ما نلاحظه من الادارات الأمريكية، انها لا تتحرك لتنشيط عملية السلام بين العرب واسرائيل الا فى مراحل استراتيجية هامة بالنسبة للامريكيين، فبعيد حرب الخليج الثانية تحركت لعقد مؤتمر مدريد الذى شهدنا فى أعقابه اتفاق اوسلو بين الاسرائيليين والفلسطينيين عقب محادثات سرية مطولة فى اوسلو والذى نشأت بمقتضاه السلطة الفلسطينية الحالية والحكومة الفلسطينية التى تترأسها حماس وللمفارقة فهى ترفض اتفاقيات اوسلو! وشهدنا فى اعقاب الغزو الأمريكى للعراق وعد بوش بانشاء دولة فلسطينية قابلة للحياة وشهدنا خارطة الطريق التى تبنتها الدول الكبرى والامم المتحدة والتى تعثرت بفعل التعنت الاسرائيلى. وفى اعقاب التورط الأمريكى فى العراق ونشوء التهديد الايرانى الذى يطرح مشروعا ايرانيا مضادا للمشروع الامريكى عبر عن نفسه فى تحركات حركة حماس ولو أنها حركة سنية وفى تحركات حزب الله الشيعى اللبنانى الذى يتبنى بالكامل الأجندة الايرانية الى حد التسبب فى حرب تموز 2006 وتهديد السلم الأمنى فى لبنان عبر محاولة فرض شروط على الاغلبية النيابية اللبنانية وابتزازها عبر محاولةالهيمنة على الحكومة واعادة توجهات لبنان الاستراتيجية نحو المشروع الايرانى بتحالف سورى واما اثارة الاضطرابات عبر الشارع اللبنانى ولو أوصل الامور الى حد اشعال حرب أهلية رغم انه ينكر ذلك ولكن الحزب يعرف تماما ان ممارساتهفى الشارع لن توصله فى نهاية المطاف الا الى اشعال حرب اهلية لا تبقى ولا تذر وعبر كذلك اشعال حرب طائفية فى العراق ليست لتحرير العراق بقدر ما هى اضفاء الهيمنة الايرانية على العراق عبر مليشيات العنف والموت والدمار هناك.ولأن العقلاء فى واشنطن يدركون ان القضية الفلسطينية هى لب التوتر فى المنطقة، وهى السبيل لتحريك النظم العربية نحو مناهضة المشروع الايرانى مع العلم بأن ذلك ليس معناه مباركة المشروع الأمريكى، تتحدث مراكز الدراسات الأمريكية الموضوعية البعيدة نسبيا عن سطوة اللوبى اليهودى فى الولايات المتحدة عن ضرورة أن تقود الولايات المتحدة المفاوضات المتعثرة إلي مراحل جديدة في ضوء المستجدات الاقليمية يمكن من خلاله تجديد الحديث عن مشروع السلام المتكامل والنهائي بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وأنه يجب أن تشجع وتدعم إدارة بوش تطبيق خارطة الطريق، مما يؤدي إلي أن إخلاء المستوطنات وانه يجب علي إدارة بوش أن تدعو الطرفين إلي تطبيق ما تم الالتزام به فقط، بل يجب أن تساعدهم علي أن تتحول مفاوضاتهما الثنائية إلي إطار متكامل يمكن من خلاله تجديد الحديث عن مشروع السلام المتكامل والنهائي بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وترى تلك المراكز أنه يجب أن ينبثق عن الرعاية الأمريكية لعملية السلام ثلاث مهام أساسية:
1. تحديد اتجاه المفاوضات الذي يجب أن يؤدي إلي تطبيق خارطة الطريق.
2. المساعدة في عمليات إصلاح وإعادة بناء الحكومة الفلسطينية، خاصة جناحها الأمني.
3. قيادة الجهود الدولية التي من شأنها توفير مساعدات فنية ومالية للفلسطينيين.
والواقع انه قبل وصول وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس الى المنطقة فى زياراتها الأخيرة كانت الصورة قاتمة، ولكن يبدو أنهاحاولت أن تثبت خطأ هذه الرؤية.وفق رؤية مفادها أنه على الرغم من معارضة رئيس الحكومة الاسرائيلية ايهود أولمرت تقديم أي تنازلات إلا أنه أكد التزامه باستئناف محادثات السلام، المتوقفة حاليا، وفقا لخارطة الطريق. وعلى الجانب الآخر، فان الرئيس الفلسطيني محمود عباس بدا حازما في وجه العنف، وبدا مستعدا للمضي قدما في خطط إجراء انتخابات مبكرة في وقت تشير فيه استطلاعات الرأي إلى أن حماس قد تخرج من الحكومة.
ولكن لا سبيل الى انكار حقيقة أن هناك شكوكا قوية لدى العرب فى المسعى الامريكى الجديد، ليس فقط لأنه لا جديد فيه تماما، بل لأن هدف الادارة الامريكية الرئيسي من المبادرة ليس فلسطيين واسرائيل بل العراق. فتلك الادارة تسعى إلى حشد تأييد الأنظمة السنية في مصر والأردن والخليج وراء السياسة الجديدة للرئيس بوش في العراق ولهجته التي تميل للمواجهة أكثر مع إيران. كما ان المشكلة انه على عكس ما كان يزعمه الاسرائيلى انه لا يجد شريكا للسلام من بين الفلسطينيين فان الوضعية الحاليةعكس ذلم تماما فالرئيس الفلسطينى محمود عباس قد لا يجد شريكا اسرائيليا قادرا على التفاوض بجدية وتقديم الحلول والتنازلات نظرا لاحتمال فقدان رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت لمنصبه بعد ما تعرض له من فضائح مع البنوك في إسرائيل وبعد استقالة رئيس أركان الجيش والمطالبة بازاحة زعيم حزب العمل عمير بيرتس عن وزارة الدفاع وهو ما سيؤدي إلى شيوع مناخ من الفوضى السياسية في إسرائيل مما سيحرم الفلسطينيين من شريك.
ورغم كل تلك الظروف غير المواتية، يأمل العرب أن يلتزم الامريكى هذه المرة بخطوات حاسمة لانشاء الدولة الفلسطينية وفق حدود امنة ومستقرة ودائمة وان يلزموا الاسرائيلى بتعديل توجهاتهم التوسعية والقمعية والاستعلائية من اجل الاستقرار فى هذه المنطقة الهامة والحساسة من العالم.
د. عبدالعظيم محمود حتفى
خبير الدراسات الاستراتيجية مدير مركز الكنانة للبحوث والدراسات القاهرة
التعليقات