يقال: quot;الصحافيون هما الأقصر عمراًquot;، وأنا أقول ما بالك أن كنت صحافياً وعربياً في ذات الوقت، فالاستفزازات تلاحقك أينما ذهبت وأينما حللت، تخيل أنك تبدأ يومك بالأخبار التي تتلون حسب مصدرها، فكلما دخلت موقعاً إعلامياً فلسطينياً محسوب على حركة (حماس) أو مقرب منها على اقل تقدير قلت في نفسي: quot;هانت يومين- ثلاث- بالكثير والأوضاع تسير على ما يرامquot; فحكومة حماس -ما شاء الله- تسيطر على الموقف وبوادر انفراج قادمة.
بعد هنيئة اضغط على عنوان موقع الكتروني آخر محسوب على حركة (فتح) مثلاً لأكون ملماً ومطلعاً على تفاصيل الأمور والأحداث جميعهاً..لوازم المهنة كما يقال. وحتى افهم الحكاية من quot;طق طق إلى السلام عليكمquot;..يصادفني على صفحة الموقع عنوانا رئيسياً مع صورة مختارة بعناية لتؤدي الغرض. فيفزع قلبي ويقف شعر رأسي وأرى الشعب الفلسطيني قد مات جوعاً..quot;تسود الدنيا بوجهيquot;. فالأطفال أراهم مشردين والموظفين بلا رواتب والحال ما بسر عدو، والوضع متدهور ونحن ذاهبون إلى جهنم..!!
كل هذه الأشياء تستفزني يومياً،، قبل أن أشرع في العمل وأقول بسم الله، تجعلني أتمنى لو أنني أعيش وحيداً مثل روبن كروزا في جزيرة نائية من جزر الكاريبي، أمشي حافياً، واضع على جسدي قميص مشجر.
أتأهب للعمل، وأبد في كتابة الأخبار والتقارير..حين أحتاج للاستفسار عن موضوع من مسؤول ما لكي أكون بالصورة ولا يتهمني أحداً بعدم الموضوعية والمصداقية..وما أدراك في عصرنا ما الموضوعية!!. أضغط على أزرار quot;جواليquot; لأتحدث مع المسؤول إياه..ولكن هيهات يجيب..وللعلم فقط، هناك وزيراً منذ أسبوعين وهو داخل اجتماع كلما هاتفته أجابني مرافقه الشخصي: الوزير في اجتماع. اللهم قصر اجتماعاتهم يا رب.
عند ساعة المساء، أحمل قلمي لأخط مقال، تصارعني الأفكار، فلكما كتبت فقرة. أنظر إليها، أتأملها من رأسها حتى أخمص قدميها..أقول: يا آلهي أنها جميلة وتخدم بيت القصيد..أعيد تأملها مجدداً..أجد خصرها نحيلاً كالمطلوب وشعرها أسود طويل وبشرتها ملساء. ولكن مشكلتها عيونها خضراء..فأتذكر أن أحد فصائل العمل الوطني الفلسطيني لا يحب الأخضر.. quot;ولا العيون الخضراءquot;..أضطر لمحو ما كتبت مستشيطاً غضباً. وأقول: quot;اللهم طولك يا روحquot;، وأشعل سيجارة وأتناول فنجان القهوة التاسع منذ الصباح.
أعاود مجدداً، يمر في مخيلتي رف حمام، أقتنص الفرصة وأحاول أن أكتب عن السلام. ينتزعني صوت انفجار..اجتياح للمدينة..يضيع السلام ويطير صوابي والحمام. أقفل الملف الذي كنت أكتب به..وأعود لمتابعة مستجدات الأحداث، وهيهات الأخبار تنتهي.
أنهي عملي وأعود للبيب..أثناء الطريق يصادفني عجب العجاب..أسمع رجلاً في quot;التكسيquot; الذي أستقله يتحدث عن الحرب والسلام ويخبر الركاب معلومات خطيرة للغاية عن الوضع الفلسطيني القادم ويحذرهم من المجهول..أستنفر لمعرفة مصدر معلوماته..يقول لي: سمعت رجلاً الآن يتحدث على التلفاز. أستعيذ بالله من غضب الله. وأجد نفسي مندفعاً موجها له سؤال كقذيفة بالحرب وعلى الطريقة العربية التقليدية: هل الذي كان يتكلم فتح أم حماس؟. فرفقاً بنا يا فصائل..فأننا شعب منذ قرن ونيف لم يرتاح.

خلف خلف
[email protected]