بعد اكثر من اربعة اشهر على خروج الشعب لانتخابات ظن انها خلاصه من المحن المتوالية، انعقد مجلس النواب في جلسة كاملة بعد ان عُلقت الجلسة الاولى لمدة شهر كامل. وبعد سجالات كثيرة، واخذ ورد، وشد وجذب، تم اعادة انتخاب طالباني رئيسا للبلاد، مع نائبيه السني والشيعي، وانتخاب رئيس البرلمان سنيا بنائبين شيعي وكردي، وتسمية رئيس الوزراء الشيعي الذي عليه الان ان يشكل (حكومة الوحدة الوطنية) المرتجاة خلال اقل من ثلاثين يوما ليعرضها على البرلمان للمصادقة، او في حالة فشله في ذلك، يصار الى تسمية مرشح آخر خلال خمسة عشر يوما.
وربما عتب عليّ البعض استخدامي وصف الطوائف بدلا من الخطاب الوطني الموحد، واعتبار الكل متساوون في الحقوق والواجبات طالما كانوا منتمين لتربة هذا الوطن العزيز. وذلك صحيح تماما، لولا ان الاحزاب السياسية وممثلو الشعب في البرلمان لا ينفكون لحظة في تذكيرنا به. وهو واقع ان اغمضنا اعيينا عليه فلن نجني سوى المزيد من الجهل. هذا الواقع ربما لم يكن ملموسا بشدة تحت حكم الطائفة الواحدة، ويأس الطوائف الاخرى من امكانية المشاركة الحقيقية خلال فترة عقود من الزمن. لكن اليوم اختلف الوضع، واصبحت نتائج الانتخابات اوضح بيان على التوزيع الطائفي والقومي مقابل الانتماء للعقيدة الوطنية.
ولعل هذا هو بالضبط ما سيواجهه جواد المالكي في مسعاه لتشكيل الحكومة. وهي لن تكون سوى حكومة استحقاقات انتخابية وان غـُلفت بعبارات الوحدة الوطنية، والمشاركة الجماعية، وغيرها. والحق ان ذلك هو روح الديمقراطية من بعض الوجوه، وهو تحقيق لمباديء العدالة والمساواة. ولكن توزيع المناصب القيادية يجب ان لا يخضع لقواعد الاستحقاق الانتخابي بشكل صارم. فإلى جانب ذلك يجب ان تتوفر عناصر الموازنة الطبيعية للمنصب، وهي الاستحقاق الشخصي، اي كفاءة صاحب المنصب، بالاضافة الى الاستحقاق الوطني، وهو انتماء المرشح الى الوطن قبل انتمائه الى طائفة او عرق او مدينة. بل ان انتماءه للوطن يجب ان يقدم على الانتماء للحزب الذي جاء به الى السلطة.
وما سيواجهه المالكي لن يكون سهلا بالمرة. فهو عليه ان يوفر متطلبات الاستحقاقات الثلاثة في حكومته ليضمن مرورها في مجلس النواب وقبولها شعبيا، والاهم من ذلك امكانية استمرارها. ولكي يستحصل موافقة مجلس النواب على تلك الحكومة فمن الواضح ان على المالكي ان يعطي كل كتلة في البرلمان (حصة). واذا قيل ان تلك محاصصة مرفوضة، قلنا اصبح هذا الكلام قديم، وصار اسم المحاصصة الان (الاستحقاق الانتخابي). ونظرة على توزيع المقاعد البرلمانية بين الكتل، تعطي لمحة على طبيعة توزيع الحقائب الوزراية المقبلة. لقد حصل حزب الدعوة والتيار الصدري على منصب رئيس الوزراء، ولهذا فمن المستبعد ان يحصل اي منهما على اية وزراة (سيادية). في المقابل فان المجلس الاعلى سوف يصر على الاحتفاظ بوزارة الداخلية. والكتل خارج الائتلاف سوف تطالب بجميع الوزارت السيادية، بضمنها الداخلية. وستكون العقبة الاشد هو كيفية اقناع المجلس الاعلى للتنازل عنها، او اقناع الكتل الاخرى بالعدول عن هذه المطالبة. قد يحتفظ التحالف الكردستاني بوزارة الخارجية، لتتأكد القاعدة التي تقول ان العراق بلد عربي يمثله الاكراد والا فانهم سينفصلون لانهم لم يحصلوا على حقوقهم في وطنهم الكبير.
اما وزارة الدفاع فستكون عقدة هي الاخرى. فالسنة العرب قد يرغبون في الحصول عليها، ولكن لانها تعمل بشكل مستمر تحت مظلة القوات متعددة الجنسيات، فهي ليست (سيادية) بالقدر الكافي. كما ان الاحزاب الشيعية لم تكن يوما مهتمة بها لانها في نهاية الامر ربما الوزارة الوحيدة الاحترافية، والتي بقي منتسبوها خارج دائرة الاحزاب والتناحر الطائفي والعرقي. وفي حالة فشل الاحزاب السنية في الحصول على الداخلية، فليس من المستبعد ان تحصل على وزراة الدفاع مع رزمة من الوزارات، السيادية وغيرها. وقد يضطر المجلس الاعلى في سبيل احتفاظه بالداخلية الى تسيلم وزارتي المالية والنفط الى السنة ربما بالاضافة الى الدفاع، ليكون اكبر ثمن يدفع مقابل وزارة واحدة.
بقي ان هناك قوائم شيعية وسنية وكردية غردت خارج سربها. فالقائمة العراقية، وقائمة الحوار الوطني، والاسلامي الكردستاني ليست معبرة بالضرورة عن نفس توجهات الطوائف التي تنتمي اليها. وتلك قد تحصل على وزراة هنا او هناك، ولكن من الصعب الاعتقاد ان ايا منها سوف يحصل على وزارة مهمة. ولكن اذا حافظ السنة على حلفهم مع علاوي، فربما سيكون هو، او احد المرشحين عن قائمته، وزيرا للداخلية. اما الاقليات التركمانية والمسيحية والايزيدية وغيرها، فسوف تبقى في موقف المتفرج على الاغلب.
علاء غزالة
التعليقات