النوبيون أفارقة.. ولكن ليس كل الأفارقة نوبيين


نشرت صحيفة العربي التي تصدر في القاهرة في عددها رقم (997) الصادر بتاريخ 19/2/2006، مقالين بقلم كل من السيد بهاء طاهر والسيد حجاج أدول. ولن أفند هنا ما جاء في المقالين رغم أن هناك الكثير الكثير الذي يجب توضيحه. ولكن ما لفت انتباهي هو أن السيد حجاج أدول عندما كتب رده على مقال السيد بهاء طاهر، وبعد أن بادله الغـــزل، لم يدرك أو يتوقف ndash;جهلاً أو تجاهلاً- عند أهم نقطة فيما كتبه السيد بهاء وهي عبارة: quot;ما أضعف العلاقة التي تربط مصر بإفريقيا لو كانت هي رابطة زنجية مزعومة أو مسألة جنس حامي هنا وهناك على رطانة وزعم أنثربولوجيين مشبوهين.quot;.. أعتقد أن أدول انشغل بالرد على زملائه من الكتاب النوبيين يحي مختار وإدريس علي وحسن نور وإبراهيم شعراوي وغيرهم، ولم يعر اهتماماً لقراءة ما كتبه السيد بهاء أو لم يفهم بعض عبارات بهاء.
وهنا سأحاول التوضيح للسيد بهاء طاهر، وأعتقد أنه بعيد تماماً عن مجال الأنثربولوجي وعلم اللسانيات (رغم علمي أنه درس التاريخ) إذا اعتبر أن النوبيين (حاميين) باللون، ويجب أن يدرك أن النوبيين أفارقة ولكن ليس كل الأفارقة نوبيين، ويجهل أن هناك في إفريقيا لغات سامية مثل اللغة الأمهرية في أثيوبيا (والتي كانت تتقنها حتى الملكة المصرية كليوباترا)، أما اللغة النوبية وليست (الرطانة) كما سماها السيد بهاء ويسميها آخرون كثر، وإن كانت قد فقدت أهم مقوماتها وهي التدوين في فترة ما، (يحاول الكثيرون الآن إحياء حروفها والكتابة بها بعد جهود المرحوم د. مختار خليل كبارة، وقبله آخرون من أمثال المرحوم محمد متولي بدر، وتبني مركز الدراسات النوبية لمشروعه)، فهي لغة سامية أيضاً. وحينما يحاول أدول أن يربط النوبيين ومصر بإفريقيا يمكن أن نقبل ذلك جغرافياً وبحكم المصالح المشتركة أما تاريخياً فلا يمكن إثبات ذلك حيث أن الحضارة النوبية أو المصرية ليست زنجية وحاول الكثيرون ربط الحضارتين بإفريقيا من قبل كالمؤرخ السنغالي أنتا ديوب الذي حاول إثبات ذلك ولكن محاولاته فشلت تاريخياً وأثرياً، ولا يمكن تشبيه القبائل النوبية بتلك الزنجية كالتوتسي والهوتو في بورندي ورواندا، أو الزولو في جنوب إفريقيا، أو حتى الدينكا والشلك والنوير في جنوب السودان.
وهنا على السيد بهاء أن يرجع إلى كتب وأبحاث المختصين في الأنثربولوجي ليتأكد من عدم وجود مزاعم مشبوهة في الحضارة النوبية، وكأمثلة للكتب: Egypt in Nubia لـ Walter Emry أو Egyptian Nubians: Resettlement and years of coping لـ Hussein Fahim أو Nubians in Egypt: Peaceful people لـ Robert Fernea.. وهناك الكثير..
وكلي ثقة أن السيد بهاء لن يجد هذه الكتب والدراسات وسط العناوين الغريبة التي تعج بها مكتبات القاهرة (والتي تنم عن ذوق الكتاب والمتلقين معاً).
سأعود هنا إلى مقدمة مقال السيد بهاء حيث يقول quot;أما أن للنوبيين مظالم حقيقية وشكوى فهذا صحيح.quot; شكراً سيدي، ولكنك ساويت بين مظالم النوبيين ومظالم سكان حي عشوائي في القاهرة (بولاق الدكرور)، ويا لسوء المقارنة. لن أعيد هنا ذكر ما تكبده النوبيون وتضحياتهم لصالح بلدهم مصر، لأن الكل يعلم ذلك. ولكنني سأقتبس من مقدمة كتيب بعنوان: quot;تهجير أهالي النوبةquot; من إعداد وزارة الشؤون الإجتماعية والعمل ndash; إدارة المعلومات والعلاقات العامة كتبتها وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل حينذاك د. حكمت أبوزيد حيث قالت: quot;إن الخير الذي سيعم على أبناء النوبة سيكون الخير الكثير، لأنه سيجمع شمل أبناء النوبة جميعاً على الأسس الصحيحة لبناء مجتمع قوي سليم.quot; وأضافت: quot;إننا نعتقد أن عملية التهجير من هذا المكان ستكون عملية منظمة ومريحة ومركزة وستنتقلون من هذه القرى التي عشتم فيها إلى منطقة جديدة تشعرون فيها بالسعادة والرخاء.quot; (ولقد ثبت بعدها كذب كل حرف من هذه الكلمات).. إن مثل هذه الأكاذيب من المسؤولين هي السبب المباشر الذي جعل بعض النوبيين ناقمين ويصلون إلى مرحلة صعبة من الإساءة حتى إلى قادة الوطن.. إن التخبط الذي حدث أثناء عملية التهجير، وسوء الإدارة والتخطيط، والتوقيع على القرارات دون متابعة يتحمل وزرها كل المسؤولين آنذاك، وخاصة وزيرة الشؤون الإجتماعية والعمل التي مارست سياسة الشعارات الزائفة ونقلت معلومات غير دقيقة للقيادات مع زيارتها الشهيرة للمنطقة قبل التهجير وأثناء عملية التهجير.
أما حجاج أدول فقد انتهز فرصة الرد ليصب جام غضبه على زملائه الكتاب النوبيين موضحاً أنه الوحيد الباكي على حقوق النوبيين ومصالحهم والآخرون ليسوا كذلك. واحترنا معه لأنه يعيد نفسه وما قاله في كل مقالة. والشيء الجديد هنا أنه ركز على موضوع حصوله على جائزة ساويرس ولا أدري أية قيمة أدبية لهذه الجائرة؟ ربما كانت هناك قيمة مادية.. ولا أود لكتابنا أن يكونوا كسيارات الأجرة أو الهواتف النقالة التي تعمل ببطاقات مسبقة الدفع بعد تلقيهم لمثل هكذا جوائز..
وللعلم أن المؤسسة المذكورة والتي منحت لحجاج أدول الجائزة هي نفس المؤسسة التي دعمت رحلة فرقة مصرية فنية اسمها (فوانيس مصر) إلى واشنطن العام الماضي وكانت تضم ممثلين عن كافة ألوان طيف الشعب المصري للتوضيح على لحمة ووحدة الصف عند المصريين وأقامت حفلتين في واشنطن في جامعة جورج واشنطن ومركز كينيدي وكان من ضمن الفرقة من يمثل النوبيين وفي نشرة التعريف التي وزعت عرف منظموا الحفل النوبيين بالتالي: quot;هؤلاء هم ممثلي الأفارقة السود في مصر، ويعكس الفن النوبي أنواع كثيرة من شمال ووسط إفريقيا.quot; وأعتقد أن حجاج لم يقرأ مثل هكذا تعريف وهو الذي يتباكى بالعنصرية والاضطهاد ضد النوبيين في بلدهم ويقبل الجوائز ممن يعرّفونهم بهكذا تعريف!!!!! وكما قلت للسيد بهاء فإننا أفارقة ولكن ليس كل الأفارقة نوبيين وإننا لا نمثل أحداً في بلدنا ولا أدري كيف يكون صاحب المنزل ممثلاً لغيره في بيته؟!!!
تلك الجولة للفرقة كانت قبل قبول حجاج لجائزته وقبل رحلته إلى واشنطن لإلقاء كلمة في مؤتمر quot;الأقباطquot; أو quot;الأقلياتquot; أياً كانت التسمية (وللعلم لم نسمع نحن في واشنطن عن هذا المؤتمر ولا عن كلمة حجاج أدول فيه إلا بعد قراءتنا لبعض ما جاء في وسائل الإعلام المصرية).. وأرجو هنا ألا يصنفني حجاج ضمن قائمة quot;طالبي الشهرة أو الجماعات الحاقدةquot;..
وأما عن إشارة السيد بهاء إلى موضوع quot;بيت النيلquot; ودعوة حجاج أدول فإن ذلك مجرد كلام غير موجود على الواقع العملي وهي كأحلام الوحدة التي أشار إليها السيد بهاء!!
وعن مشروع آلون ndash; بيريز فكفانا تعليق مشاكلنا الخاصة على شماعة ونظرية المؤامرة لأننا سئمنا ذلك.. وبدلاً من إتهام الآخرين (والإشارة إلى أمريكا وإسرائيل حتى وإن انفجر أنبوب مياه في محافظة قنا) من الأحرى إصلاح داخلنا وأنفسنا.
وفي النهاية سأختتم بما قاله السيد بهاء بأن أبناء النوبة بمثقفيها وسائر طوائفها أشد الجميع حرصاً على وحدة الوطن وسلامته.. وأضيف أن هناك فارق كبير بين الإثارة والإتزان.
وأخيراً أشير إلى تقديم الصحيفة للمقالين حيث قالت تحت عنوان quot;قبل أن تقرأquot; quot;أن على الرأي العام أن يطلع على وجهتي النظر وأن يحكم بنفسه في هذه القضية الخطيرة التي تمس وحدة ومستقبل البلاد.quot; وكأن كلمة من حجاج أدول في اجتماع غير ذي معنى أو مقال له في صحيفة، وآخر من بهاء طاهر سيهدد وحدة البلاد. إذا كنا بهذه الهشاشة كوطن فعلى الوطن السلام.

حسن فهمي رشوان