حاوره قراء إيلاف
&
&
شاكر النابلسي مفكر أردني. بدأ حياته الثقافية كناقد أدبي في الشعر والرواية والقصة القصيرة. وكتب عدة دراسات في هذه المجالات. ثم تحول الى الفكر والسياسة وكتب فيهما عدة دراسات. له ما يقارب 40 كتابا. ويُعدُّ النابلسي الآن دراستين لكي تنشرا في 2005 الأولى عن فكر العفيف الأخضر وهي أول دراسة تصدر في المكتبة العربية عن فكر هذا المفكر الحداثي المتوهج، والثانية عما فعلته الدولة العربية بعد الاستقلال بعنوان |
"كوارث الاستقلال". نحيل القارئ الى الحلقة الأولى لكي يطلع على سيرة وأعمال الدكتور شاكر النابلسي. هنا الحلقة الثانية من أجوبة د. شاكر النابلسي على أسئلة قراء إيلاف:&
&
*من جمال السيد (مصر): قلت إن أمريكا هي ليل ونهار العرب لماذا، ولماذا انتشرت الثقافة الأمريكية في العالم العربي، هل لأنها قوية أم لإن الثقافة العربية ضعيفة، وأظن انه ليس عيباً أن نعترف أن ثقافتنا ثقافة مريضة ممتلئة غشاً وخداعاً وعدم احترام للخصوصية، وفي هذه الحالة ليس عيباً ايضا أن نأخذ ثقافة الآخر الأمريكي ما دامت ثقافته تتماشي مع العصر، بل من الضروري أن نتنازل عن ثقافتنا مقابل الثقافات الاخرى؟
&الثقافة الأمريكية لم تنتشر في العالم العربي بحد السيف كما تم نشر ثقافات أخرى عبر التاريخ. الثقافة الأمريكية انتشرت في العالم كله وأصبحت ثقافة عالمية تنتشر بذاتها وبحب الناس لها. أمريكا لم تستخدم أساطيلها وبارجاتها وجيشها لنشر ثقافتها. العالم هو الذي يقبل على الثقافة الأمريكية ويلاحقها. أمريكا مقصرة جداً بحق ثقافتها من حيث عدم بذل مجهود كبير لنشرها. قوة الثقافة الأمريكية ومصداقيتها تدعها ذات دفع ذاتي وقوة ذاتية. ولكن لا ننكر أن الثقافة العربية ثقافة هشة، بحيث أن أي ثقافة تتمكن من غزوها ودحرها ؟ ألم تتمكن الثقافتان البريطانية والفرنسية من السيطرة على العالم العربي في النصف الأول من القرن العشرين؟ وألم تتمكن الثقافة العثمانية طيلة خمسة قرون (1518-1918) من السيطرة على الثقافة العربية وإحلال الثقافة التركية محلها والتي ما زلنا نعيش الى الآن على مفردات لغتها، ونسمّي أكثر من سبعين بالمائة من أسمائنا باسماء تركية (ثروت، بهجت، حلمي، أنور، رفعت، مجدي، مدحت، عصمت، خلوصي، حكمت، فهمي، شوكت، احسان،& الخ). نعم ثقافتنا هشة لأنها تعتمد في معظمها على اجترار الماضي، وعلى الثابت لا المتحول، وعلى الاتباع لا الابتداع.
&
* من صلاح الشمري (الكويت): أتمنى أسمع رأيك فى هذه التركيبة السياسية التي استقرت في ذهني بعد انتهائي من قراءة كتاب وريثة العروش، و هو مذكرات الأميرة بديعة أم الشريف علي، وهي كالتالي: "أن يكون الحكم في العراق ملكياً هاشمياً دستورياً تحت وصاية أمريكية. والسبب في هذا، أن الأسرة الهاشمية مقدسة لدى الشيعة ومقبولة لدى السنة وهي عربية ولا يزايد عليها أحد، وبذا يسكت العروبيون. والهاشميون ليبراليون ومنفتحون. والوصاية الأمريكية تضمن لهم الأمن من اطماع من حولهم وسيكون حكمهم مؤثراً في تطبيق النموذج الغربي في الديمقراطية في الشرق الأوسط. أتمنى أسمع رأيك؟
- أنت& تعلم بأن الهاشميين قد جاءوا إلى المُلك في الأردن وسوريا والعراق في العشرينات من القرن الماضي لظروف سياسية معينة، وبناءعلى ما تم في مؤتمر القاهرة الذي عقده تشرشل بعد الحرب العالمية الأولى. وترضية للهاشميين ومكافأة لهم على وقوفهم إلى جانب الحلفاء ضد دول المحور، وتعويضاً لهم عن مملكة العرب الموعودة قبل الحرب، وتنصيب الشريف حسين ملكاً على العرب.
الظروف السياسية والدولية والاقليمية اختلفت هذه الأيام والاعبون اختلفوا والمبررات السياسية لتولية الهاشميين على العراق اختلفت. وبغض النظر عن المكانة الدينية للهاشميين، وبغض النظر عن انفتاحهم على الغرب، واستعدادهم لتطبيق الديمقراطية الغربية، والرضا الأمريكي عليها، هناك معادلات سياسية معقدة في المنطقة وفي العالم كذلك، تحول إلى حد كبير بين عودة الهاشميين إلى العراق. لا سيما وأن العراق يملك الآن من النخب السياسية القادرة على حكمه حكماً جمهورياً تداولياً . والعالم العربي ضائق بالجمهوريات الوراثية فما بالك بالملكية. المهم في النهاية هو من يحكم بالعدل سواء كان ملكياً أو جمهورياً. فملكيات أوروبا والدول الاسكندنافية أمنية كل شعب يحلم بالعدالة. وجمهوريات فرنسا والمانيا وأمريكا أمنية كل شعب يحلم بالعدالة أيضاً. الضامن للعدالة في الحكم ليس نوع النظام، ولكن القوانين الضابطة لهذا النظام.
لقد سُئل حكيم يوناني يوماً من قبل اتباعه:
-&لو نُصّبت ملكاً كيف تحكم؟
قال:& لن أحكم!
فسُئل: إذن، من سيحكم؟
قال: القانون.
&
من سميرة وهبة (مصر) : أنت مفكر غير مصري، ولكن بالتأكيد يهمك أمر مصر، وهذا ما لاحظته في مقالاتك. فهل من مخرج لدولة كمصر ولشعب كمصر ؟ هل بإنشاء لجنة لمراقبة الإصلاحات كتركيا رغم الفارق الكبير بينهما؟
- ربما ستضحكين عندما أقول لك إن مشكلة مصر الأساسية هي في هذا الانفجار السكاني العنيف. بدون تعطيل قنبلة الانفجار السكاني لا& يمكن لمصر أن تنهض. لقد صُرف على مصر منذ 1979 الى الآن مقدار ما صُرف على إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية ضمن مشروع مارشال. فماذا حدث لمصر الآن وماذا حدث لأوروبا بهذه المليارات؟ هل تعلمي أن عشرة أغنى دول في العالم لايوجد بينها دولة يتجاوز عدد سكانها خمسة ملايين نسمة غير سويسرا (7مليون) وأمريكا (260 مليون) وهما دولتان فيدراليتان، وهذا ساعدهما على تلاشي نكبات زيادة السكان. فالزحمة تعيق الحركة كما قال أرسطو منذ آلاف السنين. والإغريق منذ البداية فهموا تماماً أن دولة الرفاه هي الدولة الصغيرة. وقد أصدر اقتصاديان أكاديميان أمريكيان من جامعة هارفرد وجامعة شيكاغو كتاباً بعنوان (حجم الأمم) قالا فيه إن الدول الفقيرة لا خلاص لها من الفقر إلا بأن تكون فقيرة بسكانها، فغناها كامن بفقرها من السكان!
خلاص مصر هو أن تكون دولة لا يتجاوز عدد سكانها عشرة ملايين نسمة حتى يستطيعوا العيش بمستوى دخل سنوي لا يقل عن عشرة آلاف دولار، وليس 980 دولار فقط، كما قال تقرير مجلة "الايكونومست" المفجع لعام 2004. أما مجتمع الأرانب الذي تعيشه مصر الآن فسوف يؤدي بالمصريين في النهاية الى كارثة، تصل أن يبلغ دخل الفرد السنوي مائة دولار فقط. فمصر تتكاثر بسرعة أكثر من تكاثر سيقان العشب.
&
من قاريء لكتابك (الشارع العربي): قلت في كتابك "الشارع العربي": " أن الشارع العربي كيان هلامي غير محدد المعالم، ويتسم بالشعارات الرنانة الخالية من أي محتوى واقعي، وهو أحادي التوجه، ويخدع ذاته بدلاً من أن يواجهها، وهو شارع بلا قيادة، ومنقسم على نفسه، ويعاني من فراغ علمي رهيب، وتتملكه وتسيطر عليه الخرافة والتوتر والقهر والنفاق والزيف والخوف والعنف والفردية والإحباط والجهل والانقياد الأعمى وعدم الاستمرار في تبني المطالب والاستسلام للعواطف والتعالي الذاتي." فكيف يخرج شارع كهذا الى التقدم والتنوير وممارسة الديمقراطية ؟
- لن يخرج مثل هذا الشارع الى التقدم وممارسة الديمقراطية ما لم تتم الخطوات التالية وهي التي شرحتها في كتابي المذكور الذي تمّ منعه في أكثر من بلد عربي:
-& تغيير المناهج التعليمية العربية وكتابة هذه المناهج على أسس حديثة، كما سبق وذكرنا.
-& تربية النشء على ممارسة الديمقراطية في المدرسة كمنهاج وتربية، وليس الصياح والمطالبة بها في الشوارع.
-& بناء أحزاب سياسية معارضة على أسس سياسية حديثة، بدلاً من أحزاب الطوائف الموجودة الآن.
-&& قيام الإعلام العربي بدور ناشر الحقيقة وليس ناشر الفضيحة كما هو حاله الآن. وانتقال هذا الاعلام من دور اثارة الغرائز السياسية لدى المتلقى الى إعمال العقل في المجريات والأحداث السياسية. وكفُّ هذا الإعلام عن القيام بدور النداّبات في سرادقات العزاء.
&
من محمود باعثمان (السعودية): هل للديمقراطية جذور في المجتمع العربي لكي يستطيع المُنبتون والزُرّاع الآن إحياء هذه الجذور ورعايتها، لتنبت شجرة الديمقراطية من جديد في العالم العربي ، وتُزهر، وتُثمر ثمارها المباركة في القريب، أو في البعيد؟ وأفهم من أبحاثكم أن المجتمع المدني والقضاء هما اللذان يمهدا الطريق للديمقراطية وفي الوقت نفسه نجد مراكز الدعوة الى المجتمع المدني في مصر مثل "مركز ابن خلدون " مهدد بالتهديدات والاتهام بالتخريب والمؤامرة علي مصر.
- لا جذور للديمقراطية في المجتمع العربي طيلة خمسة عشر قرناً سابقة. التجربة الوحيدة واليتيمة لنا في الديمقراطية كانت في العهد الراشدي والتي لم تستمر غير أقل من خمسة عشر عاماً (فترة حكم أبي بكر وعمر بن الخطاب). وعندما جاء عثمان بن عفان لم يحكم حكماً ديمقراطياً وانما حكم حكماً قبلياً ديكتاتورياً. وهو الذي قتل المعارض السياسي والديني لحكمه وفساده المالي "أبي ذر الغفاري" في "الرّبذة" القريبة من المدينة المنورة بعد أن سجنه في الصحراء بطلب من معاوية بن ابي سفيان والي الشام في ذلك الوقت الذي ارسل أبي ذر مخفورا من الشام الى المدينةُ. وعثمان هو من كان يوزع على اهله وأقاربه من بيت مال المسلمين بدون حساب، ويهبهم من الأراضي الزراعية الخصبة في العراق بدون حساب، وعندما كان يُسئل عما يفعل كان يجيب: "لقد كان عمر بن الخطاب يمنع أهله من بيت المال ارضاءً لله، وأنا أعطي أهلي من بيت المال ارضاءً لله" وعندما طالبته المعارضة القرشية بالاستقالة كان رده: "إن الله قمّصني هذا القميص (الخلافة) ولن يخلعه غيره". ولم يستجب لهم مما دفعهم الى قتله. وعثمان هو هيأ لبني أمية (أهله وعشيرته) مُلك بني أمية. فعثمان هو صانع التاج الأموي ومعاوية هو الذي وضعه على رأسه. وتحول المُلك العربي منذ تلك الفترة وإلى الآن الى مُلك باتريمونيالي (حكم مطلق وراثي) وخضع للمتطلبات الدنيا وتحدياتها أكثر مما خضع لمتطلبات الدين وتعاليمه. وهذا ما دفع بعض الخلفاء الى إنكار وجود الاسلام أصلاً وانكارة النبوة وهو ما قاله يزيد بن معاوية الخليفة الثاني في العهد الأموي:
لعبت هاشم بالمُلك فلا&&&&&&&& خبرٌ جاء ولا وحيٌ نزل
وقول عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي عندما جاءه خبر اختياره للخلافة وكان يقرأ القرآن، فأطبق القرآن، وقال: "هذا آخر عهدنا بك !".
ولكن كما قلنا سابقاً، هناك بذور للديمقراطية داخل التربة العربية بحاجة الى الماء والنور لكي تنبت، وكذلك بحاجة الى المجتمع المدني.
إن ما تتعرض له مراكز الدعوة الى المجتمع المدني كمركز ابن خلدون في مصر ما هو إلا نتيجة للديكتاتورية السياسية والحزبية التي تعيشها مصر الآن، والمتمثلة في حكم الحزب الواحد فقط منذ نصف قرن (1954-2004). هذا الحزب الواحد الذي جاء تحت مسميات مختلفة. فمرة "هيئة التحرير" ومرة "الاتحاد القومي" ومرة "الاتحاد الاشتراكي" ومرة "الحزب الوطني" .. الخ.
&
من أحمد عياش (اليمن): هل أنت ايضاً صناعة غربية كما قلت عن ادوارد سعيد والعفيف الأخضر ومحمد أركون وجورج طرابيشي، وهل آرائكم نتيجة للثقافة الغربية والحرية الغربية والديمقراطية الغربية ،وهل يحنُّ الدم القومي العربي عليك أحيانا ؟
- لقد لعبت الثقافة الغربية دوراً كبيراً في تكويننا الثقافي. ولولا هذه الثقافة لكنا الآن في جانب المثقفين الأصوليين من أمثال الشيخ القرضاوي والغنوشي وحسن الترابي وأنور الجندي وفهمي هويدي وغيرهم. عدم تقدم معظم المثقفين العرب داخل العالم العربي الآن سببه احتجابهم عما يجري في العالم من أفكار جديدة، وتيارات جديدة، وسبل جديدة للتفكير. ما زال معظم المثقفين العرب داخل الوطن العربي يكتبون بطريقة كتاب القرون الوسطى ويفكرون بنفس الطريقة. لا شك أن وجودنا في الغرب قد لعب دوراً في نوعية ثقافتنا وانفتاحنا على آفاق الفكر الانساني الحديث بكل حرية . كما أن جو الحرية الذي نعيشه في الغرب قد هيأ لنا أن نعبر عن آرائنا بشجاعة نادرة. فنحن نقرأ بحرية ونفكر بحرية ونتحدث بحرية. وهذا هو سر الاقبال على كتاباتنا في العالم العربي على هذا النحو الآن.
&
منى الشيخ (لبنان):& لماذا تكتب ؟ أعرف أن هذا السؤال غبي ولكل سؤال غبي إجابة ذكية مبدعة . وماهي أهداف الرابطة التي ترأسها وهي الرابطة الجامعية الأمريكية؟ وما غرض وأهداف كتبكم (الفكر العربي في القرن العشرين& 1950- 2000) والمكون من ثلاثة أجزاء ،و(المال والهلال.. المواقع والدوافع الاقتصادية لظهور الإسلام)، و (لو لم يظهر الإسلام ما حال العرب الآن)، و(الشارع العربي.. دراسة سياسية تاريخية)
- أكتب لكي أشعر بوجودي وأبرر هذا الوجود. فالمثقف الحقيقي يردد: "أنا أكتب إذن أنا موجود" الكتابة هي مبرر وجود المثقف. لقد نادى المفكر الايطالي انطوان غرامشي في كتابه (دفاتر السجن) بأن يكون المثقف مثقفاً عضوياً؛ بمعنى أن يلتصق بمشكلات مجتمعه ولا يقتصر نشاطه على اجترار الماضي. أنا كاتب مزعج، ومقلق، وَسَامْ للبدن، وحارق للدم. ومن يقرأني ينام كل ليلة على الأشواك والمسامير الدقيقة. الكتابة عندي ليست (فصفصة لِب) أو (تقشير فستق) من أجل التسلية، ولكنها دقٌ على رؤوس المسامير الكبيرة، وتمزيق للستائر المخملية السميكة التي تختبيء وراءها الحقيقة، ومن أجل التوعية وإقلاق راحة المتلقي وانتشاله من بحيرة "العسل الأسود" التي يتخيل أنه ينام فيها، ووضعه في بحيرة القاذورات والنفايات الحقيقية التي يعيش& فيها حقيقةً لكي يشعر بمدى المأساة التي يعانيها. هذه هي مهمة المثقف في العالم العربي وفي العالم الثالث عموماً. أهداف الرابطة الجامعية الأمريكية - وهي حديثة النشأة - هي اقامة جسور التفاهم بين الشرق والغرب ومحاولة تحويل الصراع بين مثقفي الشرق والغرب الى تفاهم. أغراض كافة كتبي الأربعين هي إقلاق راحة القاريء أياً كان. كتبي ليست وسادة من ريش النعام لكي ينام عليها القاريء هانئاً سعيداً، بينما يترك قفاه مكشوفاً. إنها كتب من جمر ولهب. كتب للحريق وليست للتدفئة. كتب للتنقيم وليست للتنعيم. كتب تقول للقاريء ما لا يريد أن يسمعه، وما لم يعتد أن يسمعه من الكتّاب الذين يأخذونه الى النبع ويعودون به عطشاناً، ويبنون له أبراجاً من القش. مهمتي أنا وغيري من المثقفين التنويريين الليبراليين أن نكون مصدر ازعاج للرأي العام العربي. أن نكون مصدر قلق. أن نكون ضد التيار. أن نكون شهود زور - كما يُطلق علينا الإعلام العربي - على الحقيقة المزورة في العالم العربي. أن نكون محامين للشيطان.
&
من سامي رفعت (مصر):& قلت في مقالة لك في "وطني" وبأحد المواقع الاليكترونية لماذا، لماذا، وسألت بعض الأسئلة كلها بادئة بلماذا أصبحنا لا نهتدي إلا بالعصا؟ أرجو منك توضيح لماذا نحن كذلك: هل التربية والتعوّد والنرجسية والتعصب والجهل والفساد والقدرية والتفكير الديني الرجعي أم ماذا، وما هو السبب الجوهري الواقف وراء كل هذا ؟
- لا شك أن التربية والتعوّد والنرجسية والتعصب والجهل والفساد والقدرية والتفكير الديني الرجعي هو وراء أننا أصبحنا لا نهتدي إلا بالعصا، وبالعصا الغليظة أيضاً.
&فمنذ زمن ونحن نطالب باعادة النظر في مناهج التعليم العربي، ولا من مجيب إلا عندما رُفعت العصا الأمريكية في وجوهنا.
ومنذ زمن ونحن نطالب بنـزع أسلحة الدمار الشامل، ولا من مجيب إلا عندما رُفعت العصا الأمريكية في وجوهنا.
ومنذ زمن ونحن نطالب باجراء الانتخابات النيابية، ولا من مجيب إلا عندما رُفعت العصا الأمريكية في وجوهنا.
ومنذ زمن ونحن نطالب بالاصلاح السياسي، ولا من مجيب إلا عندما رُفعت العصا الأمريكية في وجوهنا.
ومنذ زمن ونحن نطالب باعطاء المرأة في دول الخليج خاصة حقوقها ومساواتها بالرجل، فلم تستجب بعض دول الخليج لجزء من هذه المطالب إلا عندما رُفعت العصا الأمريكية في وجوهنا.
ومنذ زمن ونحن نطالب بالاطاحة بالديكتاتورية العربية، ولا من مجيب إلا عندما رُفعت العصا الأمريكية في وجوهنا.
والسبب الجوهري الواقف وراء كل ذلك هو تراثنا. نحن أكثر شعوب العالم تمسكاً بأهداب التراث بكل سيئاته وحسناته. كان علينا أن نبدأ بفرز حسنات التراث عن سيئاته منذ زمن طويل، لكي نأخذ منه ما يفيد ونستبعد ما يضرُّ، أو ما هو غير صالح لنا الآن، ونحن على أعتاب القرن الحادي والعشرين. ولكننا لم نفعل ذلك. وأصبحنا نتخبط في أية الطرق نسلك. فنحن نجهل إلى الآن ماذا نريد وماذا نستطيع تحقيقه، وما هي الطريق التي علينا أن نسلكها. نحن أمة ضلّت الطريق، وهي تهيم على وجهها في الصحراء، وفي الخرافة، وفي الشعوذة، وفي معابد الماضي، ذات الهواء الرطب الفاسد.
&
&
من سامح سامي (مصر): أنا باحث في الدراسات المستقبلية، و أرى أن سيناريوهات الدول العربية المتاحة غير متفائلة، فكلها يدور في فلك السيناريو المرجعي والسيناريو الإصلاحي علي أفضل حال. تعليقك؟
- معك كل الحق في عدم التفاؤل، وكما قلتَ فكل السيناريوهات العربية يدور في فلك السيناريو المرجعي والاصلاحي المحدود على أكثر تقدير. ولا حل لوجود سيناريو اصلاحي حقيقي إلا بتخلّي العرب عن الشعور الكاذب (وهو كالحَمْل الكاذب وكالفجر الكاذب أيضاً) بالتفوق والتعالي والتكابر على بقية الأمم، ومنطق (لنا الصدر دون العالمين أو القبر) والاعتراف بأننا أمة خائبة عسكرياً، ومنحطة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ومفلسة مادياً (دخل اسبانيا السنوي القومي أكثر من دخل العالم العربي كله، ودخل هولندا أكثر من دخل كافة الدول العربية المصدرة للبترول، ودخل اسرائيل أكثر من دخل مصر وسوريا ولبنان والأردن مجتمعين) وأننا أمة في قاع العالم، وليس مَنْ تحتنا غير شعوب الصحراء الأفريقية الجنوبية كما قال تقريرا التنمية البشرية للأمم المتحدة 2002، 2003.
&علينا بالقيام بغربلة تراثنا، وإحراق أكثر من نصفه المليء بالخرافات والشعوذة السياسية والاجتماعية والدينية، والكفِّ عن اعتبار أن هذا التراث عابر للقارات، ويصلح لكل زمان ومكان، وفتح باب الاجتهاد السياسي والثقافي والفكري والاقتصادي والاجتماعي، ومحو الأمية، وخلع حجاب الوجه والعقل معاً.
يتبع
التعليقات