مبروك بن عبد العزيز


&
&

لا تزال كلمة "إصلاح" التي برزت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر مبهمة و غامضة عند الشعوب العربية. أولا لأنها لم تأت نتيجة النقد الذاتي البناء النابع من شعوب المنطقة و إنما أتت من وراء البحار و بالتحديد من دولة تدعم عدو العرب اللدود، و ثانيا لأن كل طرف يراها من زاوية نظره. فجميع المفكرين و المثقفين العرب يرون فيها ضرورة المزيد من الحرّيات. لكن أيّة حريات؟ فالمثقف الإسلامي يرى فيها المزيد من حريات التعبير و تكوين الأحزاب و الانتخابات الشفافة لأن لديه شعبية يريد استثمارها، و المثقف العلماني يرى فيها تعليما حداثيا أو لائكيّا و مساواة المرأة بالرجل باعتماد رؤية غربية، علما أن المساواة الغربية هي نسبية و ليست مطلقة. فمثلا لا يحدد الكونغرس الأمريكي نسبة 25 بالمائة من النساء من النائبات.
يبدو أن صاحب فكرة الإصلاح كان على قدر كبير من الدهاء، فقد أراد ضرب عدة عصافير بحجر واحد، فمن الممكن أن يستعمل الإصلاح لإحداث الفتن، و لاحتواء جميع المطالبين بالديمقراطية على اختلاف مرجعياتهم. كما أن للإصلاح أهداف خاصة في كل دولة عربية( على حدّ المقاس). و لكلّ دولة برنامج محدد خاص بها عليها القيام به. لذلك تحاول الدول العربية الكبرى و الصغرى على حد السّواء الإفلات و التملّص من هذا الشرك الثقيل الذي سيجعلها لوقت غير قصير تحت ضغط مزدوج من الداخل و الخارج.
و الدول العربية تمثل فسيفساء متنوّعة من أساليب و تجارب الحكم نظرا لاختلاف مرجعياتها السياسة و الاقتصادية المتبعة منذ استقلالها. و لذلك نجد:
- بلدان ليس فيها مجالس منتخبة، و بلدان لها تجارب محتشمة في إجراء الانتخابات.
- بلدان تتباهى بحرية المرأة و بقوانين الأسرة بينما لا تملك ديمقراطية و لا حرّية التعبير و الصّحافة.
- بلدان فيها ديمقراطية فتية لكن ليس فيها حرّية المرأة كما يريد الغرب.
- بلدان لها ملكية مطلقة و بلدان لها ملكية نصف دستورية.
- بلدان لها جمهورية وراثية و بلدان لها جمهورية عسكرية.
- بلدان تسمح بحرية المعتقد و اخرى لا تسمح.
- بلدان لها تعليم يرتكز على الدّين و بلدان لها تعليم لائكي غربي في طابعه.
- الخ....
و لعلّ اخطر ما في مشروع الشرق الأوسط الكبير هو آثاره السلبية على العمل العربي المشترك في المدى القريب و المتوسط، لأنه سيجعل كل دولة مسؤولة عما تفعله أمام الدّول العظمى و ليس أمام شعوبها. و هناك شكوك جدية حول صدق نوايا الدول العظمى في إصلاح أوضاع العرب لان ذلك سيكون سببا في توحدهم في نهاية المطاف على غرار التكتلات الإقليمية الأخرى في العالم. مع العلم أن تلك الدول كانت متفقة فيما مضى على رفض أي تغيير في الأنظمة العربية و جعل هذه المنطقة من العالم منطقة جمود جليدي لا تعيش عصرها و لا دور لها غير ضخ النفط و الحرص على عدم خروج المارد الإسلامي من قمقمه.
لقطع الطريق أمام النوايا الخبيثة تجاه عالمنا العربي، و بعد أن ثبت أن جمع العرب بالطريقة الحالية أي في الجامعة العربية غير مجدي بالمرة، قد يكمن الحل في التفكير في تكوين نواة جديدة لهيكل أو اتّحاد عربي يضمّ الدول التي بلغت مستوى أدنى في الحكم الصالح و في تمثيل شعوبها تمثيلا حقيقيا مُثبتا، والتي تعتمد نفس الرؤية المستقبلية الحضارية لبلدان المنطقة، البعيدة عن التحديث التغريبي الذي أصبح اليوم أحد أهم أسباب الفرقة. من تلك الدول يمكن ذكر لبنان، البحرين، المغرب، اليمن، الكويت و العراق و ربما جيبوتي أو الصومال أو جزر القمر فليس لدي فكرة عنها. ثم يفتح باب الترشّح لباقي الدول شريطة أن تراقب الانتخابات فيها من قبل لجان مراقبة تنتمي إلى المجموعة النواة. لا يهم انضمام جميع الدول منذ البداية دفعة واحدة، ففي الاتحاد الأوروبي مثلا لا تمثل كلّ الدول الأوروبية بل هناك شروط معينة سياسية و اقتصادية للانضمام للاتحاد، كما أن موافقة الشعوب على الانضمام شرط أساسي يزيد من شعور الحكام بالمسؤولية كما يجلب الاحترام الخارجي.
&الحل الثاني هو انقسام العالم العربي إلى ثلاث أو أربع تجمعات إقليمية كبرى تمتاز بتقارب وجهات النظر و الرؤى لتشابه تركيبتها الاجتماعية و الاقتصادية، و تكون هذه مرحلة بنضجها يمكن الحديث عن الوحدة الشاملة. و هذه التجمعات هي: مصر- الأردن- لبنان- سوريا- فلسطين ثم تونس - الجزائر - المغرب - موريتانيا ليبيا ثم السودان الصومال العراق - جزر القمر جيبوتي السعودية قطر- البحرين - عمان - الإمارات الكويت.