سيدي الرئيس: أنا واحد من رعاياك، أعيش في كردستان المحررة من الدكتاتورية قبل خمسة عشر عاما منذ نعومة أظفاري..أكتب اليك هذه الرسالة متشجعا بالأجواء الديمقراطية التي تحققت في وطني بفضل المسيرة النضالية التي خضتموها مع رفاقكم، ويشرفني أنني ساهمت بقدر في هذه المسيرة ضد الدكتاتورية وشاركت في ثورتين لشعبي، ثورة أيلول التي قادها والدكم الزعيم الراحل مصطفى بارزاني،والثورة الجديدة التي جاءت ردا على إنتكاسة عام 1975، كما أنني لم أترك بلدي منذ أن شببت فيها ولحد كتابة هذه الرسالة، لأني إلتصقت بأرضه وسمائه على الرغم من هول الجرائم العنصرية التي أرتكبت بحق شعبي على يد الأنظمة الدكتاتورية السابقة..
أسوق هذه المقدمة لكي لا يشك أحد في ولائي وإنتمائي ووطنيتي، وأنا أكتب هذه الرسالة الصريحة التي أعتبرها إستغاثة المظلومين وأنا واحد منهم، ولكي لا يتهمني أحد من السادة المسؤولين بالعمالة للأجنبي كما هو دأبهم في مثل هذه المصارحات، كما رد بعض مسؤولي حكومتنا الأقليمية تظاهرات الفقراء الغاضبين على سوء الخدمات في دربنديخان وجمجمال قبل أشهر بأن أياد خارجية حركتهم، وقبلها أتهم شباب حلبجة الذبيحة بنفس التهمة عندما ثاروا على أوضاعهم المزرية وأحرقوا أحد أكبر رموز الظلم الواقع على الشعب الكردي، وهو نصب الشهيد، رمز الإبادة الجماعية بالأسلحة الكيمياوية في القرن العشرين.
سيدي الرئيس أرجو أن يتسع قلبك ووقتك لهذه المكاشفة، وأؤكد لكم قبلا نيتي الصافية في كتابة هذه الرسالة لأشعاركم ببعض ما نقاسيه نحن شعبك في هذه الأيام من معاناة يومية لم نعش مثلها من قبل.
فالأزمات تطحننا سيدي الرئيس من كل حدب وصوب، فهناك أزمة الكهرباء والوقود، وأزمة السكن والغلاء، وكل هذه الأزمات خانقة وقاسية لم نلحظ من الحكومة أي حركة بإتجاه إيجاد الحلول ولو لجزء منها ما عدا إطلاق الكثير من الوعود والعهود التي نسمعها مرارا وتكرارا من وسائل الإعلام وهي وعود لا تسمن ولا تغني من جوع.
فوضع الكهرباء يا سيدي يسير من سيء الى أسوأ، وتزداد معاناة الناس في عاصمتك الأقليمية يوما بعد يوم. وتلك مشكلة مزمنة منذ أن حررنا كردستاننا وبقيت لحد الساعة من دون حل جذري، فكل ما فعلته الحكومة الأقليمية أن نفضت يدها عن حل هذه المشكلة برميها بوجه أصحاب المولدات الأهلية، وهذه لعمري تنصل من حكومة عن مسؤولياتها،وقد سمعنا قبل أيام بشرى من السيد رئيس الحكومة بأنه يسعى الى جعل أربيل تظاهي عواصم العالم، ولكن العواصم سيدي الرئيس لن تضاء بمولدات أهلية صغيرة، وأربيل التي تغرق في الظلام الدامس كل ليلة لن تتسابق مع عواصم العالم ما دامت أمورها بيد بعض المستغلين الذين يمتصون دماء أبنائها،فإذا أردنا أن نضيء عاصمتنا الأقليمية، نحتاج الى مشاريع
ستراتيجية ضخمة في مجال الطاقة وليس الى حلول وقتية لا تحل مثل هذه المشكلة الكبيرة. فالحياة يا سيدي الرئيس مشلولة إن لم نقل متوقفة تماما في عاصمتنا بسبب هذه الأزمة، لأن الكهرباء نعمة العصر و لا حياة من دونها، فطفلي الصغير من حقه أن يتفرج على أفلام الكرتون، ولإبني الشاب الحق بمشاهدة المسلسلات الكردية التي حرمنا منها نحن لعقود طويلة من الزمن بسبب السياسات العنصرية للأنظمة الحاكمة، ولزوجتي الحق في حفظ الطعام بالثلاجة، ولي الحق في متابعة أحداث العالم لأن هذه المتابعة تشكل الزاد اليومي للكتابة التي توقفت عن مواصلتها بسبب الإرباك الحاصل في برامج توزيع الكهرباء، كما لجميع من في الأسواق حق على حكومتهم بتوفير هذه الخدمة لأن أقوات أطفالهم مرتبطة بها.
وللأسف جميع الوعود التي يعطيها المسؤولون لمعالجة هذه الأزمة تذهب أدراج الرياح و لا تعدو سوى وعود فارغة هدفها إحتواء غضب الشارع الكردي وخدر مشاعر المواطنين، وهذا يعني خداعهم بتلك الوعود.. ودعني أذكرك سيدي الرئيس بواحدة من تلك الوعود التي صدرت عن وزارة الكهرباء في بداية حلول فصل الصيف اللاهب في كردستان،عندما وعدت بتجهيز بيوت المواطنين بعشرين ساعة من الكهرباء، ولكنها لم تف بوعدها إلا لعشر ساعات يوميا!. وآخر وعود الوزارة كانت قبل أسابيع عندما أعلنت أنها ستزود البيوت بست ساعات من الطاقة ولكنها في عز الطلب في هذا الشهر الفضيل لا تستطيع أن توفر غير ساعتين فقط وفي أوقات متباعدة جدا،وهذا كما تعلمون سيادة الرئيس معاناة لا يمكن وصفها..وإعلم سيدي أننا في كثير من الليالي الرمضانية نتسحر على ضوء الشموع ونفطر على ضوء الفوانيس التي إندثرت في العالم بفضل ثورة التكنولوجيا!.
وفي مجال أزمة الوقود، أود أن أبين لسيادتكم أن الأزمة مفتعلة وبشكل واضح، لأنه لا وجود أصلا لأزمة في الوقود بدليل إمتلاء شوارع مدننا بملايين اللترات من البنزين تباع على أرصفتها من قبل أطفال صغار. وليسأل أي مسؤول معني في الحكومة نفسه ولو لمرة واحدة: من أين يأتي هؤلاء الأطفال بكل هذه الكمية من البنزين، هل لهم إجازات إستيراد خاصة من مصافي الدورة وبيجي وهي مصافي حكومية تابعة للدولة؟ أم أن هناك من يسلم حصتي وحصة غيري الى أيدي هؤلاء الأطفال؟.من أين لهؤلاء الباعة أن يحصلوا كل يوم على عشرات البراميل من البنزين يتاجرون بها في وضح النهار وأمام أنظار السادة المسؤولين وأنا المواطن لا أستلم سوى 30 لترا في الأسبوع وهي كمية لا تكفي لتلبية أبسط متطلباتي؟.أية أيادي خفية تسرب كل هذه الملايين من اللترات الى باعة الأرصفة؟ !!فالى متى تسكت الحكومة عن هذه التجارة السوداء التي تثري عددا محدودا من الأشخاص على حساب غالبية المواطنين وشقائهم مع هذه الأزمة؟. هل ثم يجوز لحكومة تدعي الشفافية والحرص على بناء مؤسسات المجتمع المدني أن تترك شيوع التجارة السوداء داخل البلد؟!!
هل تصدق سيدي الرئيس أن برميل النفط الخام يباع في الأسواق العالمية بـ75 دولارا، ويباع برميل البنزين في أربيل وهو من مشتقات النفط الخام بما يقرب من 200 دولار؟!. هل تصدق أن يباع برميل النفط الأبيض بمئة وخمسين دولارا وسعره الحكومي لا يتجاوز بضعة دنانير؟! وهل تعلم سيدي الرئيس أننا نستلم حصة واحدة من النفط كل سنة وهو برميل واحد فقط مع أن كل عائلة تحتاج الى خمسة براميل من النفط الأبيض في الشتاء القارص في كردستان، فمن أين يأتي هؤلاء بألف دولار لتأمين التدفئة لبيوتهم في الشتاء؟!.
وفي مجال الخدمات، أدعوك سيدي الرئيس الى النزول من مكتبك والتجول في شوارع عاصمتك الأقليمية لتعاين حجم الخراب الذي حل بالمدينة جراء المشاريع التي تنفذ فيها والعديد منها غير ضرورية مثل تبليط بعض شوارع المدينة بالآجر؟. قد يقول قائل وماذا في ذلك، فهذا دليل صحة أن تقوم الحكومة بتنفيذ المشاريع البلدية والخدمية في المدينة، وأنا أؤيده في ذلك، ولكن دعنا نتصارح سيدي الرئيس فمعظم المشاريع المنفذة في المدينة غير مخططة وهي جزء من مشاريع تنهال على الأقليم من دون أية ضوابط أو دراسة مسبقة لإمكانية تنفيذها، مما يؤدي بالنتيجة الى تسليمها الى شركات غير متخصصة يديرها أشخاص متنفذون، فليست هناك حكومة في أي دولة بالعالم مهما أوتيت من قوة وإمكانيات تتمكن من تنفيذ أربعة آلاف مشروع في وقت واحد بمدينة صغيرة مثل عاصمتنا أربيل؟!.وفي ظل فقدان التخطيط وإنعدام الرقابة على أعمال تلك الشركات فإن جميع تلك المشاريع ينفض المقاولون أيديهم عنها قبل أكمالها. فمن أبسط شروط العقد أن يعاد الشيء الى موضعه بعد إنجاز المشروع، ولكن مقاولونا سيدي الرئيس يتركونها من دون إعادتها الى وضعها السابق،وجولة واحدة منك داخل شوارع العاصمة ستتأكد بها من حجم الخراب الذي يحدثه المقاولون بشوارع المدينة، فليس فيها شبر لم يحفر ويترك من دون الردم والتزفيت!.
أما أزمة السكن سيدي الرئيس فحدث عنها ولا حرج، فهناك حملة قاسية وظالمة من المؤجرين للضغط على المستأجرين لا تخلو في كثير من الأحيان من التهديد بالطرد من بيوتهم المستأجرة في حال عدم رفع الإيجار،فأسعار الإيجارات إرتفعت بشكل جنوني في ظل غياب تدخل الحكومة، لأن أصحاب الدور يستغلون تغافل الحكومة والقانون ليفرضوا من دون خوف أو رادع قانوني أو إنساني أعلى الإيجارات على المستأجرين الذين لا حول لهم ولا قوة، ومن يمتنع يطرد من داره لتؤجر الى آخر.
وما زاد الطين بلة هو قيام نصف دوائر الحكومة بإستئجار بيوت المواطنين مقرات لها، وكذا بالنسبة لمكاتب المنظمات ومقرات الأحزاب والتنظيمات السياسية والمهنية التي تمتليء بهم المدن الكردستانية، فهؤلاء هم سبب الداء والبلاء في هذه الأزمة الخانقة، ولا تكلف الحكومة نفسها ببناء مقرات لدوائرها فتلجأ الى إستئجار بيوت المواطنين لذلك، فإذا كان هذا هو حال الحكومة ودوائرها فكيف تستطيع هذه الحكومة أن تحل أزمة السكن؟. ففاقد الشيء لا يعطيه سيدي الرئيس.
أما الغلاء الفاحش الذي يضرب الأقليم فهو غلاء لم يسبق له مثيل في تاريخ العراق أبدا..حتى بدت نسوة المدينة يعتبرنه ( الغلاء الأكبر) في إشارة منهن الى المجاعة التي حلت بالعراق أثناء سنوات الحرب العالمية الأولى!. فالأسعار تضاعفت بغير حدود، والدخول بقيت على حالها وخصوصا بالنسبة لفئة الموظفين الذين عاد الكثيرون منهم الى ممارسة الأعمال الحرة خارج الدوام الرسمي لأن رواتبهم المتدنية لا تكفي لسد رمق أطفالهم وتوفير متطلباتهم وحاجاتهم الأساسية.. لي قريب سيدي الرئيس وهو شاب في مقتبل العمر تزوج حديثا ويعيل شقيقين له ويعمل في وسيلة إعلامية مساء وفي النهار يعمل كعامل بناء لأن راتبه لا يتجاوز 100 دولار وإيجار بيته 170 دولار، فكيف يمكن لهذا الشاب الغر أن يبني مستقبله وعائلته وهو يلهث وراء تدبير لقمة العيش لزوجته وأشقائه طوال النهار وآناء الليل؟!..وهناك مئات الآلاف مثله يلهثون صباحهم ومسائهم وراء لقمة العيش وبالكاد يجدونها ولو بشق الأنفس.
سيدي الرئيس
لقد أثقلت عليك بنقل همومي والتي هي هموم غالبية أبناء شعبي، ولست أدعي أنك تملك عصا سحرية تضرب بها الحجر ليتفجر منه الماء، ولكني أدعوك لتأخذ زمام المبادرة بمعالجة هذه الأوضاع السوداوية التي نمر بها اليوم، فلقد تعبنا جدا ونتعذب كل يوم تحت وطأة هذه الأزمات والمشاكل الحياتية التي لو وقعت واحدة منها في دولة متمدنة لأسقطت عشر حكومات،فلقد إنتخبناك لأنك واحد منا نعرفك ونعرف عائلتك التي ضحت بالكثير من أجل هذا اليوم الذي نتمتع فيه بالحرية والإستقرار، ولكن سيدي الرئيس دعني أصارحك القول أن الكثير من الناس بدؤا يكفرون بتلك الحرية وذلك الإستقرار، وبينهم من اليائسين من يتحسر على أيام الدكتاتور صدام حسين من هول ما يواجهه كل يوم من المعاناة والعذاب،ولعل تظاهرات مدن دربنديخان وكلار وجمجمال وغيرها كانت إيذانا ببلوغ السيل الزبى لدى المواطن الكردستاني..
وفي الختام أذكرك سيدي الرئيس بتصريح لك قبل عدة أشهر في مناسبة عندما قلت بشجاعة quot; إذا عجزنا عن خدمة شعبنا وحل مشاكله، فسنصارح شعبنا بذلك ونقول لهم لقد فشلناquot; وأنا أتمنى من كل قلبي أن لايكون أوان هذه المصارحة قد حل، وأن تكون هناك فسحة إضافية لتدارك أوضاع شعبك المظلوم، وهم في النهاية أهلك الذين ناضلت من أجلهم وكرست حياتك لتحقيق الأمن والحرية لهم.. والسلام..
شيرزاد شيخاني
التعليقات