراث المسرح. اذاً لا يوجد لدينا رؤيا او تخطيط جيد، لان قيادة الحياة المسرحية يشرفون عليها إدارين ليس لهم علاقة بالفن ولا تعطى لأهل الثقافة والفن وهذا له علاقة بالآديولوجيا، وقد يكون هؤلا ء الاداريون لا يعرفون بان هذا المسرح كان جزء من التراث المسرحي( الربرتوار ) القديم ولابد ان يعاد في برامج المسارح في وقتنا الحاضر. في اوربا يمكنك دائما ان تشاهد مسرحيات شكسبير ومولير وارثر ميلر وبرشت وجيخوف وإبسن اضافة الى مسرحيات الكتاب المعاصرين.
&
*ألا تعتقد معي بان هؤلاء الكتاب الذين ذكرتهم لديهم القدرة على اكتشاف ومعالجة تلك المشاكل الى تمتلك ديمومتها؟ شكسبير مثلا كتب ريتشارد الثالث وكأنه يكتب عن بينوشيت او صدام حسين، اذاً المشكلة تكمن في ان المؤلف العربي في الوقت الذي يفكر فيه بمشاكل مجتمعه عليه ان يعمم المشكلة وعالميتها، انها مشكلة لها علاقة بشمولية الوعي.
- نعم هذا صحيح شمولية الوعي، نعم لكن الامور يجب ان تأخد الطابع المنهجي، وهذ ا يعيدنا الى مشكلة وجود المسرحيات التي كتبها الكتاب المصرين او العرب في برنامج المسار ح المعاصرة بانتظام، سيساعد الكاتب المصري الشاب على التعلم من هذا التراث المسرحي العظيم.
النقطة الاخرى هي عدم توازن نفقات الانتاج في السنوات العشر الاخيرة، لان البيرقراطية تلتهم الحصة الكبرى من ميزانية المسارح ( لاحظ ماهي المشاكل التي ننشغل بها كمبدعين )، وبالتأكيد فان هذا سؤثر على الأنتاج المسرحي. اما القضية الاخرى التي ساهمت في ضعف المسرح هي النجم الذي اعتمدت عليه السياسة الثقافية لجلب الجمهور الى المسرح حتى وان كان هذا النجم لا يفقه دوره الثقافي، ولكن كيف تم هذا؟ تم عندما منعت المسرحيا ت ذات التوجه الاجتماعي والفكري و الفلسفي في فترة السبعينات وتزمتت الرقابة الى اقصى حد في منعها مما اشاع تلك المسرحيات او الافلام التجارية التافهة، فاضطر المنتج سواء في القطاع العم ام الخاص الى الاعتماد على النجم لتعويض تفاهة النص
&
* أنه إلتفاف غريب!
- نعم، وهذا التعويض الغريب قد فوت على الحركة الثقافية او الفنية عموما تأمل هذه الحالة في انها كانت تعويض عن الرقابة أيضا، أي ليس هنالك خوف من النص. وهذا فرضته أوضاع استثنائية مرت بالمسرح، ومازال النجم السينمائي او المسرحي حتى الان يعوض تفاهة النص.
&
* ان هذا التشخيص يمتلك اهميته ليس في السياسة المسرحية في مصر وانما في البلدان العربية الاخرى، وهذا الاستثناء هو الذي ساعد على خلق الثرثرة الفكرية عموما في المسرح، لا أقصد ثرثرة اللغة وانما طغيان هذه الثرثرة على مجمل مكونات اللغة المسرحية، ولايقتصر الامر ايضا على النص او الحوار وإنما تسود ايضا في الفكر الاخراجي والحدث والعواطف والافكار الساذجة. كيف يتخلى المسرح والدراما العربية عن هذه الثرثرة&الفائضة؟
- لابد من قيادة مثقفة و قادرة في المسرح سواء المصري ام العربي، وحسب معرفتي فان قيادة المسرح في الستينات كانت حازمة وواعية، مما ساعدها على ان تخلق هذه النهضة المسرحية كنتيجة لهذا. وكانت هذه القيادة محترفة فكتبنا للمسرح بدون تردد أنا ونعمان عاشور وسعد وهبه وآخرين، لان هذه القيادة لم تفرض علينا ماذا نكتب، وانما هي حمت حتى الكتابة الاستثنائية الناقدة. إضافة الى انها كانت تمتلك منهج للأنتاج. اما غير هذا فان القطار الان خرج من مساره واصبح لا يعرف باي اتجاه يسير.
&
* ألا تعتقد بانك تفرض رقابة من نوع خاص ايضا؟
- لا أعتقد ذلك لان مثل هذ ه الفوضى هي التي جعلت من الثرثرة اللغة الغالبة، والنجم هوالسند والمعوض عن التفاهة، والغناء والرقص هي الزخارف التي تعوض ايضا. إذاً اعادة القطار الى قضبانه تشكل اولوية في الوقت الحاضر، لاننا لابد ان نعرف في أي اتجاه يسير هذا القطار.
&
* لنعود مرة اخرى الى اللغة المسرحية، ولا اقصد اللغة الفصحى او ما أطلق عليه توفيق الحكيم بالغة الوسطى. ألا تعتقد معي بان النص المسرحي العربي غارق باللغة الادبية التي هي ليست مسرحية، لان النص يجب ان يكتب للمشاهدة وليس للقراءة، وبالتأكيد فان هذا يحتم على المؤلف ان يمتلك أسس كتابة النص البصري، حتى يمكن التركيز على الجانب البصر ي في الفضاء.
- طبعا لان المسرح فن خاص فهو ليس كالرواية او القصة، وانما له قواعده واسسه اذ لابد ان يقوم المؤلف بذلك التكثيف والاقتصاد الذي من خلالهما ينجز الموضوع او العرض في فترة زمنية محددة. إضافة الى ان المسرح يفرض وجود الاصوات والافعال المتنوعة من خلال الحوار وكل صوت هو شخصية لها صفاتها وفعلها، وهذه الشروط يجب توفرها في الكتابة. كل هذا تعرض للتمييع أي ان منتج العرض عوض بدلا من هذا ان يكون العرض محشوا بالغناء والرقص والثرثرة والنكته والفكاهة الساذجة والحركة الفائضة التي يتقنها مهرج السيرك، وهذا مضمون الكثير من المسرحيات الان.
&
* انت استخدمت الليالي و كتبت خمس مسرحيات استلهاما من هذا التراث، وبما انك كاتب انتقائي أي انك تنتقي من التراث من اجل معاصرتك ماهو الجوهر الذي تبحث عنه في التراث وهل تعتبر هذا اساس لخلق المسرح العربي المعاص، أم البحث من اجل تفرد لغته المسرحية؟ وهل يعتبر تناول التراث الان دخول في المغامرة قد تؤدى الى تخلف المسرح العربي؟
- كل فن هو مغامرة، اما ينجح او لا، اما ان يمس مشاكل الجمهور او لا. ، وفي كل الاحوال فان المغامرة موجودة. ولكن حاجتنا للتراث قد تكون اكبر من حاجة الجمهور الاوربي للتراث، لان الاوربي له كلاسيكياته بدا من المسرح الاغريقي حيث وجود مسرحيات كلاسيكية مثل اوديب وانتكونا وأكاممنون او مسرحية الضفادع للأرستوفان او مسرحيات اسخيلوس، وبعد ذلك شكسبير الذي منح المسرح آفاقا جديدة. إذن مثل هذا التراث أرسى قاعدة مسرحية متينة عندهم، وتطورت هذه القاعدة في العصر الروماني وعصر النهضة حيث إغتنى المسرح هناك بفنون ووسائل اخرى كتراث مسرح الشارع أي الكوميديا دي لارتي ومولير وغيره. اما نحن فنفتقد للكلاسيكيات التي يمكنها أن تضيف قاعدة للمسرح المعاصر، بسبب عدم امتلاكنا تراثا مسرحيا، نعم ان تراثنا هو الحكي والتراث القصصي كألف ليلة وليلة . الخ ) والحكايات الشعبية و الدينية وغيرها. هذا تراث في ضمير الناس والشخصية القومية، وإلا لما عاش طول هذا الزمن. والغريب ان شخصيات الليالي شاملة أي انك تجد صداها في ذات ووجدان الانسان باختلاف الزمان والمكان كالعراقي، والمغربي والمصري والسوري وغيرهم وتمس روح أي انسان غير عربي عندما يقراها ايضا.&
&

&