أجرى الحوار وليد الخشاب
&
&
برونو إتيان أستاذ العلوم السياسية والاجتماع بجامعة آكس أون بروفانس واحد من ألمع المتخصصين في دراسة العالم الإسلامي وأوضاع المسلمين في فرنسا. بدأ برونو إتيان حياته البحثية مثل العديد من المثقفين اليساريين الفرنسيين في نهاية الخمسينات، فأقام في الجزائر وأنجز أطروحة الدكتوراة عن مرحلة الانتقال إلي الاستقلال، وكان من جيل الرواد الذين تحولوا في السبعينات من دراسة أوضاع العالم العربي في مرحلة ما بعد الاستقلال |
إلي دراسة إشكاليات الإسلام السياسي والتطرف الديني، وصار مع جيل كيبيل و فرنسوا بورجا من أول وأكبر المتخصصين في الإسلام السياسي. وقد تخرج علي يديه العديد من الباحثين في مجال الدراسات الاجتماعية والدينية المهمومين بالإسلام وأوضاع المسلمين في أوروبا.
علي خلاف العديد من اليساريين الفرنسيين، ظل برونو إتيان متفهماً لخصوصية الأقلية المسلمة في فرنسا ولم يسقط في الفخ الذي وقع فيه كثير من المثقفين العلمانيين الذين يخلطون بين المسلمين عامةً وبين التيارات المتطرفة العنيفة. ومع ذلك فهو يميز دائماً في كتاباته عن الإسلام السياسي بين التيارات السلطوية والشمولية وبين التيارات الناشطة في مجتمع البسطاء.
من أهم كتبه، "عبد القادر الجزائري. سيرة ذاتية"، "القنبلة الموقوتة"، "دكوا الهلال الخصيب".&
علي خلاف العديد من اليساريين الفرنسيين، ظل برونو إتيان متفهماً لخصوصية الأقلية المسلمة في فرنسا ولم يسقط في الفخ الذي وقع فيه كثير من المثقفين العلمانيين الذين يخلطون بين المسلمين عامةً وبين التيارات المتطرفة العنيفة. ومع ذلك فهو يميز دائماً في كتاباته عن الإسلام السياسي بين التيارات السلطوية والشمولية وبين التيارات الناشطة في مجتمع البسطاء.
من أهم كتبه، "عبد القادر الجزائري. سيرة ذاتية"، "القنبلة الموقوتة"، "دكوا الهلال الخصيب".&
&
هل ثمة فراغ أيديولوجي وسياسي في فرنسا؟ هل غياب الجهود التي كان يبذلها الحزب الشيوعي هو السبب في تصاعد نشاط الجمعيات الإسلامية بالذات؟
هذا الفراغ يمثل واحداً من الأسباب المعنية. ومعني ذلك أن هذه الجمعيات تعمل قريباً من الناس وعلي صعيدهم في حين أن هناك وزراء فرنسيون لم يروا شخصاً عربياً في حياتهم.&
&
ثمة تناقض بين الخلاصة التي توصلت إليها من خلال تحليل الأبحاث الميدانية، و بين خطاب العديد من المثقفين الفرنسيين الذين يعبرون عن هلعهم من تصاعد موجة الإسلام بشكل عام و الموجة الإسلاموية بشكل خاص.
ذلك لأنني لا أرى أن هناك ما يدعو للخوف علي الإطلاق. ربما كان موقفي بيولوجيا و ليس عقلانيا. أنا أخشي الحمقى و التلوث، لا المسلمين. و علي أية حال هناك مسلمون رأسماليون حمقي يساهمون في تلويث الكوكب.
&
أفي رأيك إذن ألا خوف من تفجر مشكلة إسلامية في فرنسا بسبب تداعيات صراعات خارجية مثل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني؟
لا خوف على الإطلاق. وقعت بالفعل بعض العراكات بسبب معاداة السامية، و قذف بعض شباب الضواحي حجارة تجاه بعض المعابد اليهودية أو كتبوا علي جدرانها بعض العبارات. لكن سرعان ما انتهي ذلك الأمر. في المقابل، إن لم يمنح الإسلام وضعا قانونيا في فرنسا، فسوف يتسبب ذلك في وقوع اضطرابات. علي أن هذه المشكلة سوف يتم حلها في غضون ثلاث أو أربع سنوات.
&
في كتابك عن العراق المعنون: "دكوا الهلال الخصيب" تحدثت عن أهمية إنشاء مجلس ملي للمسلمين في فرنسا، بينما انتقد البعض تلك الفكرة. هل تعتقد أن فكرة المجلس قابلة للتنفيذ بلا عقبات؟
نعم، بدليل أنها قيد التنفيذ. المشكلة تكمن في أن المسلمين عاجزون عن الاتفاق علي وسيلة انتخابية قاطعة تمكن وزارة الداخلية الفرنسية من اختيار ممثلي المسلمين. طلبت الوزارة عقد انتخابات لتعيين 35 ممثلاً للطائفة المسلمة، علي غرار المجلس اليهودي والاتحاد البروتستانتي، بحيث تتعاطى الدولة مع هؤلاء الممثلين. لكن وقعت خلافات ومشاحنات بين المؤسسات المسلمة. فجامع باريس الواقع تحت تأثير الجزائر قد رفض أن تكون الأغلبية لاتحاد المنظمات الإسلامية الفرنسية، وهذا لب المشكل. لعلك تعرف القصص المصورة عن شخصية "إيزنوجود" الذي ما يفتأ يردد: "أريد أن أصبح خليفة وأحل محل الخليفة". أعتقد أن بعض قيادات المسلمين الفرنسيين لا يحتملون أن يحل الشباب محلهم.
&
منذ بضعة سنوات يتحدث طارق رمضان عن الإسلام بوصفه درعاً يصد العولمة، وأنت شخصياً انتقدت النظام العالمي الجديد في كتابك "دكوا الهلال الخصيب" ولم تزل تنتقد ذلك النظام منذ 10 سنين. هل تعتقد أن النظرة للإسلام بوصفه حاجزاً يقي من العولمة، نظرة وجيهة؟
الإسلام ليس حائط الدفاع الوحيد ضد العولمة. الإسلام والقومية وكل ما يشكل رفضاً للقولبة في نمط رأسمالي موحد، أفكار تعترض طريق العولمة. الإسلام واحد من تلك العوامل لكنه ليس العامل الأوحد. و الإسلام قد يندرج تماماً في آليات العولمة. لقد أثبتت المملكة العربية السعودية أن الرأسمالية قابلة للتوافق التام مع الشريعة الإسلامية. يمكننا إذن أن نتصور إسلاماً رأسمالياً خالصاً.
&
الإسلام الذي يتحدث عنه طارق رمضان مثلما في تراث الإخوان المسلمين إسلام معارض.
ربما. لكن انظر تاريخ الإخوان المسلمين. لنقل ما شئنا عن حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان، لكنه كان يومياً علي اتصال بالطبقات الشعبية في أسفل السلم الاجتماعي، بينما ينفق بعض العرب ثمانية آلاف دولار يومياً علي ضفاف بحيرة جنيف، ويدفع البعض الآخر سنويا تكاليف 4800 ليلة فندقية بواقع 800 دولار لليلة، بين سان تروبيز و كان و نيس. لا أظن هؤلاء الأمراء قريبين من الشعب.
&
وهنا يكمن أحد أسباب نجاح الإخوان المسلمين.
نعم، ولهذا قارنت بين هذه الحركة وبين كل من الحزب الشيوعي ومنظمة شباب العمال المسيحية. كل من يعمل علي أرض الميدان الاجتماعي والخيري يحقق نجاحاً. لقد رأيت كيف تعمل بعض الجمعيات الخيرية الإسلامية في غزة. في موقع أزالت منه القوات الإسرائيلية منازل الأهالي، أنشأت تلك الجمعيات مبني صغيراً وأقامت مسجداً ومستوصفا ومدرسة وحضانة ونادي كاراتيه...هذا هو العمل بالقرب من البسطاء. ما يضمن النجاح للحركات الشعبوية هو تضافر التكافل والشئون الاجتماعية واكتساب المشروعية عن طريق الدين. كيف لا يصبح هذا العمل إيجابياً في نظر الطبقات الشعبية بقاع المجتمع، وسلبياً من وجهة نظر الدولة المتعالية؟
&
كثيراً ما يقف الإسلامويون في خانة اليمين المتطرف. هل تعتقد أن خطر الانزلاق نحو نازية إسلامية قد يهدد العالم العربي لو استمر تصاعد موجة الإسلام السياسي، لاسيما الجناح شديد الراديكالية؟
لقد أخفقت الإسلاموية السياسية الراديكالية التي كانت تهدف إلي إنشاء مدينة إسلامية فاضلة ودولة تلتزم الشريعة، وتأكد هذا الإخفاق التام في كافة أرجاء العالم. لكن ثمة خطراً يتخذ شكلاً مختلفاً: في بعض البلاد مثل مصر والأردن والمغرب، تم استيعاب المناضلين الإسلاميين في دورة الحياة شبه الديموقراطية. في البرلمان الجزائري يوجد حالياً 180 نائباً إسلامياً، ووزير الخارجية الجزائري ينتمي للتيار الإسلامي. كذلك العديد من ممثلي التيار الإسلامي نواب في البرلمان المصري بصفتهم مستقلون أو أعضاء في بعض الأحزاب.
لهذه الظاهرة عرضان جانبيان: الأول هو سحب البساط من تحت أقدام أكثر العناصر تطرفاً، والثاني بالتبعية- هو أسلمة المجتمع. لا يستطيع المرء شيئاً حيال كون الجزائر أكثر تعلقاً بالإسلام مما كانت عليه منذ خمسين عاماً. لكنها في الوقت نفسه نجت من خطر الوقوع في براثن نظام حكم يشبه نظام الطالبان.
&
هل يمكن للإسلام أن ينجح في الانتشار في المجتمع الفرنسي؟
حيث إن فرنسا تمثل فضاء حرية سوف يضطر المسلمون إلي إعادة فتح أبواب الجهاد. يشير طارق رمضان إلي أوروبا بمصطلح "دار الشهادة"، بينما يتحدث خالد بن شيخ عنها بوصفها "دار شريعة الأقلية" ويستخدم طارق أوبرو كذلك تعبير "شريعة الأقلية". في أوروبا نجد آليات يواجه فيها شباب المسلمين تحديات عديدة. هم يعرفون أن الديكتاتورية تهيمن علي العالم العربي بينما هم يعيشون في جو من الحرية في أوروبا. لذلك يتطورون فكرياً.
&
أليس ثمة خطر في أن يتبدل هذا الحال، بما أن الإسلام يتضمن تراثاً إمبريالياً واكب تأسيس دولة الإسلام الأولي واستمر عصوراً عديدة ؟
المسلمون أقلية في فرنسا لا أتصور أن ستين مليون فرنسي يمكن أن يتحولوا جميعاً للإسلام. حيث إن المسلمين نادراً ما كانوا يشكلون الأقلية في مجتمعاتهم فإن وضع المسلمين الأوروبيين يمثل تجربة جديدة علي الإسلام. شباب الباحثين المسلمين الأوروبيين اعتادوا الحرية ويتمسكون بالتفكير الأكاديمي الدقيق.& حتى الناشطين الإسلاميين الذين أختلط بهم وأناقشهم أجدهم متطورين فكرياً، تفصلهم مئات السنين الضوئية عن فكر الطالبان وخريجي المدارس التقليدية الإسلامية. هناك مثال آخر: ينمو الإسلام الصوفي حالياً في فرنسا علي نحو مذهل. من وقت لآخر يدعوني بعض الأصدقاء لحلقة مناقشة وقد أشترك معهم في حلقات الذكر. في آكس أون بروفانس توجد طريقة صوفية يبلغ عدد أعضائها 17& أو 18 شخصاً أغلبهم حاصلون علي الإجازة (أجريجاسيون) في العلوم الاقتصادية أو الثقافة العربية بالإضافة إلي عدد ممن اعتنقوا الإسلام حديثاً.
&
وما تفسيرك لهذا؟
العالم المادي يحتاج إلي الروحانيات.
&
ألا تخشي أن يقوم إسلام سياسي مناضل باجتباء هذا الإسلام الصوفي تحت عباءته ؟
التاريخ عماده استيعاب التيارات بعضها بعضاً وأنا لا أخشي شيئاً علي الإسلام الصوفي. أنا شخصياً أمارس الذكر لكني ما زلت ماركسياً أصيلاً. كنت في الماضي تقدمياً وثورياً، أرأيت إلام& آل ذلك؟ تشرح حنا آرندت بوضوح أن جذور الشمولية تضرب في ثقافة التقدم ويشرح ماركس أن المجتمع لا يستجيب إلا للتحديات التي تفرض عليه. والتحدي الذي يواجه شباب المسلمين حالياً هو قضيتا الاندماج في المجتمع الأوروبي والاجتهاد.و هنا أتفق مع فرنسوا بورجا في تحليلاته: هناك تيارات إسلامية حاملة للحداثة.
&
يخيل لي أن نجاح التيار الإسلامي الثوري يعود جزئياً إلي فشل تيارات اليسار.
الحق معك لكن تفسيرك ليس السبب الوحيد لنجاح الإسلام الثوري. يعود فشل الحركات اليسارية العربية إلي أن كافة الأنظمة الشمولية قد ذبحت اليسار ذبحاً. أؤكد علي ذلك لأن الأنظمة العربية التي وثقت بالشعب أندر من الخل الوفي. لا ينبغي أن ننسي أن عبد الناصر مثلاً قد زج في السجون نفسها بالشيوعيين والإخوان المسلمين معاً وأن إسرائيل قد ساهمت أكبر مساهمة في سحق اليسار العربي.&
&
&
التعليقات