يرتبط شهر آذار/مارس في الذاكرة الجمعية الكردية بأحداث مأساوية تعرض لها الشعب الكردي في هذا الشهر، وقد تم تسطير جميع تلك الأحداث التي وقعت في التاريخ الكردي بالدم، ما عدا مناسبة واحدة تطل على الأكراد في هذا الشهر يخرجون فيها للأحتفال شيبا وشبانا، وهي عيد نوروز الذي يحتفل به الأكراد كل عام في الحادي والعشرين منه، وهو بدوره عيد تخضب بالدم واقترن بالنضال القومي للشعب الكردي رغم أن إحتفال الأكراد بهذا العيد هو خطأ تاريخي شائع منذ أكثر من 25 قرنا كما سنأتي على ذكر ذلك في موضعه بحلقة قادمة.
المهم أن هذا الشهر الذي يستهل الربيع فيه إطلالته الزاهية على الأرض ليغطيها بالخضرة وألوان الورد ويحتفل بإطلالته الكثير من شعوب العالم، هو شهر مشؤوم بالنسبة للشعب الكردي.
ففي مستهله فقد الأكراد في عام 1979 أحد أعظم قادتهم التاريخيين هو الملا مصطفى البارزاني الذي خلده التاريخ الكردي وروى صفحات مشرقة من نضاله الثوري قائدا لشعبه في أحلك سنوات الدكتاتورية التي أبتلى العراق بها بعد سقوط النظام الملكي.
ثم شهد السادس منه عام 1975 توقيع المعاهدة المشؤومة التي عرفت بمعاهدة الجزائر بين شاه إيران وصدام حسين والتي أنهت ثورة كردية متواصلة استمرت لأربعة عشر عاما.
يليها في الحادي عشر منه التوقيع على اتفاقية 11 آذار بين قيادة الثورة الكردية والحكومة العراقية،والتي كانت مجرد خدعة إنطلت على القيادة الكردية لأربع سنوات متتالية استتبعتها جولة أخرى من القتال الدامي بين قوات الثورة وحكومة البعث.
ثم جاء السادس عشر منه، هو يوم القيامة الكردية عندما إستخدم نظام صدام حسين الغازات الكيمياوية الخانقة ضد سكان مدينة حلبجة الكردية التي تحولت الى رمز شامخ لمظلومية هذا الشعب وعنوانا بارزا لمأساة الأكراد في العراق،وهي عملية قضت على 5000 آلاف إنسان في ظرف عدة دقائق، وكانت تلك الضربة تشكل سابقة خطيرة في تاريخ المنطقة التي لم يسبق لأي من شعوبها أن تعرضت لضربة كيمياوية بذلك الحجم المرعب،وكانت بمثابة تجربة أولية لمخزون النظام الدكتاتوري العراقي من أسلحة الإبادة الشاملة التي أرعبت دول العالم برمتها.
سأحاول في هذه السلسلة من المقالات أن أركز على بعض جوانب تلك الأحداث خاصة وأنني عايشت معظمها كشاهد عيان. وسـأحاول أيضا أن أضيف رؤية متجددة لتلك الأحداث التي لم أكن في حينها في موقع يتيح لي تحليل أسبابها أو كشف جوانبها المخفية بسبب إفتقاري الى الوسائل التي تتيح لي الحصول على معلومات صحيحة عن تلك الأحداث بسبب التعتيم الإعلامي الذي كان النظام الدكتاتوري يفرضه على تلقي تلك المعلومات من مصادرها الأساسية. ولعل حدوث الإنتفاضة الجماهيرية العارمة التي بدأت عام 1991 في شهر آذار أيضا وما استتبعها من تحرير أجزاء كبيرة من كردستان التي بدأت بالتحول نحو مرحلة جديدة في تاريخها بتحررها من قبضة الأنظمة العنصرية الحاكمة، وهي مرحلة تدشين أول تجربة ديمقراطية على أرض العراق أتاحت للكثير من الباحثين والمحللين والمختصصين حرية لم تكن معهودة في السنوات السابقة لإستقاء المعلومات من مصادرها الأساسية وتلقي المئات بل والآلاف من الوثائق الرسمية من شتى المصادر حول تلك الأحداث وما رافقتها مما ساعد على إتضاح الصورة أكثر أمام الباحث والدارس وبالتالي تمكينهما من تحليل الوقائع والأحداث والخروج بنتائج أقرب الى الحقيقة لتحديد أسباب وتداعيات تلك الأحداث.
نحن اليوم نمتلك كما هائلا من المعلومات مستقاة من مصادر رسمية في الداخل وتلك التي نشرت في العديد من مراكز البحوث والدراسات في شتى أرجاء العالم شكلت بمجملها فرصة بناء تصور واضح لفهم ما جرى في العراق خلال السنوات الماضية ووضع الحقائق أمام الأجيال القادمة التي بدت الآن تتطلع الى عراق جديد يختلف عما عشناه في السنوات الأربعين التي خلت.وسيكون المدخل الى هذه السلسلة في الحلقة القادمة إستعراض تاريخ القائد الخالد الملا مصطفى البارزاني ودوره في بعث الأمة الكردية من خلال قيادته لثورة تحررية لم تكن بأقل شأنا من الثورات الكبرى التي شهدتها بعض دول العالم والتي مجدها التاريخ الانساني.
شيرزاد شيخاني
التعليقات