وداد فاخر
&
&
&
أمور عديدة تحتاج لدراسة وتمحيص، بعد أن اتضحت صورتها أخيرا، وظهر للعيان سيناريو ستتجمع خطوطه لاحقا وقبل موعد تسليم السلطة للعراقيين في 30 / حزيران 2004. فمن خطة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي، إلى قرار الحكومة الأمريكية الأخير بتعديل قانون إجتثاث البعث، ومن ثم ظهور تصريحات الأمين العام للجامعة العربية حول شروط مشاركة الدول العربية بقوات الطوارئ الدولية.
وإذا ما رجعنا لتفصيل هذه الأمور المستجدة الثلاثة، نرى أنها قد تزامنت سوية وفي ظروف أمنية حساسة جدا يمر بها العراق في هذه المرحلة بالذات.
فهناك توافق جلي وواضح في خطة موفد الأمين العام للأمم المتحدة التي تقضي باختيار حكومة من قائمة أسماء يتفق عليها من التكنوقراط، وهي حجة قوية يراد بها الالتفاف على الرأي العام العراقي لإعادة بعض الوجوه البعثية السابقة للسلطة بحجة حاجة العراق لتكنوقراط متمرسين في إدارة الدولة العراقية، وكأن العراق خال من الكفاءات العلمية والتقنية إلا من شراذم البعث المأفون.
أما الأمر الآخر فهو قرار الإدارة الأمريكية القاضي بتخفيف قانون إجتثاث البعث الذي يشكل خطرا مستقبلا في حالة تطبيقه على أرض الواقع الحاضر
لأن ذلك معناه العودة لتغلغل النفوذ البعثي داخل مفاصل وإدارات الدولة العراقية الجديدة، التي لم تتخلص للآن من أدران البعث السرطانية التي عاثت في العراق فسادا ولمدة 35 عاما، وهمشت فيه المجتمع العراقي وأرجعته سنينا عديدة إلى الوراء، وخربت ودمرت قيم وأخلاق المجتمع العراقي، وهدمت البنى التحتية، وأشعلت أوار ثلاث حروب كارثية في المنطقة كلفتها ملايين الأرواح، ومليارات الدولارات التي كانت يجب أن تصرف في الأوجه الصحيحة للتنمية وتطوير تلكم البلدان التي تضررت جراء تلك الحروب ومنها العراق. وقد كان تشبيه ( الدكتور أحمد الجلبي ) رئيس المؤتمر الوطني العراقي للتمهيد لعودة البعثيين إلى السلطة ( يشبه السماح بعودة النازيين إلى الحكومة الألمانية فور نهاية الحرب العالمية الثانية ) تشبيه حقيقي ومثل صائب، إذ تؤكد لنا الأحداث التاريخية صواب ذلك الرأي، ومثل الشهيد الزعيم عبد الكريم قاسم أكبر دليل على عدم أخلاقية البعثيين ولا إنسانيتهم وغدرهم، وقد قابلوا عفوه عمن تصدوا له بالسلاح في شارع الرشيد في محاولة اغتياله في 7 / 10 / 1959، بأنه ( ضعفا له وقوة لنا، وبدورنا استثمرنا تلك الفرصة إلى أبعد الحدود ) كتاب عراق 8 شباط 1963 من حوار المفاهيم إلى حوار الدم / مراجعات في ذاكرة طالب شبيب -، وكان من نتيجة ذلك العفو عن القتلة أن قتلوا الزعيم شر قتلة، يوم 8 شباط 1963 الأسود ورموا بجثته في النهر. فهل يعيد التاريخ نفسه ويرجع البعثيون من جديد ليتموا ما بدأ وه من مقابر جماعية في عهد ( قائدهم الضرورة ) ولكن بقيادات وسحن وأشكال جديدة؟.
لكن كل الدلائل تؤكد صعوبة هذه العودة والتي تتمثل في زيادة وعي الناس وحقدهم المقدس على من خرب بلادهم وشرد أبناءهم وجرعهم السم خلال ثلاث عقود ونصف من الزمن الذي لا يصدق العاقل ما جرى فيه من جرائم لا إنسانية بشعة، هذا أولا ولان من يقوم بالوساطة حاليا غير كفء لها ثانيا.
فالأخضر الإبراهيمي الذي يحمل مسمى المبعوث الخاص للامين العام للأمم المتحدة لا يتمتع بالمصداقية لدى العراقيين لا هو ولا منظمته التي كشفت التحقيقات الأخيرة ضلوعها بسرقة أموال الشعب العراقي ضمن ( برنامج النفط مقابل الغذاء )، بالإضافة للعقود المبرمة من قبل الأمم المتحدة مع حكومة البعث لشراء لوازم بناء القصور الرئاسية. وكل الأحداث السياسية ما قبل الحرب لإسقاط النظام الدكتاتوري تشير إلى تواطيء مكشوف للأمين العام كوفي أنان مع النظام العراقي ومحاولة إعادة تأهيله للإندماج بالمجتمع الدولي التي فشلت جميعها. بينما لا يحتاج السيد الإبراهيمي أي دليل لإثبات تحيزه الواضح إلى جانب النظام الدكتاتوري سابقا ولجانب فلول النظام الساقط حاليا، وهو صاحب التصريحات لدعم النظام الساقط وعراب زيارة الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان لبغداد في العام 1998، كذلك وقف مع صدام حسين وعارض طرده بالقوة العسكرية من الكويت بعد احتلالها في العام 1990. وجاء أخيرا ليدعم خطة إعادة عودة البعثيين للمشاركة في السلطة عند تصريحه بعد زيارته الفاشلة الأخيرة لبغداد بأنه ( سينقل للأمين العام للأمم المتحدة بعض المشكلات العالقة في العراق ومنها قانون إجتثاث البعث )، مستفيدا من قرار الإدارة الأمريكية الأخير بتخفيف ( إجتثاث حزب البعث )، محاولا في نفس الوقت واستنادا لصحيفة الواشنطن بوست الأمريكية ( إبعاد معظم رجال السياسة العراقيين الذين تعاونت معهم سلطات التحالف منذ سنة ).
أما الأمر الأكثر غرابة في سياق هذه الأحداث فهو تصريحات الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى الذي لا يحضا هو وجامعته بأي مصداقية تذكر لدى الشعب العراقي الذي يطالب جل مثقفيه بالانسحاب من الجامعة العربية التي لم تستطع لا هي ولا منظماتها التابعة لها إدانة المقابر الجماعية أو جرائم النظام العراقي الساقط، ولم يكن لها أو لأمينها العام الشجاعة الكافية للوقوف بوجه الدكتاتور السابق صدام حسين والطلب منه التنحي حقنا لدماء العراقيين تجنبا لنشوب الحرب الأخيرة، ولم تقف مع المعارضة العراقية سابقا، ولكنها فتحت ذراعيها بشخص أمينها العام لأعداء الشعب العراقي بعد سقوط النظام الدكتاتوري لتستقبلهم كسياسيين. وما استقبال الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى لشرطي امن بدرجة ( سياسي ) أو من يسمى سابقا بالكابتن ( كريم )، الذي لمعت صورته بعد طرد القوات الصدامية من الكويت ( المخابرات الكويتية )، بعد ادعائه معارضة النظام الدكتاتوري، والذي يسمي نفسه الآن بـ ( رئيس رابطة الدفاع عن الشعب العراقي ) الذي كان هو أحد قتلته لأكبر دليل على ذلك التحيز ضد الشعب العراقي. لذا فلم يلق أي من العراقيين بالا ل ( الشروط المحددة ) التي طرحها الأمين العام للجامعة العربية، وذهبت تصريحاته في أدراج الرياح، لأن تجربة الشعب اللبناني في وجود قوات الردع العربية لا يمكن تكرارها مهما عظمت الرزية بدولة عربية، خاصة إن الوقائع على الساحة السياسية تدين معظم الدول الإقليمية بالتدخل في الشأن العراقي الحالي وهي خارج حدوده الرسمية، فكيف يكون الحال وهي رابضة بقواتها العسكرية داخل العراق الذي لا حول له ولا قوة الآن؟؟!!، وإن هناك مثل حي لتصرف دولة مجاورة حصل بعد سقوط النظام والتي استغلت الجانب الإنساني ودخلت بقوات عسكرية للعراق مع ( مساعداتها الإنسانية )، وأخذت في طريق العودة معها أحد ( أعضاء القيادة القومية ) لحزب البعث الساقط، الذي ينتمي إليها، وللحقيقة فإنها خير ما فعلت، لكنها يمكن أن تفعلها أو غيرها بشكل ما ضد الشعب العراقي.
ويبقى اقتراح مجلس الحكم القاضي بتوسيع المجلس الذي سيختار هيئة رئاسية وحكومة جديدة حتى إجراء الانتخابات العامة، بدل تدخلات هذا الطرف العربي المشبوه أو ذاك ممن له مقاصد وأغراض شتى في خلط أوراق القضية العراقية، واللعب على الأرض العراقية بدون حسيب أو رقيب، وبغياب واضح للسلطة الأمنية الفعلية، مضافا لها التواجد الفعلي لفلول النظام البائد ومجرمي القاعدة.
لكن ما يفرضه الواقع المعاش هو أن تتنبه كل القوى الوطنية والدينية المشاركة في مجلس الحكم والقوى الأخرى ذات المصلحة الحقيقية في استقرار الوضع السياسي، وإعادة أعمار العراق، وتتفق على برنامج مرحلي جبهوي يضمن مشاركة حقيقية في السلطة، بعيدا عن نفي الآخر والتناحر السياسي والطائفي، وهو ما يرنو إليه جميع العراقيين الخيرين على مختلف أطيافهم السياسية والدينية، والعمل ضمن جبهة وطنية موسعة موحدة والتي تقطع الطريق على كل الطامعين والمتآمرين وذيول النظام السابق وأعوانهم، وتعيد للحركة الوطنية والدينية قوتها السابقة يوم كانت تقف بوجه السلطة الدكتاتورية وعنفوانها وجبروتها.
كاتب وصحفي مقيم في النمسا